أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - فرصة لثقافة تحررية، ولسياسة مغايرة















المزيد.....

فرصة لثقافة تحررية، ولسياسة مغايرة


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 4411 - 2014 / 4 / 1 - 19:16
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


يرى الصديق حازم صاغية أن الوضع السوري يمكن أن يكون "فرصة (ثقافية) للسوريين، وربما للعرب" ("الحياة" 29/3/2014). يتكون هذا الوضع العضال من تفاعل ثلاثة قوى: "النظام بعنفه الهمجيّ المصحوب بالتحلّل الميليشيويّ"، و"الثورة التي تكاد الحرب الأهليّة والأزمة الإقليميّة تبتلعانها فيما يتضخّم جيبها الإسلاميّ التكفيريّ على حساب جيبها الأقلّ إسلاميّة وغير التكفيريّ"، وامتناع التدخل الغربي. وفي مواجهة هذه الحال يزكي حازم تحولا مرغوبا في التركيز من "السياسي" إلى "الثقافي"، بمعنى يحيل إلى "مسؤوليّة الشعوب والجماعات عن مصائرها وبلدانها في صيغتها الوطنيّة الراهنة أو في صيغ أخرى". ليس هذا واضحا تماما، لكن يبدو بالفعل أن الثورة السورية، والأوضاع القصوى التي تواجه السوريين منذ ثلاث سنوات، تدفع إلى إعادة نظر جذرية تطال الدين ودوره العام والسياسات المبنية عليه، والدولة ومؤسساتها والنظام السياسي، والغرب، وجدارته في أن يكون قوة عالمية عامة، فكرية وقيمية، وسياسية.
في أوقات سابقة للثورة كنا نقول إن صون استقلالنا الأول، الاستقلال عن أية سيطرة أجنبية، مرهون بنيل استقلالنا الثاني، أي التخلص من الاستبداد وسيادة الناس على مصيرهم، وأن هناك استقلال ثالثا، أساسيا، "الاستقلال عن السماء" الذي يؤسس للحرية الداخلية والروحية، ويشرط كل حرية ممكنة في مَواطننا. في مواجهة مطالب الاستقلال الثاني، كان حامي الاستقلال الأول المفترض، النظام، هو من دعا أجانب من إيران ولبنان والعراق لاحتلال البلد ومساعدته في قتل محكوميه الثائرين. وفي تضاعيف معركة الاستقلال الثاني ذاتها، وفي مواجهتها أيضا، ظهرت أشكال استعمارية من الحكم الديني، تجمع بين الأجنبية والتعالي على المحكومين مثل كل استعمار، وبين التحكم بهم بالعنف مثل النظام الأسدي، وبين التكفير كعقيدة مشروعة لإباحتهم وإبادة الثائرين منهم.
وفي خلفية ذلك كله، هناك ما يتجاوز امتناع الغرب عن التدخل. الأميركيون تدخلوا منذ وقت مبكر نسبيا، ومرارا، عند قوى إقليمية مؤثرة كي تمتنع عن مساعدة الطرف الأضعف في الصراع السوري، الثائرين المسلحين. هذا دون قول شيء عن أن الأوضاع التي ثار السوريون ضدها متشكلة بفعل تدخل غربي مديد، أميركي تحديدا، "دوْزن" أوضاع الإقليم ككل حول أولوية "الاستقرار"، أي لمصلحة النظم الحاكمة ولغير مصلحة الشعوب، وهذا في منطقة مدولة تكوينيا كما يدل اسمها ذاته: "الشرق الأوسط". القصد أن الأمر بعيد جدا عن تدخل غربي ممتنع، أن هناك تدخل أميركي فعلي لغير مصلحة الثورة، يضاف إلى التدخل البنيوي الذي شكل الأوضاع في صورة مناسبة للأقوى.
لدينا في المحصلة مزيج من استعمار قاتل (إيران وحالش...)، وطغيان قاتل (النظام الأسدي)، ونظام استعباد ديني قاتل بدوره (داعش وأخواتها)، دون سند سياسي أو قانوني عالمي.
ودون سند قيمي أيضا. الإعلام الغربي منشغل بالاستعمار الديني لداعش وأشباهها، وساكت عن استعمار إيران وأتباعها، وعن جرائم النظام الأسدي. واليمين واليسار الغربيان متحدان على نحو غير مسبوق حيال كفاح السوريين. والحكومات الأوربية نصبت أسوارا صينية في وجه اللاجئين السوريين، تثير في النفس شعورا بالاحتقار العميق. تبقى أصوات منفردة لمثقفين وفنانين وناشطين سياسيين ينقذون شيئا من كرامة الغرب.
الاستقلالات الثلاثة تفرض نفسا في آن واحد، وليس بالتعاقب. هذا مستحيل سياسيا، لكن لا شيء يحول دونه ثقافيا. بالعكس إنه فرصة لتفكير جذري في حالنا في عالم اليوم وحال عالم اليوم حولنا. تفكير جذري بمعنى أن لا يستند إلى مثال ناجز. لا نجد حلال لمشكلتنا الإسلامية في الغرب، ولا حلا لمشكلتنا الغربية في الإسلام. ليس الإسلام هو الحل، وليس الغرب هو الحل. في تشكلاتهما الراهنة هما في الواقع مشكلتان.
لكن هناك نقد تحرري للغرب ونقد غير تحرري، ونقد تحرري للإسلام ونقد غير تحرري، وحتى نقد تحرري للنظام وإيران ونقد غير تحرري. لا شيء تحرريا في نقد النظام بأنه علوي، أو في نقد إيران بأنها مجوسية أو صفوية. هذا غبي كتحليل، وأغبى كسياسة.
ليس كل نقد للغرب تحرري، هناك نقد "ممانع"، يتوافق مع تعزيز قيم الانغلاق الأوتاركية) والبطريركية في مجتمعنا، ومع الدفاع عن نظم طغيان محلية فائقة الإجرام مثل النظام الأسدي. وأكثر نقد الإسلاميين للغرب من هذا الصنف أيضا. النقد التحرري للغرب هو الذي يوجه إلى منابع السلطة والامتياز فيه، إلى العنصرية الباطنة، ومنطق التفضل الذي يضمر لا مساواة جوهرية في أي تعامل بين غربيين ولا غربيين.
والنقد التحرري للإسلام هو الذي يدافع عن مساواة أكبر بين الناس، وحرية أكبر للجميع، وعدالة أكبر للشرائح الأكثر حرمانا من السكان، وليس الذي يدافع عن وجهات تاريخية عريضة، خاوية من أي بعد قيمي، مثل الحداثة والعلمانية، باسم مفهوم مجرد للعقل أو للتقدم. ساد هذا الضرب الأخير من النقد منذ ثمانينات القرن العشرين، ووفر القناع الأنسب للضمير الطائفي في مجتمعنا السوري ذاته، وتوافق مع تفضيلات برجوازية النظم الجديدة. وهو ليس خاليا من القيم التحررية إلا لأنه منفصل كليا عن أي أنشطة أو مقاومات تحررية. في الواقع أظهر أصحاب هذا التوجه تشككا عميقا حيال معارضة النظام الأسدي، ليس الإسلامية منها فقط، بل وحتى من قبل مجموعات "علمانية" من أمثالنا. ولهم في ذلك نصوص ومواقف معروفة، ليس في سجلهم بالمقابل تنديد حتى بأبشع جرائم النظام.
وهو ما يكفي للقول إن ثقافة تنشأ في عزلة عن عمليات الكفاح الفعلية لا يمكنها أن تكون تحررية. بالمقابل، إن الثقافة التي ترتبط بالمقاومات التحررية هي قوة سياسية وفعل سياسي تغييري.
عبر كشف وحشية الممانعة وتسلطية الإسلامية وأنانية الحداثية، وفرت الثورة شروطا لنقد تحرري ولتفكير تحرري، يمكنهما أن يؤسسا لنقلة في الثقافة. وبخاصة لتفكير على أرضية تاريخ غير مغلق، لا نبحث فيه عن حلول في خزائن الماضي أو الغير.
نماذج الحكم الديني التي نراها اليوم، وما في سجلها منذ اليوم من جرائم، وما تثيره من مقاومات، وانقشاع لوهم الحل الديني، فرصة لدفع نقد الفكر الديني والدين إلى الأمام، وفي الوقت نفسه لارتباط هذا النقد بسياسة وبقيم تحررية. المشكلة الكبرى لنقد الإسلام طوال قرن هي ضمور بعده القيمي وضعف انشغاله بقضايا الأخلاقيات والكرامة الإنسانية، ونخبويته ودورانه في مدارات السلطة العليا، وما يتراوح بين النفور والعدء للعامة، واستناده أخيرا إلى خزائن الغرب، أي إلى تصور مغلق للتاريخ (أغلق باب الاجتهاد في شؤونه دون غير الغربيين). هذا تراث يستحق أن يقطع معه. القطيعة معه مساهمة في النقلة الثقافية المأمولة، بقدر ما يمكن للنقد الجذري للفكر الديني أن يكون مساهمة أيضا.
في الهند، في أميركا اللاتينية، في أفريقيا أيضا، تفكير تحرري جديد، متحرر من هيمنة المركز الغربي، دون أن يكون مندارا نحو الماضي. وهو يوفر حتى لغربيين هوامش استقلالية حيال ثقافتهم. لا شيء يحول بيننا وبين المشاركة في الفكر والصراع التحرري العالمي غير استسلامنا لمنطق الاستقطاب، واعتقادنا بأن "الحل" موجود في خزانة ما.
لا حلول في الخزائن. ليس فيها غير الغبار.




#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة والسياسة: ميادين عمل
- سورية والعالم/ سورية في العالم
- عام رابع: من ال-مو معقول- إلى المقاومة
- نهاية جيل من التفكير السياسي السوري، وبداية جيل
- الثورة والسياسة: والنقاش السياسي
- صناعة القتل الأسدية ودور المثقفين
- الثورة والسياسة: سياسيون وغير سياسيين
- الثورة والسياسة: سياسة بلا أفكار
- أين الأخلاق في مشاريع الإسلاميين؟
- رزان...
- ما وراء أنماط الحياة وصراعها
- حوار موسع في شؤون الثقافة والثورة، والإسلام السياسي والطائفي ...
- درب إلى -المنفى-
- الفكرة الجمهورية والثورة السورية
- في مسارات الثورة السورية ومصائرها على أعتاب عامين ونصف من ان ...
- سميرة
- سميرة ورزان... وحال الثورة السورية
- تبدّل موقع الإسلاميين في الحقل السياسي السوري
- خطة متأخرة للتحول الديموقراطي
- منظورات ضيقة في التفاعل السوري التركي


المزيد.....




- روسيا توقع مع نيكاراغوا على إعلان حول التصدي للعقوبات غير ال ...
- وزير الزراعة اللبناني: أضرار الزراعة في الجنوب كبيرة ولكن أض ...
- الفيضانات تتسبب بدمار كبير في منطقة كورغان الروسية
- -ذعر- أممي بعد تقارير عن مقابر جماعية في مستشفيين بغزة
- -عندما تخسر كرامتك كيف يمكنك العيش؟-... سوريون في لبنان تضيق ...
- قمة الهلال-العين.. هل ينجح النادي السعودي في تعويض هزيمة الذ ...
- تحركات في مصر بعد زيادة السكان بشكل غير مسبوق خلال 70 يوما
- أردوغان: نتنياهو -هتلر العصر- وشركاؤه في الجريمة وحلفاء إسرا ...
- شويغو: قواتنا تمسك زمام المبادرة على كل المحاور وخسائر العدو ...
- وزير الخارجية الأوكراني يؤكد توقف الخدمات القنصلية بالخارج ل ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - فرصة لثقافة تحررية، ولسياسة مغايرة