أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - ثلاثة أشكال للطائفية في المشرق















المزيد.....

ثلاثة أشكال للطائفية في المشرق


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 4496 - 2014 / 6 / 28 - 13:44
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


في لبنان الطائفية نظام.
انبنى النظام اللبناني على تقاسم السلطة طائفيا. عبر ربط السكان بمنابتهم الطائفية، جعل النظام الطوائف أقنية إلزامية للفاعلية السياسية، لا خيارات سياسية للسكان خارجها. النظام اللبناني طائفي ليس بمعنى أنه يمثل مصالح طائفة بعينها، ولكن لأنه مبني على التقاسم الطائفي للسلطة، وعلى تقوية الطوائف على حساب المواطنين الأفراد من جهة، وعلى حساب الدولة من جهة ثانية. الدول اللبنانية لا تشد الأفراد إليها، بل إلى طوائفهم، وعلى حسابها هي. وفر النظام اللبناني للأفراد والمجموعات المستقلة مساحات واسعة نسبيا من الحرية حيال الدولة، لكن مساحات أقل حيال الطوائف.
في سورية الطائفية أداة حكم.
جرى منذ وقت مبكر من عهد حافظ الأسد تطييف متسع للقوى الأمنية العسكرية المولجة بحفظ أمن النظام. وبقدر ما أن النظام يقوم أساسا على مركزية الوظيفة الأمنية، فإن تطييف هذه الوظيفة يعني ترقية الطائفية لتكوين أداة حكم أساسية (أما الغاية فهي البقاء في السلطة "إلى الأبد"). لا ينال من ذلك الأقنعة الإيديولوجية المسدلة على وجه هذا الواقع، وتحديدا قناع الوحدة الوطنية من جهة، ومواجهة المخاطر والمؤامرات الخارجية التي تستهدف الوطن من جهة ثانية.
يشارك الإكراه أيضا في حجب هذا الواقع، وتحديدا عبر احتكار أجهزة المخابرات تعريف وطنية السوريين، ما يضعهم في كل حين موضع المتهمين بالارتباط بجهات أجنبية، أو بالطائفية. وعبر الإكراه وتعريف الوطنية على هذا النحو (ليس بالحرية والمواطنة وحكم القانون مثلا) يجري حجب حقيقة أن هذه الأجهزة بالذات طائفية التكوين، وفيه أكثر من غيرها تتجسد روابط النظام الخارجية.
يعمل على حجب هذا الواقع أيضا حجاب بنيوي يتمثل في "الدولة الظاهرة" أو العامة، مؤسسات الإدارة والتعليم والجيش العام التي يتعامل معها السوريون في حياتهم اليومية، بالتمايز عن "الدولة الباطنة" أو الخاصة، المركب السياسي الأمني (ومنذ نحو عقد: المركب السياسي الأمني المالي) الذي يملك القرار السياسي، وصفته الطائفية حاسمة.
وعلى هذا النحو يجري حجب الواقع الطائفي بأقنعة إيديولوجية وقمعية وبنيوية، ما يشير إلى حرج من الطائفية أو تخصيص طاقة كبيرة لكبتها.
وكان العراق أقرب إلى النموذج السوري أيام صدام، وهو اليوم يعرض ملامح من النموذج اللبناني مع تسلطية طائفية شيعية، وتبعية واسعة لإيران.
على أننا نتبين ضربا جديدا من الطائفية في بضع السنوات الأخيرة، يزداد انتشارا في سورية ولبنان والعراق وغيرها. يتعلق الأمر هنا بطائفية مبدئية مقاتلة، لا تعاني من أي تأنيب ضمير، ولا تعرض أي قدر من التردد في التعبير عن نفسها، بل هي فخورة فعلا. السلفيون الجهاديون الذين يتكلمون على محاربة النصيرية والشيعة في سورية طائفيون مبدئيون فخورون. وفي الفضاء العام في سورية تسمع الأغاني الشيعية تستنفر باسم الحسين وزينب ضد يزيد والأمويين، ولم يتستر جنود الأسد وهم يجبرون أحد ضحاياهم على تأليه بشار وماهر، أو وهم يجاهرون بصفتهم العلوية بينما يعذبون ضحايا آخرين، وفي الإعلام الرسمي ذاته انخفضت عتبة ممانعة التعبيرات الطائفية والتعليقات الطائفية الفظة. ومثلهم حسن نصر الله الذي يجاهر بالولاء للولي الفقيه ويقوم بواجبه الجهادي في سورية بتنسيق مع الحرس الثوري الإيراني، أو نوري المالكي الذي قال قبل سنوات إنه شيعي أولا وعراقي ثانيا، ونسب إليه مصدر أميركي قبل حين القول إنه لا يثق بالسنيين العراقيين ويكرههم.
نحن هنا أمام طائفية فاجرة، قوية القلب، لا تكتفي بالامتناع عن حجب وجهها، بل تجعل من السفور عنه واجبها وقضيتها، الكلام باسم أهل السنة أو أهل البيت أو العلويين. هنا الطائفية ماهوية، تنبع من تعريف الجهات المشار إليها لنفسها وموقعها ودورها، وليست أداتية، يجري توسلها بغرض الحفاظ على الحكم، على ما كان الحال في نظام صدام وفي الحكم الأسدي.
الطائفية هنا هوية.
كيف انتقلنا من "خفر الطوائف" بتعبير أحمد بيضون إلى فخرها، ومن حيائها إلى فجورها؟ ما كان منبع الخفر والحياء أصلا؟ إنه دون ريب الوطنية كنزعة إيديولوجية وسياسية للإعلاء من شأن ارتباطنا بأرض ودولة وشعب، واعتبار ذلك تعريفنا الأول والأسمى. يتولد من الهوية الوطنية ضمير وطني، يحث على إنكار روابطنا العضوية أو التقليل من شأنها في رسم خياراتنا العامة. اعتبار الطائفية عيب وطني هو مصدر الخفر الطائفي.
لكن هذا الضمير تآكل تدريجيا تحت وقع التعارض بين وظيفته الكابتة، ووقائع السياسة الفاقعة. قبل الثورة بعقود كانت سورية تحولت إلى "سورية الأسد"، ما يعني أنها مغترب لقطاع من سكانها، وإن شعر قطاع آخر أنهم في بيتهم فيها. لم تعد "وطنا" نتساوى فيه، ويفوق ارتباطنا به أية فوارق بيننا. أيُّ ضمير وطني يمكن توقعه حين لا نكون أمام وطن يتماهى فيه الجميع بقدر متقارب؟ وأثناء الثورة تم الإجهاز على الرابطة الوطنية والضمير الوطني عبر معاملة بيئات الثائرين السوريين كما يعامل مستعمرون بلدا مستعمرا. وهو ما فتح أبوابا واسعة للتحول على مستوى النظام ذاته من الطائفية كأداة حكم إلى الطائفية كهوية.
وتكفل عراق صدام بحرق قلوب قطاع واسع من محكويمه الشيعة (والكرد، طبعا). وحطم النظامان مجموعات المعارضة اليسارية والعلمانية، ما وفر وضعا ملائما لنشاط من يعارضون نظام صدام بوصفهم شيعة مثل المالكي، وقبله الجعفري، ومن يعارضون النظام الأسدي بوصفهم سنة، بخاصة بعد الثورة. وبينما كان الإخوان المسلمون يعرضون قدرا من الخفر كتنظيم (وليس كأفراد: بينهم طائفيون مجاهرون)، يتصدر اليوم السلفيون، وهم طائفيون مبدئيون فخورون.
أما اللبنانيون فيطالهم الفخر والفجور الطائفيان من تلاقي دور نظامهم في تثبيت الطوائف كوحدات سياسية، ومن انكشاف داخلهم الوطني بفعل الطائفية ذاتها، وسهولة تأثره تاليا بأوضاع محيطه .
تداعى الضمير الوطني في جميع الحالات، فلم يعد الكلام الطائفي والسلوك الطائفي يثير شعورا بالذنب أو يقتضي الكبت.
أما يجعل الطائفية مبعثا للفخر فهو أن هناك ضرب من أوطان بديلة، تدين السيادة فيها لنا، للشيعة، للسنة، للعلويين. الطائفية هي الوطنية الخاصة بهذه الأوطان.
ولا يتحتم أن تتكون هذه "الأوطان" من طوائف نقية، لكن لا بد أن تكون السيادة فيها لطائفتنا. لا يريد بشار الأسد دولة علوية، ما يريده هو كيان أوسع، السيادة فيه لعائلته وأهل ثقته. ولا يريد حسن نصر الله دولة شيعية في لبنان، أو كيانا شيعيا يربط لبنان بإيران عبر سورية والعراق، بل يحب أن يكون عاملا في كيان أوسع، على أن تكون السيادة فيه للولي الفقيه. ولا تريد إيران أن تتوسع لتشمل مواطن الشيعة حولها، بل تريد أن تدين السيادة لنظام الولي الفقيه على مناطق مختلطة. أما السلفيون الجهاديون فلديهم ميل أقوى من غيرهم لإبادة من لا يشبهونهم، ولذلك فليس لهم من مشروع غير الحرب الدائمة.
في كل حال، السيادة إخضاع وفتح وليست هيمنة وإقناعا، وسيطرة مباشرة وليست قيادة سياسية ومعنوية، هذا حين لا تكون إبادة ومشروع قتل عام. هذه امبراطوريات قاتلة، وليست حتى دولا استبدادية.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فراس
- -تغيير المجتمع-: ثلاث تصورات وثلاث تيارات
- قضية مخطوفي دوما الأربعة ومواقف تشكيلات المعارضة السياسية
- سميرة الخليل
- القضية الأخلاقية ضد اختطاف سميرة ورزان ووائل وناظم
- حول تغطيات إعلامية غربية ل-ما يجري في سورية-
- من مثال الدولة إلى المقاومات الاجتماعية
- أبو عدنان فليطاني
- سورية تحت احتلالين، وهناك حاجة لحركة تحرر وطني جديدة/ حوار
- -القاعدة-... امبراطوريتنا البديلة
- تطور لا متكافئ مركب للأوضاع السورية
- مقاومة بالتذكر: جانب من سيرة دعوة -المصالحة الوطنية-
- الكتابة بالعين والكتابة بالعينين
- نظرة إلى اقتصاديات السياسة والحرب والعمل العام
- بصدد تحركات بشرية مرافقة للصراع السوري
- ثلاث ملاحظات على مقاربات سيمورهيرش وروبرت فيسك
- أربعة أبطال واضحين في أسطورة...
- فرصة لثقافة تحررية، ولسياسة مغايرة
- الثورة والسياسة: ميادين عمل
- سورية والعالم/ سورية في العالم


المزيد.....




- بسبب متلازمة -نادرة-.. تبرئة رجل من تهمة -القيادة تحت تأثير ...
- تعويض لاعبات جمباز أمريكيات ضحايا اعتداء جنسي بقيمة 139 مليو ...
- 11 مرة خلال سنة واحدة.. فرنسا تعتذر عن كثرة استخدامها لـ-الف ...
- لازاريني يتوجه إلى روسيا للاجتماع مع ممثلي مجموعة -بريكس-
- -كجنون البقر-.. مخاوف من انتشار -زومبي الغزلان- إلى البشر
- هل تسبب اللقاحات أمراض المناعة الذاتية؟
- عقار رخيص وشائع الاستخدام قد يحمل سر مكافحة الشيخوخة
- أردوغان: نتنياهو هو هتلر العصر الحديث
- أنطونوف: واشنطن لم تعد تخفي هدفها الحقيقي من وراء فرض القيود ...
- عبد اللهيان: العقوبات ضدنا خطوة متسرعة


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - ثلاثة أشكال للطائفية في المشرق