أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مايكل سامي - إستحالة الميتافيزيقا















المزيد.....



إستحالة الميتافيزيقا


مايكل سامي

الحوار المتمدن-العدد: 4410 - 2014 / 3 / 31 - 09:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


من يجادل مؤمنا في موضوع "وجود الإله" (أو الخالق بالنسبة للربوبيين) و يظهر له التناقضات تلو التناقضات في الفكرة, يكون موقفه النهائي أو التكتيك الأخير الذي يستخدمه للدفاع عن خرافته المحبوبة هو الطعن في العقل نفسه و الطعن في المنطق و الطعن في العلم و قلب الطاولة كلها (التي تم ضحد إلهه عليها) على كل أدوات البحث و القياس .. مثل طفل مدلل خسر في لعبة و يأبى الإعتراف بالهزيمة. الحيلة الأخيرة هي ان يدعي أن ما يتكلم عنه هذا المؤمن هو مفهوم يفوق الطبيعة و بالتالي يفوق المنطق و يفوق العلم و يفوق كل أدوات البحث عن الحقيقة أيا كانت !

سيدعي مدافعا عن خرافته المحبوبة أن الإله المزعوم (بما معناه) لامتناهي التعقيد و يفوق الوصف و ليس كمثله شئ. ثم سيطعن في المنطق نفسه مدعيا أن المنطق نسبي و أن المنطق الخاص بالمؤمن يختلف عن المنطق الخاص بالملحد و أن كل فرد بشري له منطق خاص به .. بما يعني أن المنطق مفهوم ذاتي و غير موضوعي و بالتالي مطاط و مائع و بلا معنى و غير ملزم ! ثم يدعي أن العلم يخطئ و أن النظريات العلمية يثبت خطأها بعد حين و إن ما كان بالأمس علما صار اليوم جهلا و ما كان بالامس جهلا صار اليوم علما, و بالتالي فوارد جدا أن يصبح جهل اليوم علم الغد !! بإختصار يكون تكتيكه الأخير هو الطعن في أدوات البحث و القياس, المنطق الرياضي و الأدلة المادية و التجارب العملية .. كلها وسائل قاصرة و ضامرة و لا يمكنها إحتكار الحقيقة. ثم يطعن حتى في مفهوم الحقيقة نفسه و في الحق كقيمة إنسانية عليا .. مدعيا أن السعادة أهم الحق, و ان معرفة الإله تحتاج إلي إيمان قلبي لا يستوعبه أو يقدر عليه المنطق المجرد أو العلم البارد !

ما الميتافيزيقا ؟!
=======

الميتافيزيقا او الميتافيزياء (Metaphysics) هو تعبير لاتيني أصلا و معناه "ما وراء الفيزياء" أو "ما يفوق الفيزياء" أو "ما بعد الفيزياء" .. و يتلخص بحث الميتافيزيقا في الظواهر و الكيانات و الموضوعات الخارقة للطبيعة (Supernatural). الفيزيقا (الفيزياء Physics) هي علم الطبيعة, العلم الذي يدرس كل ما يتعلق بالمادة و حركتها و الطاقة بأنواعها و كل الظواهر الطبيعية والقوى المؤثرة في سيرها، و من ثم صياغة هذة المعرفة في قوانين لا تفسر الظواهر الطبيعية كما حدثت في الماضي فقط .. بل تتنبأ أيضا بمسيرة العمليات الطبيعية بنماذج تقترب رويدا رويدا من الواقع. و بما أن الفيزياء هي علم الطبيعة إدعى فلاسفة و رجال دين ان هناك ما يفوق الطبيعة و أن هذا الذي يفوق الطبيعة يستدعي صياغة علم مثل الفيزياء .. لكنه ميتافيزيقا و ليس فيزيقا لأن موضوعه هو ما يفوق الطبيعة و ليس الطبيعة.

في الأديان يعطي رجال الدين أسماء لموضوعاتهم الميتافيزيقية مثل "اللاهوت" و "الغيب" و ما إلي ذلك .. و هم يدعون ان هذة "الدراسات" أو "الأبحاث" هي علوم يضا مثل كل العلوم الطبيعة. بل و يدعون بكل وقاحة أنها علوم أرقى حتى على أساس أنها معنية بما يفوق الطبيعة و بالتالي فهي علوم تفوق العلوم و تتخطاها !! طبعا لا حاجة للقول أن كل الظواهر و الأحداث التي يدعي الأدعياء انها خارقة للطبيعة و من ثم خارقة للفيزياء لا إثبات عليها ولا دليل .. و الحجة الدائمة طبعا انها خارقة للطبيعة و بالتالي لن تترك آثارا مادية أو أدلة مادية و إلا كانت ظاهرة طبيعية عادية. جيمس راندي صاحب مؤسسة "جيمس راندي التعليمية James Randi Educational Foundation" تحدى كل دعاة خوارق الطبيعة و الميتافيزيقا حين وضع جائزة مقدارها مليون دولار لمن يستطيع البرهنة على وجود ظواهر خارقة للطبيعة في ظروف محكومة علميا و مرضية للطرفين بحيث تمنع الخداع و النصب .. غني عن الذكر أن لا أحد نجح حتى اليوم في إجتياز هذة الإختبارات.

الميتافيزيقا تعتبر هي العنوان الرئيسي لكم كبير من الكيانات و الظواهر المفترضة و التي تفوق الطبيعة و تتحكم فيها, كيانات مثل : الآلهة و الملائكة و الشياطين و الجن و العفاريت و الأرواح و الأشباح .. إلي آخره, و ظواهر مثل : الخلق و السحر و الحسد و التنبوء و الوحي و التنجيم و الحرية و المس و الإستحواذ و المعجزة و الشفاء بغير طب و الطيران بدون طائرات و ما إلي ذلك. و يدعي رجال الدين و الفلاسفة المتدينين أن ما يفوق الطبيعة هو أصل الطبيعة و يسبقها في الوجود و المتحكم الأساسي في الطبيعة من خلال الكيانات الخارقة للطبيعة من آلهة و ملائكة و جن و ما إلي ذلك. و من ناحية أخرى يمكن للبشر (الطبيعيين) التحكم في ما وراء الطبيعة من خلال وسائل طبيعية (و ياللعجب !!) مثل القيام ببعض الحركات و القاء بعض التعاويذ الدينية (يسمونها صلاة) أو القيام بطقوس معينة تتبناها الأديان تتضمن تعاويذ و بخور أو حركات (أيا كان) .. و في النهاية يمكن إسترضاء الآلهة بهذة الطريقة أو طرد الشياطين من جسد بشري إستحوذوا عليه !!

من يدعي أن الميتافيزيقا صادقة و أن الكيانات و الظواهر الخارقة للطبيعة موجودة و حقيقية يبرر هذا الإدعاء دائما بالفجوات العلمية أو بنقص العلم و تطوره و نسبيته. فهو يطعن في العلم و في صحة الحقائق العلمية بناءا على آخر الأبحاث العلمية في مسائل غير مكتشفة بعد لانها قيد البحث .. مثل أبحاث ما قبل الإنفجار الكبير و التخلق اللاحيوي و ما إلي ذلك. أو يعتمد على روايات سمعها او قرأ عنها بخصوص بيوت مسكونة بالأشباح أو ناس تعرضوا لمس شيطاني أو معجزات معينة حدثت لأسباب دينية أو ظهورات نورانية لشخصيات دينية .. و يبرر صدق هذة الروايات بأن العلم فشل في فهم او تفسير هذة الظواهر العجيبة الغامضة (من وجهة نظره طبعا).

يمكن طبعا مجادلة أي أحداث تبدو غامضة أو هي لم تكتشف بعد بوجه عام .. بيقين عقلاني علمي أنها ظواهر طبيعية و لها منطق فيزيائي حتى و إن كنا لم نتوصل له بعد, و ان هذا الغموض يجب أن يستفذ فينا الفضول العلمي و السعي للفهم و الإكتشاف و التفسير المنطقي و معرفة الآلية أو السببية التي انتجت الحدث أو الظاهرة التي تبدو خارقة للطبيعة. إنما طبعا هذا لن يرضي أي مؤمن بالماورائيات لسبب بسيط و هو ان محور هذا الإيمان و الثقة في الميتافيزيقا و الخوارق للطبيعة هو ان العلم له حدود معينة لا يمكن ان يتخطاها لا في المستقبل القريب ولا البعيد (من وجهة نظر المؤمن طبعا). و يمكن فهم هذة الطريقة في التفكير من خلال تصنيف الظواهر بوجه عام إلي ثلاث تصنيفات حسب موقف العلم (الفيزياء) منها ..

1. ظواهر بسيطة نسبيا : مثل الكائنات الحية و الحيوانات و المواد و الطاقات و القوى و الآليات التي عرفها العلم فعلا و لو بشكل ناقص .. مثل الفيلة و نزول المطر و الحديد و الطاقة النووية.

2. ظواهر معقدة نسبيا : مثل الكائنات الحية و الحيوانات و المواد و الطاقات و القوى و الآليات التي لم يعرفها العلم بعد و لكن يمكنه الإلمام بها و إدراكها لو تراكمت المعلومات و تقنيات البحث و الأدوات المتطورة بشكل كافي.

3. ظواهر معقدة تعقيد مطلق (ميتافيزيقا) : و هي الظواهر التي لا يمكن إدراكها أو الإلمام بها أبدا, مهما راكم الإنسان من العلم و المعرفة و التقنية لأنها تقع خارج قدراته المعرفية بالتعريف .. و هي لذلك تقوم بتجهيل و تعجيز الإنسان إلي الأبد.

و على هذا الأساس يدعي المؤمن ان الفجوات المعرفية في العلم لن يتم إكتشافها أبدا لأنها معقدة تعقيد مطلق و تنتمي إلي الميتافيزيقا. ثم حين يعلن العلماء إكتشاف سببية جديدة لظاهرة كانت مجهولة ثم ثبت طبيعيتها و فيزيائيتها عن طريق تفكيكها و معرفة آليات حدوثها, لا يجد المؤمن سبيلا إلا إنكار هذا الفتح العلمي من أساسه .. أو الإنسحاب إلي فجوة معرفية أخرى لم يتم إكتشاف فيزيائيتها بعد ثم الإدعاء مرة أخرى انها ميتافيزيقية لا فيزياء لها.

الطبيعية الوجودية
=========

هناك فلسفة هي الطبيعية الوجودية (Metaphysical Naturalism أو Ontological Naturalism أو Philosophical Naturalism أو Scientific Materialism) موضوعها هو إنكار ما يفوق الفيزياء و ما يفوق الطبيعة .. على أساس أن الطبيعة هي كل ما هو موجود و أنه لا وجود حقيقي لأي مما يقال أنه يفوق الطبيعة. موقف هذة الفلسفة هو الموقف العلمي طبعا المنتصر للفيزياء على الميتافيزياء .. إنما الحجج و البراهين التي يستخدمها الطبيعيين لإثبات هذة البديهية العلمية ربما لا تكون بالقوة الكافية. أهم حجتين يستخدمهما الطبيعيين الوجوديين هما "نصل أوكام" و "الفتوحات العلمية" ..

نصل (موس) أوكام : هو مبدأ ابتكره القس الفرنسيسكاني الإنجليزي "ويليام أوكام" في القرن الرابع عشر و ينص على أنه يجب عدم زيادة عدد الإفتراضات بغير حاجه أو كما قالها باللاتينية: “Pluralitas non est ponenda sine neccesitate” أي "لا تضاعف الافتراضات دون ضرورة" أو بمعنى أخر "لماذا تستخدم الأكثر بينما الأقل يكفي ؟!". النظرية الأبسط و المعتمدة على أقل الإفتراضات هي أقرب النظريات إلي الحقيقة من بين النظريات المتنافسة لشرح ظاهرة ما .. و ذلك لأن كل فرضية لها إحتمال خطأ و بالتالي كلما قلت الفرضيات كلما قل إحتمال الخطأ (منطقي). و بما أن الإدعاءات الميتافيزيقية تعتمد على الكثير من الفرضيات فبالتالي إحتمال خطأها أكبر من التفسيرات العلمية الفيزيائية.

الفتوحات العلمية : فمع تقدم العلم، يكتشف العلماء كل يوم أسباب طبيعية لظواهر لطالما عدت في الماضي محكومة بقوى الهية أو روحية، فقد اعتقد الناس قديماً ان المطر ينزل بفعل الالهة وان الالهة تسير السحاب وترسل الرعود والزلازل والبراكين بينما الأمراض قد تسببها الأرواح الشريرة وآمن الناس بالحسد وصلوا حين ظهور الكسوف و الخسوف متعجبين من هذه الظواهر الغير اعتيادية. لقد اكتشف العلم ان كل هذه الظواهر التي عدها القدماء عجيبة لاتعدو ان تكون معلولات لقوى الطبيعة مثل القوى الكهربائية والجاذبية وغيرها .. و من ثم يحق للمرء أن يتوقع أن العلم يمكنه و سيكتشف الظواهر التي لا تزال مجهولة على أساس أنها ظواهر طبيعية و ليس خارقة للطبيعة.

و مع إن القضية سليمة و الهدف هو الإنتصار للعلم إلا أن كلا الحجتين يعتبروا براهين ظرفية إحتمالية و ليست حتمية يقينية. و السبب في ذلك أن المنطق الإختزالي لنصل أوكام لا يعني أنه لا توجد تفسيرات معقدة قد ثبت صحتها و حقيقتها في مقابل تفسيرات أكثر بساطة. فالتفسيرات لا تكون بسيطة دائما, هذة القاعدة قد تكون مفيدة في البحث العلمي فعلا .. لكن الإعتماد عليها بشكل يقيني قد يعمي الباحث عن التفسيرات الصحيحة على أساس أنها كثيرة الإفتراضات. أما الإستدلال بالفتوحات العلمية من أجل إثبات أن كل الظواهر طبيعية يمكن تفسيرها فيزيائيا فهذا يعتبر مغالطة منطقية إسمها "مغالطة التعميم المنحاز Hasty Generalization" و هي مغالطة منطقية تقع حينما يتم تقرير نتيجة على مجموعة إجمالية بناءا على اختيار عينة ما .. مثل التعميم على كل الظواهر أنها طبيعية لأن هناك ظواهر مكتشفة ثبت أنها طبيعية. طبعا الهدف سليم و نبيل, إنما الغاية النبيلة لا تبرر الوسيلة (مغالطة منطقية) .. و خصوصا إذا كانت هناك حجج أخرى أكثر قوة و نتائجها حتمية و ليس إحتمالية.

بالتأكيد عالمنا كله طبيعي و كل الظواهر و الموجودات طبيعية يمكن إكتشافها علميا و تفسيرها فيزيائيا, و كيفية إثبات ذلك لا تستدعي أكثر من المنطق البسيط .. بسيط لدرجة أنه واضح أمام عيوننا فلم نعد نراه من فرط وضوحه. ببساطة ما هي الميتافيزيقا ؟ هي علم ما يفوق الطبيعة .. إنما كيف يمكن لأي شئ أو أي ظاهرة أن تفوق الطبيعة و أي طبيعة بالتحديد ستفوقها ؟!! يعني اللاهوت مثلا هو علم "الطبيعة الإلهية", علم مزعوم و علم زائف طبعا .. إنما هكذا يتم تقديمه من قبل اللاهوتيين. لكن كيف يكون الإله خارق للطبيعة مع إن له طبيعة إلهية يخضع لها الإله و محدود بحتمياتها ؟! يعني هذا اللاهوت يتكلم عن "صفات الله" أو "طبيعة الله" فيسترسل اللاهوتيين في الحديث عن العصمة الإلهية من الخطأ (طبيعة) و علمه اللامحدود (طبيعة) و قدرتها اللانهائية (طبيعة) و هكذا .. فمادام الله المزعوم له طبيعة فكيف يمكن الحديث عن كونه خارق للطبيعة أو يفوق الطبيعة ؟! أو أي طبيعة تلك التي سيفوقها إذا هو نفسه له طبيعة حتمية ؟!

طبعا سيكون رد المؤمن : الله يفوق طبيعتنا نحن ..

و إن يكن ! من الطبيعي أن يكون لكل ظاهرة في العالم صفات خاصة بها و طبيعة خاصة بها ! النار لها طبيعة خاصة, بل إن النيران تختلف طبائعها أيضا (هناك نيران لا تنطفئ بالماء مثلا) و المياة لها طبيعة و النجم له طبيعة و الحجر له طبيعة و كل معدن له طبيعة و كل كائن حي له طبيعة بل و كل فرد بشري له طبيعة مختلفة عن غيره .. و بالتالي يمكن إعتبار أن القوي يفوق طبيعة الضعيف في ضعفه لكن هذا لا ينفي أن له طبيعة خاصة به. و لذلك فالقول بأن الله يفوق الطبيعة لأنه قوي مثلا أو عليم يشبه القول بأن النسر خارق للطبيعة لأنه يطير في السماء ولا يعيش ملتصقا بالأرض مثل البشر !! يعني لو كان الله المزعوم خارق للطبيعة مع أن له طبيعة إفتراضية متفوقة على الطبيعة البشرية فيمكن القول أيضا ان الطائرات و الصواريخ تطير بالسحر و الإعجاز و ليس إعتمادا على قوانين الطبيعة !

إنما النسور و الطيور و الطائرات و الصواريخ ليست خارقة للطبيعة لأنها تطير ولا تسقط, بل إن لها طبيعة مختلفة يكسبها ميزات او صفات هي بالنسبة لصفاتنا و طبائعنا نحن كبشر متفوقة و خارقة .. إنما بالنسبة للطبيعة ككل و لقوانين الطبيعة هي ظواهر عادية جدا. و السبب في أن ما يبدو لنا خارق للطبيعة هو أيضا طبيعي هو ان له صفات أساسية تشكل وجوده و تحدد علاقته ببقية الظواهر الطبيعية, و بالتالي وجبت تسميته بالطبيعي. إنما أن نقيس كل ظواهر الدنيا بمقياس طبيعتنا البشرية الذاتي فقط فهذا لن يجعل الله فقط خارق للطبيعة, بل كل ما له طبيعة مختلفة (أي إختلاف) عن طبيعتنا سيعتبر خارق للطبيعة أيضا.

بهذا الفهم يمكن التأكد من إستحالة وجود شئ أو كيان أو مفهوم (سواء وجود حقيقي أو وجود متخيّل) بدون خصائص أو طبيعة, ببساطة كل ما لا طبيعة له هو لا شئ. إنما مادمت تصف الشئ بأي أوصاف أو خصائص, مادمت تعطيه أدوارا و تنسب له أفعال و مواقف فهو كيان طبيعي محكوم بطبيعته. المشكلة أن مدعي الميتافيزيقا ينظرون إلي الطبيعة كمحيط (وسط أو بيئة أو إطار) إنما الطبيعة تتضمن الخصائص الاتية أيضا, بل هي تعني الخصائص الذاتية أساسا قبل أن تعني المحيط أو الوسط .. و بالتالي فالطبيعة تشكل كل فعليا كل ما له طبيعة أو كل ما له خصائص. يعني مجرد ان تقول ان الله رحمن رحيم أو أن الله فرد صمد او ان الله مثلث الأقانيم أو أيا كان وصفك لهذا المفهوم .. إذن له طبيعة إلهية فهو طبيعي. و مادام الملاك له طبيعة ملائكية إذن هو طبيعي, و مادام البشري له طبيعة بشرية إذن هو طبيعي, و مادام النسر له طبيعة نسرية إذن هو طبيعي, و مادام النار لها طبيعة نارية إذن فهي طبيعية, و مادام الحديد له طبيعة حديدية إذن فهو طبيعي.

مجموع هذة الطبائع و علاقتها ببعضها البعض و كيفية تفاعلها مع بعضها هي ما يطلق عليه "الطبيعة" و دراسة هذة الطبيعة لمعرفة و فهم خصائص كل العناصر و المواد و الطاقات و القوى هو ما نسميه "فيزياء". و من ثم فالميتافيزيقا مستحيلة بالتعريف أيضا و إذا كانت الكائنات و الظواهر التي يدعي المؤمنين بها انها موجودة هي حقيقية فعلا إذن فهي ظواهر طبيعية و لها فيزياء و منهجية و يمكن دراستها و التحكم بها كأي ظواهر طبيعية أخرى. يعني إذا كان ما يسمى الله موجود فعلا و يتأثر بالطقوس و الصلوات و ما إلي ذلك, فمن الممكن إذن و بسهولة السيطرة على هذا الكائن بهذة التقنيات من خلال خداعه بإرسال إشارات أو ذبذبات تشبه هذة التي تتسبب فيها الصلوات و الطقوس. و وقتها يمكن للعلماء إستغلال في توليد الطاقة أو خلق أكوان جديدة مثلا, فالله لو كان حقيقيا لن يكون مختلفا عن اليورانيوم أو البلوتونيوم و الطاقة الذرية .. إلا في كيفية إستغلاله و توظيفه طبعا بناءا على طبيعته المختلفة.

التعالي على الطبيعة
===========

عند هذا الحد طبعا سيبدأ المؤمن في الإختناق و الحشرجة, و سيتمسك بموقفه أكثر (بلا أي منطق أو سببية) و سيبدأ في إجترار أقوال دينية على غرار "تعالى الله عما يصفون علوا كبيرا" و "الله ليس كمثله شئ" أو أيا كانت التعبيرات التي سيستخدمها (حسب دينه) و يؤكد بها أن الله المزعوم يفوق التصور و العقل و العلم لأنه يفوق طبيعة (لا يزال مصرا !!) .. مع أنه من الواضح أن القصد من الطبيعة هو طبيعتها الإلهية و ليس طبيعتي البشرية. لأن إذا كان الله يفوق الطبيعة البشرية لأنه قدير و عليم و سميع و بصير أكثر من البشري, فالبشري أيضا يفوق الطبيعة الإلهية لأنه يعجز و يجهل و يضعف و يموت .. الله لا يستطيع فعل هذة الأشياء لأنه محكوم بطبيعته الإلهية التي لا يستطيع الحياد عنها. تماما كما أن النار تحرق و هي مجبرة على أن تحرق لأنها محكومة بطبيعتها النارية, و كما ان الضوء ينير و هو مجبر على الإنارة لانه محكوم بطبيعته التنويرية.

كذلك كل ما له طبيعة ليس حرا ولا إلها لأن الطبيعة ليس موضوعية فقط (البيئة المحيطة) بل هي طبيعة ذاتية أيضا (بداخلنا و تصفنا), و بالتالي لا مفر من الطبيعة على الإطلاق. لا مفر من الطبيعة ولا حتى بالموت, لأن الموت هو موت للوعي فقط إنما المادة لا تفنى ولا يتم خلقها من عدم حسب القانون الأول في الديناميكا الحرارية. و بالتالي فمواد الجسم تظل في حالة تحول دائمة منذ الازل و إلي الأبد لأنها لا يمكن ان تفنى أبدا .. أبدا. الأرض و الحياة عليها و البشر أيضا هم نتاج تغيرات كيميائية لغبار النجوم, و ها هي طبيعتنا قد تغيرت و تبدلت و تطورت وفقا لقوانين الطبيعة الحتمية و الإحتمالية في التبدل و التغير و التطور .. و ستتغير و تتبدل إلي ما لا نهاية أيضا وفقا للطبيعة الحتمية النظامية و الإحتمالية الفوضوية أيضا. إنما الطبيعة بالتعريف المقصود منها هو كل العالم أو كل الواقع أو كل الوجود .. و بالتالي كل ما يقع خارجها عدم و خيال حتما و يقينا.

إنما الوعي (فائض ذكاء القرد البشري) لا يختلف في أي شئ عن حركة عقارب الساعة مثلا, فهو مجرد حركة كهربية عصبية أساسها الدماغ .. و بالتالي فإنتهاء صلاحية الجسد –هذة الماكينة البيوكيميائية- يعني إنتهاء صلاحية الوعي, تماما مثل إنتهاء حركة عقارب الساعة لو قمت بتفكيكها إلي تروس و قطع منفصلة. فالوعي البشري هو مجرد برنامج (Software) يتم تشغيله على آلة (Hardware) من أجل التحكم في هذة الآلة لتنفيذ أغراض الطبيعة العمياء البهيمية الآلية في الحفاظ على النوع و التكيف مع البيئة (الطبيعية طبعا). الخلاصة هي أن القرد البشري مثل النار مثل الحديد مثل كل ما هو موجود مجرد ماكينة أو آلة لها خصائص طبيعية تحكمها و تشكل وجودها كله. و من ثم فإن الحرية المزعومة أو نفخة الألوهية التي نفخها الله المزعوم في القرد البشري و برر له الشعور بالتميز و العجرفة و التعالي على الطبيعة هي مجرد مفاهيم متناقضة بلا معنى.

فالله بفرض وجوده ليس حرا لأنه محكوم بطبيعته, و القرد البشري أيضا ليس حرا ولا إلهيا ولا مميزا عن أي كائن حي (بيوكيميائي) أو غير حي آخر. أما الوعي الذي يظنه شيئا و يعتبره عجيبة خارقة للطبيعة فهو ليس إلا فائض الذكاء عن أقرب ذكاء إلينا في الطبيعة (الشمبانزي و البونوبو غالبا) و هو مجرد ميزة تنافسية تمتع بها القرد البشري بناءا على توزيع عشوائي للقدرات من الطبيعة من أجل التكيف مع البيئة. فهناك كائنات حصلت على ميزة الضخامة مثل الحوت الأزرق و الديناصورات المنقرضة و الفيل حاليا, و هناك كائنات حصلت على السرعة مثل الفهد, و هناك كائنات حصلت على الشراسة مثل الفيروس, و هناك كائنات حصلت على التكاثر بأعداد كبيرة مثل الحشرات و البكتيريا .. و هكذا. و الوعي كفائض للذكاء عن أقرب منافسينا لا يختلف عن فائض السرعة بالنسبة للفهد عن أقرب منافسيه مثلا. الفهد يمكنه بهذا المنطق أن يطلق على فائض السرعة وعيا و يبرر به العجرفة و التعالي على الطبيعة .. و يدعي انه مميز عن بقية الكائنات الحية و انه خارق للطبيعة خلقه إله خارق للطبيعة و بالتالي هو لن يموت مثلهم حين ينهار جسمه و يتحلل !!

إنما الفهد لن يفعل ذلك لأن طبيعة الذكاء تختلف عن طبيعة السرعة .. فبما أن الوعي مجرد برنامج (Software) فمن الوارد جدا ان يصاب هذا البرنامج بفيروسات فكرية تصيبه بالعطب و الجنون. طبعا الفهد لديه ذكاء أيضا مادام لديه جهاز عصبي مركزي و طرفي و لديه دماغ يتحايل بها و يخطط من أجل الدفاع عن نفسه و الحصول على فرائس, إنما ذكاء القرد البشري يفوق ذكاء الفهد .. تماما كما ان القرد البشري لديه سرعة في الحركة أيضا لكن سرعته لا يمكن أن تجاري سرعة الفهد. المهم أن مفهوم "الخارق للطبيعة" او "الخارق للفيزياء" يعتبر عطب في الدماغ, عطب وبائي منتشر جدا بين القرود البشرية. و نشوء هذا العطب سببه أساسا هو طبيعة الوعي و خصائصه ..

1- الوعي يعني قدرة على تخيل أشياء و مفاهيم غير واقعية, و لذلك وارد جدا أن توجد قرود بشرية تعجز عن التفرقة بين الواقع و الخيال .. أو أن تجد الخيال أجمل فتستبدله بالواقع و تعيش فيه.

2- الوعي أعطى للقرد البشري قدرات عديدة كانت حكرا على أجناس أخرى منافسة مثل الطيران و السباحة و الغوص و القوة و الشراسة و ما إلي ذلك .. و هذة القدرات جعلت القرد البشر يغتر بها و يتوهم أنه خارق للطبيعة و انه مميز عن بقية الكائنات الحية و برر ذلك بقصص عن آلهة ميزته القرد البشري و رفعته فوق كل الموجودات.

فبسبب قدرات الوعي على التخيل و حل المشاكل و تحسين تكيف القرد البشري في مواجهة ظروف وحشية توهم القرد البشري (الوعي) أن الوعي إله و عبده, توهم أن الوعي خارق للطبيعة و له قدرات سحرية و يمكنه ان يقول للشئ كن فيكون .. إنما قبل الكسر الكبرياء و قبل السقوط تشامخ الوعي. الحياة عموما هي ظاهرة طبيعية عادية جدا و كل ظاهرة طبيعية تتكرر كثيرا لأنها قابلة للتكرار, و كذلك فائض الذكاء (الوعي) هو ظاهرة طبيعية عادية جدا و تتكرر كثيرا .. و في طبيعة لانهائية (عالم متعدد الأكوان) كل الإحتمالات تتكرر بشكل لانهائي, و هذا يعني أن الحياة و الذكاء ايضا موجودين في الكون و بأعداد لانهائية.

لماذا لم نجد حياة او ذكاء خارج كوكب الأرض ؟!!

و لماذا تتوقع ان تجد حياة بمجرد نزولك من على سريرك أو خروجك من حجرة نومك ؟!! عليك اولا أن تخرج إلي العالم و تنزل إلي الشارع و حينها ستجد الكثير من الحياة .. لو لم تكن تسكن في منطقة بعيدة أو على أطراف المدينة يعني. و كذلك الجنس البشري بالكاد لمس القمر و هو ليس كوكبا بل جسم يدور حول كوكب الأرض نفسه و الخطوة التالية هي المريخ .. يعني بالكاد نعتبر دخلنا عصر الفضاء فكيف يمكننا أن نجد حياة أو ذكاء. ثم إن الحياة و الذكاء هم مجرد معادن نفيسة (نسبيا و إحتماليا) بسبب خصائصهم الفيزيائية و الكيميائية, يعني حين يكون نسبة وجود مركب "السيليكا" في تكوين كوكب الأرض حوالي 60% و نسبة وجود مركب "الألومينا" حوالي 15% فهي موجودات شائعة نسبيا ولا تعتبر نادرة .. إنما مركبات مثل ثاني أكسيد الحديد (3.5%) أو الماء (1.5%) فهي تعتبر نادرة نسبيا و بالتالي غير شائعة. كذلك الحياة تعتبر مكون هش و ضعيف و يحتاج إلي بيئات مواتية معينة تكفل لها الإستمرار و التطور, و هذة الظروف ذات ندرة نسبية في الكون و بالتالي فالحياة ذات ندرة نسبية بالتبعية. و كذلك فائض الذكاء الناشئ عن حياة متطورة كفاية, الذكاء الذي ينتج علم و تقنية و حضارة يعتبر اكثر ندرة من الحياة بطبيعة الحال .. يمكن إعتبار الذكاء مثلا البلاتين او البالاديون او يورانيوم-235 مع إختلاف خصائصه الطبيعية (الفيزيائية الكيميائية) عن كل منهم طبعا.

الخلاصة :
-------

كل ما لا خصائص له أو لا طبيعة له هو عدم و إستحالة حسب هذا التعريف أو حسب هذة الخصيصة أو الصفة أو الطبيعة .. لأن إنعدام التعريف أو إنعدام الوصف هو وصف في حد ذاته, وصف يعني إستحالة الوجود. و بناءا عليه فالألوهية و الحرية و الملائكية و الروح و السحر و المعجزة و الحسد و ما إلي آخر كل هذة المسميات منعدمة الخصائص و الصفات هي منعدمة الوجود أيضا .. هي مفاهيم مستحيلة بناءا على تهربها من تحديد خصائص لنفسها و إنكار إمكانية وجود خصائص (طبيعة) على أساس أنها تفوق الخصائص و خارقة للطبيعة و خارقة للفيزياء. إنما لا شئ يفوق الفيزياء لأنه لا شئ يفوق الطبيعة, و قبول الواقع على علاته من خلال فهم الفيزياء يدعم الوعي و يطور من الذكاء و يحسن من القدرات الذاتية و من إمكانيات التكيف مع الواقع. و إستحالة الميتافيزيقا تعني إستحالة الحرية أيضا, لأن الحرية هي مفهوم ميتافيزيقي و المقصود به هو الحرية من الطبيعة أو إختراق الطبيعة .. مثل الإله و السحر و الحياة بعد الموت (الحياة بعد الحياة أو الحياة بدون حياة !). فكل ما له طبيعة ليس حرا ولا يمكنه ان يكون حرا أو إلهيا أو خارقا للطبيعة لأنه هو نفسه طبيعة.



#مايكل_سامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إستحالة الإله الخالق
- إستحالة الإله المطلق
- ما هو الإيمان ؟
- حتمية قتل المنافسة
- العلمانية و الحفرة المقدسة
- ضد الليبرالية الداروينية
- تبرير الهمجية بالداروينية
- الناس أديان و مذاهب
- نقد العقل الغيبي
- الله .. ذلك المجهول
- وردة على قبر الله
- الأخلاق و نظام الثواب و العقاب


المزيد.....




- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...
- الاحتلال يقتحم المغير شرق رام الله ويعتقل شابا شمال سلفيت
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مايكل سامي - إستحالة الميتافيزيقا