حسام كصاي
الحوار المتمدن-العدد: 4527 - 2014 / 7 / 29 - 14:50
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الطائفة الإنسانية
لماذا نكتب عن الطائفية
عندما نكتب ونتحدث عن انساق الطائفية والعنف والإرهاب فهذا لا يعني إننا نُروج لبضاعة الطائفية أو نتاجر بقيمها السلبية, أو نُريد تكوين إجماع أقلوي ولحمة مذهبية ضيقة, أو البحث عن أصطفاف هزيل لفئة قليلة متحزبة باسم الدين ومارقة باسم الطائفة, ولا حتى السعي من وراء ذلك إننا نُريد تأسيس دولة طوائف ممزقة, كما إننا لا نتحدث عن الطائفية لإمتلاكنا قناعة إننا ندافع عن طوائفنا على حساب الطوائف الأخرى, أو إننا نُريد شحن الهمم النفسية من أجل التجمهر حول طائفةٍ ما, أنا بصفتي كاتب وباحث في المضمار الطائفي, أعلن عن طائفتي الإرهابية وأعلن إنتمائي لها للعلان دون خوفٍ أو تردد, وأعترف بأني ملطخة يداي بأثامها, وإني سأدافع عن طائفتي حد الأقتتال, وأعتقد إنْ طائفتي هي الطائفة الغالبة والفرقة الناجية وهي حزب الله والغير هم حزب الشياطين الملثمين, وأعترف بتمويل الخارج لطائفتي, ووقوف أصابع خفية ورائي, وطائفتي تلك التي أقاتل وأجاهد من أجلها هي "الطائفة الإنسانية" التي تبحث عن مجتمع إنساني معرفي تسوده ثقافة الرحمة والإخوة والمودة, وتتخلله قيم الحداثة والتحديث التي تحافظ على الثوابت الدينية والموروث القومي للأمة, كقناعة تامة منا بإن الحفاظ على الثوابت الدينية والقومية لا يعني ممارستنا للطائفية, كما إنْ التخلي عن تلك الثوابت هي ليس تحقيقاً لهدف المواطنة, فالمسألة نسبية غير مطلقة, وإن الثوابت الدينية ليست بالضرورة أنْ تكون مُصانة في بلدها الأم العرب (بالنسبة للإسلام) بدليل إن المسلمين في أوروبا هم أكثر حرية في التعبد وصون حرياتهم الدينية قياساً بأقرانهم (المسلمين) في أسيا وأفريقيا موطن الإسلام وحصنه الحصين, والأنكى من ذلك إن (الإسلام العربي) أو الإسلام في الوطن العربي هو أكثر جغرافيات الإسلام تراجعاً وتردياً بسبب تنامي الراديكالية الدينية بفعل "شيوخ المودرن" الذين أطاحوا بمكانة العقل, وأسسوا نظرياتهم الدينية بناءاً على تصورات يشوبها نوع من الغبن واللغط وعدم الجدية في مراجعتها أو نقد أولئك المودرن لأنهم اكتسبوا قداسة من زعماتهم الحزبية وفقاً لتآويلات نصوص تماشت تفسيراتها مع طموحاتهم السياسية والدنيوية, وهو تصور قريب من الرؤية الطائفية التي نسعى إلى هيكلتها عن طريق هيكلة تلك المؤسسة الدينية التي تمسكت بأذيال الطائفية في طريقها لشقة الأمة بين طائفتين أحداهما ناجية والأخرى هالكة, أحداهما حزب الله والأخرى حزب الشيطان بالتالي هي مفاهيم شيدت لطائفية تصارعيه بين مسلمين ومسيح, عرب وكرد, سُنة وشيعة خصوصاً في "دول الفسيفساء العربي" (المشرق وبعض دول الخليج العربي) على وجه التحديد.
انا كشخص من معشر الباحثين والمهتمين بالشأن السياسي العربي أعلن عن تأسيس "طائفة الإنسانيين" وهو حزب أخلاقي من أجل تخليص الشعوب من وباء الطائفية الشيئية التي هي دون قيم وثقافة المجتمعات المُتمْدنة, ودون شروط الإنسان السوي مهما كان لونه أو جنسه, ولا نقصد بهذا طوائفنا الدينية بما تحمله من رمزيات وروحيات خالدة في الوجدان الذاتي, بما هي الطريق المُعبد للجنة التي وعد الله بها الإنسان, وهي ثمرة جهد ذلك الإيمان المترسخ في أدبيات الضمير الإنساني للفرد, لأن الطائفة ليست هي الطائفية, فالأولى (الطائفة) إنك تنتمي لدين أو مذهب وهو حق مشروع للجميع, لكن لا يجب أن يتحول هذا المعطى إلى باطل ممنوع وهي الثانية (الطائفية) بما هي طائفية (دينية أو سياسية) مُرتهّنة بالتطرّف والعنف والتهميش وإلغاء الأخر, فالواقع والمعطى التاريخي لا يمنع أنْ تنتمي لطائفتك وتدافع عنها, لكن لا ينبغي أنْ تجعلها الطائفة المُقدّسة وغيرها المنبوذ والمُدّنس, أو أنْ تكون طائفتك هي الفرقة النْاجية وغيرها فرّق هالكة, بل يجب أنْ تكون متعصب لطائفة المثقفين والمبدعين والتنويرين, لا أنْ تكون جزء من مشروع طائفي سطحي تطرّفي هامشي إلغائي وإقصائي وعنفوي يهمش كل الطوائف والإقواميات ويختصرها في بوتقة طائفته الضآلة بالقتل والترويع والإغارة على ممتلكات الأخرين المنقولة وغير المنقولة بإعتبارها غنائم وسبايا (!), من أجل رفع سقف نفوذ طائفه بعينها.
كما يجب ألا نعطي للطائفية أكثر من حجمها, فنرتقي بها لمقام لا تستحقه ولا أنْ نقرنها ونساويها بالقماقم, والجماجم, والنفايات الملوثة, وأن نربطها بالتراجع والنكوص والتخلف والتردي والأنحطاط, فالطائفية اليوم لا تعني إلا الجهل المقدس, والضمير المثقوب, والعقل الرجعْي والكذب باسم الدين, والكذب على الدين, والمروق عليه, وجره من مقام القداسة الى قماقم السياسة, وهذه جُل إشكاليات الفكر العربي بخصوص موضوع جدّل الدين والدولة, والدين والسياسة والسلطة, والعلمانية وطرائق نظم الحكم.
وما ندعو إليه من أجل الكتابة عن الطائفية ليس إلا دعوة منا لتعرية ذلك المزيف المخبوء وراء حاجب الدين وجلباب القيم, وأن نضعه على المحك, من أجل التشفي بالطائفية كونها السم المدسوس في العسل لنجرعه ونحن جوعى للمزيد منه, .. فكتابتنا للطائفية ليس حباً بها أو إيماناً بأيديولوجيتها, وإنما من أجل هيكلتها وتشييد فوق حطامها أيديولوجية أخلاقية, أسميناها "الطائفة الإنسانية", التي هي الطائفية الإنسانية بالوقت ذاته, والتي يتساوى فيها الجميع الجميع دون تمييز أو تفرقه, وأن تكون بمثابة الأواني المستطرقة يتخذ فيها الناس دور الماء فيتساوون في أفق السطح سواءٍ بسواء, وهذا لا يتم إلا بتجريم الطائفية السياسية _ الدينية وطلاقها بما هي مسميات السُنة والشيّعة وترمْيّل قيمها الموبوءة, والإعلان عن الطائفة الإنسانية, لأن الإسلام لا يتماثل ويتكامل بالسُنة والشيّعة, وإنما يشفى ويتعافى بالإنسانية والرحمة التي أصبحت في مجتمعاتنا ضربٍ من الهرطقة واليوتيوبيا, أو نوعاً من الحنين إلى الماضي الرسوّلي, دون الوصول إليه.
فأنا لست سُني ولا شيعي, أنا مسلم أذن طائفتي هي الإنسانية التي يجب أن أجاهد إلى جانب الأخرين المتنورين من أجل نهضتها وإستعادت قيمها ومكانتها, فأنا للإنسانية طائفي وبكل تعصب!
#حسام_كصاي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟