أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدى السعيد سالم - مستقبل العلاقات المصرية الامريكية الى أين؟!!















المزيد.....


مستقبل العلاقات المصرية الامريكية الى أين؟!!


حمدى السعيد سالم

الحوار المتمدن-العدد: 4392 - 2014 / 3 / 13 - 00:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مع وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة، سرعان ما تبين أنها لا تمتلك رؤية متماسكة لسياسة مختلفة تجاه الولايات المتحدة...... فيما كانت واشنطن تسعى لتخطى حالة عدم الاتزان التى تعانيها منذ سقوط نظام مبارك... ومن ثم استمرت العلاقة الثنائية بين مصر وأمريكا كما هى لم تراوح مكانها باستثناء بعض المحاولات للتوجه شرقاً.... والزيارات لروسيا والصين، والانفتاح على إيران، والتى لم ترق لأن تكون تعبيراً عن مرحلة جديدة في السياسة الخارجية المصرية....وعقب سقوط حكم جماعة الإخوان في الثلاثين من يونيو 2013، وعزل مرسي، باتت العلاقة بين النظام الحاكم الجديد في مصر والولايات المتحدة أكثر تأزماً.... لاسيما مع التلويح الأمريكى المستمر بورقة المساعدات للضغط على النظام المصري.... لذلك أصبح التساؤل الرئيس يتمحور حول الخيارات المتاحة أمام النظام الحاكم للتعامل مع واشنطن، وماهية المساحات المسموح بها للتحرك بعيداً عن السياسات الأمريكية.....

لقد تزامن بزوغ جماعة الإخوان المسلمين (الإسلاميين بوجه عام) بعد 25 يناير 2011 مع محاولة الولايات المتحدة لتطوير وتعديل موقفها من الإسلاميين... واستقر تفكير واشنطن على أن التعاون مع النظام الحاكم بقيادة جماعة الإخوان أمر ممكن الحدوث، لاسيما مع ما انطوى عليه خطاب الجماعة من توافق في الكثير من مفرداته مع المصالح الأمريكية.... وهكذا، كانت الإدارة الامريكية تستعيض عن نظام مبارك بنظام آخر، بدا لها أنه أكثر قدرة على الحشد، وفي الوقت نفسه لديه خطاب يتماشي مع المصالح الأمريكية....وفي هذا الإطار، واجهت الولايات المتحدة في 3 يوليو 2013 بعد سقوط حكم الإخوان إشكاليتين جوهريتين، أولاهما أن النظام الحاكم الجديد في مصر لديه اعتقاد بأن واشنطن أكثر انحيازاً لجماعة الاخوان المسلمين، وبالتالي فإن دوائر صنع القرار الأمريكية رأت فيما حدث – عزل الرئيس المحسوب على جماعة الإخوان – نهاية لشبكة من التحالفات الجديدة، كانت تسعي واشنطن لترسيخ وجودها....أما الإشكالية الأخرى، فتتمثل في الموقف الأمريكي الملتبس مما جرى في 30 يونيو و3 يوليو 2013 ، وعدم الاستقرار على إعطاء توصيف محدد للمشهد يمكن أن يرضي النظام الحاكم في مصر، والذى يري أن إسقاط جماعة الإخوان المسلمين تم عبر ثورة شعبية لا تختلف عن ثورة 25 يناير 2011، واتضح أن الموقف الأمريكى الرسمي يراوغ في توصيف الأوضاع، لاسيما أن استخدام مصطلح "انقلاب" يعني إيقاف كافة المساعدات الأمريكية الموجهة لمصر، وذلك فيما كانت أصوات داخل الكونجرس تطالب بتعليق المساعدات الأمريكية، لأن ما حدث كان "انقلابا" من وجهة نظرها.....

وكانت هذه المعطيات تنذر بأن العلاقة بين النظام المصري والإدارة الأمريكية مُقبلة على أزمات تجلت ملامحها في انتقاد الإدارة الأمريكية لطريقة تعامل الحكومة المصرية، مع تظاهرات مؤيدى جماعة الإخوان المسلمين، كما اتخذ الرئيس الأمريكي قرارا بإيقاف المناورات العسكرية المشتركة "النجم الساطع" مع مصر، عقب فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة....وشكلت المساعدات الأمريكية قضية إشكالية في العلاقة بين الطرفين، فقد لعبت الإدارة الأمريكية بورقة المساعدات للضغط على النظام المصري، والتلويح المستمر بإيقاف تلك المساعدات، اعتراضاً على سياسات يتبناها النظام المصري، وهذا الأمر عبر عنه قرار الإدارة الأمريكية خلال شهر أكتوبر الماضى بإيقاف تسليم مصر دبابات وطائرات مقاتلة، وطائرات هليكوبتر وصواريخ، بالإضافة إلي مساعدات نقدية تُقدر بـ 260 مليون دولار.....وأعلن أوباما عن إلغاء مناورات "النجم الساطع" بين الجيشين الأمريكي والمصري التي كانت مقررة في سبتمبر 2013، قائلاً إن "تعاوننا التقليدي مع مصر لا يمكن أن يستمر كما هو "، فيما تناقش إدارة أوباما ما إذا كانت ستوقف تزويد الجيش المصري بطائرات "أباتشي" جديدة من طراز "آي إتش 64" دي، والذي كان مقرراً أيضاً أن يتم في سبتمبر، أم لا.....

وعلى الجانب المقابل، تزايدت نبرة الاعتراض من جانب النظام المصري على التوجهات الأمريكية..... فخلال مقابلة للمشير عبد الفتاح السيسي مع صحيفة واشنطن بوست الأمريكية في شهر أغسطس الماضي، أشار إلى أن إدارة الرئيس أوباما تتجاهل إرادة الشعب المصري، وذكر "نتساءل حقاً ما هو دور الولايات المتحدة والاتحاد الأوروربي وجميع القوي الدولية الأخرى التي تؤيد أمن مصر واستقرارها؟ هل قيم الحرية والديمقراطية صالحة فقط في بلادكم؟. لقد تخليتم عن المصريين .. أدرتم لهم ظهركم وهم لن ينسوا ذلك"...... وعقب قرار الإدارة الأمريكية تجميد بعض المساعدات أثناء شهر أكتوبر الماضي، انتقدت الحكومة المصرية توقيت القرار، ورأت "أن القرار غريب في هذا التوقيت الحيوي الذي تخوض فيه مصر حرباً ضد الإرهاب".....وتداخل مع هذا المشهد تصاعد حدة العداء للولايات المتحدة داخل الشارع المصري، وانكشف أن هناك ثمة تيارا يرى أن واشنطن تؤيد جماعة الإخوان المعارضة للسلطة الحاكمة، وأن هذا التأييد يدفع الأوضاع نحو المزيد من التعقيد والعنف، ناهيك عن ردود أفعال تراوحت بين المطالبة بالتخلى عن المساعدات الأمريكية، وصولاً للمطالبة بمراجعة معاهدة السلام مع إسرائيل...

من وجهة نظرى كثيراً ما تصلح مقاربة التحدى والاستجابة لتفسير العلاقات بين الدول، إذ إن الدول تواجه عددا من التحديات تستلزم الاستجابة بدرجة تحافظ لها على مصالحها..... وعطفاً على هذا، يمكن القول إن النظام المصري الحالي يمتلك في علاقته بالولايات المتحدة خيارات استجابة، من الجائز اختزالها في ثلاثة خيارات:
1- خيار التماهي، ويفترض هذا الخيار استمرار التبعية التي ظلت لسنوات السمة الغالبة للعلاقة بين القاهرة وواشنطن، وبالتالي التماهي بين توجهات السياسة المصرية والسياسة الأمريكية، وهو ما يعنى أن النظام المصري عليه الاستجابة لكافة المطالب الأمريكية، خاصة تلك المتعلقة بالأزمة الداخلية الراهنة، والتعاطى مع جماعة الإخوان المسلمين....ويعترض هذا الخيار مأزق المعادلة الداخلية المصرية، إذ إن طرفي الأزمة، سواء السلطة الحاكمة أو جماعة الإخوان المسلمين، يخوضان حالة أشبه ما تكون بصراع وجود في خضم مباراة صفرية يأبي فيها أى طرف تقديم أي تنازلات..... ومن ثم، فإن المطالب الأمريكية بإيجاد تسوية سياسية للصراع، والضغط على الحكومة المصرية للتفاوض لن تجد بيئة مواتية في الوقت الحاضر....ويعد الرأى العام أحد القيود المفروضة علي هذا الخيار.... ففي الفترة اللاحقة على 30 يونيو 2013 ، تشكل تيار واسع داخل الشارع المصري يطالب النظام المصري بإنهاء حالة التبعية لواشنطن، وبات لدي هذا التيار اعتقاد راسخ بأن توجهات الإدارة الأمريكية مناوئة للمصالح المصرية..... ومن هذا المنطلق، سيصبح على النظام المصري البحث عن مسار يراعي مصالح الدولة في المقام الأول بعيداً عن رغبات واشنطن، أو على أقل تقدير سيكون النظام حريصا على تبنى مواقف مغايرة لمواقف واشنطن، ولو بقدر ضئيل يرضي من خلالها الرأى العام.....

2- خيار القطيعة، ويفترض هذا الخيار أن يلجأ النظام المصري إلي القطيعة مع واشنطن والتصعيد بوتيرة متسارعة لا تتيح مساحة للالتقاء، بحيث يتجه النظام الحاكم بصورة رسمية (بمنأى عن الصيغة غير رسمية، كما هو معتاد في الوقت الراهن) إلي التخلي عن المساعدات الأمريكية، والشروع في مراجعة معاهدة السلام مع إسرائيل، والانفتاح بصورة غير مسبوقة على قوى دولية أخرى منافسة للولايات المتحدة، مثل روسيا والصين، لتكون بمثابة مصدر بديل للتسليح والدعم الاقتصادي، وينطوى هذا المسار على التعقيدات التالية، والتي تجعل من الصعب تحققه في المدى القريب...:حيث يعتمد تسليح الجيش المصري بصورة أساسية على الولايات المتحدة، وهذا الأمر يحتاج إلى فترة زمنية ممتدة لتغييره، والاستعاضة عن التسليح الأمريكي بآخر ينهي علاقة الارتباط العسكري بين الدولتين..... كما أنه من غير المنطقي في الوقت الراهن استحضار أفكار الحرب الباردة والثنائية القطبية، حينما كانت مصر تعتمد في تسليحها على أوروبا الشرقية.... بالرغم مما يقال عن تراجع الـتأثير الأمريكي، وأن عهد القطبية الأحادية أوشك على الأفول، فلا تزال الولايات المتحدة هى الدولة الأهم في النظام العالمي، وتشكل محورا رئيسا في منطقة الشرق الأوسط بكافة قضاياه، فهى أكثر انخراطاً من غيرها في شئون المنطقة، وهو ما يحتم على النظام المصري التعامل معها برشادة.... يضاف إلى ما سبق أن النفوذ الدولي الذي تحظى به واشنطن يمكن أن يحقق للنظام المصري مصالح عدة، أهمها تيسير التواصل بالمنظمات الاقتصادية الدولية (على وجه التحديد صندوق النقد الدولي والبنك الدولي)، والحصول علي مساعدات اقتصادية منها..... كما أن اعتراف واشنطن بالنظام الحاكم الجديد، وتوطيد العلاقات الثنائية معه سيعطي للنظام المصري حيزا أكبر للتحرك على الصعيد الدولي....الى جانب إن الاقتصاد المصري أكثر ارتباطاً بالغرب (أوروبا والولايات المتحدة) مقارنة بروسيا والصين....

3- خيار التصعيد المحكوم، وينصرف هذا الخيار إلى إرساء نهج جديد للعلاقات مع الولايات المتحدة، قائم بالأساس على فكرة تبادل المصالح، وليس مجرد صيغة تبعية، وبالتالي يمكن للنظام الحاكم أن يعترض على مواقف واشنطن، ويرفض الانصياع لمطالبها، ولكن دون أن تصل إلى مرحلة القطيعة مع واشنطن، فهو بدرجة أو بأخرى تصعيد ضد توجهات الإدارة الأمريكية، ولكنه أيضاً تصعيد محكوم بإطار معين (يقع في منطقة وسط بين التماهي والقطيعة). وبوجه عام، يستدعى هذا الخيار الملاحظات الآتية: حيث يفترض مسار التصعيد المحكوم أن يتعاطي النظام المصري مع قضية المساعدات الأمريكية من منظور براجماتي بحت، إذ إن واشنطن تحقق من وراء علاقاتها مع مصر مصالح فعلية تتضمن مزايا عسكرية ولوجيستية مثل: استخدام الأجواء المصرية، وتسهيلات فيما يتعلق بعبور قناة السويس للسفن والبوارج الأمريكية، علاوة على ضمان استمرار العلاقات السلمية بين إسرائيل والقاهرة.... ويعضد هذه الفكرة آراء أمريكية صدرت أخيراً بعد قرار الإدارة الأمريكية تعليق بعض المساعدات لمصر.. "تعليق أوباما المساعدات المقدمة لمصر سيكلف واشنطن نفوذاً كبيراً داخل مصر، دون تحقيق أي مكاسب، سواء للجيواستراتيجية الأمريكية، أو لآفاق الديمقراطية في مصر"....

مما لاشك فيه أن استمرار النظام المصري في محاربة الإرهاب بعد 30 يونيو من المحتمل أن يكون عنصرا ضاغطا على الإدارة الأمريكية يدفعها للتراجع عن مواقفها تجاه الحكومة المصرية..... ففي المقام الأول والأخير، الولايات المتحدة دولة تحركها مصالحها ومصالح حليفتها بالمنطقة، إسرائيل.... وفي هذا السياق، إذا تمكن النظام الحاكم من تحقيق الاستقرار للدولة، وخرج منتصراً من صراعه مع جماعة الإخوان، فلن يكون أمام واشنطن سوى التعامل مع هذا النظام، والبحث عن مصالحها معه...على صعيد أخر قد يوظف النظام المصري شبكة تحالفاته الإقليمية والدولية في ملف العلاقات الأمريكية.... فمن ناحية، توفر شبكة التحالفات الإقليمية مع دول خليجية (وفي مقدمتها السعودية والإمارات) للقاهرة غطاء إقليميا يمنحها زخما أكبر في التفاعل مع المواقف الأمريكية، لاسيما مع المصالح المتشابكة والمعقدة التى تجمع الولايات المتحدة بالدول الخليجية.... ومن ناحية أخرى، فإن العلاقات مع دول، مثل روسيا والصين، تسمح للنظام المصري بمساحة مناورة قد لا تكون كبيرة بالقدر الكافي، ولكنها على أقل تقدير ستنبه واشنطن لعواقب سياساتها تجاه مصر....

من ناحية أخرى اتسم الموقف الامريكى والغربي من التطورات الجارية في مصر بـ"الحذر" عقب عزل محمد مرسي.... فمع تجنب وصف "الانقلاب العسكري"، فقد حرصت القوى الغربية على الجانب الآخر على تأكيد أهمية العودة سريعاً إلى المسار الديمقراطي، مرحبة بحذر بالإعلان الدستوري الذي أقره الرئيس المؤقت عدلي منصور، والذي تضمن جدولاً زمنياً لتعديل الدستور، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية.ولكن مع النهج الذي تم به فض اعتصام مناصري مرسي في "رابعة العدوية" و"ميدان النهضة"، فقد أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن الولايات المتحدة الأمريكية "تدين بقوة الخطوات التي اتخذتها الحكومة المصرية ضد المدنيين"، ودعا السلطات في مصر إلى احترام الحقوق العالمية للإنسان، وإلغاء حالة الطوارئ، والبدء في حوار شامل...
وقد شدد الرئيس الأمريكي، في تصريحاته في 23 أغسطس 2013، على أن الإدارة الأمريكية تقوم حالياً بعمل تقييم شامل حول العلاقات الأمريكية- المصرية، مستبعداً عودة العلاقات التجارية مع مصر إلى ما كانت عليه في السابق، موضحاً: "لقد بذلنا جهوداً دبلوماسية كبيرة لحث الجيش المصرى -عقب عزل مرسي- للسير فى طريق المصالحة، غير أنهم لم يستغلوا الفرصة"- على حد قوله.!!!...وعلى الرغم من ترجيحه أنه فى حال اتخاذ قرار بقطع المعونة الأمريكية عن مصر، فإن ذلك لن يؤثر فى قرارات الحكومة المصرية المؤقتة، فإن أوباما أضاف: "أعتقد أن معظم الأمريكيين سيقولون إن علينا الحرص على ألا نظهر أننا ندعم سلوكاً يكون مخالفاً لقيمنا ومثالنا"، موضحاً: "لهذا السبب، نقوم حالياً بمراجعة علاقة الولايات المتحدة بمصر"....

وفي حين أن أوباما لم يعلن تعليق المساعدات العسكرية السنوية لمصر التي تبلغ قيمتها 1.5 مليار دولار، فإن هناك دعوات في الكونجرس إلى وقف هذه المساعدات، وذلك فيما يفكر الاتحاد الأوروبي كذلك في إيقاف مساعداته عن مصر......وقد قرر وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في 21 أغسطس الماضى "تعليق تراخيص المعدات التي يمكن أن تساعد في عمليات القمع في مصر"، بحسب ما صرّحت مسئولة الشئون الخارجية في الاتحاد كاثرين آشتون، موضحة أن كل دولة عضو في الاتحاد الأوروبي ستأخذ فى الحسبان كيفية تطبيق هذا القرار وفقاً لمصالحها....هذا، وقررت بعض الدول، ومنها ألمانيا، تجميد صادراتها من الأسلحة إلى مصر، حيث تدرس دول الاتحاد الأوروبي إعادة النظر في المساعدة الأمنية المقدمة إليها........كما أوقفت ثلاث دول أوروبية مساعدات مالية مخصصة لمشروعات تنموية في مصر، حيث جمدت الحكومة الألمانية أموال مساعدات لمصر بقيمة 25 مليون يورو. وكذلك، فإن الدنمارك وهولندا أوقفتا المساعدات الاقتصادية التي تقدر بـ4 ملايين يورو للدنمارك، كانت مخصصة لدعم الشركات الصغيرة، وتوفير فرص عمل للشباب في مصر، و8 ملايين يورو لهولندا مخصصة لدعم مشروعات تنموية في مجالات حقوق الإنسان، والإدارة، وإمدادات المياه.....

وهنا يقفزللذهن خاطرة هامة هى: مدى تأثر مصر بالتهديدات الامريكية الغربية؟!!..وفقاً لجهاز الأبحاث بالكونجرس الأمريكي، فإن مصر ثاني أكبر دولة بعد إسرائيل تحصل على مساعدات من واشنطن، منذ توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979، ووصلت المساعدات الأمريكية للقاهرة إلى 71.6 مليار دولار منذ عام 1984 وحتى عام 2011. وفي الآونة الأخيرة، بلغت المساعدات الأمريكية نحو 1.55 مليار دولار سنوياً، منها نحو 1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية.....وعلى الرغم من أن المساعدات العسكرية لمصر تبدو كأنها مبلغ زهيد بالمقارنة بالاقتصاد المصرى، فإن هذه المساعدات تعد مدخلا رئيسا لحصول القاهرة على الأسلحة المتطورة.... ومن ذلك، أثار البعض مخاوف من مدى قدرة الحكومة المصرية على الاستغناء عن المساعدات الغربية، خصوصاً الأمريكية، في حال اُتخذ قرار بإيقاف تلك المساعدات، في حين استبعد البعض الآخر أن تمضي القوى الغربية في مواقفها تجاه فرض عقوبات على مصر، وذلك استناداً إلى الآتي: على الرغم من إلغاء تدريبات عسكرية مشتركة بين واشنطن والقاهرة، فقد صرّح وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيجل، بأنه أبلغ نظيره المصري، المشيرعبد الفتاح السيسي، بأن البنتاجون سيواصل علاقاته العسكرية مع مصر. فمن المهم للجيش الأمريكي الحفاظ على مصالحه الاستراتيجية مع القاهرة، وبالنظر إلى أن هناك سفن حربية أمريكية تمر من قناة السويس..... وإذا تم منع ذلك، فسوف تتكبد الولايات المتحدة خسائر مالية تتعدي أضعاف دعمها لمصر، حيث تتحكم القناة فيما لا يقل عن 4% من حركة النفط العالمية، و8% من حركة التجارة البحرية....

لذلك يستبعد المحللون أن تقطع الإدارة الأمريكية مساعداتها للجيش المصري، لأنها توليه الآن أهمية أكبر من أي وقت مضى بسبب الأوضاع التي يمر بها الشرق الأوسط. فالولايات المتحدة تقدم الدعم إلى مصر، لأنها واحدة من دولتين عربيتين فقط وقعتا اتفاق سلام مع إسرائيل، والولايات المتحدة لا ترغب في المساس بهذا التوازن، في ظل الظروف الراهنة التي تشهدها المنطقة، وفي ظل تطورات الوضع على الساحة السورية، حيث لم يعد مستبعداً خيار التدخل العسكري لإنهاء الأزمة الإنسانية التي تشهدها البلاد...
في واقع الأمر، فإن معظم المساعدات العسكرية المقدمة إلى مصر تستحوذ عليها صناعة الدفاع الأمريكية التي توفر العتاد والصيانة وقطع الغيار..... ومن ثم فمن الناحية الاقتصادية البحتة، فإن تراجع الأموال المخصصة للمشتريات الأمريكية الاستراتيجية، وإن كان سيؤثر فى الجيش المصري، فإن شركات المقاولات الدفاعية الأمريكية ستفقد أيضاً مزايا كبيرة تتمتع بها...... وقد أكد متخصصو المشتريات العسكرية فى الكونجرس أن قطع المساعدات عن مصر سيورط الإدارة الأمريكية فى معركة تعاقدية مع شركات الأسلحة الأمريكية. فبينما ترتبط مصر بعقود مع هذه الشركات حتى عام 2018، بموجب ائتمان نقدى تعهدت به واشنطن، فإن إلغاء الصفقة سيجبر الحكومة الأمريكية على تحمل عقوبات تبلغ مليارى دولار....

وحتى على الجانب الأوروبي، وبصدد العقوبات التي فرضها وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي على القاهرة، فقد أوضحت كاثرين آشتون أنه سيُترك لكل دولة من دول الاتحاد النظر في كيفية تطبيق القرار وفقاً لمصالحها الخاصة، الأمر الذي يتيح مرونة كبيرة في عدم تطبيق القرار، خصوصاً في حال التوصل إلى تفاهمات مع الحكومة المصرية بشأن التطورات الجارية في البلاد، وذلك مع إجماع عدد من الخبراء على أن الاتحاد الأوروبي يميل إلى تغليب مصالحه المادية في تعاطيه مع الشأن المصري، وذلك مع الإشارة إلى أن الاتحاد لم يشأ توصيف عزل مرسي بالانقلاب.....من ناحية اخرى مع المواقف الامريكية والغربية من التطورات الجارية في مصر، والتهديد بفرض عقوبات على القاهرة، فقد اهتمت الحكومة المصرية المؤقتة بانتهاج مسارات رئيسة في سبيل تحجيم خطر فرض أي عقوبات... من خلال تأكيد أهمية التعاون مع الغرب: فعلى الرغم من توتر العلاقات بين القاهرة وعدد من القوى الغربية، فقد حرص وزير الخارجية المصري، نبيل فهمي، على تأكيد أن "التلويح بسحب المساعدات في هذه المرحلة مرفوض، والمساعدات مشكورة استفادت بها مصر، ونأمل أن تستمر"، مشدداً في الوقت ذاته على أهمية "ألا تعد القوى الغربية، وخصوصاً واشنطن، ما تقدمه لمصر هبة، بل إن هناك مصالح ينبغي وضعها في الحسبان لدى اتخاذ أى قرار"....

وفي سبيل طمأنة القوى الغربية بشأن مستقبل التطورات السياسية في البلاد، فقد أعلن فهمي اعتزام القاهرة تشكيل لجنة تقصي حقائق من شخصيات مستقلة لتوثيق ما حدث بدقة في البلاد منذ فض اعتصامي مؤيدي مرسي، مضيفاً- خلال مؤتمر صحفي عقده في 18 أغسطس في مقر وزارة الخارجية المصرية- أنه "سيتم النظر فيما هو قادم من المنظور السياسي، والانتقال إلى تنفيذ خريطة الطريق بما يشمل الجميع دون إقصاء، ما دام هناك التزام بالقانون"، وقال إن "المسار السياسي هو الاتجاه المصري، فلا توجد مشكلة تحل بالمسار الأمني فقط"....وطالب فهمي وسائل الإعلام العالمية بضرورة الحياد والتوازن تجاه الأحداث التي شهدتها مصر ، وعدم الانحياز إلى طرف على حساب طرف آخر، حفاظاً على المصداقية والمهنية، وبناءً على ما يحدث على أرض الواقع فقط... كل هذا يسير على قدم المساواة مع الاستفادة من دعم دول الخليج: حيث تستفيد القاهرة في الوقت الراهن من دعم دول الخليج خلال فترة ما بعد 30 يونيو في تقليل خسائرها من توتر العلاقات مع عدد من الدول الغربية، وذلك مع الإشارة إلى أن الحكومة المصرية حصلت على تعهدات من السعودية، والإمارات، والكويت بمنحها مساعدات بقيمة 12 مليار دولار، حصلت منها القاهرة على 5 مليارات دولار، كما تعهدت الرياض بسد أي عجز مالي قد تعانيه مصر، إذا أوقفت دول غربية معوناتها للقاهرة...

وقد دافع وزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل، عن الموقف المصري، وأكد وقوف المملكة إلى جانب مصر على كافة الصعد في مواجهة التهديدات الغربية، وقال: "لن نتأخر عن تقديم كل أشكال الدعم لمصر.. فمصيرنا واحد، وهدفنا واحد"، وأضاف: "لن نسمح بأن يتلاعب المجتمع الدولي بمصير مصر، أو يعبث بأمنها واستقرارها"، وذلك مع تحذيره الدول الغربية من ممارسة أي ضغط على الحكومة المصرية لوقف الإجراءات التي تتخذها ضد أنصار مرسي....مع العمل بسرعة كبيرة على تقوية العلاقات مع روسيا.... حيث يشار في هذا الصدد إلى أن موسكو اتخذت موقفاً داعماً للحكومة المصرية، خلال الجلسة التي عقدها مجلس الأمن الدولي في منتصف أغسطس، برفضها إصدار المجلس أي بيانات تدين القاهرة، على خلفية فض اعتصامي "رابعة" و"النهضة"، أو وصف ما حدث في مصر بالانقلاب...... وكانت موسكو أكثر تحفظاً في إدانة الأحداث التي شهدتها مصر، إذ اكتفت بدعوة جميع القوى السياسية في البلد إلى ضبط النفس دون إدانة تدخل قوات الأمن لفض الاعتصامات....وقد ذكرت مواقع عسكرية إلكترونية أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عقد اجتماعاً عاجلاً مع قادة الجيوش الروسية، ومسئولي أجهزة المخابرات في 16 أغسطس، لبحث الوضع في مصر، وإمكانية تقديم المساعدة للجيش المصري، وإقامة تعاون عسكري بين القاهرة وموسكو في المستقبل القريب....... وعلى الرغم من عدم الإعلان عن أي قرار للاجتماع حتى الآن، فإنه تمت مناقشة إجراء مناورات وتدريبات عسكرية مشتركة بين الجيشين الروسي والمصري، بالإضافة إلى بحث التعاون العسكري، وبيع أسلحة للقاهرة في المستقبل...يشار كذلك إلى تغليب عدد من المتابعين قيام الرياض بلعب دور الوسيط بين القاهرة وموسكو في الوقت الحالي، وذلك على الرغم من اختلاف المواقف بشأن الأزمة السورية، حيث قام رئيس المخابرات السعودية بزيارة غير معلنة إلى موسكو في 31 يوليو، كان من ضمن أهدافها بحث فرص التعاون العسكري، والتوسط في صفقة أسلحة روسية لمصر، لتكون بديلاً عن الأسلحة الأمريكية، إذا ما قررت واشنطن قطع المعونة العسكرية عن الجيش المصري. وقد تحدثت التسريبات عن عرض الأمير بندر صفقة أسلحة ضخمة بقيمة 150 مليار دولار مع موسكو لتشجيعها على تعزيز التعاون مع القاهرة، الأمر الذي يساعد على تخفيف الضغط الأمريكي على الحكومة المصرية.....

حمدى السعيد سالم
صحافى ومحلل سياسى



#حمدى_السعيد_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصراع الجيوسياسي و الجيوستراتجي بين روسيا وأمريكا فى الشرق ...
- السلاح النووي أكذوبة وحرب نفسية ضد العرب
- أين أهرب من حبها؟!
- جمعية تنمية المجتمع ببيلا مثل يحتذى به فى العمل الخيرى فادعم ...
- اليهود سرقوا ذهبنا واستعبدوا العالم به من خلال النظم المالية ...
- أمريكا و إيران وكره المحبين والعشاق
- اسلام شعيبه بطل مصر وأفريقيا خارج تفكير وزير الرياضة
- طفلة سورية
- أين الخارجية المصرية ومصر تعيش أسوأ لحظة من الحصار الجغرافي ...
- بيلا تغرق فى بحر الفساد ومحافظ كفرالشيخ كالزوج المخدوع لايدر ...
- فيدرالية اليمن والقفز إلى المجهول
- الدور المشبوه للجامعة الامريكية فى أشاعة الفوضى فى مصر
- الحقيقة المخفية شريعة الاسلام بشرية الله منها برىء
- الأزمة السورية كشفت الوجه القذر للسياسة الأمريكية
- لغز ست البنات !!!!
- عين الظلم
- مشكلتى ليست من يحكم مصر بل هى كيف تحكم مصر؟!!
- الإخوان استخدموا المستشفى الميدانى فى التحرير ورابعة للتعذيب ...
- ما الذى حدث فينا
- اوجاع صاحبة الجلالة


المزيد.....




- أحدها ملطخ بدماء.. خيول عسكرية تعدو طليقة بدون فرسان في وسط ...
- -أمل جديد- لعلاج آثار التعرض للصدمات النفسية في الصغر
- شويغو يزور قاعدة فضائية ويعلن عزم موسكو إجراء 3 عمليات إطلاق ...
- الولايات المتحدة تدعو العراق إلى حماية القوات الأمريكية بعد ...
- ملك مصر السابق يعود لقصره في الإسكندرية!
- إعلام عبري: استقالة هاليفا قد تؤدي إلى استقالة رئيس الأركان ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: الولايات المتحدة تبارك السرقة وتدو ...
- دعم عسكري أمريكي لأوكرانيا وإسرائيل.. تأجيج للحروب في العالم ...
- لم شمل 33 طفلا مع عائلاتهم في روسيا وأوكرانيا بوساطة قطرية
- الجيش الإسرائيلي ينشر مقطع فيديو يوثق غارات عنيفة على جنوب ل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدى السعيد سالم - مستقبل العلاقات المصرية الامريكية الى أين؟!!