أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود عباس - عادةٌ ضاعت مع ذاكرة الزمن (الجزء الثاني)














المزيد.....

عادةٌ ضاعت مع ذاكرة الزمن (الجزء الثاني)


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 4413 - 2014 / 4 / 3 - 19:30
المحور: الادب والفن
    


نصبت القافلة التجارية خيمها لأخذ قسط من الراحة في تلك الليلة، وبعد تفاقم الثورة الشبابية وتزايد لذة الباديشاه، أخبروه الشباب بأمر البازركان، فأمر مستشاريه وجنوده التعرض لصاحبها، وبعد موافقة المستشارين، اتجه الجنود إلى رئيس القافلة، يطلبون منه المثول أمام الباديشاه، سألهم أي باديشاه؟! حسب معرفتي ومعلوماتي أنه لا يوجد باديشاهاً في منطقة طور عابدين! ذكروا له أن العريس هو الذي يأمر وهو الباديشاه، بعدما علم بهذا بالأمر، أنصاع لأوامر الباديشاه، وسار مع الجنود للمثول أمامه، بدون أي اعتراض دفع الغرامة وأكثر، كما هنأه على حكمه وتمنى له حياة سعيدة وعاد بأدراجه إلى خيمته، أنتبه العريس إلى طريقة التاجر وشخصيته ووقاره كرئيس البازركان واحترامه له كباديشاه وطاعته للأوامر التي فرضت عليه، اقلقه كل هذا، وحركت فيه إحساساً ضمنياً وشعوراً غريباً، ما رأه من صاحب القافلة أبقته في حيرة من أمره، كان شاباً جسوراً وذكيا ومميزاً بين زملائه، يقال أنه رفض الدخول إلى عروسته ليلتها، ولم ينصاع لعادة الزواج ولأوامر الأهل، خرج من القرية مع البعض من زملاءه يراقب خيمة التاجر من بعيد إلى قبيل الفجر، ينتظر رد فعل الرجل، متوقعاً منه ثاراً أو ما إليه، وفي الصباح الباكر جهزت القافلة للرحيل، وسارت في دربها، دون أن يلتفت الرجل إلى آغا القرية أو أحد وجهائها للسؤال عن الليرات الذهبية التي أعطاها للعريس كفدية على رأسه لئلا يهان من قبل الشباب، كما لم يبحث عن ثأر لذاته.
أغرقت الحادثة العريس في حيرة وغم، أبعدته عن عروسته، فلم يقترب منها، وبقي يفكر بالتاجر وموقفه وسخائه، فأصبح يحسب له في غيابه، فلم يغير من عناده ولم يترك العزوبية، منتظراً عودة البازركان، مرت الأسابيع والشهور، يراقب القوافل المارة بدقة وحذر. كان الطريق التجاري طويلا والمسافات بين المدن تقطع بالأحصنة والعربات، وطال انتظار الباديشاه، صمم على أن يبقى أعزباً، رغم النصائح ومحاولات الاطمئنان المستمرة من قبل الأهالي وشيوخ القرية على أن الحدث ضاع وسينساها التاجر إلا أنه أحس بنبالة الرجل وقوة شخصيته، وربما شعر بمدى تقديره للعادات. رجعت العروسة إلى أهلها بعد أن هجرها كزوجة، بقيت ما بين مطلقة ومتزوجة، ازداد هم الشاب، لا يعمل، طوال النهار وعينه على الأبعاد، أصبح قليل الأكل، ضعف وتبين الهزال على محياه، تحت إهانات الأهل، وخجله من بعد زوجته، والقيل والقال الذي أنتشر في الأرجاء حوله، إلى أن مست رجولته، وبعضها عن زوجته والنساء يتحدثن سراً، قد تكون هي السبب، كلها تصله لحضه على تغيير رأيه في إعادة زوجته، والبدء بالحياة كما يجب. طالت الفترة فلم يعد الناس يقبلون قصة رئيس القافلة التجارية والذي أصبح لغيابه شهور، وقد لن يعود ثانية، فماذا ستكون النتيجة؟!
قوافل عديدة كانت تمر، تخيم على أطراف القرية، التي كانت قد أصبحت مكانا معروفا لكل التجار، كمركز للاستراحة، وفي كل مرة كان العريس يراقب ويسأل عن صاحب البازركان، بالوصف دون أن يعرف له اسماً أو صفة، والقافلة المنتظرة حضورها لم تظهر. يقال بعد مرور سنة كاملة بالضبط وفي نفس اليوم الذي كان فيها العرس، وقبيل شروق الشمس استيقظ البعض من أهل القرية على ضجة غير معهودة بين بيوتهم، وفي البيادر على طرف القرية شاهدوا خيم كثيرة منصوبة في المكان المعهود لاستراحة القوافل، حراسة غير اعتيادية معها، رجال من القافلة اتجهوا إلى دار العريس المنتظر، والذي كان قد أنتبه مثل أهل القرية إلى الضجة غير المعهودة، دخلوا دار والده، فوجدوا شاباً واقفا أمام الباب، سألوه فيما إذا كان هو العريس الذي كان (باديشاهاً) في السنة الماضية، هاجت نفسه وعلم أن الساعة حانت، والبازريكان المنتظر هو القادم، دون حديث ونقاش سأل الشاب عن السبب والعقوبة، قيل له أن قائدهم يطالب بثأره وطلبوا منه أن يمتثل في حضرة رئيسهم، البازركان، ويقول أنك خسرت عرشك، وله عليك ديناً، جلس العريس وسكت قليلاً وبصوت هادئ رصين كرجل أنقذ من أعماق الضياع، قال بأنه لا يزال أعزباً، طلب منهم أن يذهبوا إلى البازركان ويقولوا له أنني لا زلت باديشاهاً، والباديشاه لا يمتثل بين يدي الأخرين بل عليه أن يحضر إلى هنا، البعض من بين رجال التاجر اندهشوا للأمر، وطريقة وصفه لذاته بالباديشاه، كرر أمره برصانة وهدوء، كرجل عاد إلى الحياة من الموت، رجعوا إلى رئيس القافلة وذكروا له ما سمعوه، انتفض البازركان وسار مع حرسه بدون نقاش، أتجه إلى الدار التي أمتثل فيها يوما أمام الباديشاه محكوماً، هناك ألتقى بغريمه وطلب منه إحضار البعض من أهل القرية الذين لهم مكانة، ليستطلع الأمر، لبى الباديشاه طلبه، سردوا له القصة بتفاصيلها، وما مر به من الأهوال والانتظار، واكدوا له على أنه لا يزال أعزباً يحمل صفة الباديشاه، هزت النبالة والشهامة التي تحلها بها العريس، والتي لولاها لما صبر كل هذه الفترة وهو ينتظره، بل أحس بأنه كان تكريما لرجولة التاجر، فقال له التاجر قصته أيضا: لم أترك القرية في الصباح التالي لعرسك إلا بعد أن علمت بأنك لم تخلى بعروستك، وبقيتَ خارج الدار طوال الليل، مثلما بقيت ساهراً طوال الليل في خيمتي أنتظر رجالي الذين كانوا يراقبونك، علمت حينها أنك لست بالذي يؤخذ بتلك السهولة، لهذا انتظرت إلى حين عودتي لأخططه في مثل هذا اليوم والثأر لم يغب عن خاطري، لهذا وبعدما سمعت وعرفت ما جرى وما فعلته، أقطع لك عهداً وأعطيك أمانا أن لا أتعرض إليك ولن أثأر منك بعد اليوم، فتزوج، أطمئن الشاب على عهد التاجر، وللتأكيد على عهده قام رئيس القافلة بإقامة عرس جديد مع وليمة ضخمة وقدم هدية قيمة له ولعروسته تقديراً لما حمله الشاب من الرجولة والنبالة والاحترام لشخص رئيس البازركان، ويقال أن التاجر لم يترك سنة تمر دون أن يقدم بذاته أو أن يرسل له هدايا في مناسبة عرسه.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected]



#محمود_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عادةٌ ضاعت مع ذاكرة الزمن (الجزء الأول)
- السياسة الأمريكية في سوريا بين المصالح والأخلاق
- جدلية بقاء الأسد بالجهاديين
- أمريكا وروسيا والمنظمات الجهادية
- أقلام نست الإنسانية وتغذي الطائفية
- الأقلام التي تخدم السلطة السورية
- لولا الكرد لما كان جنيف 2
- مؤتمر العرب وتركيا حضور لنشر ثقافة موبوءة 4/4
- مهاجمة الديانة الإيزيدية-خلفياتها وغاياتها
- مؤتمر العرب وتركيا حضور لنشر ثقافة موبوءة 3/4
- غاية عزمي بشارة وقطر من مؤتمر العرب وتركيا ...2/4
- غاية عزمي بشارة وقطر من مؤتمر العرب وتركيا ...1/4
- د. كمال اللبواني من ضحايا سجون النظام
- نخبة المعارضة العروبية وتقسيم سوريا كردياً - الجزء الثاني
- آشيتي يبحث عن هدم أقليم كردستان وليس تصحيح مساره
- حثالة البشر والأحزاب الكردية
- جريس الهامس عن كردستان الخيانة
- التكفيريون والمنطقة الكردية
- من مآسي أحزاب غرب كردستان – 5 ما جرى ويجري في عامودا
- مظاهرات تركيا هزت البيت الأبيض


المزيد.....




- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود عباس - عادةٌ ضاعت مع ذاكرة الزمن (الجزء الثاني)