حسام كصاي
الحوار المتمدن-العدد: 4550 - 2014 / 8 / 21 - 08:42
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
من المعلوم والمُسَلم به إن التداول السلمي للسلطة واحد من أهم مبادئ الديمقراطية, وركيزة أساسية, وأس حقيقي للدولة المدنية الديمقراطية, وهو ثمرة المعاصرة والحداثة والتحديث السياسي للبنى والمؤسسات السياسية والدستورية, مرتبط بشكل أو بأخر بموضوع احترام رأي الشعب وقراره الانتخابي.
لكن هل حقق هذا المبدأ شروطه في العالم العربي بعد موجة الإسلام السياسي وصعود الدين كحركة إسلامية, كيف لا والديمقراطية التي تتبناها الحركات الإسلامية (السنية والشيعية) لا تعدو ان تكون ديمقراطية للمرة الواحدة فقط, فهي مجرد أي الديمقراطية "شيفرة جوليت" لا تصلح للاستخدام إلا مرة واحدة اعتقاداً منهم بإنها قد تسبب ميكروبات وتلوث في الجسد والعقل العربي فيما أُعيد استعمالها مره أخرى, فهم يرون ان الديمقراطية قد تكون عدوى تنقل مرض خبيث إلى مفاصل الحياة المجتمعية.
لهذا فأن عموم الحركات الإسلامية أبدلت مبادئ الديمقراطية وتلاعبت بقيمها وثوابتها تماشياً مع المصلحة السياسية الحزبية للحركة أو الحزب لا لصالح الأمة والشعب, إيماناً منها بضرورة الأستبداد من باب الطاعة الجبرية للحاكم وإن كان قامعاً للحريات ومستبداً بالحكم, حيث أستبدلت مبدأ المواطنة بمبدأ المواطفة (الطائفية والمذهبية), والتعددية الدينية والعرقية بالآحادية الحزبية والمذهبية وفق سيَّاقات التهميش والإقصاء, وإلغاء الأخر المُختلف عن الأنا, ووضعت مبدأ التداول العنفي للسلطة كمقابل وبديل لمبدأ التداول السلمي, حيث إن الحركات الإسلامية معروف عنها إنها حركات راديكالية عنفوية متطرّفة تنشد الإستخدام السيء للقوة من أجل الحفاظ على السلطة والتمسك بكراسيها ومناصبها, فمارست التمييز والعنصرية والتفرقة كخيار ثانوي بديل للعدالة الإجتماعية, فما كانت حكم الشعب بالشعب, إلا مقولة وعبارة ساذجة وكاذبة أخفت ورائها دواع ورغبات مريضة, وإنما حكم الشعب بقانون الطوارئ والقمع واستعمال هراوات الموت وآلات التعذيب ذي التقنية العالية الجودة (!) هي الأصلح للتعامل مع المواطنين في البيئة العربية, فخلقت مجتمع غير سوي, سياسياً وأجتماعياً, وأقتصادياً منقسم على بعضه فئة تمتاز بغنى فاحش, وأخرى تمتاز بقفر مدقع, ظناً منها إن الديمقراطية هي أسم وقول دون فعل, وإنها وفق المنظور الإسلاموي المتشدد ليست إلا انتخابات برلمانية تشريعية فقط لا غير, فالحركات الإسلامية لا تعرف من الديمقراطية إلا الإنتخابات بإعتبارها اهم مراحل الديمقراطية, بالوقت الذي لم تكن الإنتخابات إلا اخر مراحل الديمقراطية.
وفي قراءة للتجارب ديمقراطية في دول الإسلام السياسي والحركات الدينية التي مارست العمل الديمقراطي, أو أدعت إنها مارست الفعل الديمقراطي نجد إن المسيرة الديمقراطية في دولة الحركات الإسلامية مسيرة مُخجلة وتاريخ مثير للأسف والدهشه, وأكثر مثير للغرابة والتخوّف من مستقبل الديمقراطية في الوطن العربي, إذ لم تكن الديمقراطية في نظر الإسلاميين _ والعلمانيين حتى _ أكثر من كونها قميص عثمان, يقتلونها ويطالبون بالثأر لها, وهذا هو شبه المنطق العام للدول العربية ذات المرجعيات الدينية المُبطنة بفراء السياسة, وهو ما ينطبق عليها القول العربي الشهير, "يقتل القتيل ويمشي في جنازته" (!), ففي مصر رفض الأخوان التخلي عن السلطة رغم ما مورس من قمع وتشرد واضطهاد وتهميش وإقصاء للتيارات السياسية ورغم التظاهرات المليونية المطالبة بتنحي محمد مرسي إلا إنه رفض ذلك العرض واستمر ببطشه, وجنونه الديني كون الإخوان, كحركة سياسية يؤمنون بديمقراطية المرة الواحدة فقط, والحال نفسه في تونس التي بقي الشيخ الغنوشي مرابطاً على الكرسي برغم الاحتجاجات والمطالبات الشعبية, والحال في العراق حيث رفض السيد المالكي بإنتقال السلطة للفائز الاول في انتخابات 2010 السيد اياد علاوي, وكرر الرفض في انتخابات 2014 من تمسكه بالكرسي إلا بعد قرار أمريكي بتنحيه بالقوة بالوقت الذي دعا أنصاره للنزول إلى الشارع وممارسة الطش والعنف ضد معارضيه, لكن الأمر لم يدوم طويلاً, إذ جاء رفض المالكي هذه المرة من أقرب المقربين له, من داخل حزبه ومن داحل التحالف الوطني الذي ينتمي إليه كتحالف إنتخابي, وهذا هو التداول العنفي للسلطة في منظور الحركات الإسلامية التي تمارس العمل لسياسي, وهو دليل على شيئية الديمقراطية التي انتكست راياتها مقابل رايات الإسلام السياسي المرفوعة فوق المبان والمقار الحزبية الأمر الذي أثار المخاوف من الإسلاميين أكثر مما أثار مخاوف العلمانيين في مرحلة زمنية سابقة.
ما نود قوله إن الديمقراطية في خطر, وفي مكيدة كبرى, في ظل الصعود السياسي المبهر للحركات الإسلامية, وإن لا مستقبل لها أمام تنامي قوة ونفوذ الإستبداد الديني إلى جانب الإستبداد السياسي, بل إنها غدت حجة مُلقاة على الخصم السياسي والديني للجماعات الأخرى, فصارت أغلب حركات الإسلام السياسي تمتثل للديمقراطية وتدافع عنها من خلال التظاهر بالديمقراطية الديكورية أو الشكلية, التي هددت مستقبل الديمقراطية بدرجة لا تقل إن لم تفوق الاستبداد والدكتاتورية والقمع والتسلط, فكل ما تعيشه البلدان العربية اليوم في ظل الظروف الطارئة والغامضة هو تداول عنفي للسلطة وإضطهاد وحكم فردي (مونوقراطي) متغطرس يرفض التعددية, ويمارس أبشع صور الأستبداد والدكتاتورية لكن بعناوين ديمقراطية!
#حسام_كصاي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟