|
الماركسيون بين اضمحلال الدولة وبناء الدولة
محمد علي مقلد
(Mokaled Mohamad Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 1216 - 2005 / 6 / 2 - 14:01
المحور:
ملف - الماركسية وافق البديل الاشتراكي
وضعنا ماركس على أول طريق الاستشراف ، لكن ورثته اطمأنوا إلى ما تركه ، على طريقة الرعاة والاقتصاد الريعي . بحثوا عن شجرة مثمرة ولم يزرعوا ، نقبوا في آباره ولم يحفروا بئرا. اتفق الورثة والمريدون على أن ماركس افتتح قارة معرفية جديدة في علم الاقتصاد ، وبرع في توصيف آليات الاقتصاد الرأسمالي ، ومن هذه القارة فتح كوة استشرافه المجتمع الاشتراكي . كان على الورثة ألا يروا في الرأسمالية اقتصادا وصراعا طبقيا وتوسعا وسيطرة ، الخ . فحسب، بل كان عليهم أن يروا فيها حضارة ، أي علما وثقافة وفنونا وعادات وتقاليد وبنية أسرية وطريقة عيش ، الخ . ولأنهم حجزوا أنفسهم ، فكريا ، في قمقم الاقتصاد الرأسمالي ، جاء من يحكم عليهم السجن في صورة مثلثة بدوا فيها أعداء للأغنياء ( بصفتهم يمثلون الرأسمال ) وللدين وللحرية ، ومن هذه الصورة كان مقتل مشروعهم . الرأسمالية حضارة . والحضارة لا تعني تفخيما ومدحا . إن هي إلا مرحلة من تاريخ البشرية ، تختلف عن سائر الحضارات في ميلها إلى أن تكون حضارة كونية ، في حين كانت سائر الحضارات السابقة عليها ذات طبيعة محلية ، أيا كان حجم توسعها ومهما بلغ خيال القيمين عليها وتنامت قدرتهم على الفتوحات . وإن كنا نستبعد التفخيم عن تسمية هذه المرحلة الرأسمالية بالحضارة ، فلأنه ينبغي أن نستبعد التقبيح الذي أطلقه ورثة ماركس عليها ، حيث غدت الرأسمالية ومشتقاتها في قاموسهم شتيمة ومذمة . لا هذا ولا ذاك . الرأسمالية حضارة . وقد سبقها في الزمن نمطان آخران من الحضارة ( ربما ينبغي أن يعاد النظر بالحقبات الخمس ) : الحضارة ( او الحضارات ) الدينية ، التوحيدية وغير التوحيدية ، السماوية وغير السماوية ، وهي كلها ديانات موصولة إلى حبل الصرة الفكرية ذاته ، وفيها انفتح للبشر أفق للسيطرة على الطبيعة بالواسطة ( الله بكل مسمياته والميتافيزيق ) والحضارة ( الحضارات ) ما قبل الدينية التي كان السحرفيها سبيل البشر الوحيد في مواجهة الطبيعة . أما الرأسمالية فقد تسلحت بالعلم . وفي كل الحضارات بنية تحتية وأخرى فوقية ، وهو ما قاله ماركس ، أما الماركسيون فقد ركزوا اهتمامهم على ما اهتم به ماركس وأهملوا ما أهمله : البنية الفوقية وتجسيداتها في الفكر وفي السياسة. ولأنهم أهملوا ذلك كان من الطبيعي ألا يستكملوا ماركس ، وأن يناموا على حرير استشرافه السليم ، واستعاروا من اكتشافاته الاقتصادية مفاهيم فكرية وسياسية ، فأخطأوا في استخدام منهجه ، حين نقلوا نقلا ميكانيكيا مصطلحات ومفاهيم من حقل الاقتصاد إلى حقلي الفكر والسياسة ، فوضعوا أنفسهم في مواجهات خاطئة مع الدين ومع الحرية . اضمحلال الدولة هو المفهوم الأساس الذي بنى عليه الشيوعيون أخطاءهم اللاحقة . لقد اعتقد ماركس أن الحرية التي تحدث عنها هيغل هي الحرية الممكنة في الحضارة الرأسمالية ، أي حرية رأس المال ، حرية الفلاح أن يعمل أولا يعمل في أرض الإقطاعي ، الخ . أما الحرية الحقيقية فلن يبلغها البشر إلا في المجتمع الاشتراكي . وردا على هيغل القائل بأن الدولة (الرأسمالية ) هي التي تجسد الحرية ، قال ماركس إن البشرية لن تعرف الحرية طالما الدولة موجودة ، ومنه انطلق في استشرافه ليقول إن التاريخ الحقيقي للبشرية يبدأ بالاشتراكية وأن ما قبل الاشتراكية هو مما قبل التاريخ . قد يكون القضاء على الدولة أمرا سياسيا ، لكن الدولة ، الرأسمالية أو غيرها ، جزء من حضارة . الماركسيون عموما والشيوعيون على وجه الخصوص استعجلوا قوانين التاريخ وانفوا من المشاركة في بناء الحضارة الرأسمالية لأنهم حسبوها مما قبل التاريخ ، واستحثوا الخطى للقضاء على الدولة الرأسمالية ، ثم استدركوا ، بعد انهيار التجربة ، أن سياسة النيب اللينينية لم تكن تجسد إلا هذا التحدي : تحدي أن يقود الشيوعيون بناء دولة رأسمالية أو أن يشاركوا في بنائها ، إسهاما منهم في تحضير التاريخ للانفتاح على حضارة جديدة كان ماركس قد استشرف معالمها وسماها الاشتراكية في الوضع الملموس داخل بلدان العالم الثالث ، ونحن منه ، بات واضحا أن الخيار أمام الشعوب اليوم لم يعد خيارا بين التخلف والاشتراكية ، أو بين الرأسمالية والاشتراكية ، بل هو بين بناء الدولة الحديثة ، دولة الحريات والديمقراطية ، بالمعنى الرأسمالي للكلمة ، وبين الحروب الأهلية ، أي أن بناء الدولة الأمة وصياغة وحدة وطنية هو السبيل الوحيد لمواجهة التحديات الخارجية التي تفرضها علينا آليات التوسع الرأسمالي . دليلنا على ذلك أن الدول التي نالت استقلالها في منتصف القرن الماضي مهددة اليوم بالعودة ، على صعيد الدولة والمؤسسات السياسية ، إلى مرحلة ما قبل الحضارة الرأسمالية ، إي إلى تفتيت الدول القائمة والرجوع بها إلى مرحلة الدولة العشيرة أوالدولة القبيلة . كل ذلك ليس من قبيل الاعتراض على الاستشراف الماركسي ، بل من قبيل تأكيده . ذلك أن البشرية لم تكن بحاجة إلى مثل هذا الاستشراف حاجتها اليوم إليه .
#محمد_علي_مقلد (هاشتاغ)
Mokaled_Mohamad_Ali#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اليسار بين الأنقاض والإنقاذ - قراءة نقدية من أجل تجديد اليسا
...
-
تجديد اليسار أم يسار جديد؟
-
قراءة سياسية في نتائج مؤتمر الحزب الشيوعي اللبناني
-
رسالة من شيوعي إلى السيد هاني فحص
المزيد.....
-
-كابوس لوجستي-..أمريكي يزور جميع بلدان العالم للتأقلم مع الو
...
-
7 نجمات ارتدين الفستان الأسود الضيّق بقصّات مختلفة
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تصفية 4 مسؤولي استخبارات بإيران بينهم
...
-
ولا تزال السماء تمطر غارات وصواريخ في معركة كسر العظم بين إي
...
-
دمار واسع وارتفاع في حصيلة القتلى.. استمرار التصعيد العسكري
...
-
ألمانيا تستضيف محادثات دولية حول المناخ قبل قمة البرازيل
-
الوحدة الشعبية: الرفيق الدكتور عصام الخواجا حر كما عهدناه
-
إيران: على أمريكا أن تعلن موقفا واضحا من العدوان الإسرائيلي
...
-
وأطلق الكوريون الشماليون النار على الطائرات الأمريكية!
-
انفجار بمصنع ألعاب نارية في هونان جنوب وسط الصين (فيديو + صو
...
المزيد.....
-
الدين/الماركسية نحو منظور جديد للعلاقة من اجل مجتمع بلا إرها
...
/ محمد الحنفي
-
اليسار بين الأنقاض والإنقاذ - قراءة نقدية من أجل تجديد اليسا
...
/ محمد علي مقلد
-
الدين/الماركسية من اجل منظور جديد للعلاقة نحو أفق بلا إرهاب
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|