عناصر العمارة الإسلامية بين الوظيفة والمعنى( المأذنة والقبة )

فنن حمودي المقدادي

الحوار المتمدن-العدد: 4403 - 2014 / 3 / 24 - 11:49
المحور: الادب والفن
    

نجح فن العمارة الاسلامية في تحقيق التوازن التام بين الجوانب المادية والمشاعر الروحانية من خلال مجموعة من القواعد والاسس والتراكيب التي توصل اليها كل من المعماري والفنان المسلم ، وامكنه من خلالها حل مشاكل البناء بحلول فعالة ، ملائمة تماماً مع عقيدته الدينية ، وبما يحافظ على القيم والتقاليد الاجتماعية وتوظيف معطيات البيئة او جلب ما لم يكن متوفراً في بيئته و تصنيعه وتعديله حتى يتوافق مع قيمه وبيئته فـالعمارة العربية معجزة من معجزات الفن العربي الاسلامي العريق لما تحتويه من اساليب فنية ومعمارية .
وفي الساحة الاسلامية ، فان مدنٌ غير قليلة اخذت شهرتها وقدسيتها من مرقد القديس او مقام الولي او اثر لواقعه او معلم تركته ، ومن هنا فقد حرص الفنان المعماري في العصور الاسلامية على اضفاء طابع الابهار على الشكل الذي يرغب في انتاجه فقد احل الاسلام مبادئ التوحيد والمسأواة والغى الصراع بين الانسان والغيب وبينه وبين الطبيعة وبينه وبين الخطيئة وسرعان ما تلقى المعمار والفنان هذا وترجمه الى شكل ومضمون ، فقد اقدمت قدرات الابتكار والذاكرة التي ظهرت مع الانسان العاقل وابتكرت رؤيا الايديولوجية ، تتضمن الايديولوجية رؤيا للوجود ، بما في ذلك من العقائد والافكار والقيم والعواطف والتي تتجسد كاديان ومفاهيم سياسية وفلسفية وغيرها التي تعبر عن صورة الانسان والمجتمع في مخيلة الانسان .
ولا يمكن ان نغفل استغلال الفنان المسلم للمواد الاولية المعمارية الموجودة بوفرة في البيئة ، وهذا ما نجده واضحاً في الابنية والقصور والمساجد التي انشاها المعمار / الفنان المسلم في الدول الاسلامية ، فمن غير المنتظر ان يتخذ نشاط البناء والانشاء المعماري فيها طرازاً واحداً ذا اهمية واحدة متميزة بخصائص واضحة تتصل بالمواد المستعملة والطرق الفنية التي لجا اليها المعماريون في علاج المشكلات المعمارية ، فالفرد يكتشف نتيجة استعراض بعض الخصائص الكامنة في المادة الخام ، ومن ثم يعين ما يحتمل تحقيقه ، كما يعين تصور بدائل المحتملات المستندة على هذه الخصائص الكامنة عن طريق الابداع والابتكار.
ولقد كثر الحديث عن الفنون الاسلامية بشتى انواعها : زخرفة ، خزف ، عمارة ... الخ . وعصورها المختلفة : اموي ، عباسي ، فاطمي ...الخ . وهذا يرجع الى انه لم يكن مجرد فن ، ولكنه نوع من العيش بالطريقة التي تخدم وتحترم عقيدة المسلم واخلاقه حتى في الفن ، مما دعانا الى توضيح ودراسة الفن الاسلامي وبعض اهم عناصر العمارة الاسلامية ودلالالتها وهما ( الماذنة والقبة ) :
1. الماذنة :
مفردة عربية وهو حمل المعد للمؤذن لاقامة الاذان للصلوات الخمس اليومية ، وكانت مستعملة قبل الاسلام وان المسلمين اخذوا فكرة الماذن من الحضارات التي سبقتهم واضافوا اليها وطوروها حتى اصبحت فناً اسلامياً رائعاً ذا معانٍ وتعابير مختلفة ، وان عدم الالتزام بالاصل الطبيعي لا عن عجز في التسجيل ولكن بهدف ابراز بعض المعاني والتاكيد عليها.
وظهرت المأذن في العمارة الاسلامية لاول مرة في دمشق حين اذن بالصلاة من ابراج المعبد القديم الذي قام فيما بعد على انقاضه المسجد الاموي ، واستخدمت الماذن منذ ان بنيت وتطورت بتلاصق العصور لاذاعة الاذان ، فكان المؤذن يقف في المقصورة ويرفع صوته بالاذان فيسمعه كل من في المدينة وكان في العادة يطوف المؤذن حول المقصورة اثناء الاذان ليتوزع صوته الى جميع اطراف المدينة فيسمعه كل الناس .
وقد استخدمت في الحروب كمرصد لمراقبة العدو ، كما استخدمت ايضاً لبث الاعلانات الخطيرة والمهمة جداً الى جانب الاعلان عن وفاة او رحيل احد الشخصيات العلمية والادبية والسياسية والدينية ، واستخدمت ايضاً للابتهالات الدينية واقامة الدعاء وابلاغ الناس عن حلول شهر رمضان وشوال وما الى ذلك ، فالادائية التصميمية تعبر عن متعة المتلقي للتصميم فعند استخدامنا لمنجز تصميمي فان جماله الوظيفي ياتي من خلال تحقيقه للوظيفة المرجوة منه " .
وتصنف المآذن هندسياً الى المربعة والمخروطية والاسطوانية والمضلعة، والتي تعطي دلالات مختلفة فالشكل المربع الذي يعطي احساس بالحدة والقوة و ان شكل الماذنة الاسطواني المتناظر يخفي مظهر البساطة والجمال . اما قمم المآذن فانها تختلف اختلافاً كلياً منها عن المخروطي ومنها ما هو مسطح ومنها على شكل القرع ومنها ما هو كالقبة المدورة الصغيرة او ايضاً المضلعة وهذا الشكل السائد والمتبع كثيراً في تصميم المآذن في المراقد المقدسة الدينية .
واما طلاء الغشاء النهائي لقبة الماذنة فتكون مكسوة بالطابوق القاشاني واخرى تكون مغلفة بالقطع الذهبية ، وذلك تعبيراً عما يكنه المسلمون من احترام وتقديس وولاء للرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) واله الاطهار ( عليهم السلام ) ، هو لون الغنى الذي يحول الشيء الى قيمة اعلى . ولقد اشتغلت الزخارف المتنوعة منها الهندسية والنباتية والكتابية معظم اسطح المآذن واستخدم اساليب التحلية بانواع المقرنصات والزخارف الاجرية المزججة بما يخدم الهدف الجمالي للمأذنة فضلاً عن ما يحدث من التلاعب بالظل والضوء في حنايا المقرنصات .
,ونرى ان المآذن مرتبطة ارتباطاً عضوياً بالجامع ، فلا تستطيع ان ترى جامعاً اسلامياً يخلو من المأذنة ، وان المسلمين اخذوا الفكرة الهندسية للمأذنة من الحضارات القديمة ووظفوها من جديد واستخدموها لاغراضهم الدينية والوظيفية والجمالية .
2. القبة :
قام الفنانون المسلمون بأنشاء نظام معماري مميزٍ ومتكاملٍ من التشكيلات والتراكيب المعمارية والزخرفية التي تكون في مجموعها الطراز الاسلامي الموحد في روحه وطابعه. ومن ضمن هذا النظام ابتكار عنصر مهم من عناصر العمارة الاسلامية وهي القباب . ولكون المسجد هو اهم الابنية المقدسة في عصور الاسلام والغاية الكبرى في التصميم المعماري ، ولذلك اهتم المسلمون بتصميمه واهم ما يتطلب من عناصر تكوينه وان المقدس هو عنصر في بنية الشعور وليس مرحلة في تاريخ هذا الشعور ، وعلى المستويات الاكثر قدماً من الثقافة ، يظهر عيش المكان البشري هو في حد ذاته عملاً دينياً .
ان تاريخ بناء القبة قديم جداً يعود الى تاريخ استخدام الانسان الطابوق الطيني في صناعة السقوف ، وقد تطور بناء القباب حتى اصبحت بشكلها الفني الحالي الذي يتم فيه ، واستغلال مادة الطين المتيسرة بكميات هائلة في هذا الوسط عمد الى ابتكار فنون معمارية جديدة في تسقيف الابنية وذلك باستخدام العقود والاقبية والقباب عوضاً عن السطوح المستوية.
وللقبة معنى دلالي في العمارة الاسلامية فمن خلال بنائها بصورتها الضخمة ومرتفعة عن بقية المباني المجاورة التي تتوسطها ولكونها مغلفة باللون الازرق – واحياناً بالذهب- ذلك يجعل منها شكلاً مميزاً عن باقي المباني المجاورة لها مما يعطي احساس باختلاف هذا المبنى عن المباني الاخرى من خلال الحجم والارتفاع التي تبنى به القبة ، وايضاً امكانية رؤية هذا المسجد او المرقد من مكان بعيد ، وان القبة ترمز الى السماء – وخاصة في عمارة المساجد والاضرحة – فالمبنى يعبر عن انفتاحه في اتجاه من خلال تكويناته وتصميماته المعمارية ، حيث يمثل هذا الاتجاه راسياً للاتصال بالسماء، بمعنى ان هذا المكين او المكان له علاقة وطيدة مع ما في السماء ودلالة على قدسيته .
اما من الناحية الوظيفية فيرى لها مزاياها الفريدة من حيث انها تعكس اكبر قدر ممكن من اشعة الشمس مما يقلل من الحرارة الممتصة الى الداخل ، والارتفاع في الجزء الاوسط من السقف من الداخل الذي يساعد على امتصاص الجو الحار الذي يرتفع الى الاعلى ، وزيادة حركة الهواء داخل القبة ، والعديد من الوظائف الاخرى والتي ابدع فيها المعماريون المسلمون في استخدام هذا العنصر داخل الابنية الاسلامية والتصاميم التي تحمل اكثر من دلالة ، تؤدي في بعض الاحيان اغراضاً وظيفية متعددة .

#فنن_حمودي_المقدادي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات