النظريات الحديثة لدراسة علم الأديان (3)

فرج الحطاب

الحوار المتمدن-العدد: 4542 - 2014 / 8 / 13 - 01:35
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

النظريات الحديثة لدراسة علم الأديان
(3)

* فرج الحطاب


إن بعض العلماء من أصحاب النظريات الرائدة من أمثال تايلور وفريزر قد طوّروا نظرياتهم لتلعب دوراً مهماً في مجال الأنثروبولوجيا، وأوجدوا طرقاً منهجية محددة في التحليل المقارن للإيمان والممارسات الدينية. فقد ركزّ هؤلاء العلماء على فكرة المقارنة بين الأديان وظنوا أنها سوف تساعدنا كثيراً في الحصول على فهم مناسب لإصل الدين وطبيعته. وكانت محاولات تايلور وفريزر في مقارناتهما تلك تركز كثيراً على الإنتقاص من الدين في مقابل العلم.

كان تايلورEdward Tylor (1832-1917) مهتماً بصورة أساسية في وصف ورسم خرائط توزيع الخواص الفردية للمكونات المميزة في الثقافة Culture. وتقوم نظرية تايلور "الأرواحية" أو "حيوية المادة" “animism” على أساس ان إصول المشاعر الدينية لدى الناس هي مرحلة أولية، وانها قاعدة أساسية في سايكولوجية الفرد، وذلك بعد ان لاحظ ان الدين يتوفر على خواص عديدة أهمها هو الإيمان بوجود كائنات خارقة تسمى "كائنات روحية".

إقترح تايلور فكرتين هامتين هما، أولاً، إن مفهوم البقاء على قيد الحياة قد لعب دوراً هاماً في النظام التطوري من الوحشية “savagery “ مروراً بالهمجية “barbarism” ووصولاً الى مرحلة الحضارة “civilization”، وبصورة مشابهة لنظرية دارون Charles Darwin النشوء والإرتقاء. ولهذا رأى تايلور بأن الدين يمكن أن يكون قد تطور من مرحلة الطبيعة الأدنى الى الأعلى، أي من مرحلة السحر والكهانة الى حالة تنزيل النصوص المقدسة والأنبياء. بينما كانت الفكرة الثانية لتايلور هي تعريفه للدين بأنه "الإعتقاد بالكائنات الروحية".
لقد بدأ عمل تايلور في الدين مع سؤال يتعلق فيما إذا كان وجود المفاهيم الدينية يشمل جميع الثقافات أم يتعلق بثقافات معينة، لاسيما البدائية منها. وكان الدافع الرئيسي لهذا السؤال هو إدعاء تايلور بعدم وجود الدين بين بعض القبائل التي درسها، مدعياً أن الإرواحية هي القاعدة الأساسية لدين القبائل البدائية. وعلى هذا الأساس يكون ملخص نظرية تايلور بأن الدين البدائي كان أدنى منزلة وأقل في مستوى تطّوره من الأديان المنزّلة بحسب مقياس تطور العالم المتحضر. ومن السهل على المتتبع معرفة أن أفكار التطور هذه عند تايلور قد جاءت متوازية مع نظرية التطور والإرتقاء لدارون، حيث شكلت نظرية دارون في العصر الفكتوري محور الإنطلاق في البحث العلمي.

وبالرغم من أن تايلور أشار بصورة جلية الى أن الأديان الحديثة هي الأكثر تطوراً بحسب نظريته، غير إنه فشل الى حد كبير -بحسب ستانلي تامبيه- Stanley Tambiah في شرح السؤال المهم عن الأسباب التي جعلت من الإنسان البدائي يظهر عقلانية في بعض الأوقات ولا يظهر هذه العقلانية في أوقات أخرى. بمعنى آخر ان هناك آراء كثيرة تذهب الى ان الدين لايرتبط كثيراً بالتطور العقلاني، فالمتدين يصبح عقلانياً حين يريد ويغادر هذه العقلانية حين لايجد ان العقلانية تتجاوب مع احتياجاته الدينية. وبالرغم من المآخذ العديدة على هذه النظرية ونقدها وتفنيدها لاحقاً من قبل بعض العلماء الذين جاؤا بعد تايلور، إلا اننا لابد ان نقيم هذه النظرية-وغيرها من النظريات السابقة- في سياقها التأريخي دون شك.

إن هذه النظرية قد فتحت الباب واسعاً أمام الباحثين لدراسة أصل الدين، كما ساهمت هذه النظرية في أن تكون نموذجا علمياً جديداً غيرت كثيراً من طريقة تناول الدين الذي كان حبيس الدراسات اللاهوتية والفلسفية. فقد ساهمت هذه النظرية بصورة كبيرة في جعل دراسة الدين أكاديمياً أمراً ممكناً مثل أي حقل علمي آخر، يستند على التجارب الميدانية وأسس البحث العلمي بغية الوصول الى نتائج مقبولة عند الأوساط الأكاديمية وبين المتعلمين.

ومن بين أهم النقاط التي يمكن ملاحظتها من خلال معرفتنا بنظرية تايلور، ان النظريات العلمية لدراسة الدين تبقى قاصرة أحياناً عن توفير إجابات حاسمة. كما ان هذه النظريات شأنها شأن بقية النظريات العلمية، قابلة للنقد والتفنيد، ولكن مهما يكن مصيرها بمرور الوقت وتطور الدراسات التي تليها، تبقى هذه النظريات، ونظرية تايلور من بينها، خطوات أولى رائدة في نقل الدارس من حالة غياب المنهج العلمي الى تأسيس القاعدة الإساسية للمنهج.

-يتبع-
* فرج الحطاب: كاتب وباحث أكاديمي، جامعة أريزونا، الولايات المتحدة الأميركية
(1) Tambiah, Stanley. "2000." In Magic, Science, Religion, and the Scoop of Rationality, 55-51. Re--print-- ed. Cambridge University Press, 1990.

#فرج_الحطاب (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل