حسام كصاي
الحوار المتمدن-العدد: 4536 - 2014 / 8 / 7 - 02:46
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عندما بدأ الإسلام العقيدة (الدين) يتحوّل الى الإسلام السياسي (الأيديولوجيا) عمد بعض المسلمين على تفسير النصوص الدينية حسب أدلجتهم الخاصة وانتزاع آيات من سياقها النصي والتاريخي لتسويغها حسب أهواءهم وميولهم الحزبية والفردية, بناءاً واتساقاً مع تأويلات وتفاسير دينية تعبر عن وجه نظر أصحابها, دون أن تكون إجماعاً فقهياً على تلك المسائل المطروحة للتأويل.
ومذ ذلك الانعطاف التاريخي بدأ الإسلام يأخذ منحى أخر ويتعرض لحملة تشويه شرسة لم تبدأ اليوم ولم تكن وليدة المفاجئات الحاصلة في موازين القوى العربية السياسية الداخلية, بقدر ما انبعثت سياسياً آبان بروز الخوارج كأول حزب سياسي _ ديني في الإسلام, وصارت التأويلات في كثير منها للتنزيل تأخذ وتتماشى مع مصالح حزبية وأخرى شخصانية, قد تكون بعيد عن واقع الإسلام والجغرافيا التي استنبت بذور قيمهُ وتعاليمه فيها, لكنها أقرب لمراميهم السياسية المبطنة بلحية وعمامة شيوخ المودرن الذين انهالوا كالسيّل الجارف وهم يجردون تعاليم الإسلام من قيم السماحة والأخوة الإنسانية, ومن الوسطية التي هي قوام ومرتكز الإسلام الدين, بوعيٍ أو بدون وعي, فهم بالنهاية صبو الزيت على المحرقة, فصارت دار العرب هولوكوست من القتل والتعذيب على الهوية باسم الرب والمقدّس.
فلم يعد الإنسان العربي يُنظر إليه كانسان له حق التعايش مع الأخرين من خلال إتاحة المساحة الرحبة من الممارسة الفعلية للحقوق والحريات العامة التي كفلها الإسلام في دستوره العالمي القرآن الكريم, بل صار الإنسان في السيّاق العربي الإسلامي لا يعدو أن يكون مختبر لفحص صلاحية وسائل التعذيب (!), وميدان رمي تُجرب به فاعلية الأسلحة بكل تنوعاتها(!!), الأمر الذي أفقدهُ سموه وأي قيمة معنوية أو مادية في ظل تزاحم التفسيرات الدينية (المؤدلجة) للنصوص الدينية, لشيوخ مودرن (رجال الدين الجُدد) لا يحملون إلا عين واحدة, كموشيه دايان, ولا يبصرون الحياة المعاصرة وتطلعاتها, بقدر ما يرون مصالحهم ومن يقف ورائها (محلي أو أجنبي) وما يتمخض عن تلك التأويلات التي ردت الإيمان إلى الأعقاب بطروحاتها المصاحبة للراديكالية الغربية وهي تضرب بقيم الوسطية الإسلامية بعرض الحائط.
والمؤسف إن تفسيرات شيوخ المودرن بشتى ألوان عمائمهم, ومنابرهم, لم يقرأوا الواقع بذلك الفقه المتنور, وإنما اعتمدوا تفسيرات لشيوخ وعلماء القرون الوسطى, دون أن يعودوا إلى الواقع اليوم وهم يحملون تلك الفتاوى بورقٍ أصفر كتدليل على قدامْتهُ (!), فالفتنة الكبرى (بين الصحابة) لم تترك مجالاً لقبول الاختلاف الفقهي بين العرب كمسلمين (سُنة وشيّعة) لمرحلة ما بعد القرن الحادي والعشرين, وإن إنبعاث الإسلام سياسياً على يد جماعات خسرت معركة الدين ثقافياً, وخسرت معركة السياسية, ومعركة المجتمع, فسقط اجتماعيا, وراحت تبحث عن بروز سياسي لها يُعيد لها مكانتها التي خسرتها في معارك عدة, وهذه النظرة الخوارجية للإسلام هي التي حولته من عقيدة دينية إلى عقيدة سياسية بكل ما تعنيه السياسة من تردي أخلاقي وقيمي, أضرت به كدين قبل أن تضر بالبشر كمسلمين, فالجزء الأكبر من مأساة العرب اليوم يتمحور حول قضية التأويل والتنزيل, وإن الإنبعاث السياسي للإسلام عقد المسألة أكثر خصوصاً بعد إحتكار شيوخ المودرن للتفسير الديني للنص وإدعائهم بأنهم نواب الرب في الأرض, والناطقين باسم السماء, وهو ما جعل تفسيراتهم البشرية مُقدمة على التنزيل الرباني من حيث الأهمية والمكانة في نفوس مريديهم ومحاسيبهم المأسوف عليهم (!), إذ إن التدليل الأيديولوجي للتفسيرات النصية لم يقتص أو يُجرم أو يُكفر عامة الناس وحسب, بقدر ما أبتدأ برأس العرب وجماجم الإسلام, إذ مس التطرّف الديني في التأويل إلى تجريم الخليفة عثمان بن عفان, وقتل الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنهم) ولامس كثير من زعامات وعظماء التاريخ العربي الإسلامي.
حيث كُفر عثمان بن عفان بأستعمال الآية (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) في حين كُفر علي باستعمال الاية الكريمة (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) وان الخليفة عثمان قتل باستعمال النص الديني كمبرر شرعي لتكفيره, واستخدمت الاية الكريمة ضد الامام علي كمسوغ ديني لتكفيره , فكيف لا يُستخدم النص الديني ذاته أو غيره في قتل وترويع الناس في العراق وسوريا ومصر وتونس وكل البلدان العربية دون إستثناء, خصوصاً بعد الصعود السياسي المُبهر والمفاجئ لحركات الإسلام السياسي بعد مرحلة ثورات الربيع العربي التي بدأت بربيع عربي وأنتهت بخريف إسلامي, الذي وضع الثروة والنفوذ والمال القوي بيد تلك الجماعات وتوظيفه بما يتسق مع طروحاتها السياسية الحال الذي فضح كل إدعاءتها وشعارية تفسيراتها للنصوص الدينية.
إذ إنْ جميع الحركات الاسلامية المُنشغلة والمهتمة بالشأن السياسي ظلت ترفع شعار الإسلام هو الحل, وتتخفى ورائه وتنادي بعودة الخلافة الإسلامية ليكون يافطة على مقراتها الحزبية وفروعها, .. لكن نتسأءل اليوم اين هو ذلك الشعار منذ أحدى عشر عاماً على إسقاط نظام مارس العلمانية صراحة _ رغم انه لعب بورقة الدين لقضايا ومرام سياسية دللت على فشله السياسي والامني _, في عراق ما قبل 2003, وأخر سقط مذ أكثر من ثلاث سنوات في مصر, وشبيه علماني أخر سقط في فخ الثورة في تونس, وثالث سقط بيد الإسلاميين في ليبيا وقيام نظام الحكومات الإسلامية (دول العمائم) فهل تحوّل الإسلام الى حل كما ردّدوا من هتافات له, وهل عادوا الى الخلافة أم الى الخلاف والاختلاف الحاد وغير المجدي!!
إن الإسلام بلا شك هو الحل, ولن يكون غير ذلك, لكن ليس كما يريده "شيوخ المودرن" المصطفين وراء طوائفهم أحزابهم الدينية الذين جعلوا منه مشكلة يعاني منها المحكومين (أفراداً وجماعات), لكن هل هناك إسلام حقيقي والمسلم يغتال اخيه المسلم لمجرد الاختلاف الفقهي بينهما, على نص ديني, وهدم الكعبة أهون على نبي الرحمة من قتل أمرءٍ, .. وهل الإسلام دين عنفي كما أرادت الأدارة الأأمريكية أنْ تصوره للعالم وتشويه تلك الصورة بعد أحداث الحادي عشر/ايلول 2001.
إن الإسلام الحقيقي وقف عصياً من الاختراق الماسوني العولمي, لكن تلك المحاولات لم تنته, فنجح الغرب بمسألتين الأولى: اختلاق خصم ند للحضارة الغربية يضفون عليه مسميات الأرهاب والعنف والفوضى وهو ما أسماه صموئيل هنتمغتون بـ"الخطر الأخضر", الثانية: أوجد جماعات الإسلام السياسي وتغذيتها بمغذّي العنف والتكفير لتكون للإعلام العالمي والرآي العام انها هي الإسلام ذاته, ومن ثم ضرب الإسلام في عقر داره, وفي مضجعه, وفق آليات الضد النوعي, ونجحت بذلك, حتى أصبح المشروع الحضاري الإسلامي الذي تنادي حركات الإسلام السياسي غير مرحب به وغير مقبول على ارض الواقع, لأنه مشروع لا يمثل إلا اقلية بشرية تدعو للتطرف والعنف تجاوزاً وتحايلاً على ثوابت الإسلام وقيم التسامح الروحي والأخلاقي, فيقول علي حرب في مؤلفه "تواطؤ الأضداد": هل نأمل بعد بحل إسلامي بعد حرب الجوامع والمراقد في العراق التي هي فضيحة لهذا المشروع وأكذوبته, وان المشروع الإسلاموي _ الذي عبأ افكاره المنشط الأمريكي _ فقد مصداقيته على ارض الواقع وفي ضوء التجارب المريرة وتحوّل الى مشروع مقاولة ربحية تريد التعويض بهذا التخريب الوصول الى السلطة والهيمنة والنفوذ.
فمن اوصل العرب إلى هذه النهاية المريرة من حربٍ طائفية في بغداد, وأخرى في سوريا, وأجتياح صهيوني لغزة, وتوغل في مصر, ومعارك طاحنه في ليبيا, وأخرى تقابلها في اليمن, وزعزعه استقرار في تونس, وإضطرابات في الجزائر والمغرب, هم شيوخ المودرن (المُعممْين الجُدد) الذين تمسكوا بالثانويات والشكليات, وتركوا المضامين والأساسيات في الدين الإسلامي, قلدوا الإسلام مظهراً فضاً, ولم يُغيروا ما في ذاتهم من غلٍ وضغينة وكراهية, والله لا يغيروا ما بقومٍ حتى يُغيروا ما بأنفسهم, فما كانت حتميتنا إلا الإنهيار التام لمنظومة القيم والأخلاق, فالعراق والعالم العربي لم يعاني من أزمة دين أو سياسة, وإنما يعاني من أزمة أخلاق أصلتّها تفسيرات رجال الدين المودرن وفتاواهم المُعلبة والوافدة إلينا من خارج الجغرافيا العربية!
#حسام_كصاي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟