أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سلمان رشيد محمد الهلالي - المجتمع العراقي بين الشروكيه والانكشاريه (القسم الرابع والاخير)















المزيد.....


المجتمع العراقي بين الشروكيه والانكشاريه (القسم الرابع والاخير)


سلمان رشيد محمد الهلالي

الحوار المتمدن-العدد: 4363 - 2014 / 2 / 12 - 12:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


(النص لايقول حقيقه ..... بقدر مايفرض حقيقه) المفكر اللبناني علي حرب
وقد استندت النخب الشيعيه المثقفه في تفكيك تلك الخطابات و المسلمات التي صنفتها السلطات العثمانيه و القوميه في العراق على اربع محاور اساسيه:
1-المحور الجغرافي.
2-المحور الثقافي.
3-المحور التاريخي.
4-المحور السياسي.
1-المحور الجغرافي: و هو التاكيد بالادله القاطعه على ان مركز العراق الحقيقي او التاريخي هو اقليم الوسط و الجنوب (السهل الرسوبي الممتد من البصره و حتى سامراء) و هو البؤره المركزيه و الهويه الثقافيه الاساسيه للعراق القديم و الحديث و المعاصر. فيما تعد باقي الاقاليم و المناطق مثل كردستان و الكويت و النطقه الغربيه (المثلث السني ) و الاحساء و القطيف و البحرين و قطر ( قطريا ) و غيرها ليست من ضمن الاقليم العراقي التاريخي او الاصلي.بل هم عباره عن هوامش على المتن العراقي قد تضاف في حقب تاريخيه معينه و قد تنفصل في اخرى تبعا للمتغيرات السياسيه الدوليه و الاقليميه و المحليه , بمعنى ان من احتكر العراق لنفسه من خلال التعاون مع الانكليز عام 1921 واقصى اهالي البلد الاصليين هو في الاصل ليس من البؤره العراقيه المركزيه و الاساسيه. و انماهو في الهوامش التي اضيفت لاحقا الى العراق السياسي الحديث . فكلنا يعلم ان ولاية الموصل(المنطقه الغربيه او المثلث السني + كردستان) كانت قاب قوسين او ادنى من الاتحاد او الاضافه الى تركيا الحديثه. و هو ما كان يرغب فيه اهالي الموصل فعلا بحكم ميولهم العثمانيه و الانكشاريه لولا وجود النفط في كركوك الذي حفز الانكليز على اضافتها و اتحادها مع العراق الحديث تمهيدا لاستغلالها واستثمارها .
ومنذ ذلك التاريخ حدث اكبر خطا سياسي و اجتماعي في المنطقه اجمع (خطأ وقع فيه الرب ).حيث فقد العراق بتلك الاضافات الزائده او الطفيليه اهم سمه او الركيزه الاساسيه التي تستند عليها مقومات الدوله الحديثه ,الا وهى سمة التوحد الاحتماعي و القومي و المذهبي الذي يحقق الانسجام بين ابناء البلد الواحد , و الذي يكفل بناء الهويه الوطنيه و الثقافيه التي تعد المرتكز الاول في بلورة مفهوم (الدوله) وحمل صفة (الدوله الاصطناعيه )ـــــ حسب تعبير تاتشر ـــــ او الدوله التي لاتستطيع الطيران ( لانها طائر بثلاث اجنحه ) ــــــ حسب وصف كيسنجر ــــــ . و يبدو ان العراق سوف لن ينهض او يتكون او يتعافى الا بتصحيح هذا الخطا التاريخي وازالة الشوائب و الاضافات التي الحقت به لاغراض واسباب استعمارية خارجه عن ارادته او تطلعاته المشروعه باقامة دولته المنسجمه اجتماعيا وحضاريا وثقافيا .
لقد اجمع الجغرافيون العرب و ابرزهم الخوارزمي و ياقوت الحموي على ان (عراق العرب) هو المنطقه الجنوبيه مع الوسط الممتده ( من خليج البصره وحتى سامراء) او ( من بلد وحتى عبادان) بما فيها اقليم عربستان الذي يعد امتدادا جغرافيا وحضاريا للسهل الرسوبي , و هو بذلك يكون من العراق المركزي الاصلي.و اما عراق العجم فهو المنطقه الشماليه الممتده من بلد او سامراء و حتى الاناضول .الا ان السلطات السياسيه الطائفيه التي حكمت العراق قبل عام 2003 قلبت الخارطه راسا على عقب. فتحول عراق العرب الى عجم و عراق العجم الى عرب اقحاح من نسل القعقاع و كهلان !!
انظر الى ان السلطه السياسيه , كيف تتلاعب ليس بالتاريخ او المفردات والمفاهيم فحسب بل حتى في الجغرافيه! بل ان المفارقه في التاريخ ان الجغرافيين العرب قد حصروا اسم(العراق) على المنطقه الوسطى و الجنوبيه فقط , و لم يذكروا (عراق العجم) اطلاقا, و اعتبروا المنطقه الشماليه خارجه عن هذا التعريف حتى قالوا ان الموصل اخذت هذا الاسم لانها وصلت بين العراق و الجزيره. و قد فصل هذا المعنى الدكتور علي الوردي في كتابه (طبيعة المجتمع العراقي) بقوله(المنطقه الرسوبيه و هي تشمل وسط العراق و جنوبه ...و هي اكثر مناطق العراق اهميه من الناحيه الاجتماعيه و التاريخيه...و ان الجغرافيون القدماء كانوا اذا ذكروا العراق عنوا به هذه المنطقه...و هي التي اعطت العراق طابعه الاجتماعي الذي اشتهر به منذ قديم الزمان ...و ان هذه المنطقه هي موطن الحضاره التي كانت هي و حضارة مصر اقدم حضارتين في تاريخ العالم ...و قد اطلقت عليها التوراة اسم ...... شنعار) . وهذا يعني ان هنالك من يخلط بين العراق السياسي الحديث الذي اسسه الانكليز عام 1921بحدوده وجغرافيته الحاليه وبين العراق التاريخي (الاصلي ان صح التعبير )او (منطقة السهل الرسوبي) التي لاتضم في حدودها الاقليم الكردي والمنطقه الغربيه السنيه التي ادمجها الانكليز في سبيل الموازنه النسبيه مع الاغلبيه الشيعيه في البلاد ومن ثم تهميش دورها السياسي والحضاري والثقافي .
2-المحور الثقافي :
والذي يؤكد ان السلطات السياسيه التي تسلمت مقاليد الحكم في العراق بين عامي 1921 -2003 والقاعده الاجتماعية التي تستند عليها وهى الاقليه السنيه في العراق ,انما هى امتداد لاشعوري للنسق العثماني , بل هم في الاصح امتداد جغرافي وتاريخي وديني ووجداني الى هذا النسق الفاعل او المهيمن و العقليه الانكشاريه المستحكمه بهذا النسق والاتباعيه المطلقه له والتماهي معه طوال اكثر من اربع قرون متتاليه, افرز بالتالي نمطا من العسكرتاريه والاستعلاء والفوقيه والاستئثار بالمقدرات لم يستطع العراقيون التحرر منها ومن اثارها الكارثيه على الجيش والتعليم والاداره الا عام 2003 .
قال الباحث عبد المجيد حبيب القيسي في مقدمته لترجمة كتاب (العراق دراسه في علاقاته الخارجيه وتطوراته الداخليه )(ولما كان حكام العراق الحديث وغالبيتهم من ضباط الجيش الاوائل من خريجي المدارس العسكريه العثمانيه ,فقد رضعوا لبان الانكشاريه وتمثلوا طرقها واساليبها ,فلما عادوا الى العراق حاكمين امرين بدأوا يعيدون تمثيل ماشاهده وتعلموه ....) واضاف القيسي (الى جانب نظام الانكشاريه نقل الاتراك الى العراق نظام المماليك الذي يعرف في العراق باسمه التركي (كوليه مند)..وحين احتل الانكليز العراق واسسوا دولته الحديثه ,لم يجدوا من يعتمدوا عليه في ادارتها الا هؤلاء البيكات من ابناء( الكوليه مند ) والافنديه من ابناء وعاظ السلاطين .وكان هذا اول الوهن في الاساسين الاداري والسياسي لدولة العراق الحديث ....وبعد سقوط الدوله العثمانيه لم يعد الكثير من مماليك العراق ودونمة العراق الى تركيا ,بل اثروا البقاء كعراقيين يخدموا في الجيش العراقي الوليد وليعملوا في الحقل السياسي والاداري . فكانوا فرسان لعبة الطائفيه الاولى ,حيث استبدلوا الولاء للسلاطين باولاء للمندوب السامي ,واستخدموا الطائفيه لحماية انفسهم لانهم في الاصل ليسوا من اهل البلاد الاصليين فطرحوا انفسهم سنة او حماة السنة).
ويقول الباحث الامريكي وليم بولك في كتابه (لكي نفهم العراق )(وكان الاتراك ينظرون الى انفسهم باعتبارهم رعاة والعراقيين قطعانا من الغنم تعود لهم .....ولم يفعلوا في العراق شيئا سوى انهم كانوا يجزون صوف الغنم). فيما كان وزير الدفاع السابق جعفر العسكري اكثر صراحة عندما اشار في مذكراته الى هذه الظاهره بقوله ( ان مئات الطلبات انهالت عليه من الضباط الاتراك الراغبين بالخدمه في الجيش العراقي الحديث الذي تاسس عام 1921 , وبعد تعينهم في الجيش اصبحوا اشد قحطانيه وعدنانيه من يعرب نفسه ) واما الشهيد رستم حيدر الذي واكب تاسيس الدوله مع الملك فيصل , فرغم اصوله الشاميه , الاانه انتبه الى ظاهرة الاختراق التركي والانكشاري للعراق الملكي بقوله ( ان بين ظهرانينا رجالا اباؤهم من الترك وامهاتهم من الترك وهم من ذوي المناصب , فالحذر من روحهم الاجنبيه, ولنربي النشىء الجديد حب الحكم الذاتي ( يقصد المحلي ) ومفاخر الاجداد ) .
وعلق الدكتور علي الوردي في معرض ذكره اسباب انتشار ظاهرة الشذوذ الجنسي عند العراقيين سابقا . وارجع ذالك الى اسباب عديده اهمها (الانكشاريه في العراق )الذين كانوا يمارسون الشذوذ في المدارس التي يستقرون بها وكذالك المماليك (الكوليه مند )الذين يشبهون الانكشاريه بهذه السمه . وقال ( ان الفكره الرائجه عند الاوساط الشعبيه في بغداد , وحتى لوقت ماخر , ومؤداها انه لايرتفع في المناصب الا من كان ملوطا به , جاءت من الحكام المماليك الذين توافدوا على بغداد بكثره بعد سيطرتهم عليها في عهد سليمان باشا ابو ليلى وغيره ....)
وقد اعترف بذلك ايضا الباحث (سيار الجميل) الذي رغم دفاعه المستميت عن العهد الملكي , الا انه اثبت الاصول العثمانيه والاجنبيه للنخب السياسيه والحاكمه فيه بقوله ( ان اسر وعوائل تركيه وعثمانيه استوطنت العراق بحكم رجالاتها الاداريه والانكشاريه فضلا عن الاسر القوقازيه واغلبها شركسيه وداغستانيه استوطنت في بغداد وخصوصا في الوزيريه (التابعه الى الاعظميه) ....... وان اشرس القوميين العرب الذين انضموا الى حركات قوميه فاشيه هم من اصل غير عربي بدأ من ساطع الحصري (من اصل تركي) وسامي شوكت (من اصل قوقازي) ورشيد عالي الكيلاني (من اصل كيلاني في ايران) وصدام حسين (من اصل منغولي)... وعليه نجد ان اسر وعوائل من اصول تركيه ووقوقازيه وافغانيه وداغستانيه وكيلانيه وشركسيه ومنغوليه قد تعربت واصبحت عربيه ....)
ويقول الباحث عبد الاله توفيق الفكيكي في كتابه القيم ( البدايات الخاطئه) ( ولما كان العمل السياسي محرما على شيعة بغداد والعراق عموما بالنظر للتربيه المتعصبه مذهبيا للماليك , لذا نجدهم يلتصقون بسنة بغداد وشمالها , ويتخذونهم بطانة واعوانا ... ونظر اليهم اهل السنة على انهم قادة محليون يمثلونهم امام السلطنه العثمانيه ..)
3- المحور التاريخي :
والذي يعتقد ان تماهي الاقليه السنيه في العراق مع العثمانيين والانكشاريه والمماليك لم يكن قد تبلور ضمن الانساق الثقافيه او الولاءات الروحيه والمعنويه فحسب , وانما هو تماهي واقعي ومادي مملموس تمثل بالنسب والمصاهره والتزواج , وبالتالي فأن الاغلبيه الساحقه من العوائل والعشائر السنيه في العراق السياسي, انما ترجع في اصولهاالبعيده والقريبه الى تلك الفئات الاجنبيه الوافده ولاسيما التركيه منها , اذ كلنا يعلم ان جميع الغزوات والهجرات الاجنبيه (او الاعجميه )التي وفدت الى العراق قد اتخذت من المنطقه الشماليه (شمال بغداد )او (عراق العجم ) مقرا لها ومستقر سواء اكان الاتراك في عهد المعتصم والمتوكل او البويهيين والسلاجقه والاكراد والمغول والجلائريين والقوقاز والشركس والمماليك والداغستان وحتى الشيشان , وبالتالي فان اسطورة النسب العربي الرفيع ستكون محل شك وتساؤل خاصة اذا عرفنا ان بعض هذه الفئات قد استقرت قرون طويله في تلك المدن والمناطق وتحولوا الى عراقيين اصلاء وعرب نجباء . ولحسن الحظ فان تلك الفئات الاجنبيه لم تستطع الانزياح والانسياب الى المنطقه الجنوبيه (عراق العرب)لاسباب جغرافيه وسياسيه واجتماعيه ومذهبيه . فالسبب الجغرافي يكمن في طبيعة المنطقه الجنوبيه التي تتميز بوفرة المسطحات المائيه ولاسيما الاهوار المنتشره انذاك بصوره كبيره جدا , مما يجعل السكن فيها والاستقرار عند الوافدين الغرباء هو من الصعوبه بمكان . والسبب السياسي هو ان اغلب سكان المنطقه الجنوبيه هم معارضون مزمنون للسلطات الحاكمه وبالتالي فانهم لايحبذون وجود اتباع تلك السلطه ومواليها في مناطقهم .والسبب الاجتماعي يتمثل بان اهالي المنطقه الجنوبيه يعانون من فوبيا الغرباء ورهاب الاجانب وهم لايحبذون على الاطلاق وجود او سكن الغرباء بين اظهرانيهم وتعدهم على الدوام في منزله اقل منهم ولاسيما اذا كانوا من العنصر التركي. , فيما يعد السبب المذهبي من اهم تلك الاسباب في امتناع تلك الفئات الاجنبيه من الانزياح والهجره الى منطقه الجنوبيه في العراق والذي يتمثل بالخوف من تحول افرادها وتاثير اتباعها بالمذهب الشيعي الذي يتميز بقابليه هائله على التبشير والانتشار في هذه المنطقه والتاثير بالافراد والعشائر التي تقطن في السهل الرسوبي .
وبالطبع لم يبالي او يهتم عبد الرزاق الحصان و ساطع الحصري وخلفه عبد العزيز الدوري وخير الدين طلفاح بهذه الجاليات الاجنبيه واين استقرت في العراق السياسي الحديث؟ وكيف انتهى بها المطاف ان اصبحت سادة البلاد ؟ وماهى المفاهيم الثقافات الغريبه التي نشرتها في المجتمع العراقي ؟ وكيف ساهمت في عملية التراجع الحضاري والفكري في العراق ؟ ان جميع هذه الاسئله المشروعه وغيرها لم تخطر على بال الحصري والدوري والحصان وغيرهم من اصحاب المشروع الطائفي ـــــ العثماني في العراق ,لانهم في الواقع مشغولين بالنظر والتمحيص في سجلات بعض المعلمين من ذوي الاصول الايرانيه في المدارس او بتاريخ بعض العوائل من الاصول البحرانيه والباكستانيه والايرانيه والبنانيه التي قدمت للنجف وكربلاء للدراسه في الحوزات العلميه او لمجاورة المراقد المقدسه , واعتبروا هذه الجاليات والعوائل التي لاتقارن بهجره واحده من هجرات المماليك والقوقاز و (الكوليه مند ) والاتراك هى الخطر الوحيد والحقيقي لعروبة العراق وتاريخه , فيما ان تلك الاجناس والقوميات والفئات التركيه لاتشكل اي خطر على المجتمع العراقي او وحدته وحضارته لانها الامتداد الحقيقي للنسق العثماني –الطائفي , وبالتالي لايجب اعتبارهم اعاجم او غرباء على البلد , فالخطر في منظورهم العام ياتى دائما من الجنوب ومن استقر في الجنوب .
4- المحور السياسي :
ويعود تبلور هذا المحور الى الارهاصات الاولى لانهيار وتلاشي السلطنه العثمانيه في العراق خلال السنوات الاولى من الحرب العالميه الاولى ,حيث اخذ اتباعها من الانكشاريه في العراق بالبجث عن دولة احرى تعطي( علوفات ) اكثر (وتعني رواتب بالتركيه ) . فكان الانكليز الذين احتلوا العراق بين عامي 1914-1917 الذين عملوا بقوه على الترويج للقوميه العربيه مقابل القوميه التركيه التي كان يتبناها اغلب النخب السياسيه العثمانيه في العراق امثال ساطع الحصري وياسين الهاشمي ومشتاق طالب وعبد المحسن السعدون وناجي شوكت وغيرهم من الذين تحولوا بقدرة قادر من القوميه الطورانيه التركيه الى القوميه العربيه ,الا ان العقليه العثمانيه والانكشاريه لم تختفي, فالمسرح واحد والممثلون متغيرون . حيث ظهرت دعوات صريحه لتقليد ماقام به مصطفى كمال اتاتورك ,ليس حبا واعجابا بما قام به من اصلاح وتحديث , فايران ومصر سبقت اتاتورك بهذا المجال , وانما هو الحنيين للاب الميت واستحضار الانماط والرموز العثمانيه الاصليه الاولى –بلغة يونغ –بين الحين والاخر ومن ثم انسيابها الى العراق الجديد من خلال التمظهر في الادارة والجيش والتعليم .
لقد كان ( اريك فروم ) يؤكد ان النظم القديمه لاتختفي او تتلاشى في التاريخ , وانما تعيد انتاج نفسها في النظم الحديثه , ولكن بانماط وصور مختلفه ومتعدده , ويظهر ذالك جليا في الترويج الذي حصل لفكرة القوميه العربيه في مطلع القرن العشرين اذ ان تبني اولئك السياسيين والمنظرين لهذه الفكره انما حصل عن طريق السلطنه العثمانيه ايضا من خلال النموذج او الفكرة الالمانية التي صاغها الفيلسوف(فيخته)حول القوميه التي تمجد العسكرتاريه والدوله البروسيه والمركزيه والانصهار القسري للقوميات والمكونات ,وليس النمط القومي الفرنسي الذي روج للحريه والعداله والمساواة والتعدديه. والسبب في ذالك ايضا له علاقه بالدوله العثمانيه , ففي نهاية القرن التاسع عشر حصل اختراق كبير ونفوذ متعاظم للدوله الالمانيه في السلطنه العثمانيه على اعتبار انها كانت الدوله الاوربيه الوحيده التي ليس لها اطماع محدده او رغبه بالاستيلاء على املاك (الرجل المريض) في البلقان او في غيرها , والذي عرف تاريخيا بالمساله الشرقيه .ومن اجل ذلك سمحت لها السلطنه العثمانيه بالنفوذ السياسي والاقتصادي والعسكري والعلمي في اراضيها حتى وصل الحال ان تبنت النخب التركيه المتعلمه الانماط الالمانيه في المجالات الثقافيه , ومن ضمنها المفهوم الالماني في القوميه الذي يقوم على اعتبار اللغه ( اس الاساس ) في بلورة الهويه القوميه , و تعظيم دور الدوله واسطرته من خلال تبني وصف هيغل لها (الدوله : اله يمشي على الارض ) وقد استعار هذا المنهج والراي منظر تركيا الحديثه (ضياغوك اب) الذي رغم اصوله الكرديه من ديار بكر ,الا اعتمد اللغه التركيه كعامل اساسي ورئيسي في قيام وعلان وبلورة القوميه التركيه , ولاحاجه الى القول ان هذه الرؤيه نفسها اقتبسها المنظر القومي ساطع الحصري عقب تحوله من العثمانيه الى القوميه العربيه وتابعه في ذالك زكي الارسوزي وميشيل عفلق دون الاهتمام او التركيز على قضايا الحريات والديمقراطيه والعداله التي نادت او طالبت بها القوميات الاخرى في اوربا , ومن اجل ذلك وصف كارل ماركس القوميه الالمانيه بانها (توسعيه وعدوانيه ) ووقف موقفا مناوئا من القوميه البرجوازيه بالقياس الى ماوصفها بالقوميه الطبيعيه التي عرفها بانها التواصل الذي يحدد الفروق بين الامم . بل ان الباحث (اسحق النقاش ) في كتابه (شيعة العراق) يذهب ابعد من ذلك عندما ارجع سبب تبني الطبقه السياسيه في العراق للنمط الالماني –العثماني في القوميه , القائم على التغريب والاقصاء والطائفيه ,انما يرجع الى احساسهم بالوحشه و الغربه عن المجتمع العراقي, فالاصول الاجنبيه التي ينحدرون منها جعلتهم في موقف الضد من التوجهات السياسيه والثقافيه لاغلبية المجتمع العراقي ان لم يكن الاحتقار والحقد والاستعلاء . وهو السبب الكامن الذي جعلهم يرفضون الافكار التي طرحها الشيخ المصلح والاديب المعروف علي الشرقي في العشرينات (او في العقد الاول من تاسيس الدوله العراقيه)حول القوميه العربيه التي تستند الى الهويه الوطنيه والخصال القبليه والدور التاريخي الذي تمثله في الحفاظ على الروح الحقيقيه للعروبه في البلاد .واضاف النقاش (ان السياسيين السنه في العراق ادعوا انهم يحكمون بالعروبه ,الا انهم يفتقدون الى اية اواصر بالاسر العراقيه المنحدره من القبائل العربيه في الجنوب , ولايشاركون الشعب العراقي في حياته و اهدافه وتطلعاته , واسبغوا على العروبه معنى جديد وغريب لايعتمد النسب والانتماء للقبائل الاصيله في العراق ,لانهم في الاصل ليسوا عرب ...)
وبهذا المعنى قال الدكتور علي الوردي في كتابه (خوارق اللاشعور)حول الاصول الانكشاريه للقوميه العربيه والنخب السياسيه (عندما تشكلت الدوله العراقيه الحديثه اخيرا , واخذ مجد (عدنان وقحطان ونزار ) يحل محل (حكمت ومدحت وحشمت) تراجع الافنديه واسقط في ايديهم , ذلك ان لغة سيبويه ونفطويه شرعت تاخذ مكان تلك اللغه التركيه الفخمه الهداره ...) وقال معقبا حول هذا المعنى (لاريب ان شر ماتبتلي به امه من الامم ان يكون لها ضميران ..ضمير لحاكمها وضمير لافراد شعبها ).
خلاصة ماسبق نقول : ان المجتمع العراقي يتعرض الى انقسام بنيوي خطير يتجاوز الانقسامات الفطريه الاعتياديه السائده في المجتمعات التقليديه الى انقسامات طائفيه واقصائيه لامثيل لها قد تصل الى درجة التخوين والالغاء وحتى التكفير .وقد تبلورت حالة الاقصاء والتهميش من قبل تلك السلطات الانكشاريه التي استندت على الاقليه السنيه كحاضنه اجتماعيه لها ابتدءا من السلطنه العثمانيه الى نظام العهد الملكي حتى اضحت نسقا مكتمل الملامح والفاعليه والتوجهات بعد انقلاب شباط عام 1963 عندما اصبح يطرح على الملا وفي الاعلام الرسمي مفردات تنال من الاغلبيه الشيعيه في العراق كالشعوبيه والشروكيه والاعاجم والصفويين وووووو وهو مااسترعى وجود عمليات مقاومه ونقد لهذه التوجهات الاقصائيه و الانساق السلطويه والقاعده او الحاضنه الاجتماعيه التي تستند عليها , فاستحضرت بعض النخب الشيعيه التي تجاوزت سلطة الاب الميت والخصاء والدونيه (المتخيل) العثماني في الانساق السنيه الحاكمه والفاعله في العراق والعالم العربي . فاطلقت عليهم مفردات تربط الاصل والنسب والثقافه والتاريخ العثماني والتركي مع تلك الانساق والتوجهات كالشركس والمماليك والدونمه والانكشاريه والكوليه مند والقوقاز والداغستان وغيرها .
وهكذا تبلور في العراق ديالكتيك الشروكيه والانكشاريه , او جدل السكان الاصليين في الجنوب والنازحين من هضاب المراعي الغربيه والشماليه , فالاغلبيه الشيعيه في العراق في متخيل الاقليه السنيه هم من تنطبق عليهم صفة الشروكيه بما تحمله من معاني الازدراء والتخلف والبدائيه , فيما ان الاقليه السنيه في العراق السياسي الحديث في المتخيل الشيعي هم بقايا الانكشاريه العثمانيه بما تحمله المفرده من معاني الاحتلال والشذوذ والعسكرتاريه . وهذا الجدل لاينتهي مادام مفهوم التناقض والتنازع والتغالب هو السائد عند العقليه الانكشاريه للاقليه السنيه في العراق التي تحمل في بنيتها انماطا من الصور المشوهه لثقافة الاستئثار والاستعلاء والاستبداد , وان الرغبه بالعيش في دوله واحده – وان كانت اصطناعيه – لايكون او يتم الا من خلال ازالة هذا الديالكتيك او الجدل نهائيا من نظامهم المعرفي وبلورة مفهوم التعايش السلمي والمشاركه السياسيه في الادارة والحكم بحسب التمثيل النسبي للمكونات الاجتماعيه والسياسيه للعراق الجديد .
ان الغاء وتلاشي هذه المفاهيم والمفردات الاقصائيه التي عملت على تفكيك اواصر وتماسك المجتمع وزعزعة وحدته وانسجامه لايحتاج الى زمن او وقت طويل من الممارسه الديمقراطيه والتحديث والعلمنه فحسب , وانما يحتاج الى فعل ثقافي حقيقي للانتلجنسيا العراقيه يعتمد او يتبنى بعلميه وجراه وموضوعيه نقد المسلمات الضمنيه التي تتحكم بالانتاج الفكري للاقليه السنيه في العراق وتفكيك المنظومات الدينيه والاجتماعيه والمنظورات الفكريه والسياسيه التي جعلتها السلطات العثمانيه والقوميه والطائفيه السالفه في موضع التميز والاستعلاء والاستكبار على ابناء البلد الاصليين , ورفض فكرة او مفهوم التعايش مع الاخر ولاسيما المشاركه في الاداره و الحكم . فالعقل السياسي السني هو نتاج قرون طويله من التماهي مع الحكومات والسلطات والعثمانيه والانكشاريه افرز بالتالي نمطا او نسقا من الاستئثار والاستبداد , وبما ان كل نسقا من الانساق الفاعله لايستطيع التلاشي او الانهيار الا بوجود نسقا اخر مغاير له في التوجه واكثر فاعليه في الحضور–كما اثبت ذلك ميشيل فوكو –فان ذلك النسق يحتاج الى النقد والدراسه والتفكيك في سبيل ازالته او اضعافه على الاقل او تلاشيه على المدى الطويل تمهيدا لهيمنة النسق الحضاري والعقلاني القائم على التعايش وقبول الاخر المختلف في الهويه والثقافه . والا فان الخيارات الاخرى واهمها التقسيم والعوده الى الاصول الاولى ستكون حلا ناجحا لعقود طويله من التشظي والاستلاب والاستكبار , وان كانت الحلول الاخرى كالفدراليه او اللامركزيه الاداريه مقدمه ايجابيه او خطوة لتجربة مفهوم التعايش والمشاركه السياسيه , وان ثبت فشلها وعدم نجاحها في ازالة تلك العقليه المتخلفه , فانها ستكون تجربه ومرحله لاباس بها ( لتقصير الآلآم الولاده لمرحله جديده ) (بحسب تعبير ماركس ) من التقسيم والانفصال .



#سلمان_رشيد_محمد_الهلالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المجتمع العراقي بين الشروكيه والانكشاريه (القسم الثالث)
- المجتمع العراقي بين الشروكيه والانكشاريه (القسم الثاني)
- المجتمع العراقي بين الشروكيه والانكشاريه (القسم الاول)
- ( سنة العراق ) من فقه الطاعه الى فقه العصيان (القسم الرابع )
- ( سنة العراق ) من فقه الطاعه الى فقه العصيان (القسم الثالث )
- ( سنة العراق ) من فقه الطاعه الى فقه العصيان ( القسم الثاني ...
- (سنة العراق ) من فقه الطاعه الى فقه العصيان ( القسم الاول )
- المثقفون العراقيون ....... والطائفيه (التابو الاخير)(القسم ا ...
- المثقفون العراقيون ....... والطائفيه (التابو الاخير)
- حفريات في الاستبداد (قراءة في كتاب سبق الربيع العربي)
- هل كان علي الوردي برغماتيا ؟


المزيد.....




- بالأرقام.. حصة كل دولة بحزمة المساعدات الأمريكية لإسرائيل وأ ...
- مصر تستعيد رأس تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني
- شابة تصادف -وحيد قرن البحر- شديد الندرة في المالديف
- -عقبة أمام حل الدولتين-.. بيلوسي تدعو نتنياهو للاستقالة
- من يقف وراء الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل في الجامعات الأمريك ...
- فلسطينيون يستهدفون قوات إسرائيلية في نابلس وقلقيلية ومستوطنو ...
- نتيجة صواريخ -حزب الله-.. انقطاع التيار الكهربائي عن مستوطنت ...
- ماهي منظومة -إس – 500- التي أعلن وزير الدفاع الروسي عن دخوله ...
- مستشار أمريكي سابق: المساعدة الجديدة من واشنطن ستطيل أمد إرا ...
- حزب الله: -استهدفنا مستوطنة -شوميرا- بعشرات صواريخ ‌‏الكاتيو ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سلمان رشيد محمد الهلالي - المجتمع العراقي بين الشروكيه والانكشاريه (القسم الرابع والاخير)