أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد علي عبد الجليل - لماذا القرآن؟ ولماذا فيه أخطاء؟















المزيد.....

لماذا القرآن؟ ولماذا فيه أخطاء؟


محمد علي عبد الجليل

الحوار المتمدن-العدد: 4452 - 2014 / 5 / 13 - 01:03
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في نقاش حول أخطاء القرآن على صفحة "أخطاء القرآن اللغوية والإنشائية" التي أنشأها الأخ سامي الذيب على "الفيسبوك"، سأل أحدُ المشاركين ما يلي:

"تحية طيبة، يا تُـــرى ما هو السر في كل هذه الكمية الفاضحة من (الأخطاء اللغوية والانشائية) في كتاب ينسب نفسه إلى الإله؟ حتى أننا لو سلَّــمنا برأي الأستاذ سامي الذيب في وجود تلك العيوب لحقَّ علينا أنْ نتسائلَ عن الحكمة من وراء عمل (ساقط لغوياً وأدبياً) ثم نسبته إلى الإله؟ أرجو أن أسمع جواباً علمياً موضوعياً يُــقنِـــع حتى العظام النخرة التي آمنت به كتاباً مُـــنزلاً من السماء! وشكراً."

وكان ردي هو التالي:

من وجهة نظر باطنية وثيوصوفية، تَـــخضع كلُّ أُمَّـــةٍ وجماعةٍ لقانون الكارما. ومثلما أنَّ الأفراد تسري عليهم قوانينُ خاصة، كذلك فإنَّ الجماعاتِ المجتمعاتِ تَـــحكُمها قوانينُ خاصةٌ. وكما أنَّ للفرد كَرْمى [كارما] خاصة به، كذلك فإنَّ للجماعة أو الأمةِ كَرْماها. وقد أشار وِلْيَم كوان دْجَدْجْ (William Quan Judge [1851 - 1896) إلى "كَرْمى الأمم": "وما يصح على الأمَّة يصح كذلك على الأسرة وعلى المرتبة الاجتماعية." (مقال: "كَــــرْمَى"، وِلْــــــيَـــم ك. دْجَدْجْ، مجلة معابر). فحركةُ المجتمعات أشبهَ بحركة الوحوش. المجتمعُ، كما الوحشُ، كتلةٌ من الطاقات تُحرِّكُها قوانينُ بيولوجيةٌ وسيكولوجية. لقد استخدمَ الكِتابُ المقدَّسُ في سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 13 الوحشَ رمزاً لروما أو للمجتمع ككل. (أشرتُ إلى ذلك في مقال لي نشرتُه باسم مستعار بعنوان: "المأساة السورية: أزمة اقتلاع الجذور" http://www.maaber.org/issue_may12/editorial.htm#_ftn1.) وبالتالي فإنَّ كل جماعة دينية أو لغوية أو عرقية يَـــحكُـــمُ سلوكَها (وبالتالي كارماها) طبيعةُ العلاقات بينها وبين باقي جماعاتِ المجتمع الذي تعيش فيه ومكوِّناتِه. فالإنسانُ كائن "علائقي" (relationnel) (لا يوجد مِن دونِ علاقة). ولكي نفهم كارما فرْدٍ أو جماعةٍ صغيرة أو كبيرة، علينا أنْ نفهم كارما الأفراد أو الجماعات التي تقيم علاقاتٍ معها.

هذه المقدمةُ الثيوصوفية تبدو مهمةً لفهم بعض أسباب ظهور القرآن بشكله الحالي، بحسناته وبأخطائه وعيوبه وأفكارِه النزاعية. فالقرآنُ لم يَظهرْ من فراغ. بل هو تطور طبيعي لِما سبقه من كتب تُدعى "مقدَّسة". إضافةً إلى أنَّ الجماعاتِ الدينيةَ الأخرى (كاليهودية والنصرانية بكل فئاتها) التي كانت على علاقة مع الجماعة التي ظهرَ فيها القرآنُ (وهم الأميون "الذين آمنوا" بمحمد وسُمُّوا فيما بعدُ بـــ"المسلمين") قد ساهمَتْ كارمياً هي الأخرى أيضاً في ظهور القرآن سواءً من خلال سلوكِها أم من خلال تراثها الديني المكتوب.

من ناحية اجتماعية، وفي مجتمع مؤلَّف من عدة جماعات دينية كمجتمع الجزيرة العربية في عصر ظهور القرآن، تسعى كلُّ جماعة في داخل المجتمع إلى تأكيد هُويتها من خلال إنتاجها المادي والفكري. وقد كانَ العربُ الأميون (الوثنيون الذين لا كِتابَ "مقدَّساً" لهم) يشعرون بعقدةِ نقصٍ من تعيير اليهود والنصارى لهم بأنَّ الوثنيين لا كتابَ لهم ولا رسول. وكان هذا نوعاً من الطعن بهُوية العرب الوثنيين. ومن هذا الجانب الاجتماعي ينبغي أيضاً فهمُ بعضِ أسباب ظهور القرآن بالإضافة إلى الجانب الكارمي.

تشير الفيلسوفةُ الفرنسيةُ سيمون ﭭ-;-ــــايل (1909 – 1943)، في كتابها (التـجـذُّر: تمهيد لإعلان الواجبات تجاه الكائن الإنساني [L’enracinement: Prélude à une déclaration des devoirs envers l’être humain])، إلى أنَّ هناك حاجاتٍ ضروريةً لوجود الفرد في الجماعة ولوجود الجماعة في المجتمع مثلما أنَّ للجسد حاجاتِه الفيزيولوجيةَ التي هي الأخرى ضرورية. ومِن هذه الحاجاتِ النفسيةِ الضروريةِ الحاجةُ إلى الملكية الجماعية. وكان من بين حاجات الملكية الجماعية في عصر ظهور القرآن الحاجةُ إلى كِتابٍ مقدَّس كملكية فكرية جماعية والحاجةُ إلى هُوية دينية جماعية في عصر الهويات الدينية والصراعات الإيديولوجية.

إنَّ تراكُم الجوعِ النفسي إلى الهوية الدينية داخلَ جماعةِ العرب الوثنيين أدَّى إلى تراكُمِ عقدة النقص لديهم، مِمَّا دفعَ بعضَ أفرادٍ منهم، تحت ضغط الحاجة النفسية الجمعية، إلى أنْ يضعوا لهم كِتاباً كنموذج بدئي جَمعي (archétype) يُمثِّـــلُهم ويُــعَــبِّر عن هُويتهم الدينية ويشبه صرخةَ وجود ("هوَ الذي بعثَ في الأُميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياتِه ويزكِّيهم ويُعلِّمهم الكِتابَ والحكمة" [سورة الجمعة، 2]).

ومِن الطبيعي أنْ ينسبوا إلى "الله" كِتابَهم المترجَـــمَ بتصرُّف شديد من الكتب المقدَّسة السابقة، وذلك بهدف الرد على سخرية اليهود بأنَّ الأميين لا كِتابَ "سماوياً" لهم. ولو لم ينسبه واضعوه إلى الله لراحت جهودُهم سُدىً، لأنَّ جزءاً من استهزاء اليهود كان بسببِ أنَّ الوثنيين [الأميين] لا كِتابَ لهم من "الله" يرجعون إليه كــأُمٍّ دينية لأمَّـــتِهم.

وقد عَـــدَّ المستضعفون من هذه الجماعةِ الوثنية هذا العملَ إنجازاً قومياً عظيماً أعطاهم نوعاً من الثقة بالنفس فـــ"التفتوا" إليه يقدِّسونه ويعضُّون عليه بالنواجذ ويدافِعون عنه بما أوتوا من قوة مادية وفكرية. وقد ذكَّرهم القرآنُ نفسُه بفضلِه عليهم في جعلِهم أُمَّةً واحدة ذات هوية و"رسالة خالدة" تعيد الأحزابُ القومية الحالية التأكيدَ عليها.

وعندما قويَت شوكةُ العرب الأميين لم يكتفوا بتقديس كِتابهم بل دفعتهم عقدةُ نقصهم وتراكُم استهزاء اليهود لهم في نفسهم الجَـــمْعية إلى اتِّخاذ قرار بإجلاء اليهود من الجزيرة كَـــــرَدِّ فِعلٍ انتقامي على سلوك اليهود ضد العرب الوثنيين.

إذاً، إنَّ الأسبابَ غيرَ المباشرةِ التي أدَّت إلى ظهور القرآن هي سلوكُ اليهود والنصارى الإقصائيُّ وعواملُ اجتماعيةٌ أخرى. أمَّا الأسبابُ المباشرةُ فهي عقدةُ النقصِ وإثباتُ الهوية لدى العرب. وبالتالي فعندما جَمعَ المؤلِّفون القرآنَ من كلِّ وادٍ هراوةً لم يُــــرَكِّزوا على التفاصيل فيه فهي لا تهمُّهم كثيراً، إذْ كان همُّهم الأول والأخير هو بناء سقفٍ فكري يحمي رؤوسَهم من سِهام المستهزئين وسخريتهم، فخرجَ كِتابٌ مليءٌ بالتناقضات والأخطاء اللغوية والأسلوبية الناتجة بصورة أساسية عن نقص الإمكانيات المادية والفكرية وبصورة ثانوية عن الصراعات الاجتماعية والقَـــبَـــلية داخلَ الجماعة نفسِها أو بين الجماعة والجماعات الأخرى. ولكنَّ هذا الكِتاب العربي المقدَّس لبَّى على العموم حاجتَهم الاجتماعية والسياسية آنذاك. وهو ما أشرتُ إليه في المقالَين: "أخطاء القرآن اللغوية والإنشائية: قراءة تفكيكية" على الرابط: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=413887، ومقال "بضع ملاحظات على أسلوب الالتفات في القرآن" على الرابط: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=413111.

ولكنْ لم يعُــدْ هناك من حاجةٍ إلى القرآن اليومَ في عصر العِلْم والصناعة. لكنَّ ضعفَ المسلمين وانحسارَ وعيِهم الحضاري والفكري والنفسي هو ما يدفعهم إلى التمسك به كرمزٍ ديني يُعــبِّر عن هويتهم. ولو كان لهم حاضرٌ مشرق وإنتاجٌ صناعيٌّ قويٌّ يُـــثبِـــتون به أنفسَهم في هذا العالَم لَما تمسَّكوا بالماضي ولا بالقرآنِ الذي هو سببٌ رئيسيٌّ من أسباب تأخُّرِهم. ("ويلٌ لأُمَّةٍ تلبس مما لا تنسج وتأكل مما لا تزرع وتشرب مما لا تعصر" [جبران خليل جبران]) (وقد أشرتُ إلى الآثار السلبية للقرآن في مقال: "بعض الآثار السلبية للقرآن على حياة المسلمين" على الرابط: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=349839، وفي مقال: "تعقيب على مقال -بعض الآثار السلبية للقرآن-" على الرابط: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=350824.)

وبالتالي فإنَّ سببَ وجودِ أخطاء في القرآن لا يعود إلى أنَّ واضعيه لا يعرِفون لغتَهم، بل لأنَّ قواعدَ اللغة المكتوبة من إملاء ونحوٍ لم تكن قد تطوِّرَتْ بعدُ ولم يكنْ لدى واضعيه المعرفةُ الكافية بسياقات النصوص المقدَّسة السابقة التي نقلوا عنها وكذلك لم تكنْ لديهم خبرةٌ كافية بتقنيات النقل [الترجمة]. وبالتالي فالقرآنُ ليس عملاً ساقطاً لغوياً وأدبياً بل هو عملٌ جاءَ على قدر الإمكانات المتاحة آنذاك. وقد أفرزَتْه صراعاتٌ دينية وإيديولوجية واجتماعية. وينبغي دراستُه كما ندرس أساطير المجتمعاتِ القديمة وتراثها الفكري والديني.



#محمد_علي_عبد_الجليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أخطاء القرآن اللغوية والإنشائية: قراءة تفكيكية
- بضع ملاحظات على أسلوب الالتفات في القرآن
- كيف يحجب القرآن الرؤية؟ (2)
- الأخطاء اللغوية والإنشائية في القرآن: رد على سامي الذيب
- نشأة الكون بين الخلق والتجلي والأزلية
- القرآن وتحجُّر اللغة
- الإسلام والعقل
- بطلان الدعوة الدينية
- دور محمد في تأليف القرآن
- كيف نقرأ قصص الأنبياء؟
- في مفهوم الاتِّباع
- لنفكِّر في هذه الكلمات
- عقيدة الوحش المجنَّح
- كيف يحجب القرآن الرؤية؟
- المعنى الكوني للإسلام
- ما المقصود بالعلم في القرآن؟
- وأرسلَ لي...
- كيف ينبغي فهم القرآن؟
- تعقيب على مقال -بعض الآثار السلبية للقرآن-
- بعض الآثار السلبية للقرآن على حياة المسلمين


المزيد.....




- القمة الإسلامية بغامبيا تختتم أعمالها بـ-إعلان بانجول- وبيان ...
- قادة الدول الإسلامية يدعون العالم إلى وقف الإبادة ضد الفلسطي ...
- مئات ملايين الدولارات.. واشنطن تزيد ميزانية حماية المعابد ال ...
- بعد مظاهرة داعمة لفلسطين.. يهود ألمانيا يحذرون من أوضاع مشاب ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تستهدف ميناء حيفا بصاروخ -الأرق ...
- يهود ألمانيا يحذرون من وضع مشابه للوضع بالجامعات الأمريكية
- المقاومة الإسلامية بالعراق تقصف ميناء حيفا الإسرائيلي بصاروخ ...
- المسيحيون الأرثوذوكس يحيون عيد الفصح وسط احتفالات طغت عليها ...
- الطوائف المسيحية الشرقية تحتفل بأحد القيامة
- أقباط مصر يحتفلون بعيد القيامة.. إليكم نص تهنئة السيسي ونجيب ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد علي عبد الجليل - لماذا القرآن؟ ولماذا فيه أخطاء؟