عاد بن ثمود
الحوار المتمدن-العدد: 4435 - 2014 / 4 / 26 - 05:56
المحور:
الادب والفن
عندما قفلت عائداً من نزهتي القصيرة هذا المساء بضواحي قريتي، لمحت طائراً ملقى على الأرض لم يكن هناك عند مروري من قبل.
إنه الطائر زرياب الأسود ذو المنقار الأصفر. ظننته ميتاً أول الأمر، لكن لاحظت بأن ساقيه ترتجفان قليلاً، ربما بفعل الريح... لمست إحدى ساقيه، فحركها...إنه لا يزال على قيد الحياة، لكنه ينازع سكرات الموت.
أمسكته بيدي و التقطته من الثرى، فانتفض مرفرفاً بجناحيه و خرّ ساقطاً من جديد وسط سنابل الزرع بجانب الطريق.
قلت في نفسي، سوف أتركه لحاله و أنصرف لحالي، يبدو أن حالته ميؤوس منها.
ثم قلت، دعني أصب بعض الماء على منقاره فلعلي أروي عطشه ـ على الأقل ـ قبل أن يموت...
بدأت أصب قليلاً من الماء على منقاره من قنينة كانت بحوزتي، فبدأ يستجيب و يفتح منقاره و هو لا يزال مسجياً على الأرض...
يا إلهي...هل يكاد يهلكه الظمأ و أنا لا أدري ؟
إلتقطته في يدي من جديد و بدأت أصب بعض الماء في منقاره المُفغَر و قد إنتابتني غبطة من ينقذ بالصدفة موشكاً على هلاك محقَّق.
سوف لن أتخلى عنك حبيبي زرياب المنهك...سوف تقضي الليلة برفقتي، و سوف تصحّ في الغد إن شاء الله و تعود مرنّماً مغرّداً لذويك كما لم تفعل من قبل عزيزي.
أحسست به و قد أمسك بأحد أصابعي بلطف الضعيف الشكور ، فزادت فرحتي بالطائر الممتن، و أخذت له صورة و هو في كفّي.
ظل طول الطريق فاتحاً عينيه يرقب الحقول تطوى أمامه لأول مرة في حياته دون أن يحلق بجناحيه. إنه يرقب غروب الشمس و هو في كف غريب و ليس على غصن شجرة.
ظللت طول الطريق أمسح رأسه الصغير و جناحيه المنهوكتين، و ظل هو يتململ في كفّي بين الفينة و الأخرى و قد زادني ذلك أملاً في شفائه.
عند وصولي للبيت وضعته في علبة صغيرة من الكارتون...لكنه مال على جنبه الأيمن من شدة الإرهاق... فقلت دعه يستريح بجانبي من هذه التجربة المريرة حتى صباح الغد.
إفتقدته بعد برهة، فرأيته لا يزال يتنفس...و كنت أسمع خشخشة ساقيه بجانبي.
ثم افتقدته مرة أخرى...
يا إلهي,,, زرياب لن يغرد في الصباح
زرياب لن يعود لذويه،
زرياب لن يحلق فوق الحقول،
لن يشهد غروب الشمس،
لن يشرب بعد هذا المساء من ساقية أو غدير،
زرياب قد أسلم الروح.
#عاد_بن_ثمود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟