أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال التاغوتي - مكر الراوي في مسرحية -مغامرة رأس المملوك جابر- لسعد الله ونوس















المزيد.....

مكر الراوي في مسرحية -مغامرة رأس المملوك جابر- لسعد الله ونوس


كمال التاغوتي

الحوار المتمدن-العدد: 4476 - 2014 / 6 / 8 - 22:55
المحور: الادب والفن
    


يضعنا الكاتب في رهوٍ تتقاطع فيه ألوان من النصوص، منها الموروث ومنها المستحدث، الشفوي والمكتوب، الغنائي والدرامي. فالمسرحية لا تتجاوز مدتها سهرة سمر، إلا أن تضايف أجناس أدبية متنوعة وتنافذ السياقات التاريخية والأنظمة المعرفية يشحن النص ليصبح ذا قوة تكثيف عالية، فينخرط المتلقي – المتخيَّل والواقعي - في عملية التشظي هذه ويتورط – طوعا أو كرها – في إنشاء عالم قد يكون مغايرا لعالمه لكن ليس عنه بغريب ولا له بمواز؛ إنما هو بطانة واقع متدهور عمت فيه الفوضى واختلط الحابل بالنابل، والكاتب إذ يورّط المتلقي في عملية إنتاج الدلالة يجبره على مجاوزة السطح الموهم بالاستقرار والأمان، ليعبر إلى مواطنَ حرص على تجاهلها والتعامي عنها. وجابر الشخصية الانتهازية مملوك شأنه شأن الظاهر بيبرس "البطل المنتظر"، لكنه في حيز زمني مغاير، لعله تدشين لوجه المملوك المغامر. فالشخصية لا تسترجع سُلما من القيم ولّى ومضى، بل تؤسس لنمط علاقات جديدة، فليس هو بجابر "عثرات الكرام" ولم يجازَ جزاء السنمار، وقد اختار مصيره واتخذ قرارا بذلك وتحمل في نهاية المطاف عاقبة هذا القرار. إنه يروّج لتصور سائد يعيش من أجل انتهاز الفرصة السانحة للخلاص الفردي. ولم يكن تعاطف "الزبائن" معه إلا مسايرة منهم لهذا التصور البائس. لذلك جمّع الكاتب كل النصوص في مركز واحد تمثل في "الحكواتي مونس"، وأعاد إليه بريقه ووهجه بعد أن حسم صراعه ضد المذياع إذ أمسى مجرد خلفية باهتة صامتة في أغلب المواطن، كما صالح بينه وبين المسرح إذ لم يعد الحكي مرسلا ولا لفظا منفلتا، بل صار مجسدا؛ فلا يذكر موقفا أو مشهدا إلا وتحوّل إلى شخوص يسلّمها مبادرة إنجاز الفعل ويعطيها الحق في الكلام. وبذلك مكّن الكاتب للراوي في عالم الخطاب، وفسح له المجال ليحيط بما تناثر على سطحه من نصوص وعبارات لتتجاذب وتتصادم، ولحظة التصادم تلك مولدة للمعنى والمعاني الحافة. لقد بسط الحكواتي سلطانه على المتلقين والشخوص فكأنه القدر، أو ذلك الإله، لكنه جلي على خلاف "إله" غولدمان الخفي؛ فهو المحدد لزمن ظهور "الظاهر" يقول:"قدامنا حكايات كثيرة قبل أن نصل إلى سيرة الظاهر" ويوضح:" سيرة الظاهر يجيء دورها عندما نفرغ من قصص الزمان الذي بدأنا حكايته". وينتهي بهذا الجزم:" هذه الحكايات ضرورية". من أين تنبع هذه الضرورة؟ وهل يمكن الحديث عن ضرورة في القصّ ؟ أيّ أنس هذا والحكواتي يفرض شروط العقد التداولي دون أن يصغي إلى تضرع سامعيه أو يأبه بلهفتهم على بلوغ زمن الأبطال؟ إن في إذعان المتلقي وقبوله بالإرجاء دليلا على أن الحوار الدائر بين الطرفين زائف، نتيجته مسجلة سلفا؛ وما كان لأحد أن يجبر الحكواتي على تجاوز خطته. ذلك ما يبدو في بداية المسرحية؛ لكنه حين يختم يومئ في ما يشبه الإشراق قائلا:" لا أدري... ربما...الأمر يتعلق بكم". ليس هذا خلطا للأدوار بقدر ما هو كشف لتهافت الانتظار، انتظار ظهور البطل المنقذ. هكذا تـتجلى دلالة حياده وتصلبه فيه، " التعابير في ملامحه ممحوة حتى ليحس المرء أنه بإزاء وجه من شمع أغبر. عيناه جامدتا النظرة، ...على العموم أهم تعبير يمكن أن نلحظه في وجه مونس الحكواتي هو الحياد البارد الذي سيحافظ عليه تقريبا خلال السهرة كلها". وليس من شبيه به سوى التاريخ، بماضيه وحاضره ومستقبله، يقف المسافة نفسها من كل الفاعلين، ولا يعدّل بوصلته – ونحن هاهنا إزاء متتالية من الأحداث – إلا إذا أراد الإنسان ذلك. وما يقوم برهانا على هذا أنه لم "يتأثر" بمشهد الدماء سواء منها الصادرة عن المجازر الجماعية أو الناجمة عن قطع الرأس المغامر، وحافظت نبرته على وتيرة واحدة أو كادت، فصوته لم يعْلُ إلا ليحفظ للحكاية سيولتها ويحميها من التشويش الانفعالي. "يعلو صوته ليسيطر على الموقف فيمنع انقطاع خيط الحكاية بالنقاش". والمغالبة بين السرد والجدل تنشئ تعددا في الأصوات بوصفها رؤى ومواقف من الأحداث، لكن دون أن يكون الحكواتي طرفا فيها، فهو في الآن ذاته جامع كل الأصوات بين دفتي كتابه ومحايد، يحايثها لأنه منشئها ويتعالى عنها، لذلك اختار له الكاتب الإشارات الركحية مستقرا؛ فموقعه يمكّنه من تعليق وجود الطرف الآخر، أقصد المستمع، ولو إلى حين، ويقلب المواقف والمشاهد وينتقل من الداخل إلى الخارج والعكس دون حرج. بل تخير لحظة توقف بلغ فيها الفعل المسرحي ذروته، وعلى مشارف الانحدار، وجابر بين زمردة ولهب رمزي الجنة والنار، يسترخي الحكواتي ليشرب الشاي. في هذا المفترق تراكمت النصوص، والأجناس الأدبية وضروب القول الأخرى التاريخي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والنفسي. واخترقت الحدود القائمة بين عوالم الخطاب، من العربي إلى "الأعجمي" ومن القديم إلى الراهن: فالهيكل مسرحية لكننا نلفي أنفسنا أمام الخبر بنوعيه السردي القديم والصحفي الحديث والحكاية والرسالة الصريحة والمشفّرة. كل هذه النصوص تنادت لتنزل ضيفا على الحكواتي وتكشف عالما أو تقــدَّه من رفات. هكذا مكننا ونوس وقناعه الحكواتي مونس وصوت الراوي "الديناري" من الوقوف في حضرة تاريخ يصنعه صراع لا يستثني فردا أو طبقة. بيد أن للحكواتي مكره، مثل نصه، إذ نراه يلمح بين الفينة والأخرى إلى موقف من المجتمع، يقول:" اللاعبان خليفة بغداد ووزيرها، ورقعة الشطرنج بغداد وعامتها" فالخليفة معرف بمكان سلطانه لا بمن تولى أمرهم، وفي ذلك إفراغ من الشحنة الدينية ليصفو الصراع في عيني المتلقي ويصير سياسيا محضا. ولما كان التاريخ يميل إلى الأقوى – وليس الأعنف – علق الحكواتي على عامة بغداد بقوله:" لكنهم لا يتدخلون في ما يجري، ومع الأيام اعتقدوا أنهم اكتشفوا سر الأمان في مثل هذا الزمان فقنعوا بما اكتشفوا ورتبوا حياتهم على أساس ما اعتقدوه أسلم الطرق إلى الأمان.". واسم الإشارة في "هذا الزمان" يجعل الحكم ينزلق من الإشارة إلى زمن المغامرة، الماضي السحيق، إلى الإشارة إلى زمن القول، الراهن العميق، لتتقاطع الأحوال والأعمال. فالمتلقي القائم بين يدي الحكواتي مثل عامة بغداد لا يتدخل في كل ما يجري، على الرغم من أنه معنيّ به، إلا انفعالا؛ في حين يرتب العم مونس حكاياته؛ فلمَ اكتفى الجميع بالسماع والكتاب دونهم ؟ إنها تقنية فنية ماهرة من الكاتب لكنها إشارة ماكرة إلى سلبية المجموعة وقد وطّنت النفس على ثقافة الانتظار.



#كمال_التاغوتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- درويش
- رسالة حمدان قَرْمَط إلى أهل السّواد
- لِمَ عَاجَلْتَنا بِالنَّشِيدَ ؟
- أخِي يَصْقُلُ شَمْسَهُ
- الإبادة الجماعية في القرآن مهمة تطهيرية
- سحابة عابرة


المزيد.....




- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال التاغوتي - مكر الراوي في مسرحية -مغامرة رأس المملوك جابر- لسعد الله ونوس