تقييد المباح أو الإلزام به

عمر أبو رصاع

الحوار المتمدن-العدد: 4474 - 2014 / 6 / 6 - 10:26
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    

تقييد المباح أو الإلزام به

كثيراً ما يطالعك بعض اصحاب قشور التدين برأي عجيب غريب مفاده ان الدولة خاصة عندما تتعلق التشريعات الوضعية بالمرأة تحديداً قامت بتحريم الحلال، كوضع تشريع مثلاً يقيد تعدد الزوجات أو يجرم إلحاق الاذى البدني بالمرأة ...الخ والعجيب انك يندر ان تسمع مثل هذه الحجة الدالة على قصور الفهم وقشوريته إلا في ذلك السياق، علماً بأن أكثر من 90% من التشريعات الموجودة في القوانين المدنية تندرج تحت باب تقييد المباح أو الإلزام به، ولم يحدث ان سمعنا احداً منهم يعترض عليها إلا عندما تمس تلك التشريعات من قريب أو بعيد موضوع المرأة فيصير الحديث منصباً على ان الدولة هنا حرمت الحلال!
الاصل في عموم المسائل الاباحة، وهذا من عظمة التشريع في الدين، إذ ان المحرمات التي اقترنت بلفظ التحريم في كتاب الله المرجع الوحيد الذي لا يرده أو يشك فيه مؤمن برسالة النبي الكريم محدودة جداً وهي تحريم الشرك بالله وقتل النفس إلا بالحق وتحريم الزواج بالأمهات والخالات والعمات والبنات وبنات الاخ وبنات الاخت والامهات بالرضاعة والاخوات بالرضاعة وامهات الزوجات وبنات الزوجات وزوجات الابناء والجمع بين الاختين، وتحريم الربا وتحريم الميتة والدم (المسفوح) ولحم الخنزير وما اهل به لغير الله والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع وما ذبح على النصب والاستقسام بالأزلام وصيد البر للمحرم، كذلك جاء الامر الصريح باجتناب الخمر ووصفه بانه رجس من عمل الشيطان وتأثيم الزنا وقرنه بالشرك بالله وقتل النفس ووصفه بانه فاحشة وخصه بعقوبة موصوفة، وتجريم السرقة وشهادة الزور والتولي في الزحف وقذف المحصنات واكل اموال اليتامى واكل اموال الناس بالباطل والغش والخديعة والكذب والرشوة وعقوق الوالدين ونهى عن افعال كثيرة كالتجسس والغيبة والنميمة وحض على التحلي بالكثير من السلوكيات الاخلاقية التي تستهدف تربية النفس والسمو بالإنسان.
كما قلنا فإن الحرام هو ما خصه الكتاب بلفظ الحرام، والافعال المجرمة بنص الكتاب هي ما نص الكتاب على تجريمها، ومجموع ذلك اطاره محدود جداً، ونكاد نجزم أن اكثر من 90% من الافعال التي يوجبها أو يمنعها القانون في كل دول العالم لم يرد فيها نص صريح، وانها جميعاً تدخل في باب تقييد المباح أو الالزام به من قبيل المصالح المرسلة وخاصة التحسينية منها، ويقصد بذلك ان يتدخل ولي الأمر فيقيد فعلاً الاصل فيه شأنه شأن معظم الافعال الاباحة، بل وقد يقرن ذلك بالعقوبة التي تصل احياناً إلى حد الاعدام كما هو الحال مثلاً في عقوبة التهريب في احوال مخصوصة كونه يلحق ضرر بالغاً في المجتمع، ومن امثلة الإلزام بالمباح فرض التجنيد الاجباري، وقس على هذا لتجد ان اغلب القوانين المعمول بها في المجتمعات هي من هذا النوع "تقييد المباح أو الإلزام به" كقوانين الضريبة وقانون السير والبناء وفرض العقوبة المالية أو حتى البدنية كالحبس مثلاً على الكثير من الافعال التي الاصل انا مباحة؛ كنقل بعض انواع البضاعة عبر الدول (تهريب السلع) أو الاتجار ببعضها في احوال يحددها المشرع الارضي بما يحقق مصلحة المجموع.
ليس من المعهود ان يخرج علينا احدهم ليقول ان فرض قيود على حركة البضائع وتجريم التهريب هو تحريم لما احل الله على أسس انه ليس هناك نص يمنع او يقيد نقل البضائع! فهذا يدخل في باب تقييد المباح، وحيثما ارتأى ولي الامر ان تقييد المباح او الإلزام به يحقق مصلحة المجتمع له ذلك، فما بالنا إذا حصر هذا الحق بمجلس منتخب يمثل المجتمع ويعبر عن ارادته في دولة ديمقراطية حرة؟!
يبقى عالق في الذهن سؤال: لماذا يتخصص اناس في مجتمعاتنا يدَعون الدفاع عن الدين في التصدي للتشريعات التي تأتي تحت باب تقييد المباح أو الإلزام به فقط عندما يتعلق الامر بالتشريعات التي تخص المرأة؟!
كأي قانون ينظم ويقيد سن الزواج أو تعدد الزوجات أو تعرض الزوجة للعنف، واعتبار ذلك اعتداء على ما احل الله أو حرم، فلو ان الدولة لأسباب اقتصادية تتعلق بمصلحة المجتمع منعت وجرَمت استيراد واستهلاك لحم معين فلا اظن ان احدهم سيخرج علينا ليقول هذا تحريم لما احل الله محتجاً بقوله :{كلوا من طيبات ما رزقناكم} بل سيقبل ذلك كتقيدٍ لمباح وهو مشروع، لكن في الوقت عينه لو أن الدولة رأت ان في تقييد تعدد الزوجات أو سن الزواج مصلحة عامة ودفع لضرر ووضعت تشريعات لذلك لقامت الدنيا ولم تقعد ولاتُّهم المشرع الوضعي حينها بأنه يحرم ما احل الله.
إذن نحن هنا ازاء انتقائية ثقافية ذكورية الطابع لا علاقة لها اساساً بما احل الله وحرم، إنما هي مواقف وآراء يعمل على حمايتها اناس وجماعات للأسف تمارس ابتزازاً لمشاعر الناس الدينية واستغلال للدين من اجل تحقيق مصالحهم وفرضها ومنع المجتمع من احداث تغيير يمسها.

#عمر_أبو_رصاع (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل