أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - أعدلٌ وناصرة عليا؟














المزيد.....

أعدلٌ وناصرة عليا؟


جواد بولس

الحوار المتمدن-العدد: 4398 - 2014 / 3 / 19 - 21:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كان صباحي حزينًا وعابسًا. أفقت وبي شغف لمعاودة النوم. في صدري غمّة ورائحة ليل ثقيل، كرائحة العرق، ما زالت تملأ فضاء غرفتي التي كان شبّاكها مفتوحًا.
لم يكن حلمي مزعجًا، نسيت معظمه لكن قليله الباقي، هكذا تذكّرت، جمعني بأصدقاء وصديقات لم ألتقهم منذ سنوات طوال. تحلّقنا حول طاولة مستديرة قديمة تشقق سطحها فبدت بدون لون، عليها صفّت بعض صحون صغيرة خجولة فيها بقايا نُـقْل-"مزة": قليل من سمك السردين، وصحن فيه حبّات زيتون غارقة في عصير الحامض والفلفل الحرّاق، بجانبها أكوام من قشور البرتقال والمندلينا، وكذلك منافض ضاقت بأعقاب السجائر التي ارتفعت أكوامًا تشهد على احتراق ليلنا، وعلى لذة التيه في الأبيض الراقص.
 صوت "الست" ينقر وينقل أوجاع بيرم الذي يتحسّر على التي سافرت في يوم ما واعدته: "وأقول يا عين اسعفيني، وابكي وبالدمع جودي يا عين"، فكنا نعنّ مع كل عنّة وزفرة ونتأوّه كشاعر أضاع مرمره.
فركت عينيّ وطردت ما علق بهما من كسل، وأخرجت رأسي من الشباك. تحتي شجرتا رمّان  أغصانها متعبة، وتكاد رؤوسها تلامس الأرض، على واحد منها تحط "رقطية" بحفاوة عاشقة، تستدير وأسمعها تطيّر صوبي تحيّة.  
لم يكن حلمي مزعجًا، هكذا تيقّنت، حينما غادرت البيت متوجّهًا إلى "قصر العدل" في الناصرة العليا.
 بعد ساعتين ستطالب الشرطة بتمديد توقيف من سأدافع عنه. أكره هذه المواقف، سأمثّل زميلًا تعثرت مسيرته على دروب المهنة  الوعرة. مُنعت من لقائه بأمر أصدرته جهات التحقيق. ولن أعرف طبيعة الشبهات التي استدعت تطويق داره بعشرات من رجال الأمن واقتياده مخفورًا في ساعات الفجر، وكأنّه واحد من كبار مجرمي الدولة. 
على مداخل الناصرة، ما زالت يافطات كبيرة ومخلّفات كثيرة تملأ شوارع المدينة، وتشهد على حدوث أمر عظيم، ربما عرس لأحد زعماء المدينة، أو لاقدّر الله، مأتم كبير.
 في الجو بقايا لأصداء؛ أصوات تصرخ وتهنئ العرب بنصر مظفر، وتعد بأن يستمر الفتح حتى يسحق الشيطان! وأظن أنني سمعت أن لون ذاك الشيطان  كان أحمر،  لكن الضجيج صار مزعجًا، فغاب الصوت فجأةً، وفجأةً بدأت أسمع صيحات نسوة تلعلع، ولم أتبيّن إن كانت تلك هي زغاريد أم ولولات وعويل!
أشعلت الراديو وكان ميعاد النشرة الصباحية لإذاعة فاتني سماع اسمها.
بدأ المذيع يقرأ عناوين الصباح التي أكّدت أن وفود المهنئين ما زالت تتقاطر على بيوت المنتصرين في معركة جرت على أرض البشارة البارحة. كانت قائمة المهنئين لافتة للنظر ومميّزة، إذ ضمّت مسؤولين إسرائيليين كبارًا، وشملت أيضًا قادة من جميع الأحزاب والحركات السياسية العربية الوطنية والإسلامية، حتى رئيس بلدية "نتسرات عيليت" السيّد "جابسو" كان من بين المهنئين.
 في المقابل، هكذا نقلت الأخبار، أعلن الخاسرون أن مؤامرة فظيعة حيكت أدت إلى خسارتهم الصاخبة، وبعضهم أفتى أنّها أوقعت نحو ثلاثين ألفًا من أبناء الناصرة ضحايا غرر بهم.
كانت الناصرة نائمة، فلم أنجح بالتحقق من حقيقة ما جرى. وصلت إلى قصر العدل، يرشدني المحقق على القاعة التي فيها ستعقد الجلسة. صافحته. أخبرني أنّهم يصرون على طلب تمديد توقيف موكّلي بأحد عشر يومًا.
أعترض على ذلك واصفًا الطلب بالمستحيل، لا سيّما وأنني لم ألتق موكلي منذ لحظة اعتقاله. لم ننجح بالتوصل إلى اتفاق.
 ندخل قاعة المحكمة، نحيي القاضي الذي يسمع عن اختلاف وجهتي نظرنا. يطلب قراءة ملف التحقيق الذي لا أعرف عنه شيئًا. موكّلي خارج القاعة، لا يسمحون لي برؤيته حتى ولا عن بعد. يتدخل القاضي ويقترح حلًا وسطيًا، يتحوّل بعد نقاش قصير لقرار بموجبه  يمدّد توقيف موكلي بسبعة أيّام إضافية.
يطلب القاضي مني مغادرة القاعة، ومن السجّان أن يدخل موكلي ليشرح له ما حصل.
على باب القاعة تتجمع العائلة المتلهّفة لسماع ما يطمئنها ويطفئ حرائق لوعتها.
الأم التي تشبه جدّتي تسألني، وهي تخفي دمعتها بطرف منديلها الأبيض، عن ابنها وتوصيني به خيرًا، وتدعو لي ولأبنائي بالسلامة.
 الإخوة والزوجة يحاولون أن يبقوا على رجاحتهم واتزانهم، ولكن عيونهم تغدر بهم. 
 "نعم في القاعة كنّا كلّنا عرب" أكّدت لأحد الإخوة الذي سمعني أتكلم داخل القاعة بالعربية. في الحقيقة كان المتهم عربيًا، ومحامي الدفاع عربيًا، وكان المحقق والقاضي والسجان والطابعة عربًا! وكنّا في "قصر العدل" الذي بنته إسرائيل على أرض كانت تابعة للناصرة العربية قبل أن تشيّد عليها ذلك الكيان الذي ما زال اسمه يسبب التباسًا وحرجًا فلم يتفق العرب كيف يدعونه؟ أهو الناصرة العليا؟ ما أفظع المعنى وما أوجع الرسالة! أهو نتسرات عيليت؟ ما أخبث إسرئيل وما أظلم الخيار!
أهو مستوطنة أم مدينة مشتهاة من قبل عرب يستطيعون إليها سبيلا؟
في دقائق أجد نفسي وراء مقود سيّارتي.  
وجه الحاجّة ما زال شاخصًا أمامي، دمعتي تقف على حافة العين وتتحفز للسقوط،  لولا دعاء قرأه المذيع في تلك المحطة وشدّني:
 "أللهم إني قد ضاقت علي الأرض بما رحُبت، فاقبضني إليك"!
 ومباشرةً يتابع المذيع شارحًا بأن الكلام كان عبارة عن ابتهال للإمام البخاري رفعه لربّه قبل وفاته بأيام، وبعدما ضاقت عليه الدنيا ولم يجد مكانًا يعيش فيه بسلام، فلقد ألصق به مؤمنون من ذلك العصر تهمة "الكفر"وعليها وبها مات!. لم أسمع بداية الحلقة ولا عن سبب توقيتها. أصغيت للبقية، وأنا أعبر الشارع الرئيسي في الناصرة التي لم تزل نائمة، بعدما كان ليلها حافلًا كليل الخرافة. 



#جواد_بولس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تاريخ أخرس
- لكُنَّ في آذار السلامة والحب
- لماذا وُلدّتَ يا عمر ؟
- ليت الفتى إمرأة
- لا للتجنيد: صرخة أو صرختان
- حق إضراب ألأسرى عن الطعام لا يمس
- بين كيري وقدسنا بندقية
- ألحريّة لمرّوان البرغوثي
- عنجهية VIP
- عند العقدة يبرع النجّار
- أمل وحرية بحجم السماء
- صمت الغنائم
- لماذا يخافون شجرة الميلاد؟
- دندنة شمعون بيرس: -أنا زي مانا وإنت بتتغير-
- -عوفر-..سجنٌ أم مرجُ غزلان؟
- أصوات وبنادق
- هذا هو شعبي الذي به سررت
- -إلى فلسطين خذوني معكم-
- انتخابات المجالس ويهودية الدولة
- -يهودية الدولة- بين الواقع والخيال


المزيد.....




- أجبرهم على النزوح.. أندونيسيا تصدر تحذيرا من حدوث تسونامي بع ...
- التغير المناخي وراء -موجة الحر الاستثنائية- التي شهدتها منطق ...
- مصر.. رجل أعمال يلقى حتفه داخل مصعد
- بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين
- أسباب تفوّق دبابة -تي – 90 إم- الروسية على دبابتي -أبرامز- و ...
- اكتشاف -أضخم ثقب أسود نجمي- في مجرتنا
- روسيا تختبر محركا جديدا لصواريخ -Angara-A5M- الثقيلة
- طريقة بسيطة ومثبتة علميا لكشف الكذب
- توجه أوروبي لإقامة علاقات متبادلة المنفعة مع تركيا
- كولومبيا تعرب عن رغبتها في الانضمام إلى -بريكس- في أقرب وقت ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - أعدلٌ وناصرة عليا؟