أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - ما بعد الانتخابات العراقية: حقل الألغام الطويل!















المزيد.....


ما بعد الانتخابات العراقية: حقل الألغام الطويل!


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 4466 - 2014 / 5 / 28 - 17:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



في 30 نيسان (ابريل) الماضي توجّه الجمهور العراقي بنسبة زادت على 60% نحو صناديق الاقتراع وصوتوا لأعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 328 نائباً ولفترة السنوات الأربع القادمة، على الرغم من الوضع الأمني المتدهور وأعمال العنف والتفجير التي ضربت العراق من أقصاه إلى أقصاه بما فيها العاصمة بغداد، باستثناء اقليم كردستان الذي ينعم بالاستقرار النسبي منذ سنوات. ليس هذا فحسب، بل إن الخلافات السياسية تصاعدت إلى درجة قصوى عشيّة الانتخابات في سباق ماراثوني، على أمل أن تحرز القوائم الفائزة على نصيب أكبر في البرلمان يساعدها في توجيه العملية السياسية مثلما تريد، متّخذة من عنوان التغيير الذي رفعه الجميع شعاراً لها، حتى وإن كان كل منها يقصد به الآخر.
ومن جهة أخرى استمرت الاحتجاجات في العديد من المناطق العراقية التي تشكو من شحّ الخدمات الصحية والتعليمية والبيئية واستشراء الفساد المالي والإداري، إضافة إلى البطالة، والانقسام المذهبي والإثني، ولاسيّما الصراع المفتوح في الفلوجة المحاصرة، منذ ما يزيد على أربعة شهور، خصوصاً بتدفّق أعداد من المسلحين والارهابيين إليها، بفعل انفجار الأزمة السورية وتداعياتها الاقليمية.
وعلى الرغم من المطالب المشروعة لمحافظات الأنبار وصلاح الدين والموصل وديالى والحزام المحيط ببغداد، ومناطق أخرى من العراق، بل عموم محافظاته، وهو ما تعترف به الحكومة وغالبية القوى والأنشطة المشاركة في العملية السياسية، لكن التداخل الحاصل مع تنظيمات القاعدة أو ما سمّي بدولة العراق والشام الإسلامية (داعش) كان قد استثمرته الحكومة خلال حملتها عشيّة الانتخابات، خصوصاً في ظلّ الشحن الطائفي، وذلك لربط ما يحصل بالارهاب الدولي، والانفجارات والمفخّخات التي عجزت جميع الحكومات العراقية على وقفها حتى الآن، على الرغم من أن الحالة الأمنية كانت قد تحسّنت قياساً بأعوام 2005 و2006 و2007، ولكن الأمر له علاقة عضوية بالتداخل العميق بين الحالة الأمنية والوضع السياسي والتوافق الوطني، ولاسيّما عدم التوصّل إلى مصالحة حقيقية حتى الآن.
وفي ظلّ هذا التداخل انخرط فريق من شيوخ العشائر العراقية في هذه المناطق ضد تنظيمات داعش، في حين استمر فريق آخر في موقفه من الحكومة وإجراءاتها، محمّلاً إيّاها المسؤولية الأساسية بتدهور الأوضاع واستمرار التهميش والإقصاء، خصوصاً ما لحق بالسكان المدنيين الأبرياء العزّل من أذى، حيث اضطرّ عشرات الآلاف من أبناء الفلوجة إلى ترك مناطقهم، وهم يعيشون الآن في ظروف قاسية ومستقبلهم وحياتهم مهدّدان، ناهيكم عن تدمير الكثير من المنازل والبنى التحتية بفعل الصراع المسلح، ومحاولة الارهابيين الانتشار في الأحياء والمناطق السكنية.
ولم يتمكّن الآلاف من المهجّرين بمن فيهم بعض سكان حزام بغداد من التصويت بسبب الأحداث من جهة، ومن جهة ثانية اغراق منطقة أبو غريب التي شملت العديد من القرى ونحو 40 مدرسة، ولا زالت المياه تغطي مساحات شاسعة، علماً بأن فصل الصيف هذا العام بدأ مبكّراً والأمراض تنتشر فيه بسرعة فائقة.
وحسب الرواية الحكومية فإن "داعش" حاولت فتح ثغرات لدفع المياه باتجاه بغداد، وذلك باستخدامها كجزء من الصراع الدائر، في حين أن أطرافاً أخرى تتهم الحكومة بإغراق هذه المناطق لأنها تشكّل بيئة حاضنة لقوى مناوئة لدولة القانون ولحكومة المالكي وهي تشعر بالتمييز والتهميش والإهمال، والهدف من ذلك هو إبعادهم عن المشاركة في الانتخابات بحيث تضيع أصواتهم هدراً، لأن غالبية سكان هذه المناطق هم من العرب السنّة.

II
كانت نتائج الانتخابات مخيبة لآمال البعض في التغيير، في حين وجدت فيها دولة القانون فرصة لترسيخ مبدأ الولاية الثالثة للمالكي، فقد أفرزت عن فوز دولة القانون بـ 95 مقعداً بمعدّل يرتفع على 50 مقعداً عن الكتلة التي تليه وهي كتلة الأحرار (جماعة السيد الصدر) التي حصلت على 31 مقعداً، وكتلة المواطن (الحكيم) التي نالت 29 مقعداً، ومتّحدون التي حازت على 23 مقعداً، والوطنية برئاسة د. إياد علاوي التي حازت على 22 مقعداً والعربية برئاسة د. صالح المطلك التي فازت بـ 10 مقاعد، وحصل التحالف الكردستاني على 62 مقعداً وهناك قوائم صغيرة حصلت على مقاعد متفرقة ، إضافة إلى "الكوتات".
لقد أجمعت القوى السياسية على اختلافاتها الحادة والمتشعّبة على ضرورة إجراء الانتخابات بموعدها، ولكل أغراضه، فرئيس الوزراء الحالي نوري المالكي كان يريد إبعاد بعض خصومه ليشكل أغلبية سياسية وينهي موضوع الشراكة التي هي أقرب إلى المحاصصة في الواقع العملي، وخصومه وهم كثر، ابتداء من طرفي التحالف الشيعي (عمّار الحكيم ومقتدى الصدر يريدون الإطاحة به، ومعهم كتلة التحالف الكردستاني، وخصوصاً مسعود البارزاني، وكذلك كتلة الوطنية بزعامة علاّوي ومتّحدون بقيادة رئيس البرلمان الحالي أسامة النجيفي، وكتلة د. صالح المطلك نائب رئيس الوزراء الحالي (القائمة العربية) وآخرون.
وضعت نتائج الانتخابات معادلات جديدة على الطاولة، وستكون هذه كفيلة لبدء عمليات المساومة خلف الأبواب المغلقة، بعد أن كانت في الإعلام والصحافة وأمام الملأ وفي الميادين والمُحتشدات. لقد انتهت فترة التسقيط والاتهام وبدأت فترة البحث عن حلفاء واتفاقات، لاسيّما بعد فوز كتلة دولة القانون.
جدير بالذكر إن الانتخابات لقت تأييداً من واشنطن التي لا تزال تدعو لتشكيل حكومة ذات فاعلية وتكون مهمتها البناء، وبإشراك الجميع، بغضّ النظر عن الطعون الحادة بتزوير الانتخابات التي تصرّ عليها بعض القوائم وتقدّم بعضها بطعون جدّية وفي إطار قانوني، لكنها حتى الآن وحسب المفوضية لم تكن مؤثرة في النتائج وهي لا تزال قيد الدرس، ولعلّ ذلك يعتبر جزء من التحدّي الذي يواجه العملية السياسية بكاملها، المدعومة من واشنطن، حيث ترتبط مع بغداد بمعاهدة ذات طابع شامل تحت عنوان " اتفاقية الاطار الستراتيجي" وهي تشمل الميادين السياسية " لدعم الديمقراطية"" والاقتصادية، والتجارية والعسكرية والأمنية والثقافية والتربوية، وفي كلّ ما يخص العراق من تنمية وتطور ومستقبل.
III
وإذا كانت واشنطن قد سعت في الانتخابات السابقة إلى تثبيت دورة ثانية لرئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي متوافقة بهذا الشأن مع إيران، وآخذة بنظر الاعتبار نفوذ الأخيرة في العراق، فإنها في هذه الدورة الجديدة تعرف مدى الصعوبة في التوافق الداخلي، لكنها في الوقت نفسه تدرك إن أي تغيير يحتاج إلى عدد من المواصفات قد لا تكون متوفرة في الوقت الحاضر، فالمالكي الذي أصبح نقطة وسط بين واشنطن وطهران، وفي لحظة تاريخية معقدة، قد لا ترغب واشنطن باستبداله إن توفِّر له بديلاً مضموناً وأفضل منه، وفي كل الأحوال ستسعى إلى جسّ النبض بمن تريده طهران على أن لا يلعب في حديقتها الخلفية أو يكون موالياً لإيران بالكامل، أما إذا توفّرت لديها قناعة بإمكانية استبداله وبموافقة طهران والاتفاق على شخصية وسطية أفضل منه، فسوف لا تتأخر في ذلك، على الرغم من أن واشنطن سحبت جيوشها منذ أواخر العام 2011 واستبدلت القوة العسكرية بالقوة الناعمة، والجيش بالدبلوماسية، والاحتلال العسكري بالاحتلال التعاقدي.
وبقدر ما كان المالكي مقبولاً في طهران، بعد قناعتها إن فرض د. إياد علاوي سيؤدي إلى فشله وإفشاله وستكون مسؤولة عنه، خصوصاً وأنه مرفوض من طهران، فإن المالكي سيكون مقبولاً لديها، ولعلّ إيران بغض النظر عن نفوذها في العراق تدرك الحدود التي لا ينبغي لها تجاوزها، إذ أن أي طلب مبالغ فيه قد يؤدي إلى المزيد من تدهور الأوضاع، ويعود الأمر عليها بشكل سلبي، خصوصاً بتفاقم الأزمة السورية، مثلما تدرك واشنطن أن وجود رجل مقبول من طهران، لكنه ليس ضد مصالحها، أمرٌ معقول ضمن توازن القوى القائم، وفي ظروف الانسحاب الأمريكي من العراق العام 2011.
فهل سيكون هذا الوضع status quo أي "راهناً" أم ثمة متغيّرات جديدة قد تكون مفاجئة بعد ما أفرزته صناديق الاقتراع؟ حتى الآن فإن الاصطفافات الداخلية لم تحسم بعد، فقد يمكن العودة إلى تحالفات العام 2010، خصوصاً إذا شعر التحالف الشيعي، بأن هناك خطراً داهماً قد يؤدي إلى تمزيقه وتصارعه، وبالتالي ستضعف جميع قواه، وهنا يحضر الدور الاقليمي، ولاسيّما الإيراني وسيكون قوياً ومؤثراً، كما حصل في العام 2010 وخلال العام 2012 -2013 في محاولات سحب الثقة من المالكي، حيث عاد التحالف والتأم تحت هول " الخطر" القادم.
واستبّدل المحّتجون (الصدر والحكيم) مواقفهم مما أسقط فكرة سحب الثقة أساساً، أو إن الأمر وصل إلى درجة كسر العظم بحيث لا يمكن القبول بولاية ثالثة للمالكي مهما كلّف الأمر، ويعتمد هذا أيضاً على استعداد قائمة التحالف الكردستاني المضي بالصراع إلى النهاية، مع أنها تلوّح بذلك بما فيها الاستقلال عن العراق، لكنها تدرك صعوبة مثل هذا الخيار عملياً، داخلياً وإقليمياً ودولياً، على الرغم من أن حكومة الإقليم أقدمت على تصدير النفط إلى تركيا خارج نطاق الاتفاق الذي تم مع الحكومة الاتحادية، في إجراء استفزّ بغداد التي سارعت فيه وزارة النفط إلى اتخاذ إجراءات وصفتها بأنها قانونية ملوّحة بالمزيد منها. ويأتي هذا الإجراء بعد إعلان نتائج الانتخابات ورفض التحالف الكردستاني التجديد للمالكي. الأمر الذي اعتبره المراقبون خطوة تصعيدية ضد المالكي ولإحراج بغداد قبيل تشكيل الحكومة الجديدة، وقد تكون هذه الأزمة الجديدة عاملاً من عوامل توتير الأوضاع وزرع العقبات والعراقيل أمام الحكومة الجديدة أو العمل على ابتزازها مسبقاً.
IV
غالباً ما كانت عملية تشكيل الحكومة العراقية مثل حقل الألغام، طويلة ومعقّدة ومتشعّبة ومحفوفة بالمخاطر، وإذا كان تشكيل الحكومة قد استغرق في انتخابات العام 2005 ثمانية أسابيع، فإنه احتاج إلى أربعة عشر أسبوعاً في العام 2010، وقد يبدو الأمر أقرب إلى الاستعصاء في هذه الانتخابات، حيث تضطرّ الكتل الفائزة إلى عملية قيصرية قد تكون ناجحة أو فاشلة، أو على العكس من ذلك حيث يريد البعض حسم الأمور سريعاً، فما الجدوى من إطالة الأمد، إذا كانت الأمور ستتم وفقاً لأحد السيناريوهات المحتملة.
وبعد إعلان النتائج، فالأمر يحتاج إلى اختيار رئيس مجلس النواب أثناء الجلسة الأولى، وبعد ذلك خلال مدّة شهر ينبغي اختيار رئيس الجمهورية بأغلبية الثلثين، ويفترض بالرئيس تكليف شخصية تختارها الكتلة الأكبر في البرلمان خلال 15 يوماً، وإجراء تصويت عليه والمصادقة في موعد أقصاه 30 يوماً ويقوم رئيس الوزراء بالتشاور مع الكتل لاختيار أعضاء الوزارة الذين يتم عرضهم على مجلس النواب للمصادقة عليهم.
الانتخابات الحالية هي الرابعة، فقد سبق إجراء انتخابات في العام 2005 (لمدة عام تقريباً في المرحلة الانتقالية) ثم أجريت الانتخابات الثانية في 15 كانون الأول (ديسمبر) العام 2005 بعد الاستفتاء على الدستور في 15 تشرين الأول (اكتوبر) 2005، وتمت الانتخابات الثالثة في 10 آذار (مارس) 2010، وتعتبر انتخابات 30 نيسان (ابريل) الماضي هي الانتخابات الرابعة .
بعض أعضاء البرلمان المُنتخب في الانتخابات الثانية والثالثة ترك الجلسة الافتتاحية مفتوحة لعدة أسابيع لكسب الوقت والتفاوض، واستمرت 24 اسبوعاً (في انتخابات العام 2006) و38 أسبوعاً في العام 2010، ولكن إصرار بعض القوى السياسية حالياً على حسم الأمور سريعاً قد ينجح وقد تصادفه عقبات كآداء، لاسيّما حصة كل كتلة وتحالف من المقاعد، الأمر الذي قد يسهّل وقد يعرقل ذلك، وحتى تنجز هذه المسألة، فالميزانية لا تزال معطّلة والخدمات متعثّرة ومشكلة الفلوجة مستفحلة حسمت أم لم تحسم، والانقسامات متفاقمة والدولة لا تزال ضعيفة وفي الكثير من الأحيان غائبة أو معوّمة.
V
أغلب الظن أن البيت الشيعي سيجتمع لاختيار رئيس الوزراء ثم يتم عرضه على البرلمان بعد تكليفه من رئيس الجمهورية، لكن هناك ثلاث اتجاهات على هذا الصعيد، الأول يقول بأن كل كتلة تقدّم ثلاثة مرشحين ويتم اختيار واحداً منهم لعرضه لاحقاً على مجلس النواب بعد إجراء المفاضلة بينهم داخل البيت الشيعي، وهذا الاتجاه يستهدف إبعاد المالكي، في حين أن دولة القانون تقول ان لا بديل لها غيره وكتلته حصلت على الأغلبية فما معنى مثل هذا الإجراء؟ والثاني أن يذهب ثلاثة من الكتل الفائزة إلى مجلس النواب، أي واحد من دولة القانون والآخر من المواطن والثالث من الأحرار ويتم عليهم التصويت، وبالطبع فإن هذا المقترح غير مقبول من جانب المالكي، أما الثالث وهو الأضعف وهو اختيار شخصية شيعية مستقلة يتم الاتفاق عليها من أصحاب الكفاءات، ويتم ترشيحه لمصادقة مجلس النواب. ولعلّ هذه الصيغة ضعيفة حتى الآن، الاّ إذا كانت القوى الإقليمية والدولية يمكن أن تتوافق عليها.
التحالف الشيعي بغضّ النظر عن اختلافاته يريد من السنّة التوحّد بكيانية مثله، مع وجود الأكراد موحدين نسبياً، ليتم التعامل معهم كمكوّنات، ولعلّ ذلك هو اللغم الأكبر الذي زُرع في الدستور وسينفجر عند كل منعطف وعند أي احتكاك، وإذا استجاب الآخرون لهم، فسيعني استمرار الحال دون تغيير في إطار المحاصصة والتقاسم ومنطق الأغلبية المسبق.
المالكي يصرّ على دورة ثالثة ويقول أنه فاز بالانتخابات، وقد حصل على نحو 30% من مقاعد البرلمان، وهو أكبر المجموعات، لكنه لا يستطيع حسم الموضوع دون تحالفات مع آخرين، وفي مقدمتهم أركان البيت الشيعي. وحتى الآن فإنه يعتبر الرجل الأقوى، أو يمكن القول أن الجميع ضعفاء لكنه أقوى الضعفاء، وإن دائرة خصومه واسعة من داخل البيت الشيعي وخارجه، ويعتمد تسويتها على العنصر الخارجي ولاسيّما إيران، وعلى الخطر الذي ينفخ فيه باستمرار وهو "الارهاب الدولي" ووجود القاعدة "وداعش" على مشارف بغداد كما قيل، وهو ما يحتاج إلى تنازلات قد تتم باللحظة الأخيرة، وستكون لمصلحته على الأغلب.
وإذا كان زلماي خليل زاده السفير الأمريكي قد لعب دوراً أساسياً في العام 2006 في اختيار المالكي ودعمه، لاسيّما وأن واشنطن كانت بجيوشها في العراق، في حين أصبحت أقلّ حزماً في العام 2010، وانتظرت النتائج داخل البيت الشيعي، وهذا ما ستفعله الآن على نحو لا يدفعها إلى الاستغراق في الملف العراقي، ولكنها هي الأخرى قد ترغب في تدوير بعض المواقع دون إحداث تصدّع في العملية السياسية، وهذا ما أفهمته للقوى الكردية ولقوى قريبة منها خلال عملية سحب الثقة التي صمّم عليها العديد من القوى ضد المالكي في العام 2012 (وذلك خلال زيارتها لواشنطن قبل أكثر من عام)، لكنها مُنيت بالفشل، كما مني بالفشل الاتفاق الذي رعاه جون بايدن نائب الرئيس الأمريكي والمعروف باتفاق إربيل، وقد كانت واشنطن تدرك جيّداً أنه ولد ميتاً، لكنها كانت تريد إعطاء دعم لحكومة المالكي، لكي تحظى "بالشرعية" ثم لا يهم ماذا سيحصل بعد ذلك؟!.
لقد تم حل عقدة رئيس الوزراء، سريعاً في العام 2004 وبالاجماع باختيار إياد علاوي المقرّب من واشنطن، فذلك لأن الولايات المتحدة والرئيس بوش تحديداً كانا منشغلين بكل وجودهما في العراق، وكان يعني ذلك اختباراً لسياستها، لكنها بعد الانسحاب، وفي ظل إدارة الرئيس أوباما فإن اهتمامها ضعف بالعراق، دون أن يعني إهمالها له أو تركه فريسة لإيران وحدها.
VI
لعلّ عقدة رئيس الجمهورية قد لا تقلّ تشابكاً عن عقدة رئيس الوزراء، فمن جهة يصرّ الأكراد على الاحتفاظ بالموقع الذي كانت إيران وراءه حين فرضت جلال الطالباني للمرّة الثانية، ولاسيّما في انتخابات العام 2010، وهو ما كافأها به عند رفضه الانصياع إلى تجمّع كبير ضم كتلة الحكيم والصدر وعلاوي والبارزاني لسحب الثقة من المالكي (نيسان /ابريل 2012).
والعقدة انتقلت من الصراع بين الكرد والآخرين إلى الصراع إلى الكرد أنفسهم، فالاتحاد الوطني الكردستاني (أوك) يريد خليفة لجلال الطالباني منه، وهنا بدأ صراع جديد داخلهم أيضاً، فبعد استبعاد احتمال ترشيح عقيلة الطالباني هيرو خانم ابراهيم، فقد تقدّم للموقع اثنان هما: د. برهم صالح وعلاقته وطيدة مع واشنطن وأثبت أنه رجل دولة، لكن نفوذه ضعيفاً داخل (أوك) لأنه لم يكن منخرطاً مع البيشمركة، في حين أن غريمه د. فؤاد معصوم يحظى بتأييد أكبر، كما طالب حزب بارزاني (حدك) بالمنصب وتردّد اسمان هما: د.فؤاد حسين وهو شخصية أكاديمية معتدلة (من خانقين) ومدير ديوان رئاسة إقليم كردستان، إضافة إلى هوشيار الزيباري (خال مسعود البارزاني) ووزير الخارجية منذ الاحتلال ولحد الآن، وقد تكون حظوظ الأخير أكثر فيما إذا استقر الرأي على حدك وعلى شخصية حزبية، لكن للمسألة بعد آخر، فأسامة النجيفي رئيس البرلمان عينه على رئاسة الجمهورية، ويعتبر بعض العرب السنّة ضرورة أن تكون رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية من حصتهم أو على الأقل من حصة العرب، لكنهم قد يتنازلون للكرد كما فعل حينها في العام 2006 طارق الهاشمي الذي كان رئيساً للحزب الإسلامي لاعتبارات ضيقة وتكتيكات خاطئة.
VII
ما هي السيناريوهات المحتملة ؟
السيناريو الأول - تشكيل حكومة بتكليف القائمة الأكبر مع تحالفات محدودة، لكنه سينتج حكومة غير قوية أو لا تحظى بالاجماع أو شبه الإجماع، وقد تبقى تعيش على الأزمات وتعجز عن حل المشاكل، بل إن عجلتها ستدور على إيقاع السنوات الثمانية الماضية .
اما السيناريو الثاني فهو: قيام حكومة أغلبية سياسية، مع وجود معارضة قوية، لكن ذلك قد يؤدي إلى اصطفافات جديدة ضد العملية السياسية، ولحدّ الآن لم تتكون ثقافة معارضة حقيقية داخل البرلمان، لأن الجميع يريد الحصول على حصته في الحكومة.
ويعتمد السيناريو الثالث على حكومة قوية مع برلمان ضعيف، أو برلمان قوي مع حكومة ضعيفة، وفي كل الأحوال ستبقى الدولة بشكل عام ضعيفة ولا تستطيع حسم العديد من القضايا بينها قانون النفط، ومشكلة كركوك العويصة والمادة 140، وتعديل الدستور، وقانون الأحزاب، وعلاقة البيشمركة بالجيش والسلطة الاتحادية الإقليمية.
السيناريو الرابع - إصرار المحافظات، ولاسيّما صلاح الدين والأنبار والموصل وديالى على التحوّل إلى أقاليم وما قد ينجم عن ذلك من تكريس لاتجاهات انفصالية أو تقسيمية، لاسيّما إذا استمرت سياسة التهميش والعزل، وقد يلقى ذلك تشجيعاً كردياً وإقليمياً أحياناً مباشراً أو غير مباشر، لكن هذه الصورة تحتوي على تناقض داخلها وليس بالامكان حسم الصراع فيها، ناهيكم عن أن مبرّرات كل فريق تختلف عن الآخر، ففي العام 2005عند الاستفتاء على الدستور صوتت محافظتا الأنبار وصلاح الدين بـ"لا" لاحتوائه على مبدأ الفيدرالية، في حين أن جهات غير قليلة من داخلها تطالب اليوم بتشكيل الأقاليم "الفيدرالية"، والأمر يعود إلى مشكلاتها مع حكومة المالكي وشعورها بالحيف والغبن.
ويلوّح البعض بهذا الخيار إذا استمر المالكي لولاية ثالثة، ولعلّه سيكون مقدمة للتقسيم الذي أراده جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي (العام 2007) الذي اقترح إنشاء ثلاثة أقاليم شيعي، كردي، سنّي، ووضع نقاط وتفتيش وحرس للحدود يصل إلى نحو 300 ألف جندي وإصدار هوّيات هي أقرب إلى جوازات سفر، وبالطبع ستتم عمليات تطهير وتخصيصات مالية لإنجاز المشروع، مع بقاء بغداد مستعصية وكركوك التي يمكن هي الأخرى تقسيمها لاحقاً بين الكرد والقسم الآخر بين التركمان والعرب.

نشرت في مجلة الشروق الاسبوعية الإماراتية، 26/5/2014-1/6/2014.

عبد الحسين شعبان
باحث ومفكر عربي



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 4 تحدّيات و4 اتجاهات في حركة حقوق الإنسان
- فضاء الشيوعية وهواء الصندوق!
- روسيا وأوكرانيا.. حزام الأزمات
- أوكرانيا وانزلاق الهوية
- - سبايا- بوكو حرام!
- تدمير الهوية الثقافية العربية
- ضوء على رسالة جاسم الحلوائي- شبح عامر عبدالله ومكر التاريخ !
- هل ثمة مفاجآت في انتخابات الجزائر؟
- للانتخابات “فلسفة”
- المياه والسلام: الأمن المائي في الشرق الأوسط
- المبادرات الكونية والحوار الحضاري
- ماركيز: عزلة أمريكا اللاتينية وعزلتنا
- تراجيديا اختفاء المطرانين اليازجي وإبراهيم
- زمن الانتخابات!
- هيروشيما: الألم والجمال!
- - حالة حقوق الإنسان لا تسرّ أحداً-
- ديون العالم الثالث!!
- المصالحة الوطنية وتجربة إيرلندا
- مفارقات فنزويلا!
- أوباما – بوتين.. دبلوماسية القوة وقوة الدبلوماسية


المزيد.....




- -ضربه بالشاكوش حتى الموت في العراق-.. مقطع فيديو لجريمة مروع ...
- آلاف الأردنيين يواصلون احتجاجاتهم قرب سفارة إسرائيل في عمان ...
- نتانياهو يوافق على إرسال وفدين إلى مصر وقطر لإجراء محادثات ح ...
- الإسباني تشابي ألونسو يعلن استمراره في تدريب نادي ليفركوزن
- لأول مرة.. غضب كبير في مصر لعدم بث قرآن يوم الجمعة
- القيادة المركزية الأمريكية تعلن تدمير 4 مسيّرات للحوثيين فوق ...
- صاحب شركة روسية مصنعة لنظام التشغيل Astra Linux OS يدخل قائم ...
- رئيسا الموساد والشاباك يتوجهان إلى الدوحة والقاهرة لاستكمال ...
- مصر.. فتاة تنتحر بعد مقتل خطيبها بطريقة مروعة
- علاء مبارك يسخر من مجلس الأمن


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - ما بعد الانتخابات العراقية: حقل الألغام الطويل!