مؤيد بركات حسن
استاذ جامعي
(Dr Muayad Barakat)
الحوار المتمدن-العدد: 4514 - 2014 / 7 / 16 - 13:00
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
السلام والتسامح والانسان الضائع
( تحليل لفلسفة السلام عند برتراند رسل )
الدكتور مؤيد بركات حسن
دكتوراة فلسفة الدولة والسياسة
جامعة دهوك
السلام جميلا جدا عندما يكون أمنية عالمية, ومطلب انساني عام لايمكن الاستغناء عنه, لذا يتوجب ان تكون الدعوات صادقة للوصول اليه من اجل العيش بسعادة.
وربما نحن بحاجة الى فلاسفة عظام كـــ" برتراند رسل " الذي تجرد عن جميع الانتماءات الضيقة, وفضل الانسانية شعاراً له, نحن في الشرق بصورة عامة وفي العراق بصورة خاصة بحاجة ماسة الى هكذا عقول, فاذا اردناه الوصول الى السلام والتسامح يتوجب علينا ان نعمل ونفعل كما كان " برتراند رسل " يفعل .
فقد تحدث رسل عن السلام في خطبته التي القيت على مجلس السلام العالمي بقوله " تواجه الانسانية خطرا لم يسبق لها ان واجهته على مدى التاريخ الانساني, فأما أن ننبذ الحرب أو يجب علينا أن نتوقع الفناء للجنس البشري, فقد تعالت صيحات كثيرة من رجال العلم البارزين والسلطات العلمية بالاستراتيجية العسكرية منذرة بالخطر الداهم. ولا يستطيع احد منهم ان يحدد أسوا النتائج على وجه التأكيد " .
لقد وعى رسل حجم الكارثة التي ستحل بالإنسانية اذا استمرت الحروب وبرزت النزعات العدوانية, وربما يرجع سبب وعيه وتقديره العميق لحجم الكارثة التي ستحل بالإنسان عن كونه فيلسوف علم لديه ابحاث في المجال العلمي وربما اهمها كتابه(اثر العلم في المجتمع)و(هل للإنسان مستقبل) ولذلك لم يهدأ له بال ولم يكفى عن صيحاته التي كانت تعلو في كل مكان, وكل مناسبة, ولم يخشى أيّ سلطة وأيّ حكومة, ولم يتوقف قلمه عن النقد اينما وجده صالحاً لذلك .
وربما كانت ثمرت مساعيه الدؤوبة للسلام هي انشائه مجلس السلام العالمي, والذي يوضح فيلسوفنا في احدى اجتماعاته كيفية الحصول عليه والية الوصول الي السلام المنشود؛ لأنه يمثل شرطاً اساسياً لبقاء الجنس البشري اذ يقول " اما ان نسمح للجنس البشري بإبادة نفسه, او أن نتنازل عن بعض الحريات العزيزة جداً على أنفسنا, وعلى وجه الخصوص حرية قتل الأجانب كلما شعرنا بميل لذلك " .
ربما نجد رسل يوضح للناس خيارين يتوجب القضاء عليهما وازالتهما من قواميس الشعوب, وربما نجده يتوق الي تطبيق الاممية ورفض كل اشكال التمييز والعنصرية, اذ يؤكد ان ابادة البشرية ستكون دون شك اذا استمرت الحكومات في التعدي على الشعوب, أو تعدي الدول بعضها على بعض, ويدعو الى التنازل عن لذة قتل الاجانب التي كانت تمثل في الازمان الغابرة شرفاً لا يستحقه الا القتلاء الذين يبدعون في ابادة الشعوب.
ان دعوة رسل واضحة الي توحيد العالم في دولة انسانية لا تنظر الي الحواجز الطبيعية او المصطنعة, او الاختلافات في الانتماء القومي او المذهبي او الديني وغيرها من المسميات التي تولد التباعد بين الناس, ولذلك يتوجب على جميع الشعوب ان تستوعب فكرة ان الانسانية تجمع الجميع, وان الاختلاف هو وليد اساليب الحياة المتبعة.
فضلا عن المناهج التربوية (التاريخ) الذي يخلق فجوة بين الشعوب, ومما لاشك فيه السلام هي اللغة او الكلمة التي يتوجب على الجميع ان يعرف معناها. ويمكن ان نجمل المزايا التي يجنبها البشر من السلام في تصور رسل فيما يأتي:-
1- السلام يوفر على البشر ارواحهم ومواردهم التي تبددها الحرب ولو احسنوا استغلالها لعادت على العالم اجمع بما لا يمكن تصوره من النعيم والرفاهية.
2- السلام هو المناخ الملائم لنمو الطاقات الابداعية لدى البشر. تلك الطاقات التي يشلها الخوف . وتقضى عليها الكراهية. فضلا عما يمكن ان تفضى اليه الحرب من التدهور الاجتماعي والانحطاط الخلقي بوجه عام.
3- مع ازدياد التقدم العلمي والتكنولوجي لم يعدّ السلام ضمانا للرفاهية, ولا ضمانا لنمو الابداع الانساني فحسب, بل اصبح كذلك ضمانا لمجرد استمرار وجود البشر كجنس على ظهر الأرض .
الفعل الانساني والسلام :-
يرى رسل ان الطبيعة البشرية ليست شريرة وانما الانسان هو الذي يفعل الشر ويتعلمه وربما يورثه الي الاجيال التي ستاتي, ويحمله تاريخاً مزيفاً يقدس الحروب والشر, وذلك يعود الي الاحكام المخطوءة والنزوات الشريرة والانفعالات التي تؤدي الي سرعة اتخاذ القرار ولاسيما انها كانت مرهونة فيما مضى بشخص واحد (القائد – الملك) وما يتخذه من قرارات وهنا نجد رسل يرجع اسباب الحروب وغيرها من الامور الي الانسان ففي محاولة بناء السلام يتوجب ان تكون نقطة الانطلاق هي الناس أنفسهم ففي ظروف الصراعات الداخلية تنجح اتفاقيات السلام أحيانا في ايقاف القتال ولكنها نادرا ما تحقق بناء سلام حقيقي .
فالسلام يجب ان يبنى من تحت الي فوق . " ان في وسعنا أن نلاحظ بقدر من الصواب أن الخطأ يحتاج على الاقل الي انسان يرتكبه, أما الطبيعة ذاتها فلا يمكن أن تخطىء؛ لأنها لا تصدر أحكاما, فالناس هم الذين يقعون في الخطأ حين يصوغون قضايا وأحكاما ".
ان الذي نحب ان نبرزه في هذا السياق هو ان طبيعة النظم وكذلك مناهج التربية والتعليم واتجاهات وسائل الاعلام في صورتها الحالية ما تزال مكرسة ضد السلام, ولا تخدم في حقيقة الامر سوى أغراض الحرب, وعلى سبيل المثال لا تزال مناهج التاريخ تدرس في جميع الدول على نحو يصور للدارسين ان القادة العسكريين في بلادهم الذين كتب لهم النصر على الآخرين أبطال وطنيون جديرون بالاحترام بل التقديس. في حين انهم –فيما يرى رسل – ليسوا في واقع الأمر وفي معظم الحالات الا سفاحين ناجحين كتب لهم التوفيق في إبادة عدد كبير من افراد الامم الاخرى . وهذا يحتم علينا مراجعة موقفنا من التاريخ ويستوجب علينا البحث فيه جيداً.
المصادر
1- حسن, مؤيد بركات , الدولة في الفلسفة الغربية المعاصرة ( برتراند رسل انموذجا ) , اطروحة دكتوراة , الجامعة المستنصرية , كلية الاداب , 2012.
2- رسل , برتراند , خطبة مجلس السلام العالمي في هيلسنكي, ضمن كتاب برتراند رسل الانسان ,لرمسيس عوض, المؤسسة العربية العامة للترجمة والنشر والتوزيع, القاهرة, بدون تاريخ.
3- تشايز , أنطونيا , ومارثا ميناو , تخيل التعايش معا ( تجديد الانسانية بعد الصراع الاثني العنيف ), ترجمة فؤاد السروجي, مراجعة محمود الزواوي, الاهلية للنشر والتوزيع ,ط1, عمان, 2006.
4- رسل, برتراند, اثر العلم في المجتمع, ترجمة صباح صديق الدملوجي, مراجعة حيدر صباح اسماعيل, المنظمة العربية للترجمة, ط1, بيروت, 2008 .
5- رسل، برتراند, امال جديدة في عالم متغير، ترجمة عبد الكريم احمد، مراجعة علي ادهم، مصر، بدون تاريخ
6- رسل, برتراند, رسل يتحدث عن مشاكل العصر, ترجمة مروان الجابري, المؤسسة الوطنية للطباعة والنشر, ط1, بيروت, 1963.
7- عبد الله, محمد بصار, فلسفة برتراند راسل السياسية, الهيئة المصرية العامة للكتاب, القاهرة, 1987.
#مؤيد_بركات_حسن (هاشتاغ)
Dr_Muayad_Barakat#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟