أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصناعة والزراعة - كريم شكاكي - المشكلة الغذائية - مشكلة كونية شاملة : مظاهرها , أبعادها ( 4 - 4 )















المزيد.....



المشكلة الغذائية - مشكلة كونية شاملة : مظاهرها , أبعادها ( 4 - 4 )


كريم شكاكي

الحوار المتمدن-العدد: 4475 - 2014 / 6 / 7 - 10:25
المحور: الصناعة والزراعة
    


خصائص المشكلة الغذائية فى البلدان النامية
تتميز المشكلة الغذائية فى البلدان النامية و خاصة الفقيرة والمتخلفة إقتصادياً وإجتماعياً بأقسى أشكالها و مظاهرها من نقص التغذية الحاد والمجاعة الجماهيرية ، و ارتفاع عدد الجوعى والوفيات والمصابين بالأمراض و العاهات . كل ذلك جعلت من المنظمات الدولية كالفاو ومنظمة الصحة العالمية واوساط من الرأي العام العالمي أن تهتم بطبيعة المشكلة الغذائية الحادة بالشكل الذى يشكل خطورة جادة على الإستقرار والأمن الإجتماعي والسياسي و على أهداف ومهمات التنمية الإجتماعية - الإقتصادية الشاملة فى هذه البلدان .
إن أنفجار المشكلة الغذائية بين حين و آخر بأقسى أشكالها و مظاهرها – كما هى المجاعة الجماهيرية ونقص التغذية و بالتالي إرتفاع عدد الجائعين والوفيات وإنتشار الأمراض وفى نهاية الأمر إيجاد بؤر التوتر الأجتماعى و عدم الأستقرار السياسى. كل ذلك اثار انتباه الراى العام العالمى وبالضغط على الأوساط الأجتماعية و السياسية و المراكز العلمية بأن تهتم بهذه المشكلة و البحث عن امكانيات معالجتها و الحد من أسباب تفاقمها بسبب خطورة عواقبها على الإستقرار الإجتماعي والسياسي العام محلياً وإقليمياً و دولياً .
إن البحث الجاد عن الأسباب الجوهرية لأية مشكلة خطيرة كما هى المشكلة الغذائية يجب أن يستند على منهج بحثي علمي موضوعي يحدد جذورها وعواملها تأريخياً وأسباب إستمرارها و تفاقمها . تتجسد المشكلة الغذائية باللاتناسبية السائدة بين الموارد الطبيعية والقدرات المالية والمادية والتكنولوجية المتراكمة فى العالم والضرورية لتنظيم وقيادة إنتاج زراعي وغذائى معاصريستطيع تلبية حاجات سكان العالم من الأغذية الضرورية وفقاً للمعايير المثبتة لحاجة جسم الإنسان الطبيعية ، و تفاقم الوضع الغذائي على شكل أزمة حادة في أغلب البلدان النامية ( بإستثناء بلدان الأوبك ) . وإن هذا الجزء من العالم يشكل 53% من سكانه و 50% من مساحته ، بينما ينتج 38% من الإنتاج الزراعي العالمي ،.*18
*18-منظمة الفاو – الزراعة 2000
ولكن مع ذلك إن انتاجها الزراعي المتميز بمنتوجاته الخاصة – الحمضيات والبن والكاكاو والزيتون وزيت الزيتون ، يجعل منها أن تحتل مكانة هامة في التقسيم الدولي للعمل ، وبشكل خاص فى التجارة الدولية بالسلع الغذائية – الصادرات الزراعية الخاصة بمنتوجاتها المتميزة بالمناطق الإستوائية والحارة . فخلال فترة 1981-1985 وفترة 1986-1990 كانت صادراتها الغذائية تشكل بالمتوسط 28% و 26% على التوالي ، فى قيمتها المطلقة حققت زيادة بنسبة 4% . وعند مقارنة هذه المؤشرات مع تلك للبلدان المتطورة ، يلاحظ أنها تشير الى 68% و 71% على التوالي ، بزيادة بنسبة 29% للفترتين المذكورتين . إن مؤشرات الصادرات التى تحققها البلدان تعكس قدراتها الإنتاجية التى تضمن موارد تصديرية كبيرة ، وهذه بدورها تعبر عن مستوى التطور المادي - التقني و التكنولوجي ومكانتها فى التجارة الدولية .
كما أن البلدان النامية تحتل مكانة الصدارة فى الإستيرادات الغذائية لتغطي جزءً هاماً من حاجاتها المتنامية من المواد الغذائية الضرورية بسبب ضعف إنتاجها الذي لا يغطي إكتفاءها الذاتي .
إن هذه الحقيقة المتعلقة بالثروة الكامنة فى العالم المعاصر ، الضرورية لتحقيق إنتاج زراعي و غذائي يلبي حاجة المجتمع المعاصر و القضاء على جميع مظاهر المشكلة الغذائية - نقص التغذية ، سوء التغذية والمجاعة تؤدى بنا أن نتوصل الى النتيجة التالية ، وهى بأن علة المشكلة الغذائية لا تكمن فى شحة الموارد االطبيعية الأساسية – الأرض ومصادر المياه ، والموارد البشرية والمادية والتقنية والتكنولوجية التى وفرتها الثورة العلمية - التقنية المعاصرة ، وأخيراً وليس آخراً الموارد المالية المتراكمة لدى البلدان الرأسمالية المتطورة والبلدان الأعضاء فى منظمة الأوبك . بل أن السبب الرئيسي يكمن فى نظام توزيع هذه الموارد وطريقة إستغلالها واستخدامها بين عالم متقدم ومتطور ومالك لهذه الموارد ، وعالم متخلف فى جميع مجالات الحياة المعاصرة وفي أغلبيته فقير تاريخياً وكان لقرون عديدة يرزح تحت النظام اللإستعماري ، ففرضت عليه أنماط إقطاعية تقليدية متخلفة وبنى إجتماعية وإقتصادية مطابقة لهذه الأنماط فى زراعتها و تربية الحيوان . ورغم إلغاء الإستعمار وتحرر هذه البلدان لا تزال بقايا هذه الأنماط موجودة و تشكل عائقاً أمام الأشكال والأساليب المعاصرة فى الفلاحة وتربية الحيوان . وكما يتبين بأن جذور المشكلة الغذائية تكمن فى البنية الإجتماعية – الإقتصادية غير المتوازنة وغير المتكافئة وحتى المتناقضة على مستوى العالم ، فهناك قطب يسمى الشمال الغني المتطور يحتكر ثروة مادية ومالية وتقنية هائلة ، وقطب آخر من البلدان النامية أغلبيتها فقيرة ومتخلفة ، تواجه كل مشاكل العصر ، بما فيها المشكلة الغذائية ، التي تتجلى فى المستوى الكلي فى الفجوة العميقة بين العالم النامي والعالم المتطور ، على المستوى الجزئي فى التمايز الإجتماعي والإقتصادي بين فئات وطبقات المجتمع المختلفة .
وجود المشكلة الغذائية بحد ذاته لا يمكن أن يُعزل عن الظروف الإجتماعية والإقتصادية والفنية والتنظيمية للإنتاج الزراعي وبالتالي الإنتاج الغذائي بالتحديد . يظل القطاع الزراعي بخصائصه التي سوف نشير اليها كمصدر رئيسي لإمداد المجتمع بالمنتوجات الغذائية . من المعروف أن هذا القطاع الإنتاجي الهام فى البلدان النامية يحمل كل خصائصها الإجتماعية وربما أكثر من ذلك بأنه أحد القطاعات الإنتاجية الأكثر تخلفا من الناحية التنظيمية والفنية - التقنية أي في جميع جوانبه الإجتماعية - الإقتصادية . ومع ذلك هو من الفروع الرئيسية المكونة لإجمالي الناتج المحلي والدخل الوطني ( بإستثناء دول الأوبك) . فمن الناحية الفنية - التقنية فإن بنية القوى المنتجة فى القطاع الزراعي فى عناصرها الآلية – أدوات ووسائل العمل المستخدمة في عمليات الفلاحة ، في نطاقها العام هي أدوات خشبية بدائية ولا يزال يستخدم الحيوان كقوة سحب رئيسية و واسطة نقل كبيرة . اما وسائل السقى و منظومة الأرواء فلا تزال تعود الى ما قبل التاريخ و تفتقر الى شبكة عصرية لتصريف المياه .
إنتشار وإستخدام المكننة الزراعية المعاصرة محصورة فى المزارع الكبيرة التى تعود الى الأجانب أو الشركات الأجنبية والى بعض كبار المالكين المحليين . أما أغلبية الجماهير الفلاحية تتكون من الفلاحين الفقراء والمتوسطين لا يملكون قدرات مالية لإقتناء وسائل الإنتاج الميكانيكية الحديثة . كما أن تجربة تطور الزراعة فى البلدان الرأسمالية تؤكد على أن ما تسمى بعملية تصنيع الإنتاج الزراعي أي الإستخدام الواسع للمكننة الزراعية ، تجري بشكل بطيء و متأخر بخلاف الفروع الأخرى ، و بالأحرى بدأت مرحلة عملية التصنيع للإنتاج الزراعي في عقد الثلاثينيات من القرن الماضى مثلا فى الولايات الأميريكية المتحدة وكندا ، أما أكثرية البلدان الأوربية قد شهدت التوسع فى عملية التصنيع المتطورة فى الفترة مابعد الحرب العالمية الثانية وبشكل رئيسي فى عقد الستينيات من القرن الماضى.*19
*19-د. كريم شكاكي – الأشكال التنظيمية للإنتاج الزراعي وتطور العلاقات الزراعية الرأسمالية - بحث منشور فى الحوار المتمدن- فى 3-3-2007
ومن البديهي مادامت القوى المنتجة متخلفة بهذا الشكل وكقاعدة لا بد تطابقها علاقات إجتماعية وإنتاجية قائمة بين الناس خلال عملية الإنتاج الجارية وتجد تعبيرها الملموس فى الأشكال البدائية لأسلوب الإنتاج . فالعلاقات الإنتاجية القائمة لا تزال تحمل بقايا العلاقات شبه الإقطاعية وهي تتناسب كما رأينا مستوى تطور القوى المنتجة في الزراعة . إن هذه الخاصية المميزة للزراعة تحددها طبيعة الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وبشكل أساسي ملكية الأرض التى رسختها السلطات الإستعمارية وركزتها فى أقلية فئوية إقطاعية تمثل القاعدة الإجتماعية لهذه السلطات ، و تشكل نسبة لا تتجاوز 2-3% من سكان الريف ولكنها تستحوذ في نهاية الأمر وتمتلك وراثياً أكثر من 80-85% من الأراضي الزراعية . أما بقية الجماهير الفلاحية فكانت معدومة و فقيرة لا تملك سوى قوة عملها التى تقوم بأعمال السخرة في أراضي الإقطاعيين و كبار المالكين .
إن هذا التخلف الإجتماعي والإقتصادي للقطاع الزراعي يتجسد بشكل ملموس فى مستوى وحجم الإنتاج الزراعي في البلدان النامية . فإنتاجية العمل منخفضة بالمتوسط لا تتجاوز550 دولار في البلدان النامية تقابلها 2550 دولار فى البلدان المتطورة، و ان حصة العامل الزراعى من الأرض الزراعية هى 1,3 هكتار مقابل 8,9 هكتار فى البلدان المتقدمة. فلا بد تنعكس هذه الظروف السائدة فى زراعة البلدان النامية على طبيعة ومستوى المشكلة الغذائية بجميع مظاهرها وأبعادها - نقص التغذية وسوء التغذية والمجاعة . فهي تتجلى ايضاً في إطارها السلعي - السوقي بعمق الفجوة بين الطلب والعرض للمنتوجات الغذائية . كما من جانب آخر تعكس القدرة الإنتاجية للقطاع المحلي لتلبية حاجات المجتمع المتنامية بشكل متناسب مع إرتفاع القدرة الشرائية لدى السكان . فالعلاقة المترابطة بين التخلف العام للإنتاج الزراعي ومستوى حدة المشكلة الغذائية تتجسد فى شح المواد الغذائية ، الذى يعني العجز الغذائي المزمن في الأوساط الإجتماعية الفقيرة ذات الدخل المنخفض ، يجد تعبيره فى القدرة الشرائية الضعيفة لهذه الفئات .
مع إستمرار تفاقم المشكلة الغذائية فى ظل التخلف الشامل في الزراعة ، بادرت أوساط علمية الى إيجاد حل لمعضلة شح المواد الغذائية فى البلدان النامية من خلال فكرة "" الثورة الخضراء" التي كانت تعني إستخدام منجزات التقدم العلمي - التقني في مجال الهندسة الزراعية وإيجاد أصناف عالية الغلة من المحاصيل الزراعية وبشكل رئيسىي في محصول القمح والرز . فتحولت بلدان نامية عديدة في اميركا اللاتينية وفي جنوب شرق آسيا وفي أفريقيا الى حقل لتجارب " الثورة الخضراء". نظمت مزارع مجهزة بوسائل و أدوات ومواد حديثة وضرورية و مناسبة لأُسس تنظيم الإنتاج الزراعي الكبيربطابعه السلعي - السوقي المتطور . لقد تحققت نجاحات ملموسة ولكن مع مرور الوقت ، بدأت هذه التجربة تواجه مصاعب ناجمة من الأوضاع الموضوعية ، نحاول أن نشير اليها باختصار ، وهى :-
1- نشأت فكرة " الثورة الخضراء" و بدأ تطبيقها في ظروف إجتماعية وإقتصادية معقدة ومتشابكة ومتخلفة تجد تعبيرها في الأشكال التقليدية شبه الإقطاعية للإنتاج الزراعي المستندة على القوى المنتجة المتخلفة والعلاقات الإنتاجية الزراعية شبه الإقطاعية . هذا الواقع الموضوعي القائم في القطاع الزراعي يشكل عائقاً موضوعياً وذاتياً في طريق تطبيق سياسة " الثورة الخضراء" .
2- المستوى التعليمي و المهني المنخفض والضعيف في إمكانية إستخدام الأساليب والوسائل الإنتاجية المعاصرة " بحكم التأثير الكبير للأنماط التقليدية الزراعية المحافظة القائمة تاريخيا في الريف والتى لا تستجيب بسرعة لعملية التحديث والتغيير الإرتقائى .
3- تجاهلت " الثورة الخضراء " الإهتمام بالإستثمارات الفلاحية الفقيرة والصغيرة و مساعدتها ودعمها لتطبيق توجهات " الثورة الخضراء" نفسها فى تحديث وإدخال منجزات التقدم العلمي - التقني في الإنتاج الزراعي . بل بالعكس من كل ذلك فتعرض هذا القطاع الواسع الى منافسة حادة من قبل المزارع المعاصرة " للثورة الخضراء" و أزاحتها من السوق . كان من المفروض الإهتمام بهذه المزارع من خلال توجيهها الى إعادة تنظيم نفسها في أشكال تعاونية ديمقراطية مع دعمها المادي والمالي من قبل الدولة لتصبح مزارع عصرية متطورة .
4- بدأت "الثورة الخضراء " فى ظروف لم تكن تتوفر فى هذه البلدان النامية قاعدة مادية وإقتصادية من الصناعات التى لها علاقات تكاملية مع الزراعة ، منها الفروع التى تنتج وسائل الإنتاج الضرورية – المكائن و الآلات والمعدات والمواد كالأسمدة ومواد مكافحة الأمراض والحشرات والنباتات الضارة . وفروع الصناعات الغذائية التى تعتمد على المنتوجات الزراعية كمواد خام أولية .
5- لم تستطع " الثورة الخضراء" من ضبط و تنظيم النمو السكاني بوتائر أعلى وأسرع من نمو الإنتاج الزراعي و الغذائي . فظلت الفجوة عميقة بين قدرات العرض للمواد الغذائية الضرورية لتلبية الحاجات ، و الطلب السوقي عليها .
6- إن الثورة الخضراء لم تغير من موقع البلدان النامية فى التقسيم الدولي للعمل وفى العلاقات الإقتصادية والتجارية خاصة مع الدول الراسمالية المتطورة . بل إستمرت الأخيرة فى وضع القيود والحصص الصارمة في إستيراد السلع والخامات الزراعية من البلدان النامية . كما أن صادراتها من السلع الرأسمالية الإنتاجية الى هذه البلدان لم تكن بشروط تفضيلية مشجعة .
إن تجربة " الثورة الخضراء" فى حل المشكلة الغذائية المعقدة في البلدان النامية ليس فقط في إدخال المنجزات العلمية والتقنية الحديثة في الإنتاج الزراعي والإنتاج الغذائي ورفع إنتاجية العمل وحجم الإنتاج العام ، بل يجب أن تتكامل هذه العملية وأن تتزامن مع التحولات الإجتماعية والإقتصادية في البنى الإنتاجية وتحويلها الى أشكال تقدمية وعصرية تشجع تطوير القوى المنتجة وبناء علاقات إنتاجية متناسبة مع مستوى وطبيعة القوى المنتجة ، لضمان التقدم الى الأمام في عملية الإنتاج من الطابع العينى التقليدي الى الإنتاج المتطور القائم على علاقات سلعية - نقدية تضبط وتنظم بآليات السوق ، كبيئة طبيعية مناسبة تتجسد من خلالها جميع العلاقات الناشئة بين ذاتيات السوق الفاعلة .
إن الإصلاحات الزراعية المطلوبة في جوهرها تكون ديموقراطية في إجراءاتها ، وإجتماعية عادلة في أهدافها ، وبشكل خاص في إعادة التوزيع لملكية الأرض الزراعية وفقاً لتشريعات خاصة تحدد السقف الأقصى لتملك الأرض الزراعية وما يتجاوز هذا الحد يوزع وفقاً لشروط معينة وفي مقدمتها وفقا لمبدأ " الأرض لمن يفلحها " أي لمن يمارس مهنة الفلاحة عن الوراثة .
لقد لعبت التحولات الزراعية دوراً تقدمياً في إرتقاء الزراعة من أنماط إقطاعية تقليدية في الإنتاج وفي العلاقات الزراعية التى كانت تعامل الفلاح كعبد الأرض لدى الإقطاعي الذي حصل من السلطات الإستعمارية على حق الحيازة والتملك لجميع الأراضي الزراعية ، وحرمان الجماهير الفلاحية من هذا الحق المقدس ، وإجبارها على العمل كالقن في مزارع الإقطاعي الذي كان يستولي على إجمالي المنتوج بجزأيه الضروري والإضافي الذي ينتجه الفلاح بقوة عمله ولا يستلم مقابل عمله المرهق والمضني إلا جزءً ضئيلا قد يساعده بالكاد على إعادة إنتاج قوة عمله . وكان الهدف الجوهري لهذه التحولات هو إلغاء الأنماط التقليدية الإقطاعية في الزراعة وإقامة الأشكال التنظيمية من النمط الرأسمالي يساعد ويستوعب منظومة متطورة من القوى المنتجة الحديثة وما تناسبها من العلاقات الإنتاجية والزراعية المتطورة . وعملياً كانت تسعى الى تحويل الإقطاعيين التقليديين بأراضيهم الواسعة الى مزارعين رأسماليين يديرون بآليات رأسمالية مزارعهم الواسعة . كما كان الفلاحون الأغنياء ايضاً في مركز إهتمام الدولة في إطار التحولات التي تطبقها . أما الجماهير الواسعة من الفلاحين الفقراء المعدومين من شبر ارض ما و الفقراء و متوسطي الحال ، الذين يشكلون المنتجين التقليديين في الزراعة لم تهتم بهم مباشرة من أن ينخرطوا فى موجة التحرر من التقاليد البالية و ينتقلوا الى طريق التقدم وإعادة تنظيم مزارعهم بألشكل الذى يساعد على إستخدام الوسائل الحديثة والمتطورة في الإنتاج . كان من المفروض أن يحصلوا على الدعم المادي والمالي من قبل الدولة يساعدهم و يحفزهم الى السير في الإتجاه الجديد في الزراعة .
إن الإصلاحات الزراعية لما كانت تستهدف إلغاء الأنماط شبه الإقطاعية التقليدية للإنتاج الزراعي ، وأن تحل محلها اسلوب الإنتاج الراسمالي القائم على منظومة متطورة من القوى المنتجة ، كان ذلك تحولاً إرتقائياً في طبيعة الإنتاج الزراعي ، له جانبه الإقتصادي الذي يجد تعبيره في ما يخص المشكلة الغذائية في تحقيق التناسب في وتيرة نمو وبنية الإنتاج للمواد الغذائية مع مستوى وبنية حاجات المجتمع منها ، والتي من خلال تكوين الرصيد الإستهلاكي الفردي تتحدد أكثر فأكثر من تطورالعلاقات السلعية – النقدية . ولكن بما أن التحولات الزراعية رغم جوانبها الإرقائية لم تحدث تطوراً عميقاً في القطاع الزراعي ولم تحقق زيادة ملحوظة في حجم الإنتاج العام للمواد الغذائية ، فظلت المشكلة الغذائية في مظهرها كعجز غذائي مزمن يعانى منه أغلب البلدان النامية وفي بعضها تتجلى فى صورة مجاعة تشمل مناطق واسعة من البلدان النامية .
أما الجانب الإجتماعي لهذا الإرتقاء في القطاع الزراعي ينعكس في إنحلال مزارع تقليدية صغيرة منتشرة بكثرة كانت مصدراً هاماً لإمداد سكان القرية بالمواد الغذائية ولإعادة إنتاج قوة عمل المنتج نفسه. ففي الظروف الجديدة لم يتلقى هذا القطاع واسع الإنتشار من المنتجين التقليديين أية مساعدة مادية أو مالية لإعادة تنظيمها في ظروف وشروط جديدة ، وبأوضاعها المتخلفة لم تستطع أن تواجه المنافسة الشديدة من قبل المزارع الجديدة . وفى نهاية الأمر وقع المنتج الصغير في مستنقع الفقر المدقع ، ومن اجل أن يوفر الحد الأدنى من وسائل المعيشة والبقاء تحول الى شبه بروليتاري ريفي يبيع قوة عمله بأبخس سعر .
عند التقييم العام للنتائج بعد عقود طويلة نلاحظ أن العديد من المهام الآنية والأهداف الإستراتيجية للتحولات الزراعية لم تنجز بشكل نهائي ، لا من حيث التمايز الإجتماعي العميق كما من حيث تملك الأرض و لامن حيث التطور العام لحياة القرية وحتى الزراعة في البلدان النامية . لم تتغير جوهرياً المعالم والخصائص القديمة ولا المستوى الإجتماعي والإقتصادي والثقافي في القرية عامة والزراعة خاصة ، التخلف الإجتماعي والإقتصادي هو السمة السائدة في الإنتاج الزراعي ، و من هنا لم يطرأ تغيير جوهري على مستوى و حجم المشكلة الغذائية .

6-1 الناحية الديموغرافية من المشكلة الغذائية

الديموغرافيا مقولة مركبة لها جوانب متعددة . في إطار علم دلالة الكلمات ، إن اصل الكلمة تعود الى اللاتينية القديمة ، متكونة من مقطعين ، الأول ديمو- يعنى الشعب ، السكان . و المقطع الثانى غرافيا ويعنى رسم أو تصوير شيء ما . أما الديموغرافيا كمقولة ، كمفهوم يدخل ضمن العلوم الإجتماعية ، الإنسانية ، الذي موضوعه الأساسي هو السكان ، من حيث تكوينهم البنيوى حسب مؤشرات مختلفة و تغيراته وحركتهم - الهجرة والنزوح ، توطينهم المنطقي أي الإقليمي , عملية زيادة وإنخفاض التعداد - معدل الوفيات ومعدل الولادات ، و بشكل خاص ما يتعلق بعملية إعادة إنتاج السكان اوضاعهم التعليمية والصحية ، وجوانب اخرى . للعمليات الديموغرافية تاثير قوي ومباشر على العديد من المشاكل الكونية وبشكل خاص على المشكلة الغذائية .
في أواسط القرن الماضي ولأول مرة فى تأريخه المعاصر شهد العالم أعلى وتائر التكاثر الطبيعي لسكان العالم في جزء كبير منه , فإطلقت على هذه الظاهرة التسمية المجازية " الإنفجار السكانى" أو " الإنفجار الديموغرافى". أثارت إهتمام أوساط علمية مختلفة في رؤيتها ومعالجتها لهذه الظاهرة ومعالجة آثارها الإجتماعية والإقتصادية , و بشكل رئيسي على الوضع الغذائي العالمي , بالإرتباط مع ما تسببه من تعميق الإختلال التناسبي بين العرض و الطالب العالمي للمواد الغذائية وبشكل خاص في البلدان النامية . فأصبح الجانب الديموغرافي للمشكلة الغذائية بالنسبة الى البلدان النامية يكتسب أهمية متميزة ناجمة من إستمرار تزايد وتفوق وتائر النمو الطبيعي للسكان على وتائر نمو الأنتاج الزراعي والإنتاج الغذائي في البلدان النامية .
الجدير بالإهتمام هو أن معدل الدراسة الموضوعية للديموغرافيا أو كل عملية ديموغرافية من العمليات التي أشرنا اليها يجب أن تستند على منهجية تأريخية علمية لتكشف جذور نشأة وتطور كل عملية أو جانب ديموغرافى معين و قوانين و سنن حركته و تغييراته الجارية و تأثير ذلك على جوانبه الأخرى أو ظاهرة قائمة .فالحلقة المركزية فى علم الديموغرافيا تكمن فى دراسة اعادة انتاج السكان، و طبيعتها و ظروفها ، و معدل الولادات و معدل الوفيات ، و التغييرات الجارية فى تركيبة و تعداد السكان و حركتهم الإنتقالية ، و تأثير ذلك على الوضع الغذائي في البلدان النامية .

إن طبيعة عملية إعادة إنتاج السكان ، كأي عملية ديموغرافية اخرى تتحدد من الظروف الإجتماعية والأقتصادية التي تجري فيها . تتميز البلدان النامية كما أشرنا اليها سابقا بتركيبة متشابكة من بنى إجتماعية مختلفة في إقتصادها . من جانب لا تزال بقايا البنى الإقطاعية أو شبه الإقطاعية باقية في زراعتها ، ومن جانب آخر تنشأ وتتطور البنى الإنتاجية المعاصرة من النمط الرأسمالي المتطور في قطاعات مختلفة من المجتمع وإقتصاده . هذه الثنائية البنيوية تنعكس على طبيعة عملية إعادة إنتاج السكان ، التى تتجلى بوجود نظامين مختلفين :-
1- النظام التقليدي لإعادة إنتاج السكان الذي يفتقر الى الوسائل و الأدوات العصرية الضرورية لجريانه بدون عواقب سلبية ، كما يفتقر الى الوسائل و الظروف الصحية والمعرفة العلمية لضبط و تنظيم ليس فقط الولادات ، بل الى تخفيض الوفيات الجارية .
2- النظام العصري لإعادة إنتاج السكان وهو في طور التكوين والتوسع والتكامل مع النظام العالمى المعاصر لإعادة إنتاج السكان القائم على إستخدام الوسائل والمنجزات الطبية و الصحية المعاصرة و المعرفة و الثقافة الجنسية ليس فقط لضبط و تنظيم الولادات و تخفيض معدلاتها ، وبل تخفيض معدل الوفيات .

إن السكان ككتلة من البشر ليست جامدة ، بل خاضعة الى تغييرات عددية ونوعية وفي تركيبها و توزيعها حسب الجنس ، العمر والتشغيل والمهنة والمنطقة والقطاع اقتصادي . كما أن هذه العمليات الدبموغرافية تتاثر بشكل كبير بمنجزات الثورة العلمية - التقنية فالتركيبة السكانية في القطاع الزراعي تأثرت كثيراً بهذه المنجزات التي دخلت الى الزراعة ، فتركت أعداد كثيرة من الفلاحين في الريف والزراعة و إنتقلت الى المدن لتبحث عن عمل يوفر وسائل المعيشة لهم و لأفراد عوائلهم . هذه العملية أثرت على المشكلة الغذائية وعلى الوضع الغذائي العام في البلدان النامية . فمن جانب فقدت الزراعة منتجين تقليديين بأعداد كبيرة ، ومن جانب آخر إزداد عدد المستهلكين للمواد الغذائية في ظروف تعاني البلدلن النامية من نقصها المزمن .
كما يتوضح بأن عملية إعادة إنتاج السكان تضبط وتنظم بعمليتين متناقضتين لبعضهما ولكن تحددان الجوانب الكثيرة من الحالة الديموغرافية القائمة وفي مقدمتهما تعداد السكان ، الذي هو تعبير ملموس لعملية الولادات والوفيات ، فالمشكلة الغذائية - نقص التغذية و سوء التغذية و المجاعة - طبيعتها وحجمها تتفاعل مع تعداد السكان وحركة تغييره من خلال عمليتى الولادات والوفيات كقيم متغايرة مع ظروفها الملموسة . و بما أن الحالة الديموغرافية بجميع جوانبها تركز الإهتمام على معدل الولادات والوفيات لا تخضعان لمعايير الضبط و التنظيم للنظام المعاصر المطبق فى البلدان المتطورة و تفاعلها المتبادل مع الوضع الغذائي بجميع مظاهره وأبعاده ، يتحدد من الظروف الإجتماعية والإقتصادية القائم في البلدان النامية .
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
نصوص من المصادر المستخدمة
1-2.مجلة الإقتصاد العالمي والعلاقات الدولية –موسكو-1981وماقبلها
3- مستقبلنا المشترك-الدورية- الكويت-1989

يحي صادونسكىة –ص79
6- د. عبد الخالق - الامن الغذائي للوطن العربي- الكويت
7-مجموعة مؤلفين – المشاكل الكونية الشاملة للعصر موسكو
8- مستقبلنا المشترك
9- مجموعة مؤلفين – المشاكل الكونية
10 –تقريرالوضع الغذائي العالمي
11- مجموعة مؤلفين
132-الفاو وثيقة 9-209
13-شيشكوف اخرى – الجوانب الدولية للمشكلة الغذائية
14-كنياجنسكايا – النمو السكاني و المشكلة الغذائية
15-
16 – المصدر 14
17- مجلة التجارة 1و و اخرى
8- شيشكوف و المصدر 13
19- الفهو 2000
20شكاكي الأشكال التنظيمية الإنتاج الزراعي

( إنتهى ) الدكتور – كريم شكاكي – صوفيا – بلغاريا



#كريم_شكاكي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المشكلة الغذائية - مشكلة كونية شاملة : مظاهرها , أبعادها ( 3 ...
- المشكلة الغذائية – مشكلة كونية شاملة : مظاهرها ، أبعادها ( 2 ...
- المشكلة الغذائية – مشكلة كونية شاملة : مظاهرها ، أبعادها ( 1 ...
- القضية الكوردية و معاهدة سيفر
- الأشكال التنظيمية للأنتاج الزراعى و تطور العلاقات الزراعية ا ...


المزيد.....




- لاكروا: هكذا عززت الأنظمة العسكرية رقابتها على المعلومة في م ...
- توقيف مساعد لنائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصا ...
- برلين تحذر من مخاطر التجسس من قبل طلاب صينيين
- مجلس الوزراء الألماني يقر تعديل قانون الاستخبارات الخارجية
- أمريكا تنفي -ازدواجية المعايير- إزاء انتهاكات إسرائيلية مزعو ...
- وزير أوكراني يواجه تهمة الاحتيال في بلاده
- الصين ترفض الاتهامات الألمانية بالتجسس على البرلمان الأوروبي ...
- تحذيرات من استغلال المتحرشين للأطفال بتقنيات الذكاء الاصطناع ...
- -بلّغ محمد بن سلمان-.. الأمن السعودي يقبض على مقيم لمخالفته ...
- باتروشيف يلتقي رئيس جمهورية صرب البوسنة


المزيد.....

- كيف استفادت روسيا من العقوبات الاقتصادية الأمريكية لصالح تطو ... / سناء عبد القادر مصطفى
- مشروع الجزيرة والرأسمالية الطفيلية الإسلامية الرثة (رطاس) / صديق عبد الهادي
- الديمغرافية التاريخية: دراسة حالة المغرب الوطاسي. / فخرالدين القاسمي
- التغذية والغذاء خلال الفترة الوطاسية: مباحث في المجتمع والفل ... / فخرالدين القاسمي
- الاقتصاد الزراعي المصري: دراسات في التطور الاقتصادي- الجزء ا ... / محمد مدحت مصطفى
- الاقتصاد الزراعي المصري: دراسات في التطور الاقتصادي-الجزء ال ... / محمد مدحت مصطفى
- مراجعة في بحوث نحل العسل ومنتجاته في العراق / منتصر الحسناوي
- حتمية التصنيع في مصر / إلهامي الميرغني
- تبادل حرّ أم تبادل لا متكافئ : -إتّفاق التّبادل الحرّ الشّام ... / عبدالله بنسعد
- تطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة، الطريقة الرشيدة للتنمية ا ... / احمد موكرياني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الصناعة والزراعة - كريم شكاكي - المشكلة الغذائية - مشكلة كونية شاملة : مظاهرها , أبعادها ( 4 - 4 )