أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - محمد المثلوثي - الجهات الداخلية فقيرة أم مفقرة؟















المزيد.....

الجهات الداخلية فقيرة أم مفقرة؟


محمد المثلوثي

الحوار المتمدن-العدد: 4488 - 2014 / 6 / 20 - 23:33
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


هناك اعتقاد شائع كون السبب الكامن وراء الاختلال الجهوي في تونس بين الجهات الساحلية وما يسمونه الجهات الداخلية ناتج عن شح الموارد الطبيعية لدى هذه الأخيرة وتبدو الصورة وكأن الجهات الداخلية تعاني ما تعانيه من نسب فقر وبطالة عالية ومن تدني الخدمات العمومية وتدهور عام للبنية التحتية من إنارة وماء صالح للشراب ومواصلات...الخ أمورا ناتجة عن حالة طبيعية لا دخل للخيارات الاقتصادية والاجتماعية للدولة فيها. وحين يتحدثون عن الجهات الداخلية فكأنما يتحدثون عن مناطق جرداء منكوبة تستوجب عملا إنسانيا للتخفيف من الكوارث الاجتماعية التي يعانيها سكانها.
لكن لو عدنا للواقع الفعلي لوجدنا أن العكس هو الصحيح. حيث أن المناطق الداخلية تحوز على القسم الأعظم من الثروات الطبيعية. فمناطق الشمال الغربي المصنفة الأكثر فقرا في البلاد تحوز على 75% من الموارد المائية، بينما هي مصنفة من أكثر المناطق التي تعاني من نقص في الماء الصالح للشراب. كما تحوز هذه المناطق على 45% من الثروة الغابية، وهي أيضا في نفس الوقت الأكثر تضررا من النقص في شبكات التنوير العمومي وفي وسائل التدفئة. وفي الوقت الذي تقوم فيه هذه المناطق بإنتاج أكثر من 60% من الحبوب والغلال وتحوز على أكثر من 95% من الأراضي الخصبة فإنها أكثر المناطق التي تعاني من سوء التغذية والفقر والبطالة، مما يضطر جزء هاما من سكانها على النزوح الى العاصمة وبقية المدن الساحلية.
أما لو ذهبنا جنوبا فإننا نجد أن ولاية قفصة التي مثلت بؤرة دائمة للاحتجاجات ضد الفقر والبطالة والتلوث وانتشار الأمراض المستعصية، نجدها قد ساهمت سنة 2010 مثلا ب783 م.د كرقم معاملات لشركة فسفاط قفصة فقط. والمجمع الكيميائي الذي يعتمد بالأساس على تلك الثروة المنجمية قد أنجز رقم معاملات سنة 2010 مقدر ب2737 م.د. هذا اضافة للانتاج الزراعي وتربية الماشية.
وسيدي بوزيد التي تمثل نموذجا للولايات الفقيرة، فإنها تساهم بأكثر من 20% من الانتاج الزراعي، وتمثل أهم مصادر الثروة الحيوانية في البلاد. وليس خافيا كون القسم الأعظم من الثروة البيترولية (شركة ستير لتكرير النفط أنجزت رقم معاملات سنوي (2010) يفوق 3000 م.د) موجود في مناطق الجنوب والوسط. هذا إضافة لإنتاج التمور الذي تختص به حصريا ولايات الجنوب الشرقي. وفيما تمثل مدنين مركزا مهما من مراكز إنتاج زيت الزيتون فان قابس تمثل أحد المراكز الحيوية للصناعات التحويلية في مجال الطاقة والفسفاط.
وهكذا نلاحظ بسهولة كيف أن المناطق المسماة داخلية تحوز في الواقع على الجزء الأكبر من الثروة الطبيعية للبلاد. وهذا الأمر يجعلنا نستنتج كون هذه المناطق ليست فقيرة بل مفقرة، أي أن ما تعانيه ليس نقصا في الموارد الطبيعية بل هو ناتج عن نظام اقتصادي يستنزف تلك الموارد لصالح الفئات الاجتماعية صاحبة السلطة والسيادة، بينما لا تجني الطبقات المسحوقة في تلك المناطق الا مزيدا من التهميش والتفقير.
الموضوع اذا ليس موضوع جهات "غنية" وأخرى "فقيرة"، فلو أخذنا معيار الثروات الطبيعية لوجدنا أن الجهات المسماة داخلية هي الجهات الغنية، بما أنها تحوز على القسم الأعظم من هذه الثروات، بل الموضوع يتعلق بأسلوب إنتاج وتوزيع الثروة الاجتماعية نفسها. فأسلوب الإنتاج الرأسمالي السائد، والذي يقوم على منطق الربح والمنافسة وما يسمونه المردودية الاقتصادية، لا ينظر للثروات الطبيعية إلا بصفتها مصدرا لمراكمة الأرباح وليس للتلبية المتوازنة والمتضامنة لحاجات البشر. وحتى ملكية الدولة لتلك الثروات لا تمثل "ملكية عامة" مثلما تروجه الدعاية البورجوازية. والواقع يثبت كون ملكية الدولة هي القناع الذي تتقنع به الملكية الطبقية، وأن الثروة الاجتماعية، حتى وهي بيد الدولة، تبقى غريبة عن منتجيها وأصحابها الذين لا يمثلون سوى عبيد مأجورين سواء لبيروقراطية الدولة أو لرجال الأعمال الخواص.
إن التصرف البيروقراطي الفوقي الممركز بيد فئة قليلة من السياسيين (رجال الدولة) في الثروة الاجتماعية، وحرمان الأغلبية من التصرف المباشر فيها، هو السبب العميق في هذه الإختلالات بين الجهات والفئات الاجتماعية. فالتقسيم العادل للثروة يفترض مسبقا أن منتجي هذه الثروة هم أنفسهم من يتصرف في إدارة إنتاجها وتوزيعها بشكل متوازن ومتضامن. فبأي منطق، غير المنطق الرأسمالي، أن تكون بلادنا من أهم منتجي مادة الفسفاط، بينما يعاني الفلاحون من ارتفاع أسعار مشتقات هذه المادة الضرورية للإنتاج الزراعي، وهو ما يتسبب في إرتفاع كلفة المواد الفلاحية عموما؟ وبأي منطق، غير منطق الربح والمنافسة الرأسمالية، أن تكون بلادنا من أهم منتجي زيت الزيتون، بينما تضطر أغلبية السكان لإستهلاك الزيوت النباتية الأقل قيمة غذائية؟ وبأي منطق، غير المنطق الاقتصادي المختل للرأسمالية، أن يتم إتلاف كميات هائلة من الحليب في فترة، لنقوم باستيراد هذه المادة في فترة لاحقة؟ وكيف لمناطق، مثل مناطق الشمال الغربي، أن تغرق بالفياضانات شتاء، بينما يضطر كثير من سكانها لإستعمال أكثر الوسائل بدائية في جلب مياه الشرب؟ أ وليست مفارقة كاريكاتورية أن يتكدس ربع السكان أو أكثر في العاصمة، بينما تعاني مناطق أخرى من تصحر سكاني متفاقم بسبب موجات النزوح المتعاقبة؟ وهل من المنطق أن تقرر حكومة بثلاثين أو أربعين نفرا منتصبين في القصبة ما يحتاجه سكان بن قردان في أقصى الجنوب، أو سكان قلعة سنان في أقصى الشمال الغربي؟
وهكذا فالأمر بالفعل لا يتعلق بتفاوت طبيعي بين المناطق، وحتى إن وجد مثل هذا التفاوت فالدولة لا تفعل سوى مفاقمته، ولا يتعلق بشكل الحكومة، أو بأي حزب سيستلمها (يميني أم يساري). الأمر يتعلق بنظام اقتصادي اجتماعي مختل بطبيعته. وكل محاولات إصلاحه في بلادنا كما في كل العالم أثبتت إفلاسها. والإختلالات والأزمات التي تعرفها بلادنا هي نموذج مصغر للإختلالات والأزمات التي يعيشها النظام الرأسمالي العالمي. لذلك فان ثورة حقيقية، ثورة تليق بإسمها، لا يمكن أن تكون إلا ثورة إجتماعية، أي ثورة تتجه لتغيير هذا النظام الاجتماعي السائد، وتقطع مع كل خياراته وأسلوبه في الإنتاج. أما البقاء عند حدود تغيير حزب بآخر، أو هذا الشكل من الدولة بذاك، فانه لن يغير في واقع الأمور شيئا، ولن يفعل سوى إعادة إنتاج نفس النظام، بكل آلياته الاقتصادية وإختلالاته وأزماته التي لا تنتهي.
والبديل موجود، ولا يتعلق بأحلام طوباوية، أو بايديولوجيات أو عقائد بالية. فإدارة الانتاج وكل الحياة الاجتماعية ممكنة من خلال مجالس اجتماعية منبثقة من أهالي المحليات أنفسهم. مجالس منتخبة لها كل صلاحيات التخطيط والتنفيذ والتسيير. مجالس في الأحياء والبلدات والقرى والمدن تنسق فيما بينها من خلال مفوضيها على المستوى الجهوي والاقليمي والوطني وفق ما تحتاجه أمور الادارة الاجتماعية. مجالس توجه الانتاج الاجتماعي نحو تلبية حقيقية للحاجات الحيوية لسكانها وليس لمراكمة الأرباح في جيوب بورجوازية طفيلية تعيش على جهد وعرق العمال والفلاحين. وفي أسلوب ادارة مجالسي لن تعود هناك سلطة فوقية لا تعبر إلا عن سلطة وسيادة طبقة دون أخرى، ولن يواجه البشر مشاكلهم الجماعية بصفتهم أفرادا أو فئات متنازعة، بل بشكل جماعي متضامن.
فالجهات الداخلية، مثلها مثل الأحياء الشعبية في المدن، تعاني ما تعانيه ليس لنقص في الموارد، مثلما أسلفنا، بل لأن من يتصرف ويدير إنتاج وتوزيع الثروة الاجتماعية هم فئة بيروقراطية منفصلة عن الشعب، بل هي تقف ضده وضد مصالحه، وتواجهه بآلة القمع والترهيب. وإضافة لذلك فهذا الجهاز البيروقراطي للدولة يمثل زائدة دودية تعيش على عرق الشغيلة وتمتص معظم موارده، بل إن حشراته الطفيلية تحوز على الامتيازات المباشرة من خلال الأجور العالية والامتيازات غير المباشرة من خلال استغلال مناصبها في الدولة. كل ذلك على حساب المنتجين الحقيقيين للثروة. لذلك فان هذه الفئة المتسلطة على المجتمع، وبمساعدة ترسانة أجهزة الدعاية والاعلام والمثقفين السلطويين والأحزاب والنقابات والمدارس والمساجد والجمعيات...الخ، تصور أسلوب الادارة المجالسي بكونه فوضى، وأن دعاته فوضويون، وبأنه في غياب جهاز الدولة القمعي فان البشر سيرتدون الى حالة حيوانية يأكل بعضهم البعض. لكن في الواقع فان الدولة نفسها هي مصدر الفوضى، وتحت إشرافها يأكل بعضنا البعض الآخر يوميا، وتعم الأنانية والفردانية والروح الاستهلاكية المريضة، وفيما تبدد أقلية ثروة المجتمع في نزواتها ونفاقها الاجتماعي تحت حماية الدولة، فان أغلبية تعيش كعبيد أو متسولين لدى الدولة. ويقولون لنا بأن هذا هو النظام. انه بالأحرى الفوضى المنظمة بقوة الحديد والنار.



#محمد_المثلوثي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نضالنا ضد البطالة
- عاش عاش الاتحاد....أكبر قوة في البلاد أو -من مغامرات عم حسين ...
- حمة الهمامي يشهر إسلامه
- أسطورة دستة الأذكياء
- الأفكار الاشتراكية في الشرق
- أسطورة الاقتصاد الاسلامي
- لغط حول البروليتاريا
- محاولة في نقد الايديولوجيا
- هل أنتم شيوعيون؟
- الديناصورات لم تمت بعد، -إدفع إنّ ولادة الجديد تتعثر- أو -كي ...
- الكل يريد أصواتنا....لا أحد يسمع أصواتنا
- دستور بلوشي
- انه 1 ماي....تمرد
- سندان السلفية ومطرقة دعاة تطبيق القانون
- ديكتاتورية الاقتصاد الوطني
- نداء لوحدة المجموعات الثورية في تونس
- لماذا يناهض اليسار الانتفاضة السورية؟
- أنتم -فوضويين-...نعم نحن -لاسلطويين-
- التنظيم الذاتي: دروس تاريخية
- نقاش مع صديق اسلامي


المزيد.....




- نيويورك.. الناجون من حصار لينينغراد يدينون توجه واشنطن لإحيا ...
- محتجون في كينيا يدعون لاتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ
- التنظيمات الليبراليةَّ على ضوء موقفها من تعديل مدونة الأسرة ...
- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - محمد المثلوثي - الجهات الداخلية فقيرة أم مفقرة؟