سقوط نظرية التطور : حقيقة أم تدجيل !

هادي بن رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 4501 - 2014 / 7 / 3 - 18:16
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

لا بد أن تعترضك على مواقع التواصل الإجتماعي وفي مقاطع فيديو الدعاة المسلمين تلك العبارة السحرية الغامضة التي تبعث الإطمئان في قلب صاحبها وهي " العلم الحديث والغرب فندا نظرية التطور والداروينية سقطت... " يحتج هؤلاء بأن سبب شهرة نظرية التطور واحتكارها تفسير اختلاف اشكال الحياة وسط المجتمع العلمي يعود الى السلطة السياسية والتي تعمل حسب نظرية المؤامرة لديهم على فرض نظرية التطور بالقوة لاسباب ايديولوجية واهداف معادية للدين ... !


في فترة حكم جورج بوش الابن المسيحي عدو الداروينية الاول واتباعه المحافظين الجدد رفع احد اولياء التلاميذ دعوى قضائية ضد مدير المدرسة المسيحي لمحاولته ادماج "نظرية التصميم الذكي" بالمنهج الدراسي ... في تلك الحادثة الشهيرة وقف المجتمع المسيحي والمحافظون الجدد الى جانب مدير المدرسة واعلنوا الحرب على الداروينية ... وبينما كان الامر يعرض على القضاء اتفق المسيحيون بامريكا على رفع قضايا ضد الداروينية بكل الولايات في صورة الحكم لصالح الخلقية ... جند المجتمع المسيحي حينها باحثيه وعلمائه المسيحيين لتقديم حجج تدعم الخلقية وفعل التطوريون من اساتذة وعلماء احياء المثل ... انتهت المحاكمة في النهابة بالحكم لصالح التطوريين واتهام الخلقيين بمحاولتهم تدريس نظرية دينية نابعة من سفر التكوين تحت غطاء العلم ومصطلح "التصميم الذكي" وذلك ما يعارض الدستور الامريكي الذي يفصل بين الدين والدولة (http://www.youtube.com/watch?v=L5baVGgdFVQ) ...


(1)" وقد كلف القاضي جون جونز (John E. Jones III) للنظر في هذه القضية . وهو قاضي من الحزب الجمهوري عينه الرئيس جورج بوش كقاضي فيدرالي في عام 2002. وبالرغم من انتماءات القاضي، إلا أنه استند إلى الحقائق والبحوث العلمية التي طرحت أمامه بعيدا عن منطلقات أو اعتبارات دينية أو شخصية. وخلال سير القضية، عرضت أمام القاضي الكثير من البحوث العلمية التي تثبت الأدلة على نظرية التطور. وقد نشر الكثير من الشهادات على مواقع الإنترنت منها شهادة الدكتورة البروفسور باربرا فورست والدكتور البروفسور بول جروس (موقع فيه الشهادات). إلا أنه من المضحك أن عددا من أعضاء المجلس تبين كذبهم في إفاداتهم وكانوا قد حلفوا اليمين أمام القاضي. في نهاية القضية صدر الحكم بتاريخ 20 ديسمبر 2005 وقضى بأن مبدأ التصميم الذكي ليس “من العلم” وتدريسه في المدارس العامة يعتبر مخالف للدستور الأمريكي. إن صدور هذا الحكم يمثل انتصارا للعلم كما تقول الدكتورة فورست، وأن مشكلة المتدينين والمتبنين لفكرة التصميم الذكي أنهم كذبوا ويكذبون بتعليم نظريات لم تثبت علميا ويريدون تدريسها في فصل العلوم على انه علم."


انتصرت نظرية التطور اذا اما قاض جمهوري وفي فترة حكم بوش عدو نظرية التطور -كما سبق ان صرح بذلك- ورغم ذلك يعتقد المسلمون بأن مؤامرة تحاك ضد الدين بينما الظروف التي جرت فيها المحاكمة تفند تماما نظرية المؤامرة ... الغريب في الجدال بين التطور والخلقيين المسلمين أن الكنيسة قد اعترفت بصحة ما ذكره داروين في كتابه "اصل الانواع" وهي من جندت سابقا ولازالت تجند مئات العلماء المسيحيين للدفاع عن الخلقية ( انتقلت اليوم للقول بأن المسار التطوري قد تم تخطيطه من قبل مصمم ذكي / الله) ... اما العالم الاسلامي فلا يملك عالم أحياء شهير واحد وتجده اول الرافضين للداروينية .. من المغالطات التي يستعملها المؤمنون في حربهم على التطور اضافة الى "لماذا توقف التطور" و "لماذا توجد قردة حتى اليوم " هي مغالطة " فكيف نشأت الحياة اذا" .. لم يتحدث داروين ابدا عن أصل الحياة في كتبه ولا علاقة لنظرية التطور بهذا الموضوع وهو ليس من مشمولاتها فالتطور يشرح لنا ان سبب اختلاف اشكال الحياة يعود الى سلف مشترك متغير منذ القدم ... دائما ما درج المؤمنون على استعمال مغالطة الجهل .. وهي أن جهلنا بكيفية نشأة الحياة يعني وجود كائن غيبي يقف وراء التصميم الذكي للكائنات ... وهكذا يقفزون من غموض نشأة الحياة إلى الاستدلال على وجود الإله الذي يؤمنون به ! فيستدل المسلمون بذلك على وجود الله والهندوس على وجود فيشنو وهكذا ... احدى اخر اشهر المناظرات بين التطوريين والخلقيين كانت بين بيل ناي ممثلا عن التطوريين وكين هام ممثلا عن الخلقيين ... دامت المناظرة لقرابة الساعتين ( المناظرة مترجمة في 5 أجزاء http://www.youtube.com/watch?v=SQbbXCPTm6E ) وانتهت كالعادة بهزيمة الخلقيين وارتفعت نسبة البحث عن المقالات المتعلقة بداروين ونظرية التطور في صفوف الشعب الامريكي اكثر الشعوب تشبثا بالمسيحية واكثرها رفضا للداروينية ... ( "Bad news for Ken Ham: Millennials’ views on evolution are evolving / ارتفاع نسبة الشباب الامريكي الباحث عن نظرية التطور وكتب ومقالات داروين وكل مايتعلق بنظرية التطور : http://bit.ly/MNnrdh " ) ...


الصراع بين التطور والخلقية يلخصه أستاذ علم الاحياء التطوري بجامعة شيكاغو "Jerry A.Coyne" في كتابه " why evolution is true " : "فخلال أكثر من خمس وعشرين سنة من التدريس والدفاع عن التطور البيولوجي, تعلمت أن الخلقية كلعبة المهرج السمين القصير القابل للنفخ التي لعبت بها في صغري: عندما تلكمها تهبط, لكن بعد ذلك تنتفخ مجددا . واذا كانت قضية بلدة Dover قصة أمريكية, فإن الخلقية ليست مشكلة أمريكية على نحو فردي. فإن الخلقيين الذين ليسوا بالضرورة أن يكونوا مسيحيين فقط يرسخون مواطىء أقدامهم في اجزاء أخرى من العالم, خاصة في الولايات المتحدة وأستراليا وتركيا . تبدو المعركة لأجل التطور لا تنتهي . والمعركة هي جزأ من حرب أوسع , حرب بين العقلانية والخرافة ..."


الخلقيون فشلوا في مناظراتهم مع التطوريين .. فشلوا في الانتصار في المحكمة امام قضاء عادل وقاض جمهوري وتحت حكم المحافظين الجدد .. واخر هزائمهم هي منع وزارة التعلـيم البـريطانية تدريس نـظرية الخلق في المدارس الحكومية ... مع ذلك لازال الكثيرون يصرخون بان النظرية قد سقطت وذلك نابع من النرجسية التي غرستها فيهم النصوص المقدسة وهو ما دفع بأحد اساتذة الازهر في مقابلته مع الملحد المصري أحمد حرقان للقول بان "العلم الحديث" قد قام بدحضها دون أن يكون قد قرأ عنها وانتقل ليحمد الله على نعمة الاسلام ! .. لحسن حظنا أن البلدان الغربية قد قامت بفصل الدين عن الدولة وسلطته على العلم .. فحين يحكم الدين قبضته على العلم يجعله خادما للنصوص والفهم البدائي للنصوص .. اما تحرر العلم من سطوة الدين فذلك يجبر المتدينين على اعادة تفسير نصوصهم الاف المرات مع كل اكتشاف علمي جديد .. البارحة كان يكفر ويقتل من اعتقد بالداروينية .. واليوم أجبروا على الالتواء على معاني النصوص لتكون موافقة لنظرية التطور ... لو استمر الحكم الكنسي باوروبا والاسلامي بالعالم العربي لكان المجتمع العلمي مجبرا على البحث عن سفينة نوح وعن أدلة سكون الارض ودوران الشمس حولها وإثباتات لكون أرضنا كوكبا مسطحا وكل ذلك لإرضاء قدسية النص وتضليلنا عن الحقيقة ... وبالمناسبة لو قامت الكنيسة بمقاومة الفقر والمجاعة بدل تمويل بعثات البحث عن سفينة نوح لكان ذلك أفضل للبشرية وأعظم ثوابا عند الله - على افتراض وجوده - ...

---------

(1) : http://www.doroob.com/archives/?p=6721

#هادي_بن_رمضان (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل