أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - ماكبث المِصراع الأول القسم الثاني















المزيد.....


ماكبث المِصراع الأول القسم الثاني


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 4505 - 2014 / 7 / 7 - 10:16
المحور: الادب والفن
    



ملأت شوارع نيويورك صور داناوي دانكان رافعة يدها باسمة عارضة لبورنو الفضيلة والرخاء، وعلى الرغم من ذلك لم تدغدغ الغُلمة في أجساد العابرين، كانت هموم النيويوركيين أقوى من شهواتهم، أقوى من غرائزهم، أقوى من البضاعة الانتخابية في سوق الأوهام. امتدت صفوف الشوربة الشعبية، وطرقت الملاعق الأسنان، ولم تطرق أجراس الرؤوس. كانت في كل رأس كنيسة صامتة، باردة، ميتافيزيقيا صلوات كل يوم، ولم يكن الترتيل محفزًا، حتى الكلاب في مانهاتن لم تعد تنبح. امتلأت المصحات بالمرضى، بدا وكأن نيويورك مستشفى كبير، كل الأمراض فيه، وكل الأمراض لا يمكن علاجها. جاء اللامرضى، فهي فرصة سانحة للاستشفاء، قيل لهم كل هذا بفضل داناوي دانكان، المرأة الأولى المرشحة لرئاسة الولايات المتحدة، فغادروا المصحات، وفضلوا البقاء لامرضى. أما الذين لم يكن لهم بيت ثابت، فاحتلوا المقطورات، وناموا لأول مرة منذ زمن بعيد نوم الهانئين.
- كالذاهب إلى الجحيم بمحض إرادته، زعق مالكولم، نحن نسير، ولا أحد منا يقوم بأقل جهد للحيلولة دون ذلك.
- الهدوء، يا مالكولم، طلب ماك، الهدوء!
- ما هو الاستبار الأخير؟ سألت دانكان.
- خمسة وعشرون بالمائة من نوايا التصويت لك، خمسة وسبعون بالمائة لخصمك، أجاب بانكو.
- اسمعوا جميعًا، طلب المتابع للتلفزيون في مركز القيادة، هاكمان يدلي بتصريح.
- أود أن أقول لكل الأمريكيين، قال المرشح الرئيسي في الميكروفون، ناموا هانئين، واتركوا كل الباقي عليّ.
وصعد في ليموزينته.
- ناموا هانئين، ابن القحبة، مضغت دانكان.
- هم ينامون هانئين بالفعل، يا قحبة الخراء! طن مالكولم.
- ماكبث، فكرة المقطورات فكرتك، أنبت المرشحة لرئاسة الولايات المتحدة.
- وشوربة الخراء، ومصحات قفاي! أضاف مالكولم.
- انتظروا قليلاً، نرفز ماك، إذا كانت الأزمة قد أفقدت ثقة الناس بأنفسهم، فما ذنبي أنا؟
- بنا، أفقدتهم الثقة بنا، صححت دانكان.
- لم نزل في بداية الحملة، لا تنسوا ذلك، تدخل بانكو.
- قل لهم، يا دين الرب! صاح ماك.
- صمتت الكلاب بعد الناس، يا ماك، صاحت معلمة ماك، فكيف أجعلها تعود إلى النباح؟ كيف أجعل الناس ينبحون مثلها؟ هل أوقف الشوربة الشعبية وأغلق أبواب المصحات وأعيد المقطورات إلى الكراج؟ سأقترف أكبر الجرائم لو يدفع ذلك الناس إلى الحديث عني، وسأظهر على التلفزيون عارية لو يرغّب ذلك الناس في التصويت لي. سأتعهر لو يسمح ذلك برفع الاستبار، سأعد بمحو كوبا، وسأمحوها، بنهب كنوز الفيتنام، وسأنهبها، باحتلال كل بلدان النفط في العالم، وسأحتلها، بتثوير الفاتيكان، وسأثوّره، بتعميم الموضة الباريسية، وسأعممها، بإلغاء الأحزاب، وسألغيها، إلغاء نظام الحزبين على الخصوص، الحزب الديمقراطي أول الأحزاب، حزبي، الذي لا يحرك أعضاؤه، أولاد الشرموطة، أعضاءهم من أجل الدعاية الانتخابية لي!
- كل هذا من طبيعة الحملة، يا داناوي، قال ماك، ويأسك لا معنى له.
- تقول يأسي؟ طنت دانكان، مضاجعتي، انتهاكي، خبوي إلى الأبد في الجحيم!
- لستِ مختلة العقل، يا داناوي، أضاف ماكبث، وأنا لست أمَلَكِ غير المعقول، سأعيد ترتيب الكلمات كما أعيد ترتيب الأشياء، طردًا وعكسًا، فاعتكفي على صلاتك، هاكمان يلجأ إلى التعليل بالأباطيل، فلينتظر إذن، وليرَ مَنِ الأكثر خبثًا فينا.
- أنت تعرف أن الأمر يتعلق بك، يا ماك، نعمت لهجة المرشحة ذي الامتياز.
- أتصرف وأنا على بصيرة من الأمر، فاطمئني.
وحط الصمت بجناح الحديد على رؤوس الجميع.
- سأواصل التوقيع على الشيكات، قال مالكولم قبل أن يذهب.
- وأنا الدعاية للشوربة الشعبية، قال بانكو قبل أن يذهب، هو الآخر.
- أما أنا، فسأبحث عن طريقة للدخول في كلاسين الناخبين، قال ماكبث قبل أن يلحق ببانكو.
- كل شيء كما رسمت، يا ماك، همس بانكو في أذن صديقه.
- هذا يستحق القيام بدورة في غرينويتش فيلاج.
- أنا من يدعو.
- لا، أنا.
- لدي انطباعٌ قاسٍ أنك لم تكن تعلم بأنك كنت قاسيًا.
- بأني سأكون قاسيًا.
- ستحطم القلوب.
- جين، تم الأمر بخصوصها.
- وداناوي، سيتم الأمر بخصوصها.

* * *

قال ماكبث لبانكو بعد أن شبع من كل جسد العاهرة قبلاً:
- بعد عدة لحظات، سأجوع إلى هذا الجسد من جديد، فألتهمه كساندويتش الهامبرغر.
- لأنك تحب الطعام السريع، علق بانكو، وهو يطبع على وجه عاهرته قبلاته اللامتناهية.
- كلانا في الهوى على طريقته يحب الهوى.
- وكلانا في السلطة على طريقته يحب السلطة.
- وفي أحلام المجانين؟
- أيضًا.
- جريمة التسلق ليست جريمة أمام جريمة الجريمة.
- لكنك لا تحسن التسلق وتحسن الجريمة.
- لا أحسن التسلق ولا أحسن الجريمة.
- هكذا يُصنع المجرمون.
- جاء دوركِ، قال ماك للعاهرة، وهو يترك جسده لشفتيها.
- لو كنتُ مكانها لما تركتَ لي جسدك كي أُجرم فيه، علق بانكو.
- لن تكون مكانها، أضف إلى ذلك أن كلينا في الاستسلام على طريقته يحب الاستسلام.
- ستُسقط معلمتك، وأبدًا لن تستسلم، أليس كذلك؟
- أحيانًا أرغب في العدول عن كل شيء كما فعلت جين، كيلا أريح أمي في جحيمها.
- أمك كما كنت أعرفها لن ترتاح في جحيمها أبدًا سواء علوت مع معلمتك كما قالت أو هبطت، إنها من نوع العُقابات التي لا يرضيها شيء، لا لحم الفريسة ولا دمها.
- هنا، نعم، هنا، صاح ماك، وهو يضغط رأس العاهرة بين فخذيه.
- علوت مع معلمتك قالت بينا قصدها اغتصبت، دمرت، أنهيت، أنت لها ما لهذه العاهرة لك.
- أنا عاهرة، يا بانكو!
- عاهرة ونص!
- كما تقول، عاهرة ونص! اللذة المصاحبة للإنهاء أهم من الإنهاء.
- النباح المصاحب للذة أهم من اللذة.
- دعني أنبح، يا دين الرب!
راح ماكبث ينبح بينا بانكو يقهقه.
- سأتركها تعلوني.
- أنت الرئيس المدير العام القادم للبنك العالمي!
- هكذا، نعم، هكذا، صاح ماك، وهو يرفع العاهرة فوقه، ويُنزل.
- تجيب كلاب مانهاتن على نباحك، عبس بانكو.
- هذا لا يبشر بخير.
- إذا ما نبحت كلاب مانهاتن في هذا الظرف الصعب لمعلمتك هذا يعني أن الناس بدأت تستيقظ.
- الحقيقة التي لا غبار عليها أن ماكبث سيبلغ غايته.
- لهذا أنت لا يَغِثُّ عليك كلام، لا يعجز عنك مستحيل.
- لا تغدق عليّ الثناء، خراء!
- أرضك لا يطير غرابها.
- نسيت أن الأنثى تغذي صغارها، بالرغم من أن قضيبًا لي.
- تعرف المسألة كنه المعرفة.
- لن تربح دانكان الانتخابات.
- ستربح.
- لن أدعها تربح.
- سأقف إلى جانبك دومًا.
- أيضًا، نعم، أيضًا، صاح ماك بأعلى صوت، وهو يحرك العاهرة فوقه تحريك آلة اللعب بالنقود.

* * *

في نادي العظماء، جورج واشنطن، لم يتوقع ماك أن يكون استقبال أساطين رأس المال وشياطين الاقتصاد له بتلك الحفاوة، فهو نجيّ الرئيسة المديرة العامة للبنك العالمي ما كانت قامته لترقى إلى أكعابهم. تعاملوا معه تعاملهم مع مدير الحملة الانتخابية لأول رئيسة قادمة للولايات المتحدة، فحيره الأمر، في البداية، ثم ما لبثت حيرته أن تضاعفت أضعافًا مضاعفة، ليس لاهتمامهم به، لاهتمامهم بها. لاحظ بانكو اضطرابه، فهمس في أذنه:
- إن نبحوا انبح، وإن عضوا عض، وبعد ذلك يفرجها الفرّاج.
لم يسمع ماك لصديقه، لأنه يعلم تمام العلم أن مصير الانتخابات الرئاسية يتوقف على هذه النخبة من البشر الآلهة، وأن كل شيء يتم قبل فرز الأصوات في هذا النادي الشيطاني، كل شيء يتم هنا، وبعد ذلك كل شيء يتبع.
- برنامج دانكان يتطلب إعادة النظر في كل شيء، أبدى ماكبث.
- برنامج كهذا يسكّن الجائعين بالشوربة الشعبية لا أعظم منه، قال أحد العظماء.
- وعودها كثيرة، لاعقلانية، محو كوبا، وتثوير الفاتيكان، وتعميم الموضة الباريسية، قذف النجيّ.
- واحتلال بلدان النفط في العالم أجمع، لا تنس هذا، قال عظيم ثان.
- لا تنسوا أيها السادة كونها امرأة!
- نحن لا ننسى، قال عظيم ثالث، نحن معها لكونها امرأة. ابتسامتها ستكون لتكشيراتنا ما ينقصنا من لآلئ لأربع سنوات، وبعد ذلك سنقرر بخصوص العهدة الثانية.
- إذا ما نجحت دانكان في تركنا على حل شعرنا، عاد العظيم الأول إلى القول، وهي برأيي ستنجح، كنا لها الضامن لأربع سنين أخرى.
- بانكو له رأي آخر، أحرج ماكبث صديقه.
- الحقيقة أن رأيي من رأي العظماء المحيطين بي كسُوار الألماس من كل جانب، تلعثم بانكو.
- لا تكن متسلقًا، يا بانكو! قال العظيم الثاني.
- معنا لا ينفع التسلق! قال العظيم الثالث.
- كن كمعلمك أحسن لك! قال العظيم الأول.
- لا حاجة بي إلى التسلق، نفى بانكو، سيعلو ماك مع معلمته، وسأعلو بدوري مع معلمي.
- عين العقل، قال العظيم الثاني.
- خير الكلام ما قل ودل، قال العظيم الثالث.
- لن نغطي الشمس بالغربال، قال العظيم الأول.
- ولن نغرق في شبر ماء، قال العظيم الثاني.
- بكل ما يحمل هذا من معانٍ، قال العظيم الثالث.
- ونحن في أوج المجد، سرح ماكبث، نحتقر عدم النجاح، فنرى الأشياء التي نملكها والتي لا نملكها أشياء، فقط أشياء، العالم، الكون، الكائنات، فقط أشياء، نراها ولا نعيرها اهتمامًا، لأن النجاح حليفنا، ولا حاجة بنا إلى مد رِجلنا قدر كسائنا، وأنا من وجهة النظر هذه أنحاز إلى رأي الجميع. كؤوسكم.
- كؤوسكم.
- كؤوسكم.

* * *

في مطعم الطاهي الحلواني الفرنسي الشهير "لونوتر"، تناول ماك وبانكو العشاء مع جين. كانت جين شاحبة، ولم تتكلم كثيرًا. عندما سمعت بدعم عظماء نادي جورج واشنطن لداناوي دانكان، أطلقت نفسًا مرتاحًا، وابتسمت.
- هكذا لن يخون النجيّ الأسرار التي ائتمن عليها، ألقت جين.
- ولكن من طبيعة الإنسان الخيانة، رد ماكبث، لا العوم في الغيوم.
- الإنسان لا النجيّ، ردت على رد ماك جين.
- هذا لأن النجيّ حسبك ليس إنسانًا.
- النجيّ حسبي نعامة، يدفن رأسه في الأسرار ولا يبوح بها.
- هل ترى النعامة التي فيّ، يا بانكو؟
- جين تقول الصدق، همهم بانكو.
- كفى تسلقًا، أرعد ماكبث، نحن لسنا في نادي عظماء قفاي!
- بانكو لا يتسلق، أكدت جين، بانكو يرفض منصب نائب الرئيس المدير العام الذي تقترحه عليه، بكل بساطة.
- بكل خرائية!
- بكل خرائية.
- لا أريد أن أعارضك، يا جين، اعترض بانكو، أنا لا أرفض منصب نائب الرئيس المدير العام، أنا أرفض أن أرى ماك شيطانًا.
- شيطان أم ملاك، نرفز ماكبث، أنت تعلم جيدًا أنني سأقتل إذا ما اضطرني الأمر.
- هل رأيتِ، يا جين، لماذا لا أرفض منصب الرئيس المدير العام.
- إذن لا فائدة منكما أنتما الاثنان، تلعثمت جين.
- هذا أفضل من أن تفترضي احتمالاً، قال ماكبث.
- فَرَطَ مني قول، قالت زوجة ماك، هذا كل ما هنالك.
- من فَرْطِ حساسيتك، تهكم ماك.
- هذا لا يُفضي إلى شيء، فَرْطُ الحساسية، علق بانكو.
- بالضبط، أكدت جين، ألا يفضي هذا إلى شيء.
- على عكس جين، واصل ماك تهكمه، أنا فاقد الحس، ما انفككت أعيش في الخيال، وكل ما أفعل في الواقع بدافع هذا الخيال، فلا تكون للدموي لون الدم، ولا للبريء طعم البراءة، فأين البراءة في كل هذا؟ الجريمة كالعقاب فلتة لسان، والمجد كالمال فلتة كلام.
- الحديد بالحديد يُفْلَح، تلعثمت جين.
- فلأتظاهر بالفهم أنا بطيء الفهم، ابتسم بانكو.
- تظاهر بعدم الفهم، سرح ماكبث، لما جين فاجأتني في اليوم التالي لرؤية أمي بتراجعها عن واجبها على طريق جريمة المجد، تظاهرتُ بعدم الفهم، وكنت بذلك أريد أن أصيب عصفورين بحجر واحد، إبعاد جين عن كل ما يسيء إليها، وشحني، بعد إبعاد رفيقة حياتي عن مشاركتي أخطر فعل وجودي لي، بِطاقَةِ هذا الإبعاد، فأشعر بهول المسئولية، وبقوة العزلة، أشعر بدمار التجاهل، وبرهبة الاحتقار، فيزيدني ذلك عزمًا ومضاءً على إثبات الذات، وتحقيق كل المعجزات المتمثلة بالجريمة. وبعد ذلك، إذ هناك دومًا بعد ذلك، بعد ذلك، سأعود إلى جين محفوفًا بأكاليل الغار، فأخضعها لرغباتي، بينا ألبي كل رغباتها، فأنا لن ألبي كل رغباتها، لن أكون قادرًا على تلبية كل رغباتها إلا إذا كنت قادرًا على إخضاعها لرغباتي، ولن أخضعها لرغباتي إلا إذا كنت قادرًا على كوني محفوفًا بأكاليل الغار، ولن أكون محفوفًا بأكاليل الغار إلا إذا كنت قادرًا على تحقيق كل المعجزات المتمثلة بجريمتي، ولن أحقق كل المعجزات المتمثلة بجريمتي إلا إذا كنت قادرًا على إثبات ذاتي بتصميم وعزم. فخ هي هذه الحياة ابنة القحبة، كل شيء يترابط فيها، وكل شيء تافه فيها حتى الثمين الذي نقتل من أجله.
لم تعلق جين، ولا بانكو. لم يكن لهما ظل يحدقان فيه، كانا يحدقان فيما قاله ماكبث، في كلماته، وهي تقفز من فمه، وتضيع هنا وهناك.
- سأتركك، يا ماك، استطاعت جين القول.
- أنت لن تتركيني الآن! ارتعد ماكبث.
- سأتركك، عادت جين إلى القول.
- لم أرتكب جريمتي بعد، وها أنا أشعر بكوني مجرمًا دونك، لم أصعد إلى أعلى القمم بعد، وها أنا أنزل إلى الحضيض الأسفل دونك، لم أفقد قواي الجسدية والنفسية بعد، وها أنا أحس بالانحطاط دونك. أين البريء المثير لشفقتي كيلا أشفق عليه؟ أين النزيه المُشفي بي على حافة اليأس كيلا يُشفى غليلي؟ لهذا احتقاري، ولذاك سخريتي. وكأنك تجدين المتعة لرؤيتي أتألم! كان من الواجب أن أكون القتيل، فأبقيك معي، لكنه خطأ قدري. تتمنين لو يفوتني النجاح المنتظر...
- لا، بما أنك لم تفوّت أية فرصة.
- جين، لا تتركيني!
- أنت لا تفهم شيئًا.
- سأعيش إذن مع الجريمة كما أعيش معك.
- ماك... ماك... رجا بانكو.
- جرسون! هتف ماك.
حضر النادل بسرعة خنجر في قبضة قاتل قرر تنفيذ جريمته حالاً.
- الحساب، أمر ماك.
دفع ماك بيد مرتعشة، ولم يترك البخشيش، فاضطر بانكو إلى إخراج بعض القطع من جيبه، وألقاها على الطاولة.

* * *

قبل عدة أيام من الانتخابات الرئاسية، كان آخر استبار في صالح سيدة البيت الأبيض القادمة داناوي دانكان، خمسة وسبعون بالمائة من نوايا التصويت لها، خمسة وعشرون بالمائة لهاكمان خصمها. انقلبت الآية رأسًا على عقب، فطنطنت لها كل وسائل الإعلام السمعية والبصرية، وهنأ الديمقراطيون بعضهم البعض، وماكبث يخفي تحت قناع جميل جريمته البشعة.
- استجيبي لمطلبي، يا داناوي، توسل ماك إلى معلمته على طرف، أريد أن أضاجع رئيسة الولايات المتحدة القادمة.
- ولكنك ضاجعتني منذ عدة أيام، ابتسمت دانكان.
- كانت رغبتك. ككل مرة كانت رغبتك، حرد ماك.
- لماذا لا نتزوج؟ هذا أفضل شيء لك ولرئيسة الولايات المتحدة.
- أنتِ لا ينفع الزواج معكِ، أنتِ لم تولدي لتكوني أمًا.
- سنتفق على ألا آتي بأولاد.
- أنت تثيرين الرغبة وتثيرين السياسة في آن، لهذا سينتخبك الأمريكان رئيسة لهم.
- تقصد أنني أمارس المضاجعة عندما أمارس السياسة؟
- الخيال الشعبي هو هذا.
- لهذا تريد أن تضاجعني؟ لغيرتك من جمهوري؟
- لغيرتي من جمهورك، لغيرتي من كل الأمريكان، وأريد أن أضاجعك على هواي، أن أخترقك من حيث أشاء، وكما أشاء، وأجعلك تصرخين لأول مرة في حياتك كإنسانة.
- أنت تهيجني، أيها الوغد، فتعال، ضاجعني في الحال، واجعلني أصرخ كحيوانة.
- كإنسانة.
- كحيوانة، أيها الغبي، وإلا ما أحسست بنفسي إنسانة.
- في ليلة قمراء، الذئاب التي فينا تعوي دون أن يسمعها أحد، فتغادر حيوانيتها، وتنتظر اللحظة التي تثبت فيها جدارتها، فكيف تثبت جدارتها؟ كل السؤال هنا. الإنساني هو جدارتها.
- فرج المرأة ليس إنسانيًا، فرج المرأة غابة من الوحوش الشرسة.
- لهذا السبب القضيب وهو فيها بكل حيوانيته يجعلها تصرخ بإنسانية. كل ما أسعى في طلبه، يا داناوي، أن ألذك كحيوانة، وأجعلك تصرخين كإنسانة.
- ماكبث، أنت قضيب كبير ليس غير، وكل كلامك كلام الفيلسوف الغبي الذي لك، يثير فيّ رغبةَ حشوِهِ بين رِدفيّ. من القليل أن تراودني هذه الرغبة، ستكون أحد أسرارنا، لكني يا لشد ما أسخر بمثل هذا سر، ولولا كوني على أعتاب مرحلة حاسمة في حياتي، لصحت كي يسمعني الجميع، أريد حشوه بين رِدفيّ! فهذا للنساء يجب ألا يكون عارًا، يجب أن يكون طبيعيًا كالطعام والشراب والذهاب إلى المخرآت.
- اسمعيني جيدًا، يا داناوي.
- كلي آذان صاغية.
- هناك حفلة متنكرة هذا المساء في الهيلتون.
- لا، لا أريد الهيلتون، لسمعتي، افْهَمْ أنني على أعتاب مرحلة حاسمة في حياتي.
- قلتُ متنكرة.
- سيعرفني الناس على الرغم من كل شيء.
- سيرتدي الكل اللباس نفسه.
- وبعد ذلك؟
- لن يفرق الناظر بين واحد وواحد، ولا بين واحدة وواحدة، سنكون كلنا أكساسًا وكلنا أزبابًا.
- وأي لباس هو؟
- سأرسله لك في طرد مستعجل وستجدين في داخله رقم الحجرة.

* * *

"عجل أيها الوقت، ماكبث تأخر كثيرًا عن لقاء ماكبث!"
ستموت معلمته هذا المساء، لكنه كان يعلم بموتها قبل مائة عام. الساحرة أمه لم تكن تعلم، وهو كان يعلم، كان يُعِدّه قبل مولده، فالجريمة إعداد متقن لا علاقة له بالجريمة، والقاتل لا يولد قاتلاً، يولد القتيل أولاً، وبعد أن يتم كل شيء يغدو القاتل قاتلاً. أضف إلى ذلك ماذا يعني القاتل تحت شرط القتل؟ ستعلو مع معلمتك، قالت أمه. في العلو كل التبرير الجوهري للقتل، الوجودي، كقتل الله مثلاً أو قتل النهر.
كان كل المتنكرين في لباس واحد: لباس النعامة. ذيل الريش، المنقار العريض، المساحيق. وبالفعل، لم يكن يُعرف الواحد من الواحد، ولا الواحدة من الواحدة. وكان هناك من يرقص، وهناك من يغني. وكان هناك من يعانق، وهناك من يقهقه. وكان هناك من ينبح، وهناك من يعوي. ظنت داناوي دانكان أنهم قد اكتشفوا أمرها، فغطت وجهها بمنديلها، ولم يكن أحد يبالي بها. أخذت المصعد مع ثَمِلِين حاولوا التحرش بها، فلم تمنعهم. كان عليها أن تلعب لعبة التنكر حتى انتهاء دورها. سارعت إلى مغادرة المصعد حال وقوفه في طابقها، وتركت دون إرادة منها منديلها يسقط من يدها. نادوها لتستعيده، لكنها لم تلتفت. كان قدر النعامة الذي لها ينتظر عند نهاية الممر، وهو قد انتظر كثيرًا.
أول ما اخترقت الحجرة، تلقفها ماكبث بين ذراعيه، وقبلها بعنف.
- أريد أن أخضعك، بصق ماك.
- اخضعني، رجت داناوي.
- من سيمنعني؟
- لا أحد.
- السلطة؟
- لا.
- المال؟
- لا.
- كلاب مانهاتن؟
- لا.
مزق لباس تنكرها، وراح يلعقها من كل جسدها. رغبت في لعقه كما لعقها، فرفض، وقضم حلمتها. صرخت كالحيوان الضال، وقضم شفتها. سقطت في الدم، وقضم مشفرها. عوت كالذئبة التي أطبق عليها الفخ بأسنانه الحديدية، وقَلَبَهَا. اخترقها من بين رِدفيها، بصعوبة في البداية، ثم بسهولة الثعابين. بدأت تخدش وتضرب وتركل، وهو فيها. كان يبحث عن أمه في الجحيم الذي فيها، ليخنق النبوءة، ويخرج من كابوس الحياة، ليذهب بحياته إلى العَلياء مع معلمته، فيستطيع النوم ككل الناس. كاد ينسى أنها ماتت منذ مائة عام، وهو يتثاءب، لكن صرخاتها المطنبة "آه! يا إلهي. أكثر! أكثر! أكثر!" سقطت عليه كما تسقط الصواعق، اختلقت له الأعذار، أعربت عن نواياها. وليتدارك موته، ضغط بيده على فمها بكل قواه، وأحسها بفرجه، وهي تموت من الداخل شيئًا فشيئًا.


يتبع المِصراع الأول القسم الثالث



#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماكبث المِصراع الأول القسم الأول
- شهادات (15) دكتورة ندى طوميش
- شهادات (14) دكتور بركات زلوم
- شهادات (13) دكتور حسام الخطيب
- شهادات (12) دكتور سهيل إدريس
- شهادات (11) دكتور إحسان عباس
- شهادات (10) دكتور جان-فرانسوا فوركاد
- شهادات (9) دكتور محمد بلحلفاوي
- شهادات (8) دكتور جمال الدين بن الشيخ
- شهادات (7) دكتور أوليفييه كاريه
- شهادات (6) دكتور الأخضر سوامي
- شهادات (5) دكتور دافيد كوهن
- شهادات (4) دكتور جاك بيرك
- شهادات (3) دكتور دانيال ريج
- شهادات (2) دكتور أندريه ميكيل
- شهادات (1) دكتور محمد أركون
- ساد ستوكهولم النص الكامل نسخة مزيدة ومنقحة
- اللعبة القذرة لأوباما ونتنياهو وهنية وعباس
- الشعب الفلسطيني لا يستحق العيش!
- ساد ستوكهولم القسم الحادي والعشرون والأخير الجائزة نسخة مزيد ...


المزيد.....




- باتيلي يستقيل من منصب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحد ...
- تونس.. افتتاح المنتدى العالمي لمدرسي اللغة الروسية ويجمع مخت ...
- مقدمات استعمارية.. الحفريات الأثرية في القدس خلال العهد العث ...
- تونس خامس دولة في العالم معرضة لمخاطر التغير المناخي
- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - ماكبث المِصراع الأول القسم الثاني