أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعد محمد رحيم - تعددية ثقافية متفاعلة أم تعددية ثقافات منغلقة على نفسها؟ القسم الثاني والأخير















المزيد.....

تعددية ثقافية متفاعلة أم تعددية ثقافات منغلقة على نفسها؟ القسم الثاني والأخير


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 4369 - 2014 / 2 / 18 - 20:25
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


عاشت الجماعات الإثنية العراقية، وحتى عشرينيات القرن المنصرم، حقباً طويلة من السلم الأهلي والتعايش الإنساني والتسامح ( لاسيما في الفترات التي كان التدخل الخارجي يضعف فيها ) ولكن بدرجة نسبية واضحة من العزلة، بعضها عن بعض، بحكم الجغرافية السياسية للعراق، آنذاك، الخاضع للإمبراطورية العثمانية، والموزّعة مساحته على ثلاث ولايات؛ بغداد والموصل والبصرة، وطبيعة الحكم المفروض من المركز المتروبولي/ الأستانة، وتخلّف قطاعات الإنتاج والتعليم ووسائط النقل والاتصال. ولمّا أكملت بريطانيا احتلال العراق 1917 واندلعت الثورة الشعبية الكبرى ضدّها 1920 وتكونت الدولة العراقية 1921، توفّرت للمرة الأولى الشروط الموضوعية لمغادرة الجماعات الإثنية والقبلية عزلتها ليتنبه كثر من أفرادها، بحسهم الفطري السليم، وبتوجيه وتحفيز من نخبها إلى ضرورة بناء الدولة ـ الأمة العراقية المستقلة. وكان الملك فيصل الأول يعي جسامة المهمة التي يحملها، هو والنخبة السياسية ـ العسكرية في إدارته من أجل إدماج الجماعات والمكوِّنات العراقية في أمة ( شعب ) عراقية تتجسد واقعاً بإرساء قواعد الدولة المدنية الحديثة. وكان يعتقد بأن لا وجود لشعب عراقي بعد، "بل كتلات بشرية خيالية خالية من أي فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية" على حد وصفه في رسالة سرّية في العام 1933 يورد حنا بطاطو مقطعاً منها في كتابه ( العراق/ الجزء الأول ): يضيف الملك: "نحن نريد... أن نشكِّل من هذه الكتل شعباً نهذِّبه، وندرِّبه، ونعلِّمه، ومن يعلم صعوبة تشكيل وتكوين شعب في مثل هذه الظروف، يجب أن يعلم أيضاً عِظَم الجهود التي يجب صرفها لإتمام هذا التكوين، وهذا التشكيل". وكانت ثمة خطوات إجرائية اتّبعتها الحكومات في العهد الملكي مبكِّراً، لعل أهمها التجنيد الإجباري 1934 الذي "سهّل احتمال تحويل القوّات المسلّحة إلى وسيلة فاعلة في الدمج بين أبناء العشائر وأبناء المدن وكسر الخط القاسي والثابت والفاصل بين العشائر، وهو شرط مسبق وضروري لدمجها في الحياة الوطنية". كما يؤكد حنا بطاطو.
كانت الروابط القديمة القائمة على عنصر القرابة والإثنية الطائفية تتحلل ببطء مع انتشار التعليم وإقامة المؤسسات الحكومية وتوفر الوظائف لشرائح لا بأس بها من السكّان، والهجرة من الريف إلى المدينة، وتطوّر الوضع المعيشي مع ازدياد الريع النفطي والشروع بخطط الإعمار. وكان الشعور بالهوية الوطنية العراقية يتعمق على حساب الانتماءات التقليدية الموروثة، بخاصة عند الفئات المدينية المتعلمة، وعند أولئك الذين انخرطوا بالعمل في سلكي الجيش والشرطة، أو في الدوائر الحكومية الخدمية، والقطّاعات الإنتاجية، وقبل هؤلاء وأولئك عند المنخرطين في صفوف الأحزاب والنقابات الآخذة بالتوسع، وقد كانت ذات صبغة يسارية وطنية في الأغلب الأعم. وبذا طرأت تغيّرات ملموسة على الخريطة الطبقية للمجتمع العراقي. وكانت ثمة مؤشرات لا يمكن تخطئتها بأن الدولة ـ الأمة العراقية هي في طور التبلور والتكوّن.. وكان هناك ما يعوِّق هذا التبلور والتكوّن، بعضها مسؤول عنه ما يُعرف بمؤسسات من المجتمع الأهلي، ذات الطابع الإثني والقبلي، لم تشأ أن ترفع الراية البيضاء فانتهزت فرص وجود ثغرات سياسية، وظروف غير مؤاتية لتنكِّل بالرابط الوطني وتضعفه. وبعضها مسؤول عنه ما درجنا على نعته في الأدب السياسي بالتدخلات الخارجية لتحقيق مصالح خاصة ببلدانها وإداراتها الحاكمة. فيما تتحمل الحكومات المتعاقبة، لاسيما خلال الخمسين سنة الأخيرة القسط الأعظم من تلك المسؤولية نتيجة تورّطها بسياسات خاطئة أو متعمّدة أفضت إلى توهين روح الدولة العراقية، وخلخلة مفاصلها، لتتسبب من ثم بحدوث اهتزازات وانكسارات في البنى الاجتماعية، وأنساق القيم والقناعات عند فئات واسعة، وفي ظل مناخ من عوامل مساعدة ترشّحت عن سياسات التجهيل الطويلة من جهة، وعن التحشيد الطائفي الذي يغذّيه خطاب انفعالي منقوع بكره الآخر والخوف منه من جهة ثانية.
والآن كيف يمكن أن نترجم واقع التنوع الثقافي العراقي المتجذر تاريخياً إلى حقيقة منصهرة في بنية الدولة المدنية في صورة تعددية ثقافية متفاعلة على أرضية سياسية مخصبة ومنتجة. في مقابل أن نتجنب تحوّل التعامل مع فكرة التعددية إلى مناسبة للتناحر الإثني والاقتتال الأهلي وهو الذي ينذر بخراب البلاد وتمزّقها؟.
تأسست الدول القومية على فكرة أن تكون موحدة ومتجانسة فتمت بهذه الذريعة سيطرة الإثنية التي تشكل الأغلبية ( وأحياناً تكون أقلية ) على مؤسسات الدولة فارضة لغتها وثقافتها ورؤيتها التاريخية والوجودية وطقوسها وأعيادها، الخ.. على الجماعات والأقليات الأخرى.. وكانت البيئة السياسية الدولية ما قبل سقوط جدار برلين تحبذ مثل هذا التوجّه عموماً. إلا أن الحال تغير تماماً في العقدين الأخيرين سواء في ما يتعلق بجوهر الخطاب السياسي السائد، أو في توجّهات السياسة الدولية ومنظماتها ومنها الأمم المتحدة. وباتت التعددية الثقافية وحقوق الأقليات والسكان الأصليين والمهاجرين جزءاً من ذلك الخطاب ومن تلك التوجّهات.. ومن خلال إلقاء نظرة سريعة على المشهد السياسي العالمي نجد أن الأمر اتخذ مسارات خطيرة، ولم تتفكك كثر من الدول القومية فحسب بل اتسع نطاق العنف الأهلي والصراعات الإثنية فيها، وتمددت عصابات الجريمة المنظّمة والتنظيمات الإرهابية في كل مكان. وشكّلت منطقة الشرق الأوسط ومنها العراق بؤرة هذا الوضع المحتدم والمتأزم.
هذه الإشكالية المستعصية يطلق عليها ويل كيمليكا في كتابه ( أوديسا التعددية الثقافية: سبر السياسات الدولية الجديدة في التنوع ) مصطلح الإحراج الأخلاقي حيث "واجهت محاولات تدويل نزعة التعددية الثقافية وحقوق الأقليات حقل ألغام حقيقياً ممتلئاً بخليط مضطرب من التصوّرات والمفاهيم والإحراجات الأخلاقية والنتائج غير المقصودة والتناقضات القانونية والتلاعبات السياسية".. ويتساءل كيمليكا، وهو أكاديمي وكاتب كندي وناشط في مجال حقوق الأقليات دولياً، فيما إذا كان "الهدف هو أن نفتح المجال لسياسات التعددية الثقافية الديمقراطية النابضة بالحياة، أم أن الهدف هو كبت واحتواء الحراك العرقي المزعزع للاستقرار؟".
عراقياً، وفي هذا السياق، تبرز أمامنا حزمتان من الأسئلة، الأولى؛ كيف يمكن أن نخلق الشروط الموضوعية والأطر القانونية والمؤسساتية التي تضمن عدم ابتلاع الدولة ـ الأمة لحقوق الأقليات والجماعات وحرّياتها الثقافية في الوقت الذي تحافظ الدولة ـ الأمة فيه على كيانها السياسي الموحد والمتماسك خالقة بيئة وطنية للتسامح والتعايش والتفاعل الخلاّق والعمل التنموي؟. والثانية؛ ما هي الضمانات التي نطمئن إليها بألا تقود التعددية الثقافية إلى عزلة الجماعات والأقليات بعضها عن بعض، وتخندقها ضد بعضها بعضاً؟ أو إلى الإخلال بمبادئ حقوق الإنسان وإشاعة ممارسات حجر على الحريّات ضد الأفراد المنتمين إليها، بحجة أنها تقع في ضمن معتقداتها؟. أو قيام كل جماعة أو إثنية بإجراءات إقصائية بحق أفراد من جماعات وإثنيات أخرى يعيشون بين ظهرانيها؟.
في خضم الحراك الخاص بصراع الإثنيات للفوز بحقوقها الثقافية والسياسية والوجودية، لاسيما في الدول ذات القواعد القانونية والمؤسساتية الهشّة تطفح إلى السطح فئات طفيلية، نفعية مغامرة تدفع باتجاه انعزال جماعتها وتخندقها في مواجهة الإثنيات/ الجماعات الأخرى. مختلقة عُقداً متوهّمة، أو مستثمرة عُقداً من الماضي البعيد مُعيدة إنتاجها بأردية جديدة لتفعل فعلها في الحاضر وتهدد بها السلم الأهلي ومستقبل البلاد.. ولأن قضية التعددية الثقافية وحقوق الأقليات والجماعات لم تُطرح، عندنا، في إطار دستوري وقانوني واضح ورصين أصبحت التعددية الثقافية هي تعددية جماعات أهلية، غير مدنية، مرشّحة للتصارع العنفي، وقابلة، هي ذاتها، للانشطار المرة تلو المرة.
ليس من المعقول أن تعني التعددية الثقافية محافظة كل إثنية على هوية مفردة قارّة نهائية من غير أن تطوِّر ماهية تلك الهوية وتجعل من ثقافتها منفتحة على الثقافات الأخرى، وعبر نبذ معتقداتها الخاصة ( إنْ كانت تنطوي على مثل هذه المعتقدات ) بتفوقها الإثني ( العنصري )، واحتقارها للآخر، وانغلاقها على ذاتها.. ومن غير أن تتجاوز قيمها التي تعطيها الحق في سلب حريات أفرادها، وخلق تراتبية تمييزية ضد بعض شرائحها، وخصوصاً المرأة.
أرادت الطغم الحاكمة السابقة، أو هذا ما ادّعتها، أن تحقق الاشتراكية قبل بناء قاعدة اقتصادية متينة ومنتجة، وقبل إرساء أسس الدولة الحديثة ( قوانين ومؤسسات )، وقبل إشاعة تقاليد ديمقراطية، فكانت النتيجة دولة استبدادية إقصائية عاجزة عن تلبية الاحتياجات العصرية لمواطنيها، فتدمّرت الصناعة الوطنية الناشئة وتخلّفت الزراعة والقطاع الخدمي وتفتتت الطبقة الوسطى التي ترفد البلاد بالنخب العلمية والثقافية والإدارية والإنتاجية والسياسية.. واليوم، قبل بناء قواعد الدولة القائمة على مبادئ الديمقراطية والمواطنة طرحنا قضايا حقوق الأقليات ـ ليس على أرضية قانونية ومؤسساتية فعالة ـ وإنما بشكل عشوائي ومتسرع أفضى إلى مظاهر من عزلة الأقليات والجماعات، وسيطرة أمراء الطوائف والحرب عليها مع التنكيل بمبدأ المواطنة والحريات الفردية والحقوق المدنية، وتضبيب وتعليق مبدأ التسامح.
لا تُفهم التعددية الثقافية إلاّ كونها مفهوماً كما يقول كيمليكا "يرشده ويضبطه في آن معاً الالتزام السياسي بمبادئ الحرية الفردية والمساواة". مع "فحص الأسئلة الصعبة حول الطريقة التي ترتبط بها الجوانب المختلفة من التعددية الثقافية بقضايا الدمقرطة، وحقوق الإنسان، والتنمية، والأمن الأقليمي". ونضيف، وفي بالنا حاضر العراق ومستقبله؛ أن تكون تعددية ثقافات متسامحة مفتوحة الحدود تغتني بالتجربة وتتواشج معاً لنسج الرداء الوطني المتماسك، المرن، الأنيق، والمبرقش بالألوان البهيجة.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في كتاب: إشكالية الغياب في حروفية أديب كمال الدين.. أن ...
- تعددية ثقافية متفاعلة أم تعددية ثقافات منغلقة على نفسها؟ الق ...
- الهوية وإشكالية التمثيل: صورة الذات.. صورة الآخر
- معضلة الهوية ورهانات الثقافة العراقية: مدخل
- قراءة في رواية ( الأمريكان في بيتي )
- قراءة في مجموعة شريط صامت للشاعر عبد الزهرة زكي
- لا بد من أن تكون للنخب الثقافية مشاركة فعالة في بناء الدولة ...
- أناييس والآخرون
- يوميات أناييس نن
- المثقف والحيّز العمومي
- المثقف الذي يدسّ أنفه...
- أنسنية إدوارد سعيد
- -لقاء- كونديرا
- المثقف والسلطة، وحقل المعنى
- حين يقيم الشعر نصباً للحرية؛ قراءة في مجموعة -بروفايل للريح. ...
- رحلتي في عوالم جبرا إبراهيم جبرا
- عن السرد والواقع والتاريخ
- الكتب في حياتي
- كامو والآخرون
- جان وسيمون: وجهاً لوجه


المزيد.....




- دبي بأحدث صور للفيضانات مع استمرار الجهود لليوم الرابع بعد ا ...
- الكويت.. فيديو مداهمة مزرعة ماريغوانا بعملية أمنية لمكافحة ا ...
- عفو عام في عيد استقلال زيمبابوي بإطلاق سراح آلاف السجناء بين ...
- -هآرتس-: الجيش الإسرائيلي يبني موقعين استيطانيين عند ممر نتس ...
- الدفاع الصينية تؤكد أهمية الدعم المعلوماتي للجيش لتحقيق الان ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /20.04.2024/ ...
- ??مباشر: إيران تتوعد بالرد على -أقصى مستوى- إذا تصرفت إسرائي ...
- صحيفة: سياسيو حماس يفكرون في الخروج من قطر
- السعودية.. أحدث صور -الأمير النائم- بعد غيبوبة 20 عاما
- الإمارات.. فيديو أسلوب استماع محمد بن زايد لفتاة تونسية خلال ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعد محمد رحيم - تعددية ثقافية متفاعلة أم تعددية ثقافات منغلقة على نفسها؟ القسم الثاني والأخير