أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعد محمد رحيم - معضلة الهوية ورهانات الثقافة العراقية: مدخل















المزيد.....

معضلة الهوية ورهانات الثقافة العراقية: مدخل


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 4329 - 2014 / 1 / 8 - 20:03
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تمثل مقاربة موضوعة "الهوية" معرفياً في فضاء الثقافة العراقية، وفي ظرفنا الراهن العصيب، عملية دخول في الفاصلة الأهم والأخطر من الطريق الطويل الشائك الذي نفترض أنه يفضي إلى بناء الدولة العراقية الحديثة ذات الطابع المدني الديمقراطي.. وسأكتفي بهذا التوصيف العام والمبتسر للدولة التي نحلم بها في هذه المرحلة الأولية من بحثنا.. وهو توصيف كما أعتقد، عام وجامع ودال، في الوقت عينه، وإلى حد بعيد. وإذا كان من المستحيل تجنب الخوض بهذه الموضوعة عند الكلام عن بناء دولتنا الوطنية فإن طريقة المقاربة المعرفية لابد من أن تجري بموضوعية تامة ونزاهة علمية بالقدر المستطاع، وبحذر وحرص شديدين، عبر وضعها في سياقها التاريخي والثقافي، وتناولها من زوايا متباينة للإحاطة بوجوهها الكثيرة وطرح الأسئلة الصحيحة والمخصبة بشأنها.. مع التأكيد بأن طرح موضوعة الهوية بحساسية عالية يشير إلى وجود أزمة وعي للذات وللآخر. وبالتالي للموقع والمكانة وشكل الانتماء.
هويتنا هي ما نعتقده عن أنفسنا، وعن موقعنا في الزمان والمكان والعالم، وبطبيعة الحال بالقياس إلى موقع الآخر ـ غيرنا ـ في الزمان والمكان والعالم.. هذا الاعتقاد يحمل أحياناً قدراً من المغالاة والزيف يكبر أو يصغر تبعاً للظروف المحايثة، لذا فإن موضوعة الهوية تبقى واحدة من أكثر المفاهيم المؤشكلة في الثقافة المعاصرة.
باتت هذه الموضوعة، ومنذ أكثر من عقد واحد، أي منذ احتلال العراق وانهيار نظام حزب البعث ( نيسان 2003 ) في القلب من اهتمام كثر من المشتغلين في حقول الفكر والأدب والثقافة في العراق. وما أُنتج بهذا الصدد لا يمكن الاستهانة به، فالدراسات النظرية التي أنجزت حول تلك الموضوعة والأسئلة التي طرحت في تناول إشكالياتها فتحت آفاقاً رحبة وجديدة أمام العقل العراقي لمواصلة البحث والتقصي وإدامة التساؤل.. هذا العقل الذي يواجه تحديات قاسية تخص قضايا بناء الدولة الديمقراطية القائمة على مبادئ السلم الأهلي والمواطنة والاقتراع الحر وتداول السلطة سلمياً، وإقامة المجتمع المدني الحديث، وتحقيق التنمية المركبة ( الاجتماعية والثقافية والعلمية والسياسية )، حيث تبرز هنا في هذا الخضم معضلة الهوية بقوة؛ هوية الأفراد والجماعات، وهوية المكان والثقافة، وهوية الدولة الوطنية.
هذا لا يعني أن إثارة موضوعة الهوية كانت غائبة عن بال المثقفين العراقيين بمختلف أجيالهم منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في العام 1921. إلا أنها غدت موضوعة رئيسة بحكم تطورات الأحداث التي جنحت عن السلم الأهلي بقوة فعالية ( الهويات القاتلة ) وموجِّهاتها الظاهرة والخفيّة بعد العام 2003.. وننوِّه إلى أن فكرة النهضة والإصلاح، قبل ذلك، كانت قد تبلورت عربياً، بدءاً من منتصف القرن التاسع عشر، حول سؤال الهوية المحوري؛ من نحن؟ كنتيجة طبيعية لصدمة الاستعمار ووعي التخلف. السؤال الذي سيجد صداه في المشهد الثقافي العراقي برؤى واهتمامات متباينة خلال عقود القرن العشرين وحتى يومنا هذا.
تعرّض الوجود الاجتماعي ـ السياسي العراقي وخلال أقل من مائة سنة لصدمتين كبيرتين.. تمثّلت الأولى في الاحتلال الإنكليزي للعراق ودخول قوات الجنرال مود بغداد في العام 1917.. هذه الانعطافة التاريخية الكبرى كانت منتجة سياسياً ووجودياً حيث تمخض عنها ـ وإن نسبياً ـ خروج الجماعات العراقية من عزلتها المناطقية والعشائرية في محاولة حرّكتها عواطف متأججة لم تخلُ من دوافع عقلانية، وعلى أمل تأسيس دولة مستقلة حديثة. فكانت ثورة العشرين التي تخطى فعلها ـ في بعض صفحاتها، وتمثّلاتها الثقافية ـ الأنطقة الطائفية والمناطقية والعشائرية لتمهد لتأسيس الدولة العراقية في العام 1921. مع ملاحظة ما شابت عملية التأسيس من ملابسات واختلالات ومواطن ضعف وقصور سنتوسع في شرحها لاحقاً. أما الصدمة الثانية فراحت تتمثل بعد دخول القوات الأمريكية واحتلال العراق وإسقاط تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس ( 9 نيسان 2003 ). وهذه الصدمة كانت أخطر وأشنع لأنها بدلاً من أن تقود إلى الاستفادة من أخطاء الماضي وأخطاء وخطايا الدولة المنهارة وإقامة أسس متينة للدولة الحديثة وترسيخ هويتها الوطنية، أوجدت الأرضية ـ باعتقادي بقصدية مدروسة ـ للعودة إلى أوضاع ما قبل 1921 حيث انكفأت قطاعات لا يُستهان بها من الجماعات لتُحبس نفسها داخل هوياتها الضيقة ـ ما قبل الدولتية.. هذه العودة هيأت لها وغذّتها وقادتها دوائر مخابرات دول مجاورة وبعيدة، ومؤسسات داخلية قديمة ومستحدثة، وقوى أنانية فاسدة ذات مصالح خاصة وتعاني من انعدام الحس الوطني ومن الجفاف الأخلاقي. فحين تضعف القدرة الحمائية للدولة ويشعر الناس بالتهديد فإنهم ينكفئون إلى انتماءات ما قبل الدولة كالعشيرة والمذهب والمنطقة الجغرافية بحثاً عن الحماية والأمان. ولا ننسى، ها هنا، أو نهمل دور الإرث الثقيل الذي خلّفته الحكومات الاستبدادية المتعاقبة طوال عقود في إثارة مخاوف الأفراد والجماعات وشكوكهم مع بعضهم بعضاً.. والأدهى أن أخطر تجليات تلك العودة كان في تكوين الجماعات المسلحة واللجوء إلى الإرهاب وممارسة العنف. من هنا يبدو لي أن التحدي الأعظم أمام الثقافة العراقية هو تفكيك الرهانات الحادثة على موضوعة الهويات الضيقة ـ القاتلة، تلك التي تفضي إلى صراعات وأزمات واختناقات اجتماعية ووجودية، وصولا إلى ذروتها المأساوية في انتشار الميليشيات والعصابات الإرهابية وممارستها القتل على الهوية.
ترتكز موضوعة الهوية على محتوى سردي، فلكل هوية جانبها السردي بمعنى ما.. ولأنها كذلك فإن إمكانية التخييل في سرديتها تبقى حاضرة بحكم الطبيعة الزلقة والمفتوحة الحدود لمفهوم السرد وآليات تشكّله. ولا تتضمن هذه السردية صورة الأنا فقط بل تنطوي على صورة الآخر أيضاً حيث تُصوّر الأنا في مقابل الآخر الذي يجري تصويره في الوقت نفسه. فوجود الآخر/ المتصوَّر ضروري ولا غنى عنه إطلاقاً لتمثيل الأنا في سردية ما.. تلك السردية التي هي مزيج من الحقائق والتصوّرات والتخيلات والأوهام والرموز والمجازات.. من هنا تبدأ صراعات الهويات التي هي الوجه الآخر لصراع سرديات متقابلة أو متضادة. وأبشعها تلك التي تصدر عن تشكيل صورة متوهمة ومتورمة عن الذات في مقابل صورة زائفة عن الآخر.
وعموماً لابد من أن تنطلق أية مقاربة منهجية ـ نقدية لموضوعة الهوية من جملة افتراضات أولية، منها:
ـ الهوية هي سؤال الكينونة وإجابة الواقع والتاريخ عنه.. الكينونة بعدِّها فاعلية إنسانية ثقافية ووجودية في الزمان والمكان، وليس حضوراً مجرداً لتجمّعات ذات ماهيات جوهرية ثابتة، معزولة عن بعضها بعضاً بفواصل حادة.
ـ لا يمكن الخوض في موضوعة الهوية بمعزل عن موضوعات مجاورة ومحايثة تتداخل معها، منها قضايا الحرية والعنف والمجتمع المدني والعزلة والعدالة الاجتماعية والتنمية وبناء الدولة والديمقراطية، الخ...
ـ المقاربة العلمية والمنهجية تتطلب عدم تناول موضوعة الهوية بمعزل عن موضوعات التاريخ والمكان واللغة والثقافة والجسد، وعلاقات السلطة.
التاريخ بعدِّه ما خلّف الماضي من آثار في الحاضر، وبعدِّه سياقاً حضارياً طويلاً أنتج سمات إنسانية في المكان، وطرق عيش الجماعات ورؤيتها إلى العالم، قد تبدو أحياناً شبه ثابتة.
والمكان بوصفه بيئة طبيعية وفضاءً اجتماعياً وامتداداً لفعل الإنسان.
واللغة كمستودع للثقافة والذاكرة الجمعية. وإحدى المرايا التي تنعكس فيها الهوية، بعد أن تتخلّق في حاضنتها.
والثقافة في مفهومها الواسع كمنظومة قيم وعقائد وتصوّرات، وطريقة حياة.
وعلاقات السلطة كنسق فاعل في عمليات التمثيل والهيمنة.
والجسد كواقعة بيولوجية/ ثقافية، وكاستثمار مؤسساتي، وكموضع يُنقش عليه ما يفرزه التاريخ والمكان واللغة والثقافة والسلطة.
ـ تنشأ العقد السرطانية حول الهوية حين تبقى اسئلتها مؤجلة وممنوع التفكير فيها لمدة طويلة من الزمن.
ـ للإنسان الفرد هويات متعددة بعضها موروث وبعضها مكتسب.. والأهمية التي يسبغها الفرد على هوية ما من بين هوياته الأخرى هي نتاج شروط تاريخية متبدلة، وفي الغالب يميل البشر إلى تأكيد الانتماء الذي يحقق لهم الأمان والحماية والكرامة وتأكيد الذات.
ـ الهوية تتأسس.. إنها عملية بناء طويلة مضنية.. يولد المرء وقد ألصقت به علامات ( هووية ) ليست من اختياره مثل؛ ( مكان ولادته، أسرته وعشيرته، جنسيته ولغته، دينه وطائفته، ووطنه، الخ.. ) وحين يستوي وينضج وعيه لن تبقى هويته على الصورة نفسها.. ستنشأ له هويات جديدة باختياره أو بحكم الظروف المحيطة بحياته.. وحين يمنح أهمية أكبر لهوية ما فهذا لا يعني أنه تنكر لهوياته وانتماءاته الأخرى. وعموماً فإن هوية الفرد ترتبط بهذه الدرجة أو تلك بهوية الجماعة وهوية المكان وهوية الدولة.
ـ إن ما يكسر شرنقة الهويات المفردة الضيقة والقاتلة ليس الموعظة الحسنة وخطب الوصايا وإنما ممارسات على الأرض تقع مسؤوليتها أولاً على عاتق الدولة ومن ثم القوى والنخب السياسية والثقافية ومنظمات المجتمع المدني.
ـ الهوية إنشاء حتى وإن لاذ المرء بهويته الموروثة.. فهو لابد من أن يكوِّن تصوّرا ما عن نفسه وجماعته، في مقابل الآخر، ليس شرطاً وبالضرورة أن يُطابق حقيقة ما هو، وجماعته، عليه.
ـ يقود إلى تأجيج صراع الهويات، في الغالب، التنازع الفئوي والمؤسساتي والدولي حول الثروة والسلطة والنفوذ.. وعند تحليل واقع صراع الهويات علينا البدء بالبحث عن تعارض مصالح القوى الفاعلة في ساحة ذلك الصراع.
ـ الهوية حصيلة خبرات. وكل أولئك الذين تعرضوا لانتهاكات أو خاضوا تجارب كبرى؛ ( غزوات وحروب، اقتلاعات وتهجير، استعمار وثورات، كوارث طبيعية، الخ.. ) استحصلوا على دروس أصبحت الخميرة الرئيسة لابتداع تمثيلات ورموز وأساطير. وهكذا كانت كل انعطافة هائلة بدرامياتها وقسوتها ونتائجها الملموسة وغير الملموسة، تغدو مقدمة لإعادة تشكيل الهوية والوعي بها.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في رواية ( الأمريكان في بيتي )
- قراءة في مجموعة شريط صامت للشاعر عبد الزهرة زكي
- لا بد من أن تكون للنخب الثقافية مشاركة فعالة في بناء الدولة ...
- أناييس والآخرون
- يوميات أناييس نن
- المثقف والحيّز العمومي
- المثقف الذي يدسّ أنفه...
- أنسنية إدوارد سعيد
- -لقاء- كونديرا
- المثقف والسلطة، وحقل المعنى
- حين يقيم الشعر نصباً للحرية؛ قراءة في مجموعة -بروفايل للريح. ...
- رحلتي في عوالم جبرا إبراهيم جبرا
- عن السرد والواقع والتاريخ
- الكتب في حياتي
- كامو والآخرون
- جان وسيمون: وجهاً لوجه
- رياض البكري شاعراً
- الأسلمة السياسية في العراق
- الإحساس بالنهاية: بين الذاكرة والتوثيق
- العابر التخوم


المزيد.....




- الطلاب الأمريكيون.. مع فلسطين ضد إسرائيل
- لماذا اتشحت مدينة أثينا اليونانية باللون البرتقالي؟
- مسؤول في وزارة الدفاع الإسرائيلية: الجيش الإسرائيلي ينتظر ال ...
- في أول ضربات من نوعها ضد القوات الروسية أوكرانيا تستخدم صوار ...
- الجامعة العربية تعقد اجتماعًا طارئًا بشأن غزة
- وفد من جامعة روسية يزور الجزائر لتعزيز التعاون بين الجامعات ...
- لحظة قنص ضابط إسرائيلي شمال غزة (فيديو)
- البيت الأبيض: نعول على أن تكفي الموارد المخصصة لمساعدة أوكرا ...
- المرصد الأورومتوسطي يطالب بتحرك دولي عاجل بعد كشفه تفاصيل -م ...
- تأكيد إدانة رئيس وزراء فرنسا الأسبق فرانسو فيون بقضية الوظائ ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعد محمد رحيم - معضلة الهوية ورهانات الثقافة العراقية: مدخل