أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعد محمد رحيم - تعددية ثقافية متفاعلة أم تعددية ثقافات منغلقة على نفسها؟ القسم الأول















المزيد.....

تعددية ثقافية متفاعلة أم تعددية ثقافات منغلقة على نفسها؟ القسم الأول


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 4352 - 2014 / 2 / 1 - 21:44
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ربما تكون التعددية الثقافية أكثر موضوعات الهوية تناولاً وتداولاً ورواجاً في فكر ما بعد الحرب الباردة. وهي موضوعة قد تبدو في ظاهرها واضحة الأبعاد والمقاصد والمحتوى إلا أنها غير ذلك، نظرياً، وإلى حد بعيد. ويغدو الأمر أشد التباساً وتعقيداً في التطبيق السياسي على أرض الواقع. فإذا كان التنوع الثقافي حقيقة إنسانية لا يطالها الشك فإن التعاطي الخاطئ معه يفضي إلى مخاطر جمة لاسيما إذا ما حصل ذلك التعاطي في محيط مرشح للاضطراب وقابل للاستثمار الاستخباراتي والسياسي دولياً وإقليمياً ومحلياً في ضمن اشتغال معادلة ( السلطة/ الثروة/ النفوذ )، كما هو الحال في العراق بعد انهيار الدولة ( أو شبه الدولة )، مع الاحتلال الأمريكي وسقوط نظام صدام حسين ( ربيع 2003 ).
والسؤال المحرج الذي يطل برأسه الآن؛ هل نتحدث عن تعددية ثقافية في فضاء تداولي تفاعلي أم عن تعددية أقليات وجماعات معزولة بثقافاتها بعضها عن بعض، وقد تمركزت كل أقلية او جماعة منها على ذاتها، وهويتها المفردة؟.
بعد تفكك الإمبراطوريات القديمة، وأفول نظام الإقطاع في أوروبا، وصعود الرأسمالية التجارية ( المركنتينية ) بدءاً من القرن السابع عشر، أخذت الدول القومية بالتشكّل تباعاً حيث تغيّرت الجغرافية السياسية للغرب ومن ثم للعالم. إذ معها نشطت الحملات الاستعمارية بحثاً عن مصادر الثروة والنفوذ فغدت أجزاء واسعة مما سيعرف بعد ذلك بالعالم الثالث تحت سيطرة دول كولونيالية قوية. في هذه الآونة لم تكن مصطلحات من قبيل ( حقوق الإنسان، وحقوق الأقليات، وحقوق السكان الأصليين، وحق تقرير المصير، الخ ) جزءاً مركزياً من الخطاب الفلسفي والسياسي السائد، وكان غائباً تماماً عن اهتمامات الحقل السياسي التطبيقي. لكن منعطفاً جديداً حصل بعد الحرب العالمية الثانية ( 39ـ 1945 ) وكفاح الدول المستعمَرة للحصول على استقلالها وبناء دولها القومية ـ في الغالب على الغرار الأوروبي ـ فصدر عن الأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العام 1948 محققاً قفزة نوعية في السلوك السياسي وأخلاقيات السياسة العالمية، بغض النظر عن نواقص ذلك الإعلان، ومدى التزام الدول المختلفة ببنوده ومعاييره. ولم تجد الحكومات والمؤسسات السياسية الدولية جدوى من الحديث عمّا نطلق عليه اليوم بـ ( التعددية الثقافية وحقوق الأقليات ) طالما أن مبادئ حقوق الإنسان التي لم تتضمن إشارات إلى حقوق الأقليات تدعو إلى المساواة والحرية الفردية لجميع سكان الأرض، وأن تكون لكل فرد "مواطنة متطابقة غير متمايزة". وعدم التمييز العرقي والديني والجنسي ضد أي إنسان أو مجموعة بشرية.
وفي ظروف الحرب الباردة وصراعاتها، ووجود دول قومية تديرها حكومات بقبضات قوية عُدّت فكرة حقوق الأقليات "غير ضرورية ومزعزعة للاستقرار في آن معاً". وهنا كانت الأغلبية، في معظم الأحيان، هي التي تفرض لغتها وتقاليدها وممارساتها الطقوسية وأعيادها ورؤيتها السياسية وتتحكم بمفاصل السلطة ومؤسسات الدولة.. وأغلب الدول التي استقلت حديثاً حكمتها نخب سياسية مارست الاستبداد ضد مواطنيها والاستبعاد والتهميش ضد المنتمين إلى جماعات أقلوية باسم الوحدة القومية والدفاع عن الوطن ضد الأعداء الخارجيين حيناً، وباسم البناء الاشتراكي ومحاربة الطبقات المستغِلّة حيناً آخر.. وحتى في الغرب أزاح الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان وخلق المساواة بين الأفراد/ المواطنين أمام القانون وفي الحصول على فرص متساوية لإشغال الوظائف العامة، الخ، نقول؛ أزاح ذلك الالتزام فكرة الحقوق الخاصة بالأقليات.. غير أن الأمر شرع يتغير منذ ثمانينيات القرن الماضي، فطُرحت فكرة حقوق الأقليات بوضوح بعد تفكك المنظومة الاشتراكية في العقد الأخير من ذلك القرن. فانطلقت الدعوات لإيجاد مؤسسات وإجراءات خاصة بالأقليات؛ "مثل إنشاء جماعة عمل للأقليات تابعة للأم المتحدة في العام 1995، برعاية لجنة فرعية من حقوق الإنسان التابعة للجنة حقوق الإنسان، وتعيين خبير مستقل من الأمم المتحدة لموضوع الأقليات في العام 2005". وقبل ذلك، في العام 1993 وضع الاتحاد الأوروبي شرط حقوق الأقليات كواحد من معايير الانضمام إليه.
واليوم تقترح العولمة بيئة اقتصادية عالمية مشتركة، وأسواقاً مفتوحة بعضها على بعض، وثورة في نظم الاتصال والمعلوماتية. وقد حققت بهذا المسار منجزات كبرى كانت لها بالمقابل ضحاياها وأزماتها. والمفارقة أنها، أي العولمة، بقدر ما وفّرت ممكنات باهرة للتواصل الإنساني وتفاعل الثقافات فإنها فتحت الأبواب واسعة أيضاً على تصدّعات مجتمعية وتخندقات وصراعات إثنية مصحوبة بأعمال عنف في أمكنة كثيرة من العالم، ومنها منطقة الشرق الأوسط؟ فأين يكمن الخلل يا ترى؟ وهل هذا الذي يحصل كما يجتهد بعض المفكرين هو النزع الأخير لثقافات ضعيفة سرعان ما ستستسلم أمام تسيّد الثقافات واللغات القوية قبل أن تفرض لغة المصالح نفسها على الجميع وتتحقق غايات العولمة؟ أم أن العالم سائر إلى فوضى وحروب صغيرة وكبيرة، بين الدول والجماعات، ليست لها، في الأفق المنظور، من نهاية؟.
التنوع البشري، الإثني، الثقافي، معطى تاريخي، وظاهرة لصيقة بالوجود الإنساني وطبيعة البشر، فيما التعددية أطروحة فلسفية نظرية، وممارسات وإجراءات سوسيوسياسية ترتكز في مرجعيتها على ذلك المعطى وتلك الظاهرة. والتعددية عموماً تنبع من حاجة الفرد وكذلك المجتمع، لوعي ماهية انتمائه وهويته، ومن يكون إزاء الانتماءات والهويات الأخرى، وما موقعه ودوره في العالم، تاريخياً، وفي هذه اللحظة، ومستقبلاً. لكن التعددية لا تعني عزلة الجماعات بعضها عن بعض وإقامة كانتونات ذات حدود محروسة بين جماعة وأخرى. وحين تُفهم هكذا فإنها ستكون المقدمة لنشوء سوء فهم مؤسٍ وسوء تمثيل للآخر وتصويره، وسيفضي إلى احتدام الكراهية والنبذ والإقصاء، ومن ثم الميل إلى العنف.
في كتابه ( الهوية والعنف؛ وهم المصير الحتمي/ 2006 ) يرى أمارتيا صن، وهو فيلسوف واقتصادي هندي، حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد للعام 1998، أن ما يعوق توحيد العراق وتكامله، فضلاً عن عوامل تاريخية معروفة، هو؛ "الشقاقات التي لا مفر منها والتي سببها تدخل عسكري مستبد وجاهل". وحيث بقيت التقارير الغربية تنظر إلى العراق كمجموع كلي لجماعات طائفية، وإلى الأفراد باعتبارهم مجرد شيعة أو سُنّة أو كرد، وهذا يعكس أيضاً "الطريقة التي تطوّرت بها سياسات عراق ما بعد صدام". فيما ظلت المبادرات السياسية التي قادتها أمريكا "تميل إلى رؤية العراق بوصفه مجموعة تتكون من الجاليات الدينية وليس من المواطنين". وبذا فإن قادة الطوائف بتصريحاتهم وقراراتهم أصبحوا في المقدمة. وقد اعتقدت الإدارة الأمريكية أنها بهذا إنما ستستمر وستخفف من حدة التوترات القائمة.. لكن أسهل السبل كما يقول صن "ليس دائماً هو أفضل طريقة لبناء مستقبل لأي بلد، خصوصاً عندما يكون هناك شيء مهم للغاية على المحك هنا، وبالتحديد الحاجة إلى أن تكون الأمة كتلة من المواطنين، وليس مجموعة من الإثنيات الدينية".
في عالم اليوم وبعد ثورة الاتصالات، وانفتاح الثقافات بعضها على بعض، حين نتحدث عن إثنية دينية أو عرقية فإننا لا نتحدث عن مجتمع ذي نسيج متجانس في مستوياته الطبقية والعلمية وتوزع أفراده الديمغرافي ومواقفهم وإيديولوجياتهم، والأهمية التي يعطيها كل فرد لانتمائه الإثني، أو لهوياته الأخرى. وبالتأكيد فإن هذه الحقيقة تنطبق على الحالة العراقية أيضاً. ومن هنا ينبثق السؤال: من يمثل أية إثنية عراقية؛ أهي المؤسسة الدينية، أم النخب السياسية والتيارات والأحزاب ذات الصبغة العرقية والطائفية، ( وبطبيعة الحال لابد من أن نستبعد، في هذا السياق، في وقتنا الحاضر، أي دور مؤثر وكبير للنخب والرموز الثقافية، ولمنظمات المجتمع المدني )؟. وكيف تكتسب أي من هذه الفئات شرعية تمثيلها؟. وإذا ما افترضنا أن صناديق الاقتراع هي الحاسمة بهذا الشأن، فهل علينا الإقرار بأن الانقسام الإثني ( الطائفي والعرقي ) حيث تفصح نتائج الانتخابات حتى هذه اللحظة عن وجوده، هو الأمر الواقع النهائي الثابت الذي علينا التسليم بديمومته؟ وهل يجب أن نقرأ مستقبلنا، ونحاول صنعه، في ضوء هذه المسلّمة الكئيبة والثقيلة؟ وهل تمنحنا هذه المسلّمة، إن صدّقناها، ضمانات لبناء دولة مؤسسات موحّدة حديثة، قادرة على إدارة موارد الأمة ( المنقسمة إثنياً )؟.
ولكن؛ أليس من حقنا أن نحاول قراءة المشهد من زاوية أخرى مؤدّاها أن الدولة العراقية ومنذ تأسيسها في العام 1921 بقيت كياناً هلامياً هشّاً، بلا فلسفة بناء دولتي، وبلا رؤية وبرامج سياسية عملانية واضحة وفعالة يمكنها من ترصين أسس الدولة ـ الأمة العراقية. فلم تكتسب سوى هوية شاحبة، غير متماسكة، بتأثير عوامل كثيرة منها ريعية اقتصادها، وغياب التقاليد الديمقراطية في عمليات التمثيل وتداول السلطة عن فضائها السياسي، فضلاً عن الانقلابات العسكرية المتواترة التي نخرت أركانها، وتسيّد حكم الأوليغارشيات/ القلة، في الغالب، على مفاصل السلطة، وسياسات القمع والاستبداد التي مارستها. حتى إذا جاءت قوات الاحتلال في العام 2003، وازداد التدخل الخارجي الإقليمي والدولي، وانتعشت المجموعات والميليشيات المسلحة الإرهابية، وبدأ الفصل المخزي من التناحر الدموي الطائفي، انقاد السواد الأعظم من المجتمع العراقي إلى دعوات قادة المجتمع الأهلي منكفئين إلى هوياتهم الأصلانية ـ الموروثة، ما قبل الدولتية.
وهذه القراءة الثانية ألا تكشف أن ما حصل لم يكن أمر واقع حتمي تفرضه بالضرورة أشباح الماضي التي تأبى الموت، بل كان بسبب ظروف طارئة مختلقة ومصمَّمة في مطابخ سياسية واستخباراتية متناحرة بدوافع مصالحها على أرض بلادنا؟.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهوية وإشكالية التمثيل: صورة الذات.. صورة الآخر
- معضلة الهوية ورهانات الثقافة العراقية: مدخل
- قراءة في رواية ( الأمريكان في بيتي )
- قراءة في مجموعة شريط صامت للشاعر عبد الزهرة زكي
- لا بد من أن تكون للنخب الثقافية مشاركة فعالة في بناء الدولة ...
- أناييس والآخرون
- يوميات أناييس نن
- المثقف والحيّز العمومي
- المثقف الذي يدسّ أنفه...
- أنسنية إدوارد سعيد
- -لقاء- كونديرا
- المثقف والسلطة، وحقل المعنى
- حين يقيم الشعر نصباً للحرية؛ قراءة في مجموعة -بروفايل للريح. ...
- رحلتي في عوالم جبرا إبراهيم جبرا
- عن السرد والواقع والتاريخ
- الكتب في حياتي
- كامو والآخرون
- جان وسيمون: وجهاً لوجه
- رياض البكري شاعراً
- الأسلمة السياسية في العراق


المزيد.....




- -بعهد الأخ محمد بن سلمان المحترم-..مقتدى الصدر يشيد بالانفتا ...
- الكشف عن بعض أسرار ألمع انفجار كوني على الإطلاق
- مصر.. الحكومة تبحث قرارا جديدا بعد وفاة فتاة تدخل السيسي لإن ...
- الأردن يستدعي السفير الإيراني بعد تصريح -الهدف التالي-
- شاهد: إعادة تشغيل مخبز في شمال غزة لأول مرة منذ بداية الحرب ...
- شولتس في الصين لبحث -تحقيق سلام عادل- في أوكرانيا
- الشرق الأوسط وبرميل البارود (1).. القدرات العسكرية لإسرائيل ...
- -امتنعوا عن الرجوع!-.. الطائرات الإسرائيلية تحذر سكان وسط غ ...
- الـFBI يفتح تحقيقا جنائيا في انهيار جسر -فرانسيس سكوت كي- في ...
- هل تؤثر المواجهة الإيرانية الإسرائيلية على الطيران العالمي؟ ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعد محمد رحيم - تعددية ثقافية متفاعلة أم تعددية ثقافات منغلقة على نفسها؟ القسم الأول