أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - رشيد غويلب - بمناسبة الذكرى الثلاثين لوفاة القائد الشيوعي إنريكو برلينغوير / قراءة في مواقف الحزب الشيوعي الايطالي قبل انهيار التجربة الاشتراكية















المزيد.....


بمناسبة الذكرى الثلاثين لوفاة القائد الشيوعي إنريكو برلينغوير / قراءة في مواقف الحزب الشيوعي الايطالي قبل انهيار التجربة الاشتراكية


رشيد غويلب

الحوار المتمدن-العدد: 4517 - 2014 / 7 / 19 - 23:06
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    



بقلم: ليو ماير*
ترجمة: رشيد غويلب
في السابع من حزيران عام 1984 ، وخلال الحملة الانتخابية، لانتخابات البرلمان الاوربي، انهى السكرتير العام للحزب الشيوعي الايطالي "إنريكو برلينغوير" خطابه، في مدينة، بادو بمشقة. وحال وصوله الى الفندق سقط في غيبوبة، لإصابته بجلطة دماغية، ادت الى وفاته في الحادي عشر من حزيران 1984، اي بعد مرور أربعة ايام على وقوع الاصابة فقط. وشارك في تشييعه 1.5 مليون. وبعد ستة أيام على وفاته حقق حزبه نصرا تاريخيا في الانتخابات الاوربية متقدما لاول مرة على اقوى حزب ديمقراطي مسيحي.
تلميذ تولياتي
في آب 1943 انتمى طالب القانون "انريكو برلينغوير" الى الحزب الشيوعي الايطالي السري، وجرى اعتقاله لمدة ثلاثة اشهر في عام 1944 في معتقل ساريسيا في (سردينا) بتهمة "محاولة قلب نظام الدولة". وبعد قطعه لدراسة القانون، احترف منذ 1944 العمل الحزبي. وينتمي انريكو إلى شريحة من الشبيبة من ابناء الأسر البرجوازية الليبرالية التقليدية الذين، عمل زعيم الحزب تولياتي على كسبها الى صفوف الحزب. في اطار انفتاح الحزب على ابناء جميع الشرائح الاجتماعية، الذين يقرون برنامج الحزب من اجل ايطاليا اشتراكية، وقد سعى تولياتي لجعل الحزب?قادراً على التمتع بالأكثرية في جميع الاوساط الوطنية. و أصر تولياتي على "حق الحزب في المشاركة ببناء ايطاليا الجديدة" ولهذا الغرض كان وجود "حزب جديد" مطلوباً " يستمد قوته من الطبقة العاملة، والذي ينجح في ضم افضل العناصر التقدمية من المثقفين، وافضل قوى طبقة الفلاحين، وبالتالي يوحد كافة القوى وجميع القدرات الضرورية لقيادة جماهير العمال والكادحين في النضال من أجل التحرير وإعادة بناء إيطاليا". وكضرورة يرى فيه حزباً " لا يحصر نفسه في النقد والدعاية، بل حزب يؤثر في حياة البلد، ...حزب قادر، من خلال تنظيمه وعمله ا?يومي، على فرض التغييرات العميقة، التي تستند الى مواقف الطبقة العاملة في حل المشاكل الوطنية".
لقد تأثر انريكو برلينغوير بهذا الحزب وفهمه الإستراتيجي واستمر في تبني سياسات الزعيم الشيوعي الأسطوري تولياتي ، عندما انتخب عام 1969 نائباً للأمين العام، لويجي لونغو، وفي عام 1972 سكرتيراً عاما للحزب الشيوعي الايطالي. وسبق وان تم انتخابه في عام 1950 سكرتيرا لاتحاد الشبيبة الشيوعية، وتسلم من خلال هذه الصفة في عام 1952 رئاسة اتحاد الشبيبة الديمقراطي العالمي.

الحزب الشيوعي الايطالي والحزب الشيوعي السوفيتي

لقد بدأ الحزب الشيوعي تحت قيادة تولياتي بتوجيه النقد للستالينية، واسلوب عملها في الحزب الشيوعي السوفيتي. وخطأ تولياتي حصر الامر "بعبادة الشخص" ، وشخص ستالين، وطرح مسالة الاسباب المرتبطة بطبيعة الوضع القائم في البلدان الاشتراكية للنقاش. وبعد الاحداث في المجر وبولونيا عام 1956 طالب تولياتي جميع الاحزاب التي لم ترتق الى مستوى التغييرات والاصلاحات المطلوبة، طالبها بممارسة نقد ذاتي عميق. "ان قيادة الحزب والدولة في كل من بولونيا والمجر تعيش حالة تخلف عميق عن فهم الحاجة لتنفيذ التغيرات واتخاذ التدابير المطلوب? التي يتطلبها الوضع، وكذلك تصحيح الاخطاء الجوهرية التي رافقت التقدم نحو الاشتراكية". ورفض الدور القيادي لحزب شيوعي في الحركة الشيوعية العالمية، واصر على النظر الى جميع الاحزاب بدرجة متساوية. وكان لهذه المواقف تاثير دائم على "برلينغوير".
وفي عام 1964،ترأس "برلينغوير" وفد الشيوعيين الايطاليين الى موسكو لمعرقة أسباب ازاحة خروشوف والمسار المستقبلي للحزب الشيوعي السوفيتي. وفي مقابلة له مع مجلة "دير شبيغل" الالمانية الغربية في العدد 46 لسنة 1964 قال بشأن الاختلاف في الرأي مع الحزب الشيوعي السوفيتي: " من القضايا التي تختلف بشانها وجهات نظرنا، على سبيل المثال، كيف ينبغي تطوير الديمقراطية في النظام السوفيتي. وما عدا ذلك هناك اختلافات معروفة أكثر من غيرها بشأن قضايا الحركة الشيوعية العالمية، وعلى سبيل المثال طريقة مكافحة المواقف الصينية، أو ا?رغبة في عقد مؤتمر عالمي للأحزاب الشيوعية في الوقت الحاضر ". ولكنه شدد في حينها: "ان اختلافاتنا في وجهات النظر مع الرفاق السوفيت ليست من النوع التي تمس جوهر التفاهم المتبادل والصداقة بين حزبينا، ولكن هناك اختلافات في وجهات النظر. وهذا واضح في مذكرة تولياتي، وهذا ما بينته محادثاتنا في موسكو".

الثورة وصراع الكتل

وتعمقت الخلافات بعد تدخل بلدان معاهدة وارشو في جيكوسلوفاكبا في عام 1968. ودعم الحزب الشيوعي الايطالي، من حيث المبدأ، جهود الاصلاح التي تبنتها قيادة الحزب الشيوعي في جوكسلفاكيا، وشدد على مبدأ عدم التدخل، باعتباره احد مبادئ الأممية. ورفض الحزب الشيوعي الايطالي بشدة تدخل قوات معاهدة وارشو باعتباره" غير مبرر". واوضح الحزب الشيوعي الايطالي "... نحن لا نشارك المفهوم القائل ان تعزيز الاستقطاب سيوفر في النهاية شروط التقدم على طريق الاسترخاء. ووفقا لوجهة النظر هذه، نعيش في عالم ثنائي القطبية،وان الامر يتعلق فقط ب?فتراض دور قيادي لدولتين.نحن لا نعترف بدور قيادي لأية دولة، وليس هناك حزب قائد.
ودعا الحزب الشيوعي الايطالي جميع الاحزاب الشيوعية الى المبادرة الى "تجاوز الكتل والى .. النضال ضد الامبريالية ومن اجل السلام". ووفق رأي قادة الحزب الشيوعي الايطالي يعني منطق الكتل، ان الدول الاعضاء في هذه الكتل سواء كانوا في الشرق أو الغرب، ترفض خيار التطور الوطني المستقل. وبالنسبة للاحزاب الشيوعية في الغرب يعني الاعتراف باستقرار القطبية، سلب اي فرصة للتحول الاشتراكي. ان هذا الفهم المختلف للتعايش السلمي والانفراج بين الحزب الشيوعي السوفيتي والاحزاب المتحالفة معه من جهة، والحزب الشيوعي الايطالي من جهة اخر?، كان يجب ان يكون موضوع للمناقشة والحوار والتفاهم، وهذا ما لم يحدث.
ولم يشكل ذلك عمليا تحدياً بالنسبة للاحزاب الشيوعية الصغيرة في البلدان الغربية. ولكنه كان تحديا بالنسبة للحزب الشيوعي الايطالي والحزب الشيوعي الفرنسي. لقد نما الحزب الشيوعي الايطالي وتحول الى حزب جماهيري كبير.

"استراتيجية التوتر"

وفي الوقت نقسه حاول حلف الناتو والرجعية الايطالية توجيه الرأي العام ضد الحزب الشيوعي الايطالي باعتماد "استراتيجية التوتر". فمنذ الستينيات وحتى الثمانينيات دبر اعضاء الاستخبارات العسكرية الايطالية، والمجموعة السرية المعروفة بـ P2 والفاشيون الجدد، و"شبكة غلاديو" السرية المدعومة من الناتو والمخابرات المركزية الامريكية، دبروا العديد من الهجمات وعمليات القتل الارهابية. وعملت شبكة من اجهزة المخابرات، من خلال توفير معلومات خاطئة، وتزوير الادلة، على الصاق هذه الجرائم بالمجموعات اليسارية المتطرفة، وخصوصا الالوية?الحمراء. وكان الهدف من ذلك تشويه سمعة الحزب الشيوعي الايطالي ومنعه من المشاركة في الحكومة.
وعندما بدا في عام 1976 ان فوز الحزب الشيوعي الايطالي بالانتخابات مؤكدا، كانت حقيقة وقوع انقلاب عسكري في ايطاليا خطراً محدقاً. اما كيف فكرت حكومات بلدان الناتو بالانقلاب، هذا ما اشار له لاحقا تقرير في العدد 9 لسنة 2008 من مجلة "دير شبيغل": " كشفت وثائق عثر عليها الكاتب ماريو سيرجينو في الارشيف البريطاني تعود الى لجنة تخطيط الانقلاب، تشير الى استعداد البريطانيين دعم الانقلاب سريا في حال وقوعه. وبهذه الطريقة، حسب المخططين "يمكن إبعاد الحزب الشيوعي الايطالي عن الحكومة". وفي العام السابق تحدثت المخابرات الامر?كية عن "امكانية قيام الانقلاب". وفي ربيع عام 1976 عد الملحق العسكري البريطاني في روما "الجزء الاكبر" من ضباط الجيش الايطالي سياسيا من اليمين او اليمين المتطرف".

استنتاجات من التجربة الشيلية: التحول بوصفه ثورة الغالبية العظمى

وعلى اساس هذه الخلفية ، وعلى موقف ورؤية حزب شيوعي يعمل في بلد رأسمالي متطور، تعامل إنريكو برلينغوير مع الثورة، والثورة المضادة في شيلي. واستخلص استنتاجات غنية وبعيدة المدى للحزب الشيوعي الايطالي، لكي يجنبه المآل الشيلي، وقدم ايضاحا لمفهوم تولياتي عن "الطريق الايطالي للاشتراكية". يقول هرالد نوبرت في كتابه "نهج غرامشي - تولياتي - لونغو - برلينغوير " : "انها (هذه الافكار) هي اليوم ايضا ومن منظور ماركسي مساهمة خلاقة للماركسية المعاصرة، مهمة لنظرية ثورة ديمقراطية - اشتراكية".
ويثير برلينغوير اتهاما مفاده: إن الانقلاب ضد الرئيس الاشتراكي سلفادور الليندي ، الذي جاء عبر انتخابات ديمقراطية حرة، في 11 ايلول 1973، كان ممكناً، لأن اليندي فشل في التواصل مع القوى الوطنية والكاثوليكية المعتدلة في تشيلي.ولأن الظروف في ايطاليا مشابهة لما كان قائما في شيلي، يخشى ان يكون رد فعل الجيش والقوى اليمينية المتطرفة مماثلا ، في حالة حصول تحالف يساري على الأكثرية البرلمانية.وعلى هذا الاساس يستنتج برلينغوير الحاجة الى "مساومة تاريخية جديدة" مع الديمقراطيين المسيحيين والكنيسة. وذلك " لمنع قيام ج?هة دينية - فاشية واسعة، وعلى النقيض منها ، قيادة قوى المركز الاجتماعية والسياسية باستمرار على اساس مواقف ديمقراطية ".
ويضيف برلينغوير: " واهم المهام السياسية التي يتعين علينا انجازها تتمثل في...، التفاف الغالبية العظمى من الشعب حول برنامج النضال من أجل الإصلاح الديمقراطي وتجديد المجتمع والدولة وخلق هذا البرنامج وهذه الأغلبية، و تجميع القوى السياسية المناسبة القادرة على تحقيق ذلك. وهذه السياسة هي الوحيدة القادرة على عزل القوى المحافظة والرجعية والحاق الهزيمة بها، وتعزيز الديمقراطية وجعلها غير قابلة للتجاوز، والسير قدما في التحول الاجتماعي. وبهذه الطريقة فقط يمكن ،اليوم وفي وقت واحد ، تهيئة الظروف لبناء مجتمع اشتراكي ودولة ?شتراكية، وضمان الممارسة الحرة وضمان تطوير جميع الحريات".
وبالنسبة لـ برلينغوير لا تعني هذه الإستراتجية على الاطلاق نمواً متناغماً متزايداً نحو الاشتراكية: " ان اختيار طريق ديمقراطي لا يعني الوقوع في وهم ان تطور المجتمع من الرأسمالية الى الاشتراكية ، بجري بشكل سلس وخال من الاهتزازات. ... ان الطريق الديمقراطي للاشتراكية - في ايطاليا القائمة على ارضية دستور معادي للفاشية قابل للتحقق - تحول تقدمي لمجمل القاعدة الاقتصادية والاجتماعية، وقيم وافكار الامة الرئيسية، ونظام السلطة وكتل القوى الاجتماعية، التي تعبر عن ذلك.. ان التحويل الاساسي للمجتمع، على الطريق الديمقراطي? يتطلب التاييد بالمعنى الدقيق: في ايطاليا يمكن للتحول ان يحدث، باعتباره ثورة الغالبية العظمى من السكان.وتحت هذه الشروط فقط يمكن دمج التأييد مع القوة لتصبح واقعاً لا يقهر."
لقد طور برلينغوير ضرورة قيام تحالف على اساس "مساومة تاريخية" واسعة مع جميع القوى التي يمكن معها قيادة البلاد نحو الاشتراكية. لأنه " حتى لو استطاعت احزاب اليسار وقواه الحصول على 51 في المائة من الاصوات، ومن مقاعد البرلمان..، سيكون من الوهم تماما، ان نفترض، ان هذه الحقيقة لوحدها تضمن تشكيل واستمرار حكومة يسارية مؤثرة على اساس نسبة الـ51 في المائة. لهذا لا نتحدث عن "بديل يساري"، بل عن "بديل ديمقراطي"، هذا يعني اننا نتحدث عن وجهة سياسية للعمل المشترك والتفاهم بين الشيوعيين وقوى الشعب ذات التوجه الاشتراكي، مع ق?ى الشعب الكاثوليكية، والمجموعات ذات التوجه الديمقراطي الاخرى."
وبشكل مفاجئ فاز الديمقراطيون المسيحيون بانتخابات 1976 ، وحصلوا على 38.7 في المائة. وبقي الحزب الشيوعي الايطالي بحصوله على 34.4 في المائة على مقاعد المعارضة. ولكن احتاج الديمقراطي المسيحي تفاهماً مع الشيوعيين لتشكيل الحكومة. وشكل الحزب الديمقراطي المسيحي الحكومة بمفرده، ودعمها الشيوعي برلمانيا، وسميت بـ"حكومة التضامن الديمقراطي". وبالنسبة لـ" برلينغوير" وفر ذلك امكانية لكسر جدار معاداة الشيوعية، والاقتراب من "المساومة التاريخية"، التي يسعى اليها. وخلال هذه الفترة تصاعدت الاعمال الارهابية التي تنظمها اجهزة م?ابرات بلدان الناتو ، وجبش غلاديو السري، وادى ذلك الى تمرير التوسع في الاجهزة الامنية.وكان قتل القيادي في الحزب الديمقراطي المسيحي الدو مو رو، في التاسع من ايار 1978 ، نقطة تحول اساسية. وبمقتله فقد الحزب الشيوعي الشخصية الاهم الداعمة للتفاهم بين الديمقراطيين المسيحيين والشيوعيين.
ان الأزمة الاقتصادية، وانتقال البلدان الراسمالية الوشيك الى سياسة التقشف والليبرالية الجديدة، اخذت من الحزب الشيوعي أية وسيلة لفرض مكاسب اجتماعية جديدة للطبقة العاملة. وتصاعد النقد، داخل الحزب الشيوعي، لسياسة انريكو برلينغوير. وفي كانون الثاني عام 1979 انهى المشاركة في الاكثرية البرلمالية لدعم الحكومة، وقاد الحزب الشيوعي الايطالي مجددا للمعارضة.

طرق جديدة للاشتراكية

في المؤتمر الخامس عشر اذار 1979 ، لخص برلينغوير التجربة وتصوراته بشان التحول الاجتماعي: " نحن لا نعتزم تقديم نموذج ينتقص من الجميع. ونستند في هذا الى التطور التاريخي للاشتراكية. في المقدمة لدينا تجارب الاممية الثانية: المرحلة الاولى لنضال الحركة العمالية للتغلب على الرأسمالية. .. وهذه المرحلة قادت الى ازمة دراماتيكية، وانتهت بالاستسلام في مواجهة الحرب العالمية الاولى والقوميات. المرحلة الثانية افتتحتها الثورة الروسية في 1917 . وشكلت ثورة اكتوبر وأفكار لينين وعمله منعطفا حاسما في التاريخ الحديث وفي طريق الب?رية. .. وهو ، ما شكل مدخلاً للعملية الثورية العالمية. .. نحن على قناعة بأن الجوهر يتمركز الان في حقيقة أخرى: وتتمثل المهمة، في دفع العملية الثورية على طرق جديدة، من خلال اخذ تجربة كلا المرحلتين السابقتين بنظر الاعتبار، ومراجعتها مراجعة نقدية،والاستفادة منها".
وفي مقابلة اجرتها معه مجلة "دبرشبيغل" الالمانية ونشرت في عددها التاسع في عام 1982 قال برلينغوير:" منذ سنوات ، ونحن نرى صراحة أن المجتمع السوفيتي لا يمثل نموذجا يمكن محاكاته في إيطاليا أو أوروبا الغربية. في الوثيقة التي اصدرتها قيادة حزبنا في الثلاثين من كانون الاول 1981 حول الاحداث في بولونيا، لاحظنا ان المسار، الذي بدأ مع ثورة اكتوبر استنفذ تجديد قوته الثورية المحركة في النضال من اجل الاشتراكية. ومع ذلك، فإننا ما زلنا نرى في ثورة أكتوبر، ليس فقط بالنسبة لروسيا ،الحدث الثوري الاكبر في هذا القرن. وانها ?عطت تحرر العمال وتحرير الشعوب المضطهدة في جميع القارات زخما كبيرا. .. توجد في بلدان معاهدة وارشو حلقة مفرغة: واذا لم بتم البدء باجراء الإصلاحات فان المرء يقود الحاجة الى التغييرات الاجتماعية بشكل مستمر الى الخراب. وستكون النتيجة اعباء على الامن العالمي، ولذا فمن الضروري أن يتم البدء بالإصلاحات دون تأخير ".
وفي مؤتمر صحفي عقده برلينغوير في كانون الاول 1981 قال برلينغوير:"ان مرحلة تطور الاشتراكية، التي بدأت مع ثورة اكتوبر تم تجاوزها نهائيا، والامر يتعلق بالبدء بمرحلة جديدة، وخصوصا في بلدان الغرب الرأسمالية. وهذه المرحلة الجديدة، يمكن ان تساعد النظام في الشرق(اوربا الشرقية - المترجم) بالسير باتجاه دمقرطة حقيقية لحياتها السياسية. .. و من الضروري أن الاشتراكية الجديدة في الغرب، في أوروبا الغربية ، ان تحرز تقدما، على أساس القيم والمبادئ الأساسية للحرية والديمقراطية ".

الشيـوعية الاوربيـة

لقد وجد برلينغوير نفسه مسؤولا عن البحث عن طرق للخروج من ازمة الاشتراكية والحركة الشيوعية. وبالنسبة له "ان التطورات التي عاشتها الماركسية لم تواكب التغييرات الكبرى في الواقع المعاصر، مع وجود التجارب النضالية في بناء الاشتراكية والممارسة السياسية. وفي كثير من الأحيان يحصر المرء نفسه في استخدام صيغ نمطية واقتباسات، لمواجهة كل موقف مختلف ووصفت كل من يختلف مع المواقف الخاصة على أنه تحريفي ".
وفي مقابلة مجلة "ديرشبيغل" في عددها 9/1982 بنتقل برلينغوير الى مواجهة عملية تحويل الماركسية الى دوغما.
برلينغوير: على المرء التمييز بين لينين واللينينيه. لينين لم يتحدث عن اللينينية، وكان ستالين اول من حاول تمجيد الينينية، اعطاها قالباً دوغمائياً.
"دير شبيغل": بخصوص ادانتك من قبل موسكو، اعلن رفيقك Pajetta ، ان ليس لديه علم عن وجود فاتيكان شيوعي، وليس هناك وجود ايضا لتكفير شيوعي. ولكن اليس رد موسكو على بيانكم الخاص ببولونيا تكفيراً شيوعياً؟
برلينغوير: جزئيا نعم. استنتاج الرفيق Pajetta يقدم وصفا متناقضا: ليس بامكاننا ان نتصور، وننفي ايضا ان يؤمن اشتراكي بكنيسة شيوعية تحدد من يقف مع الحق ومن يقف مع الباطل، منهم الكفار، ومن هم الزنادقة، ومن الذي يمارس الهرطقة. ولا يمكن لشيء كهذا ان يوجد في الحركة العمالية، التي هي حركة علمانية.

"دير شبيغل": ولكن موسكو ترى هذا بشكل مختلف؟

برلينغوير: نعم، مع الاسف لاحظنا في بعض الأحيان، هناك اتجاها في قيادة الحزب في الاتحاد السوفياتي، يشعر كما لو انه القاضي الاعلى للعقيدة.
منذ بيان تولياتي بشان المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي قدم الحزب الشيوعي الايطالي مرارا ، دون نجاح يذكر، مقترحات للقيام بإصلاح جذري في الحركة الشيوعية وتشجيع الدول الاشتراكية على القيام بإصلاحات سياسية داخلية. واتجه بعدها للاستفادة من علاقاته بالاحزاب الشيوعية الاخرى، وخصوصا الحزب الشيوعي الاسباني، والحزب الشيوعي الفرنسي، لمراجعة الماركسية، والاشتراكية، ومفهوم ألأممية، وتجديدها وفق الظروف الجديدة. وفي بيانات مشتركة صاغت هذه الاحزاب تصوراتها بشأن الطريق الى الاشتراكية، الاقتصاد الاشتراكي، وقضية ا?ديمقراطية والاشتراكية. وفي بيان وقعه انريكو برلينغوير عن الحزب الشيوعي الايطالي، و سانتياغو كاريلو عن الحزب الشيوعي الايطالي في 11 تموز عام 1975 جاء ما يلي: " ان افاق المجتمع الاشتراكي التي تطرح نفسها اليوم في ضوء حقيقة الاشياء، تقوم على فرضية مقنعة هي ان الاشتراكية في بلداننا لا يمكن تحقيقها، الا من خلال التطوير والتحقيق الكامل للديمقراطية".
ان الحركة الشيوعية العالمية الواقعة تحت تأثير الحزب الشيوعي السوفيتي، اثبتت انها غير مؤهلة لخوض المناقشات والقيام بالتجديد، لأسباب عديدة منها الخوف من فقدان هويتهم، وجزئيا بسبب الدوغما، وعدم اعترافها بوجود مشكلة، و في بعض الأحيان، لان البعض منها لا يريد المخاطرة بالمنافع القادمة من موسكو . ورفضت هذه الاحزاب افكار الشيوعية الاوربية باعتبارها تخريبية وتحريفية. وبقيت احزاب الشيوعية الاوربية معزولة.

وفاة برلينغوير وانفراط عقد الحزب الشيوعي الايطالي

توفى انريكو برلينغوير فجأة، في 11 حزيران 1984 ، وكان عمره 62 عاما، وبوفاته انتهت عملية تطوير الحزب الشيوعي الايطالي، كما يستنتج هارالد نويبرت - عضو اكاديمة العلوم الاجتماعية في جمهورية المانيا الديمقراطية السابقة - المترجم، في كتابه "نهج غرامشي - تولياتي - لونغو - برلينغوير" في عام 2009 . وبعد وفاة برلينغوير سلك الحزب الشيوعي الايطالي طريقا جسد القطيعة مع سياسته السابقة. تصاعد الازمة في البلدان الاشتراكية، تحديث نمط الانتاج الرسمالي، والاضطرابات الاجتماعية التي صاحبتها، والتي لم تطرح الحركة العمالية والش?وعية حتى اليوم اجابات مناسبة عنها، وتزايد خسارة الناخبين وضعف تأثير الحزب الشيوعي الايطالي بعد وفاة برلينغوير، ادخلت الحزب في عملية ابعدته بالكامل من "الطريق الايطالي نحو الاشتراكية"، ومن ارث غرامشي و تولياتي. وفي شباط 1991 تمت القطيعة نهائيا مع الماضي، واعلن رسميا عن حل الحزب الشيوعي الايطالي، والاعلان عن تاسيس الحزب الديمقراطي لليسار (الان احد احزاب الاشتراكية الدولية - المترجم). ومع انطلاق الحزب اعادة التاسيس الشيوعي، وحزب الشيوعيين الايطاليين، لم يختف الشيوعيون من الساحة السياسية الايطالية، ولكنهم مجزؤ?ن، ولا يمكن مقارنة تأثيرهم بالحزب الشيوعي الايطالي.
وفي انتخابات البرلمان الاوربي 2014، استطاعت القائمة المشتركة لدعم تسبرياس ان تحقق بعض النهوض للشيوعيين والمناهضين للرأسمالية. وارتباطا بالتطورات الجارية في اليونان، تكتسب افكار انريكو برلينغوير حول التحولات الاجتماعية في بلد راسمالي متطور الراهنية مجددا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ليو ماير: عضو قيادة الحزب الشيوعي الالماني، وشخصية نقابية معروفة، واحد العاملين في معهد الدراسات الاقتصادية، والاجتماعية، والايكلوجية في مدينة ميونخ الالمانية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
1 - إنريكو بيرلينغير - زعيم الحزب الشيوعي والمنظر المثير للجدل، هارالد نوبرت، اللجنة السياسية التابعة للPDS، تموز 2002
2 - نهج غرامشي - تولياتي - لونغو - برلينغوير ، هارالد نوبرت،دار VSA للنشر، 2009
3 - ديون الارث الشيوعي، هارالد نوبرت، دار VSA للنشر 2002
4 - " نصر على تحفظاتنا"، مقابلة مع انريكو برلينغوير، مجلة "دير شبيغل" الالمانية 46 / 1982
5 - "الاصلاح في شرق اوربا ضروريا"، مقابلة مع انريكو برلينغوير، مجلة "دير شبيغل" الالمانية 9 / 1982
6 - "نعي انريكو برلينغوير" ، مجلة "دير شبيغل" الالمانية 25/1984
7 - "كابوس في روما،" دير شبيغل 9/2008
8 - "حول المناقشة بشان الاشتراكية والاممية"، قيادة الحزب الشيوعي الالماني، 1977
9 - " قيادة الحزب الشيوعي الايطالي تعمل ضد مصالح السلام"، "انزره تسايت" (عصرنا) جريدة الحزب الشيوعي الالماني في 26 .01 . 1982 (رد على بيان الحزب الشيوعي الايطالي بشأن احداث بولونيا)
10 - "صب الماء في طواحين الرجعية"، "انزره تسايت" (عصرنا) جريدة الحزب الشيوعي الالماني في 1 .02 . 1982 (رد على بيان الحزب الشيوعي الايطالي بشأن احداث بولونيا)
11 - "لمصلحة من تنشر هذه المقابلة، "انزره تسايت" (عصرنا) جريدة الحزب الشيوعي الالماني في 4 .3 . 2982
12 - "حول" التحريفية "ونقد التحريفية"، جريدة "العالم الشاب" في 10 . /11 . 12 2007 ، روبرت شتاغرفالد.
13 - " لوكسمبورغ - الاسطورة"، هانس- بيتر برنر، جريدة "العالم الشاب" في 6 . 9 . 2011 .



#رشيد_غويلب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في وثيقة لحزب الشغيلة التقدمي القبرصي (اكيل) / تقويم عمل الش ...
- ابنوا الأمل مرة أخرى/ ماذا يقول مسؤول الانتخابات في قيادة ال ...
- ردا على بيان الحكومة الألمانية بشأن الأزمة الأوكرانية/ حزب ا ...
- هل انتهت مرحلة سياسة التردد ؟ / مؤتمر الأمن في ميونيخ وعسكرة ...
- إنهيار امبرطورية الخوف/ تركيا .. الحركة الاحتجاجية ومصير حكو ...
- مدينتان مدينتا ومستقبل واحد/ نجاحات اليسار الأمريكي.. هل ستؤ ...
- الفوارق ليست بين الشعوب.. الفوارق بين الطبقات/ أوروبا .. صعو ...
- مع طلوع العام الجديد نعود اليها/ انتصارات و محطات هامة لقوى ...
- في قراءة لتجربة البلاد بعد نهاية الحكم العنصري/ جنوب افريقيا ...
- قراءة ميدانية مباشرة للوضع في البلاد/ اليونان: إحصائيات مخيف ...
- استبعاد اليسار ونتائج الانتخابات الالمانية/ كيف يقرأ شيوعيو ...
- ليس هناك وصفة جاهزة لبناء الاشتراكية/ موضوعات حول التجربة ال ...
- هل ستغير الأزمة السورية مسار الانتخابات الألمانية؟ فرص جديدة ...
- التحولات المزدوجة: فكرة اجتماعية جديدة لإستراتيجية يسارية
- نجيلا ديفز.. دراسات في الحرية
- المؤتمر الاول لحزب اليسار اليوناني ينهي اعماله
- بعد مناقشات واسعة ومعمقة/ المانيا: حزب اليسار يقر برنامجه ال ...
- حركة احتجاجية في سبيل دولة مدنية ديمقراطية / تركيا: تفجر الغ ...
- بعد سنوات من الركود يعود التهرب الضريبي إلى الواجهة / الاتحا ...
- المشهد السياسي لليسار الايطالي .. المشاكل والآفاق


المزيد.....




- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!
- شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني ...
- هل تلاحق لعنة كليجدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري؟
- مقترح برلماني لإحياء فرنسا ذكرى مجزرة المتظاهرين الجزائريين ...
- بوتين: الصراع الحالي بين روسيا وأوكرانيا سببه تجاهل مصالح رو ...
- بلجيكا تدعو المتظاهرين الأتراك والأكراد إلى الهدوء
- المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي: مع الجماهير ضد قرارا ...
- بيان تضامن مع نقابة العاملين بأندية قناة السويس
- السيسي يدشن تنصيبه الثالث بقرار رفع أسعار الوقود


المزيد.....

- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي
- بصدد الفهم الماركسي للدين / مالك ابوعليا
- دفاعا عن بوب أفاكيان و الشيوعيّين الثوريّين / شادي الشماوي
- الولايات المتّحدة تستخدم الفيتو ضد قرار الأمم المتّحدة المطا ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - رشيد غويلب - بمناسبة الذكرى الثلاثين لوفاة القائد الشيوعي إنريكو برلينغوير / قراءة في مواقف الحزب الشيوعي الايطالي قبل انهيار التجربة الاشتراكية