فاطمة الفلاحي
(Fatima Alfalahi)
الحوار المتمدن-العدد: 4416 - 2014 / 4 / 6 - 21:49
المحور:
مقابلات و حوارات
"لاهوت اليسار" و "الإسلام السياسي " ، حوار مع المفكر التونسي ، اليساري الأديب نور الدين الخبثاني في "بؤرة ضوء"- الحلقة الثانية من " العقلنة والإنعتاق الإنساني "
3. تطرف الأحزاب الإسلامية التي لاتعترف بالديمقراطية ، إلى أين ستأخذ تونس ،لو عادت إلى ناصية الإنتخاب ؟
الجواب :
لعله من الأجدر بنا أولا التذكير بالموقف الإشكالي المعروف الذي تتخذه " الأحزاب الاسلاميّة من الديمقراطيّة - مثلها في ذلك مثل الأحزاب الفاشيّة - و القائل بأنّ : " الديمقراطيّة لا تصلح إلاّ لمرّة واحدة ..." و هي المرّة التي توصلهم هم إلى الحكم . و هو ما شرعت في تنفيذه حركة النهضة في تونس لولا أن سياستها تلك , مع التسرّع في تطبيقها , أدّت بها الى العزلة القاتلة داخليا و خارجيا و إلى المغادرة القسريّة للحكم .
مع العلم أن حركة الاسلام السياسي في تونس ليست تيّارا متجذرا في التاريخ و المجتمع كما يتراءى للكثير و للإسلاميين أنفسهم و ما يريدون الايحاء به من خلال الدعاية المنهجيّة . فحركة " الاتجاه الاسلامي " الذي تفرّعت عنه لاحقا " حركة ألنهضة كحزب يحاكي الطريقة التركيّة بالتقدم كتيّار مدنيّ و و كذلك طبقا لمخططات مكاتب الدراسات الأمريكيّة ( منذ 2005 ) . بدأ " الاتجاه " نشاطه خلال نهاية السبعينات و بداية الثمانينات من القرن العشرين ( التأسيس 6 جوان 1981 ) كحساسيّة هامشيّة في الأوساط النقابية الطلاّبيّة و العماليّة , باعتبارها المتنفّس الوحيد لكل أطياف المعارضة للتعبير عن مواقفها في مناخ الجر على الحريات المفروض من قبل الحزب الواحد الحاكم . لتتزايد أهميته بعض الشيء من خلال تعامله مع ذات الحزب الحاكم ( الحزب الدستوري آنذاك ) في إطار ضرب المدّ اليساري المتعاظم ( الخطّة المعروفة بسياسة محمد الصياح الأمين العام للحزب الدستوري في عهد بورقيبه ) . ثم بدأت عمليّة ضربهم بعد انتخابات 1989 عندما اعتقدوا أنهم استبعدوا من السلطة بدعوى كسبهم لها ( و دون ا، ننفي عمليّة التزوير الرسميّة فإن المعطيات الحقيقيّة تفيد بأنهم لم يتجاوزا في ما تحصلوا عليه من أصوات نسبة 35 في المائة في واحدة من دوائر جهة الساحل ) . لتنتهي عمليّة ضربهم , و هي التي يعلون من شأنهما في خطابهم الدعائي الراهن باعتبارها مرحلة النضال و التضحية , بمحاكمتهم و انقسامهم بين مجموعة الداخل من الذين سجنوا ( العريض , الجبالي ) أو استكانوا و هادنوا , و مجموعة الخارج و على رأسها زعيم الحركة راشد الغنوشي من الذين اتهموا بالتخاذل و مثلوا الذراع التي راهنت على الربط مع القوى الخارجيّة .
استكملت عمليّة ملاحقتهم في عهد زين العابدين بن على بناء على اتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكيّة في إطار قانون مقاومة الإرهاب على إثر أحداث 11 سبتمبر 2001 . و ذلك حتى تغيّرت السياسة الأمريكيّة سنة 2005 بالتوجه نحو المراهنة على إنتاج " إسلام سياسيّ معتدل"تضرب به في نفس الوقت تطرّف القاعدة على اليمين و نشاط الحركات التقدميّة على اليسار . و منذ ذلك التاريخ انطلق مسلسل الاتصالات السريّة بين قصر قرطاج و لندن بهدف مدّ الجسور , بدءا بالعفو و انتهاء الى التشريك في السلطة عبر صيغة معقّدة لخلافة " بن علي "بالراهنة على تولية صهره " صخر الماطري " أو تقديم "كمال مرجان " رجل الولايات المتحدة الأمريكيّة في الخارجيّة التونسيّة بعد إلزامه بتطبيق الاتفاقات بصيغة مشابهة . و في هذا الإطار يتنزل كذلك اتفاق حركة 18 اكتوبر 20005 ( يا للصدفة ؟؟؟) الذي شاركت فيه حركة النهضة بعض الأحزاب التقدميّة ( الديمقراطي التقدمي و الجمهوري لاحقا و حزب العمال الشيوعي ...) إضراب جوع للمطالبة بالحريات العامة كخطوة أولى للإعلان عن واجهتها المدنيّة .
غير أن مفاهمات خلافة " بن على " بسبب طموحات زوجته و حساباته العائليّة تأخرت في الوصول إلى نتائجها المرجوّة , لتفاجئها انتفاضة الشعب التونسي بين 17 ديسمبر 2010 و 14 جانفي 2014 لتقلب الحسابات الذكورة رأسا على عقب . لكن جابع الانتفاضة العفويّ و غياب استعداد القوى المعارضة الديمقراطيّة للتكتل والتحالف , للتقدم كبديل للقيادة و التجاوز منح الولايات المتحدة التدارك بالعودة إلى إمكانيّة تفعيل المخطط القديم مع بعض التعديلات الضروريّة للتأقلم مع الأوضاع الجديدة ( و يذكر التونسيون و العالم موقف الولايات المتحدة من " الثورة التونسيّة " في شهري فيفري و أفريل : وقوف أعضاء الكونغرس و تصفيقهم لها , و زيارة هيلاري كلينتون مصحوبة بكلب يتشمّم الصحافيين التونسيين قبل الدخول لمقابلتها؟؟؟ ز هو ما تمّ رفضه طبعا ). أفضت المساعي الأمريكيّة الى الدفع بالحكومة المؤقتة الأولى الى الواجهة ( حكومة محمد الغنوشي/ الوزير الأول لحكومة بن علي ) التي كان من اوكد مهامها إقرار العفو التشريعي العام و بالتالي ضمان خروج الاسلاميين من السجن و تأمين عودة المهاجرين منهم . كما تجسّد التأثير الأمريكي في طلّ الحكومة الانتقاليّة الثانية بدعوة كل من "البسي ـ رئيس الحكومة و راشد العنوشي ـ رئيس حركة النهضة لواشنطن للاتفاق على تقاسم للأدوار و التصعيد القادم للإسلاميين للسلطة. و هو ذات السيناريو الذي ألحقت به كلّ من العربيّة السعوديّة و إمارة قطر بالإسناد المالي و السياسي ثم العسكري للإسلام السياسي و بالدعم الإعلامي الحاسم الذي اضطلعت به قناة الجزيرة , هي التي عمدت الى تغليب الصورة الإسلاميّة للانتفاضة التونسيّة و قد بلغ بها التحيّل الإعلامي درجة تركيب صور المظاهرات بإقحام أشخاص ملتحين لا علاقة لهم بالسلام السياسي في الواجهة ( و هو أمر عايشته شخصيّا و أبلغت في شأنه احتجاجا لمدير مكتب قناة الجزيرة في تونس وقتئذ : لطفي الحاجّي ) .
هذا الدعم الخارجي الأمريكي و الخليجي ثم الأوربي , السياسي و المالي الإعلامي , جعل حركة النهضة تستولي على صدارة المشهد السياسي – الذي كان بالأساس نقابي و يساري – حتى قبل كسب الانتخابات , و ذلك بتنظيمها للاجتماعات الاستعراضيّة الضخمة و المتنقّلة و المدفوعة الأجر . و ذلك هو المسار الذي مكنها من كسب الانتخابات بإنفاق المال القطري و تشويه المعارضة العلمانيّة حول قضيّة " الهويّة " و منح الحماية لأزلام النظام السابق و استثمار التحالفات المفروضة من أوروبا - كنصيب من الكعكة - مكوّنين هامشيين من مكوّنات المعارضة الديمقراطيّة و هما حزب المؤتمر الذي تحصل في نصيبه من نتيجة الانتخابات على رئاسة الجمهوريّة و حزب التكتّل الذي عادت له رئاسة المجلس التأسيسي ؟؟؟
و عليه , و انطلاقا من نظرة تراكميّة للأحداث و التطورات و فإنّ الإجابة عن سؤال " عودة الاسلاميين " للسلطة من جديد من عدمه , تجد عناصرها , لتكون إجابة بالنفي النسبي .فعودة الإسلاميين للسلطة سوف لن تكون إلاّ جزئيّة , بمعنى أن الإسلام السياسي سيكون شريكا مؤثّرا لا محدّدا و ذلك للاعتبارات التالية :
ــ لأنّ الإسلاميين فشلوا فشلا ذريعا في أداء الدور الذي كلّفوا به و أهدروا الفرصة التي منحت لهم , بالتسرّع في فرض نفوذهم الفجّ , و بالكشف على نزعتهم الاستبداديّة ( القول بالخلافة السادسة / في إحدى " زلات لسان رئيس حكومتهم حمادي الجبالي ) , و بالخضوع الأعمى إلى الإملاءات الخارجيّة المتضاربة دون قراءة للانتظارات المحليّة , و الإكراهات واقع اجتماعي و ثوريّ هم غرباء عنه فكريّا و سياسيّا .
ــ سقوطهم الإقليميّ و خصوصا في مركز نشأتهم و قوّتهم : مصر , و تواصل اندحارهم في سوريا و تراجع دور حلفائهم الاقليميين : تركيا و دول الخليج , و تخلي القوى العالميّة ( بريطانيا و الولايات المتحدة ) عنهم كورقة رئيسيّة في سياساتهم العربيّة .
ــ الكشف المتواصل عن خياناتهم بالتفريط في سيناء و الجولان للكيان الصهيوني و و عن تعميمهم لمظاهر الفساد و المحسوبيّة و إهدارهم للمال العام الذي تصرّفوا فيه بمنطق الغنيمة و الفيء ؟؟؟
و أخيرا يبقى الرجوع الجزئي و المحسوب للإسلاميين كشركاء في الحكم , رهينا للدور المطلوب منهم من قبل رعاتهم الخارجيين ككابح لصعود غير متوقع و غير مرغوب فيه للقوى التقدميّة . و كذلك بعدم رجوع الأحزاب الديمقراطيّة إلى ارتكاب خطيئتها الأولى بالعودة ثانية إلى خوض الانتخابات مشتته و بدعوى اختلافات البرامج و التباينات الايديولوجيّة ؟؟؟
*
*
4. الثيوقراطيون هل لهم من عودة في الإنتخابات القادمة ؟
الجواب:
لو عمدنا إلى تغيير السؤال على سبيل المجادلة و السجال بـ : من هم التيوقراطيون أوّلا ؟ هل هم حاملي لواء " الإسلام السياسي " فحسب , أم علينا أن نضيف لهم " لاهوت اليسار "؟ أولئك الذين لا يأتيهم الباطل من أيّة جهة كانت , المسجونون في أقبية قراءة النصوص المؤسسة المقدّسة و المتمسّكون بالتطبيق الحرفيّ لها ؟
أمّا عمليّا و آنيّا فإنّ عودة الإسلاميين للسلطة ـ التي هم لم يغادروها بصفة كليّة في تونس ـ ستكون بالضرورة و بتداخل للظروف الداخليّة و الخارجيّة , الإقليميّة و العالميّة , محدودة و محسوبة بجعلهم شركاء في السلطة بنسبة قد تتراوح بين الخمس و الثلث , بقصد تفادي ردود فعلهم اليائسة و المتطرّفة , ومن أجل استخدامهم كورقة ضغط على القوى الأخرى البديلة , زيادة على امتلاكهم هم أنفسهم لبعض عناصر القوّة الذاتيّة تنظيميّا و ماليا و للقدرة على التأقلم مع المتغيّرات . و الأكثر أهميّة من كل ذلك تخلّف و تفكك البنى الاجتماعيّة و الاقتصاديّة التي لم تفرز كيانات اجتماعيّةـ طبقيّة مكتملة قادرة على النظر بوضوح إلى مصالحها و القيام بدور سياسي محدّد لاتجاه التطوّر التاريخيّ ., و ذلك بالتوازي مع ما يفرضه حاليا التفكيك المعولم لما كان قائما من بنى اقتصادية محليّة , من شرائح جديدة مهمّشة تمثّل سوقا نشيطة لشراء الذمم , و هي ذات قابليّة عالية للاختراقات من قبل الأطراف المراهنة على غسل الأدمغة ؟
_______________
انتظرونا والمفكر التونسي ، اليساري الأديب نور الدين الخبثاني عند ناصية السؤال "5.هل أن تونس تحتاج إلى ائتلاف ديمقراطي للخروج من أزمتها ؟ " - الحلقة الثالثة .
#فاطمة_الفلاحي (هاشتاغ)
Fatima_Alfalahi#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟