أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - محمد علي مقلد - جورج حاوي: مقطع من وصية لم تكتب















المزيد.....

جورج حاوي: مقطع من وصية لم تكتب


محمد علي مقلد
(Mokaled Mohamad Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 1269 - 2005 / 7 / 28 - 10:59
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


-أيها الرفاق في الحزب، أيها الرفاق في - شعب اليسار-
لم أندهش حين رأيت عشرات الآلاف يمشون في جنازتي، فقد كان حدسي صادقا حين علقت آمالا عريضة على شعب اليسار التقدمي وعلى الشيوعيين خصوصا.
أنا أعتذر منكم فردا فردا، أعتذر لأنني لم أكن أتوقع موتي، ولأنني كنت أعتقد أن العمر سيمتد أمامي لأحقق حلمي في إعادة بناء الوطن والأمة وحركة التحرر الوطني ولمّ شمل اليسار والقوى الديموقراطية... وقائمة أحلامي طويلة، وعلى رأسها استعادة مجد الحزب والحركة الشيوعية. ولهذا وجدت من المبكر علي أن أكتب وصية.
لا أنكر أنني كنت مثيرا للجدل في بعض ما كنت أقوله وأفعله، وأعرف أن الجميع، بمن فيهم الذين كانوا لا يكنون الود تجاهي، كانوا يتعاملون معي بهيبة واحترام. كنت موضوع الجدل، والآن صار بإمكاني أن أكون شريكا وأن أبدي رأيا فيه.
قيل إنني كنت قادرا على قول الشيء ونقيضه، وعلى فعلهما أيضا، وكان يرى البعض ذلك من باب التقلب في المواقف، والنطنطة البهلوانية التي لا يستطيع أن يقلدني فيها، أو أن يلاحق تبعاتها، وذلك عن جهل منه لأمرين على الأقل:
الأول هو أن الشيء، أي شيء، لا يوجد بذاته، بل إن الشيء لا يوجد إلا بنقيضه، هذا انسجاما مع ما كنت أفهمه من الماركسية، وما كتبت الأقلام الماركسية عنه الكثير، ومنه ما قاله مهدي عامل عن >، أو عن >. وهو أن الشيء لا يمكن أن يتجسد أو أن يتمظهر في وجه واحد ووحيد، لأن مثل هذه النظرة الفلسفية ليست إلا من سلالة تقسيم العالم تبعا لثنائية الخير والشر، وإلى تصنيف البشر بين ملائكة وشياطين، وتقسيم الفكر بين مادي ومثالي، وهو ما يتنافى مع حقيقة التناقضات داخل المجتمع وداخل الأفراد.
مثل هذا التصنيف الثنائي الحاد هو في أساس <<الماركسية السوفياتية>> التي قسمت العالم، وقسمناه معها إلى معسكرين اثنين على كل الصعد وفي كل المجالات، وهو في أساس نظرتها إلى الدين والقضية القومية والصراع الطبقي والإيديولوجي، وقد اعتقدت ومن معي من الرفاق في قيادة المؤتمر الثاني أن من الضروري تعديل هذه النظرة، وهو ما فعلناه حقا، أو حاولنا أن نفعله من الستينيات حتى الطائف، حين قررنا أن نتمايز عن المدرسة الأم، وكان تمايزنا النسبي أساسا لنهضة الحزب ودوره الكبير الرائد في صنع الأحداث أو في متابعتها، واحتلاله موقعا مرموقا على الخارطة السياسية اللبنانية والعربية، وأساسا أيضا للدور الذي مكنني الحزب من الاضطلاع به على كل الجبهات.
غداة الانهيارات الكبرى ومن قبيل الدفاع المشروع عن النفس، وفي مواجهة تبعات الانهيار علينا، قرر الحزب الانكفاء والانطواء والانكماش لتأمين مستوى من التماسك ينجيه من مغبة الانهيار. هذا كان رأيا غالبا دفعني إلى مغادرة الأمانة العامة، اعتقادا مني أن بإمكاني أن أتابع التمايز عن المدرسة الأم، في غيابها هذه المرة، ومن خارج الأطر القيادية، لأرفد الحزب بحضانة شعبية من خارجه لا يستطيع تأمينها إلا نهج الانفتاح والمبادرة الذي رفضته قيادة الحزب وفضلت عليه التشرنق على الذات والعودة إلى أصول سبق أن أعلنا موتها في عملية التجديد في المؤتمر الثاني.
هذه النظرة إلى الأمور جعلتني أنعت بعض رفاقي المناضلين، المناضلين حقا، بالأقزام، لأنهم بدلا من أن يستفيدوا من طاقاتي وإمكاناتي التي كنت مصرا على وضعها في تصرفهم، بادلوني صدق انتمائي إلى الحزب وتاريخه ومستقبله بتجديف وتشكيك، وضربوني بكل صنوف التهم وخونوني، أسوة بما فعلته المدرسة الأم في مطلع نضالي، وتجرأ بعضهم على اقتراح فصلي من الحزب! بشرفكم، أليس من تجرأ على ذلك قزما في النضال؟
هذا مثال على <<النطنطة>>. أقزام ومناضلون، اعتذرت منهم لأنهم مناضلون، وأصر على وصفهم بالأقزام لأن على القيادات التاريخية أن ترى بعين التاريخ وأن ترى مصير الحزب جزءا من مصير الوطن، وأن تقرأ التناقضات بعين بصيرة، لا أن تجعل عدوها من هو أقرب الناس إليها، ولا أقصد نفسي، بل أعني كل من يمكن للحزب أن يحتاج إلى جهده داخل التنظيم وخارجه، في الحزب وفي الحركة الشيوعية وفي صفوف شعب اليسار، وعليها أن تتعلم العبرة من الحشد الذي شيعني في مأتمي.
ربما يكمن خطئي في كوني رسمت صورة للقيادة لم يستطيعوا أن يقتدوا بها، أو أنني قدمت نموذجا للأمين العام لم يتمكنوا من استنساخه أو تقليده، أو أنهم تضاءل همهم وصغرت عزائمهم ولم يقرأوا ما قاله المتنبي: <<على قدر أهل العزم تأتي العزائم>>، فضاقت ساحات نضالهم، وضاقت، بفعل ذلك، فسحة الأمل الشيوعي فتفرق الرفاق وتشتتوا وتبعثروا، وظلوا على ضفاف الحزب ينتظرون، فهل كان عليهم أن ينتظروا موتي كي يجتمعوا؟ لكن ما هو ذنبي في ذلك؟ ما ذنبي إذا كانوا هم قاصرين عن النطنطة، أي عن قراءة التاريخ على ضوء الجدل الماركسي، وعن رؤية الشيء بوجوهه المتعددة، وإذا كانوا مصرين على خوض المعارك فعليا، في ساحاتهم الضيقة، في الخندق الواحد، ضد رفاقهم الشيوعيين وضد حلفائهم الطبيعيين وحلفائهم المحتملين، والاكتفاء بمعاركهم الكبرى ضد الاستعمار والصهيونية والامبريالة بشعارات يتسترون بها ويستقوون بها على <<خصومهم>> في الحزب والقوى اليسارية والديموقراطية؟
مع ذلك، أجدد اعتذاري منهم، وأجدد أملي في أن يتعافوا، ليتعافى الحزب، من هذه القراءة المبسطة لعلم التناقض، وأملي في أن يستنهض الشيوعيون حزبهم ويسارهم وقواهم الوطنية والتقدمية من أجل إخراج الوطن من محنته وإعادة بنائه بما يليق بكل المناضلين، ولا سبيل إلى ذلك إلا بلمّ شمل الشيوعيين الذين هم وحدهم المؤهلون لجمع شمل اليسار.
الأمر الثاني، وهو مشتق من الأول، سياسي وليس فلسفيا. يعيدنا إلى لينين لا إلى ماركس. نعم أيها الرفاق، صارت تكتيكاتي مثيرة للجدل التافه في ظل أزمة الحزب. أما في عزه، فهي التي صنعت عزه. فأنا، من موقع حرصي على الحزب، أنا الذي قلت: لو اختلف حزبي مع كمال جنبلاط لوقفت غير متردد مع كمال جنبلاط ضد حزبي، وأنا الذي قلت: لو خيروني بين الانتصار بدون جنبلاط والهزيمة معه لاخترت الهزيمة.
وأنا الذي بذلت ما أملك وما لا أملك من أجل القضية الفلسطينية، كنت أفعل ذلك وأنا أقارع أي نهج خاطئ يتبناه أبو عمار، كنت أقارعه من موقع الصديق والحليف، وكم سقط لنا شهداء في هذه المقارعة، وأنا الذي خاطبته بقائدي ومعلمي وهو الذي اقترف مع الأصولية المحلية بحق حزبي مجزرة طرابلس. وأنا الذي كنت أنادي بالوحدة الفورية مع سوريا يوم كان النهج الأمني السوري يضيق الخناق على المقاومة الوطنية، وأنا الذي رفعت شعار عزل الكتائب ثم كنت أول من زار جعجع في بيته، وأنا الذي أوقفت، باللغة التي فهموها، حملات العنف التي مارستها الوصاية والأصولية ضد الحزب، ثم دعوت إلى وحدة المقاومين... إلخ.
هذه ليست نطنطة، إنها فن قراءة التناقضات وفن إدارتها. يقال إنه لا يوجد في السياسة عدو دائم ولا صديق دائم، لكن أحد وجوه هذا الكلام يرقى إلى قلة الأخلاق، وأنا أجلّ حزبي عن ذلك ولم يكن هذا القول دليلي ومرشدي في ما كنت أمارسه، بل كنت أستند إلى نظرة أخرى في قراءة التناقضات.
في السياسة، كل طرف سياسي يمكن أن يكون حليفا لك في أمر، ويمكن أن يكون، هو ذاته، خصما في أمر آخر. ما يحسم أمر التحالف أو الخصومة معه هو الظرف السياسي. فالثورة الفلسطينية كانت، على الدوام، حليفا في مواجهة الصهيونية وفي معركتها لتكون الناطق الرسمي والوحيد باسم الشعب الفلسطيني، وفي غير ذلك أيضا. وهي كانت خصما دائما في موقفها من الوضع اللبناني وفي سلوكها التنافسي على قيادة حركة التحرر الوطني العربية، وفي غير ذلك. وسوريا حليف دائم في مواجهة الامبريالية، ولو على طريقتها التي قد لا نوافق عليها، وهي خصم في ما يخص إدارة الشأن اللبناني. وما كنا نسميه اليمين اللبناني كان خصما في موقفه من القضية الفلسطينية ومن استدراج الوصاية السورية ومن عملية الإصلاح السياسي الداخلي، لكنه حليف في الدفاع المستجد عن الديموقراطية في مواجهة الوصاية... الخ.
من ناحية أخرى، لا وجود لقوى يمكن وصفها بالديموقراطية المطلقة، أي لقوى هي ديموقراطية بتكوينها الجيني وبالولادة، بمن في ذلك نحن الذين جافينا الديموقراطية بما فيه الكفاية. ومع ذلك كنا نصر في أدبياتنا على دور القوى الديموقراطية في كل المواجهات. وعليه، فالمعيار الحاسم في تصنيفها يعتمد على طبيعة الاستبداد، أي على تحديد العدو الرئيسي أو الخصم الرئيسي، أي على من يجسد الاستبداد في لحظة معينة من الصراع السياسي. هذا ما كان ينطبق مثلا على حركة أمل وقت استمررنا طويلا نناشدها كي تكون حليفا طبيعيا ضد إسرائيل في حين كانت تصر على خصومتنا تنفيذا للسياسة السورية الخاطئة في إدارة الشأن اللبناني. وهو ينطبق على سواها من القوى السياسية اللبنانية، حيث لم تعد قوى <<اليمين>> اللبناني وهي تواجه النظام الأمني اللبناني السوري هي ذاتها، أي بالجينة والولادة، التي كانت تدافع عنه.
من ناحية ثالثة، انا كنت سريعا جدا في الصفح عمن يسيء إلي، وسريعا جدا في معاودة الخصومة معه، ولم يكن ذلك بسبب التقلب في المواقف، بل بفعل الاحتكام إلى قوانين الصراع إياها، أي في تحديد التناقض الأساسي الذي لا يمكن أن يكون هو ذاته، على تقلب الظروف وتغير الأحوال. هذا ما فعلته قبل موتي بساعات يوم انتصرت لحركة اليسار الديموقراطي في الانتخابات النيابية، وأنا أعرف أكثر من سواي كم أساء لي شخصيا وللحزب أعضاء في هذه الحركة قبل تأسيسها وبعد تأسيسها، لكن الصفح عنهم لم يكن من قبيل <<الهبل>> الأخلاقي، بل من قبيل وضع المعركة الانتخابية في سياقها الصحيح وفي إطار الظروف السياسية التي جرت في ظلها. إنها ليست <<نطنطة>>، بل هي قراءة صحيحة وجدلية للتناقضات.
وبعد، ليست هذه النقطة الوحيدة المثيرة للجدل. قد أحدثكم، في مقطع آخر من وصية غير مكتوبة، عن أن قوة الحزب في قوة مبادراته، وعن أن صحة نهجه السياسي تتأكد بحضوره وينفيها غيابه عن الأحداث.
ملاحظة: هذا النص رواه جورج حاوي بنفسه على مسافة سنوات من التواصل والعمل معه، ولو كتبه بخط يده لكان أكثر بلاغة ووضوحا، فهو محدث كان يشد السامعين، إلا الذين أعيتهم حيلة نقاش مواقفه وتبنيها أو الاعتراض عليها.



#محمد_علي_مقلد (هاشتاغ)       Mokaled_Mohamad_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الماركسيون بين اضمحلال الدولة وبناء الدولة
- اليسار بين الأنقاض والإنقاذ - قراءة نقدية من أجل تجديد اليسا ...
- تجديد اليسار أم يسار جديد؟
- قراءة سياسية في نتائج مؤتمر الحزب الشيوعي اللبناني
- رسالة من شيوعي إلى السيد هاني فحص


المزيد.....




- سمير لزعر// الموقوفون، عنوان تضحية الذات الأستاذية وجريمة ا ...
- حاكم تكساس يهدد المتظاهرين في جامعة الولاية بالاعتقال
- حزب النهج الديمقراطي العمالي: بيان فاتح ماي 2024
- تفريق متظاهرين في -السوربون- أرادوا نصب خيام احتجاجاً على حر ...
- بيان مشترك: الاحزاب والمنظمات تؤكد فخرها بنضالات الحركة الطل ...
- رحل النبيل سامي ميخائيل يا ليتني كنت أمتلك قدرة سحرية على إع ...
- رحل النبيل سامي ميخائيل يا ليتني كنت أمتلك قدرة سحرية على إع ...
- الانتخابات الأوروبية: هل اليمين المتطرف على موعد مع اختراق ت ...
- صدور العدد 82 من جريدة المناضل-ة/الافتتاحية والمحتويات: لا غ ...
- طلاب وأطفال في غزة يوجهون رسائل شكر للمتظاهرين المؤيدين للفل ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - محمد علي مقلد - جورج حاوي: مقطع من وصية لم تكتب