أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي المنصوري - ألتناقض بين بولس و المسيح - 1 -















المزيد.....



ألتناقض بين بولس و المسيح - 1 -


سامي المنصوري

الحوار المتمدن-العدد: 4343 - 2014 / 1 / 23 - 21:40
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ألتناقض بين بولس و المسيح - 1 -


هذه المقالات ليس من تأليفي وانما مقتضبات واقتباسات و ملخصات واستنتاجات من بطون الكتب والمقالات والنشرات والابحاث من مصادرها كيفما وردت لكتاب وباحثين أجانب ومستشرقين وعرب منهم المسلم او المسيحي او لا ديني والعلماني وغيرهم بهذه الصوره جمع مقال عام شامل بصوره حياديه ومعتدله لتوضح التاريخ الديني والجغرافي – اذا كنت ديني عقائدي لا تقرأ المقال لانه عكس هواك


عرض كتاب الخديعة الكبرى
تأليف د. روبرت كيل تسلر

قالوا عن هذا الكتاب :

1- " فرغت تواً من قراءة كتابكم " عيسى أم بولس " ، وقد سررت به كثيراً ، فهو يناقش نقاطاً جوهرية كانت تشغلنى منذ وقت بعيد ، منها : 1- تأثير مذهب الغنوصية على أفكار بولس المتعلقة بمبدأ العداء الجنسى. 2- نظرية الفداء ونتائجها الوحشية المؤثرة على تخيلنا لطبيعة الله وقسوة الإنسان فى كتمانها. وإنى لأشكركم على إهدائكم إياى كتابكم هذا ".

الدكتورة أوتا رناكه هاينيمان Uta Ranke- Henemann أستاذة اللاهوت بإسن

2- " أجد أن هذا الكتيب ( المخدوع الأكبر على مر الزمان : Der gr??te Betrogene aller Zeit رائع وموضوعى فى كل جوانبه "
المؤلف الموسيقى فيلى هيس Willy Hess من مدينة فينترتور Winterthur [بسويسرا]

3- "أجد عنوانكم مطبوعاً على كتيبكم هذا (المخدوع الأكبر على مر الزمان) ، وقد قرأته فى هذه الأيام باهتمام لامثيل له . وإنه ليحزننى أن يتأكد لى دائماً أن ديننا اليوم به الكثير من اللوثات السفسطائية . ويبدو أنه لابد أن يبلغ المرء (45) عاما حتى يؤكد له أحد رجال الدين بشكل واقعى تماماً ما كنا نفكر فيه لأعوام من نقد يوجه للكنيسة واللاهوت المعاصر. وعلى كل حال لكم منى جزيل الشكر على حريتى التى حصلت عليها بقراءتى لكتابكم هذا الذى يسعدنى أن أضمه لمكتبتى أو أنشره بين الناس"
السيدة : راجنهيلد هـ . Ragnhild H. من ألمانيا الإتحادية

4- " وعلى أكثر الإحتمالات فإن موضوع بولس هذا سوف يدفعنا لإعلان الحقيقة المأساوية وهى أن المسيحية التى قامت كل هذه القرون وبقيت حتى يومنا هذا قد فشلت فى كل المجالات".
السيدة فيرا ج هاينريش Vera G. Heinrich فيينا

5- [ويقول المؤلف نفسه على ظهر غلاف كتابه تحت عنوان " تكاد لاتصدق!] منذ (2000) عاماً يؤمن المسيحيون أن دينهم هذا هو دين عيسى وفى الحقيقة فهو دين آخر تماماً : دين بولس الذى لم يتخل أبداً عن عدوانه لعيسى وهذا مايقر به أيضاً العديد من رجال اللاهوت المسيحى ذات الصيت الذائع (أنظر صفحة 33 من الكتاب) . وسوف يُناقش هذا فى كتابنا الذى أمامكم ( والذى حقق أكبر مبيعات بين كتبنا ) بصورة مختصرة وشاملة.

د. روبرت كيل تسلر Robert Kehl. Zeller

ولد د. روبرت كيل تسلر عام 1914عمل كموظف بوزارة العدل، ثم قاضياً ثم مدرساً بجامعة زيوريخ للقانون المدنى، ويعمل الأن كمحام وباحث فى الدين والأخلاق والجنسية وهو هنا يهدى كتابه لدكتور القانون بيتر هوبر Peter Huber مشوباً بكل مشاعر الود والإحترام.

المخدوع الأكبر على مر الزمان ؟

عندما نتكلم عن الخداع بمفهوم فشل منزه عن الغرض ، أى بمفهوم التحول ، فنكون بذلك قد أخطأنا ر كوب القطار الصحيح، أو شعرنا [على الأقل] بضياع جزء من حياتنا كنا نقضيه منخدعين، حيث نكون قد أخطأنا استثمار وقتنا وجهدنا.
ومن هذا المنطلق فليس هناك مخادع لكل مخدوع.
وعلى النقيض من بعض أصحاب الأقلام الذين يتبنون الرأى القائل إن بولس حرف المسيحية عن عمد ليتمكن من تدميرها . حيث لم يمكن القضاء عليها بصورة أخرى ، فنحن نتقبل مبدئياً كون بولس حسن النية.
فقد كان عيسى كثير الرثاء على تلاميذه الذين رباهم وعلمهم بنفسه ، فقد كان يرميهم بعدم فهمهم أياه ، وبالطبع فالإنسان الذى لم يتمتع بمثل هذه التربية ، يمكن أن يسئ فهم عيسى بصورة أكبر . فما بالنا لو كان هذا عدوه ، ونعنى به هنا بولس

الفصل الأول
تناقضات لايمكن تجاهلها بين أقوال يسوع عليه السلام وتعاليم بولس

من البديهى أن من يدعى أنه من أتباع مؤسس ديانة ما أو من حوارييه فلابد له أن ينهج نهج معلمه ، وأن يتبنى تعاليمه وكلماته دائماً. ولهذا فمن غير المجدى أن نبحث فى رسائل بولس . التى أصبحت بجد القاعدة الأولى لبناء ما يطلق عليه الدين المسيحى- عن كلمات وتعاليم يسوع التى يمكن أن ترتبط بتعاليم بولس التى تمخضها خياله الخاص.
إلا أن بولس قد قام بالنقيض تماماً ، فقد نادى بتعاليم إنجيل آخر يختلف عن إنجيل عيسى اختلافاً جذرياً . فهناك جزء كبير مما كتبه بولس يناقض فكر عيسى أو رسالته أو تعاليمه بصورة لايمكن أن نجد معها مخرجاً، وهى تتعلق غالبا بمبادئ العقيدة .
أ- أما ما يتعلق بمخالفة فكر عيسى [عليه السلام] نحو :
1) - التعصب الذى يشوب مواقف بولس. فعلى سبيل المثال ماذكره بولس فى رسالته إلى غلاطية (1: 8-9 ) [ وفيها يقول : ولكن إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم فليكن أناثيماُ (أى ملعونا)] ، ورسالته الأولى إلى أهل كورنثوس (16: 22) [والتى يقول فيها : إن كان أحد لايحب الرب يسوع فليكن أناثيماً].
فهذه أقوال لايمكن أن نتخيل أن تصدر من عيسى أو نجد لها مشابه فى تصرفاته ، إلا أن الكنيسة قد أتخذته مبدءاً أساسياً تمسكت به فيما بعد .
وفى الفقرة الأولى المذكورة أعلاه يقول بولس : " وإن كان أحد يبشركم بغير ما قبلتم (بمعنى منى) فليكن (أناثيما) ملعوناً ! " وهو نفس النهج الذى يتبعه أصحاب المذهب الأرثوذكسى. وكذلك خرجت جملة "تجنب المبتدع" من المطبخ البولسى [ وهى تقول: "الرجل المبتدع بعد الإنذار مرة ومرتين أعرض عنه"] ( نبطس 3: 10).
ترى كيف أرشد عيسى ? تلاميذه عندما اتخذوا ذات مرة نفس هذا الموقف (لوقا 9: 55)! [ فالتفت وانتهرهما وقال : لستما تعلمان من أى روح أنتما، لأن ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس بل ليخلص"] (9 : 55 -56 ) .
ألم يقل فى مثل هذه المناسبة أنه ينبغى على المرء ألا يقلع الحشائش الضارة حتى لاينزع معها القمح أيضاً ؟ [ "فقال.. لئلا تقلعوا الحنطة مع الزوان وأنتم تجمعونه. دعوهما ينميان معا إلى الحصاد. وفى وقت الحصاد أقول للحصادين : اجمعوا أولاً الزوان وأحزموه ليحرق . أما الحنطة فأجمعوها إلى مخزنى"] (متى 13 : 29- 30)]
فقد كان بولس أساساً من النوع المتعصب لملته والمضطهد لمخالفيه فى العقيدة وقد كان قبل حادثة دمشق (أعمال الرسل الإصحاح التاسع) أحد كبار أعضاء محكمة التفتيش، وأحد الذين جمعوا أكوام الحطب للملحدين. واقرأ عن ذلك فى أعمال الرسل [وحدث فى ذلك اليوم اضطهاد عظيم على الكنيسة التى فى أورشليم "..أما شاول [غير اسمه فيما بعد إلى بولس] فكان يسطو على الكنائس وهو يدخل البيوت ويجر رجالاً ونساءً ويسلمهم إلى السجن " (8 : 1،3) و" أما شاول فكان لم يزل ينفث تهدداً وقتلاً على تلاميذ الرب" (1:9)].
ولنا أنت نتخيل أن أنساناً له مثل هذه الأوصاف هو مؤسس "المسيحية" التى نعتنقها اليوم، فهو لم يستطع أن يفقد مثل تلك الملامح التى أصبحت أساس الإضطهاد "المسيحى" للمارقين حتى يومنا هذا .
ب) يضاف إلى ذلك أيضاً تعليقات بولس المزرية تجاه الحواريين الآخرين، وجريرتهم فى ذلك أن آراءهم العقائدية تخالف تلك التى تبناها بولس. وقارن فى ذلك على سبيل المثال: كورنثوس الثانية (5:11) وأيضاً (12: 11) [وفيها يقول: " قد صرت غبياً وأنا أفتخر. أنتم ألزمتمونى لأنه كان ينبغى أن أمدح منكم إذ لم أنقص شيئاً عن فائقى الرسل وإن كنت لست شيئاً"] بل بلغ الأمر أن وصف أعداءه بأنهم كلاب [فقال: انظروا الكلاب انظروا فعلة الشر، انظروا القطع" كما قال عن أم البشرية وزوجة النبى آدم أبى البشرية إنها: "الحية حواء" (كورنثوس الثانية 11 :3)]
3- كذلك جاء ماكتبه فى اعتقاد صحة إيمانه ، حيث قام بإلغاء الكثير من العقائد الصحيحة والتى التزم بها عيسى ? من قبله، مثل التفريق بين المؤمنين والكافرين .
فقد كان عيسى ] يفرق بين الناس ذات النوايا الطيبة وأخرين لهم قلوب شريرة بطريقة مختلفة تماماً.
ولم يكن الإهتمام الكبير بمسائل الإيمان وعلى الأخص الإيمان الصحيح (الأرثوذكسية) فى العالم الذى كان يعيش فيه عيسى ] شيئاً جديداً فحسب ، بل كان أيضاً شيئاً غير مفهوم بالمرة.
ولم يتخيل إنسان ذلك العصر- عصر الأمبراطورية الرومانية- لمدة طويلة أنه يمكن لإنسان ما أن ينظر إلى الإيمان نظرة جادة على أنه تعاليم عقائدية ، بل كان يرى فيه نجاته .
فلم تكن الأديان القديمة أديان عقائدية، بل لم تمثل العقائد عندهم إلا شيئاً ثانوياً، أسلموها راغبين للفلسفة التى لاتنفك عن تشعب الأراء واختلافها مع بعضها البعض، وأصبحت فيما بعد مذهب، بل لم يتعد معنى هذه الكلمة أكثر من "رأى"، ولم يصبح عقيدة، ملزمة إلا بأيدى القياصرة المسيحيين الذين أجبروا الإمبراطورية كلها على اعتناقها رسمياً بإصدار قانون بذلك يلزم الرعية بإعتناقها كدين.
وأدت كلمات "رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة " (أفسس 4: 4-5) إلى آثار سيئة كما قضى على كل محاولة للجمع بين مذهبين أو أكثر بالفشل فى مهدها (أنظر تكملة ذلك أيضاً فى صفحة 60 )

ب) والأهم من ذلك هو جنوحه الشديد عن تعاليم عيسى [عليه السلام] ، وعلى الأخص المتعلقة ببعض أسس هذه الديانة نذكر منها :
1- تعاليم بولس التى تنص على أن كل إنسان منذ ولادته فاسد وسئ ، ولا يمكن أن يأتى شيئاً حسناً بسبب قدرته الأخلاقية . وهى تعاليم لا تمت لعيسى ] بصلة عند أكثر العقلاء تفاءلاً . إلا أن بولس يرى كل إنسان حديث الولادة شيطان صغير [ ارجع إلى (متى 19: 13-15) عندما " قدم إليه أولاد لكى يضع يديه عليهم ويصلى فانتهرهم التلاميذ. أما يسوع فقال دعوا الأولاد يأتون إلى ولاتمنعوهم ، لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات ، فوضع يديه عليهم ومضى من هناك "]
2- كذلك لانجد فى تعاليم عيسى ] أية أثر للقدرية والجبرية ، تلك التعاليم الفظيعة التى تبناها بولس -أنظر ( رومية 8: 29 ؛ 9 : 11-13 ؛9 :18 ؛9 :22 ) - والتى تقول: " لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم لكيونوا مشابهين صورة ابنه .... " (رومية 8: 29) ، لأنه وهما لم يولدا بعد ولافعلا خيراً أو شراً لكى يثبت قصد الله حسب الإختيار ليس من الأعمال بل من الذى يدعو. قيل لها إن الكبير يُستعبد للصغير- كما هو مكتوب أحببت يعقوب وأبغضت عيسو. فماذا نقول . ألعل عند الله ظلما. حاشا لأنه يقول لموسى إنى أرحم من أرحم وأتراءف على من أتراءف. فإذاً ليس لمن يشاء ولا لمن يسعى بل لله الذى يرحم لأنه يقول الكتاب لفرعون: إنى لهذا بعينه أقمتك لكى أظهر فيك قوتى ولكى ينادى بإسمى فى كل الأرض فإذاً هو يرحم من يشاء ويُقَسِّى من يشاء" (رومية 9: 1-18).
3- ومن الجدير بالذكر أن بولس لم يتفوه بكلمة عن رسالة عيسى بشأن ملكوت الله ، تلك التى تمثل المركز الأساسى الذى كانت تدور حوله دعوته .
4- كذلك إن آراء بولس عن الجسد والجنس والزواج والمرأة لم يعرفها عيسى مطلقاً، هذا على الرغم من أن هذه النظرية لم تؤثر فى العقيدة إلا قليلاً ، إلا أنها أصبحت فيما بعد من أساسيات المسيحية .
أ- ومنها الوضع المتحفظ للمرأة الذى أسسه بولس، هذا إذا تجاهلنا العهد القديم. وكذلك الإفراط الذى لايمكن تصديقه لجرائم الزنا (سواء كان هذا حقيقى أم وهمى) (ارجع إلى كورنثوس الأولى 6 :18؛ 7 :1، 2 ["ويقول فيها: "فحسن للرجل أن لا يمس امرأة، ولكن لسبب الزنا ليكن لكل واحد امرأته، وليكن لكل واحدة رجلها"] و 7 : 38 [ويقول فيها "إذا من زوج فحسنا يفعل ومن لايزوج يفعل أحسن . المرأة ، مرتبطة بالناموس ما دام رجلها حياً . ولكن إن مات رجلها فهى حرة لكى تتزوج بمن تريد فى الرب فقط . ولكنها أكثر غبطة إن لبثت هكذا حسب رأيى. وأظن أنى أنا أيضاً عندى روح الله "غلاطية 5 :17؛ أفسس3:5،5 ؛ كولوسى 3: 3، 5-6]
ب - كذلك يعد حرمان التأريخ من النور الذى دام ألفين من السنين أحد أعمال بولس الرئيسية، التى أرهقت البشرية ، والتى تحتاج الكثير من البذل والعطاء لكى تصحح . وأنا أشير هنا فقط - عوضا عن نصوص أخرى كثيرة - إلى نص بولس الذى يمثل الأساس الذى بنى عليه نظرية "الأخلاق الآسنة القائلة": "فحسن للرجل أن لايمس امرأة " (كورنثوس الأولى 7: 1) وللتعمق فى هذا الموضوع ننصح بقراءة كتاب " الجنس والشعور الخاطئ بالذنب " Sexus und falsche Schuldgefühle
كذلك لايرجع ما يطلق عليه الحياء الكاذب إلا إلى بولس وحده ، حيث قال إن عورات الإنسان لشئ " مشين" وهو مانزال نلاحظه منذ عدة قرون إلى يومنا هذا، وهو ما ذكره بولس فى (كورنثوس الأولى 12 : 23) كذلك أكد بولس أن الشهوة الجنسية " إثم " وهو ما أصبح أحد أسس الأخلاق الجنسية لمدة (2000) عاماً (كولوسى 3: 5) [وفيها يقول: " فأميتوا أعضاءكم التى على الأرض: الزنا ، النجاسة ، الهوى ، الشهوة المردية ،الطمع الذى هو عبادة الأوثان " ]
ج- كذلك جاءت أخلاق الزواج عنده بشكل مشابه، وهو ما ارتكن إليه لوثر من بعد، وأشير هنا إلى نص المذكور فى (كورنثوس الأولى 7: 9) [ والذى يقول : "ولكن أقول لغير المتزوجين والأرامل أنه حسن لهم إذا لبثوا كما أنا ولكن إن لم يضبطوا أنفسهم فليتزوجوا . لأن التزوج أصلح من التحرق " ] أى أن الزواج عنده شر لابد منه حتى" لاتعانى من جماح الشهوة ".
ومع أن هذا أمر ( شديد السوء!) إلا أنه موقفه من الزواج. الأمر الذى لايمكن أن نصفه إلا بأنه أكثر من مؤلم .
كذلك فإن حق الزوجية يعتمد فى المسيحية أساساً على قول بولس فى ( كورنثوس الأولى 7: 3 وما بعدها ) ويقبله قانون الكنيسة الكاثوليكية بصورة أساسية (C an.III)، فقد مرت أوقات كانت تجبر فيها المرأة بسبب حكمة بولس هذه أن تسلم نفسها لزوجها حتى لو كان يعانى من الطاعون ! ويجب على كل إنسان أن يفهم أنه لو حكم عيسى ] فى هذه القضية لاختلف حكمه تماماً.
د - ولم يقل عيسى ] مطلقا إن المرآة تحصل على الخلاص عن طريق الإنجاب. إلا أن هذا ما أقره بولس فى (تيموثاوس الأولى 2: 15) [حيث يقول فيها "ولكنها ستخلص بولادة إن تُبن فى الإيمان والمحبة والقداسة مع التعقل" ].
كذلك لم يقل عيسى ] إن المرأة تختلف عن الرجل، فيجب أن تغطى وجهها فى الكنيسة (كورنثوس الأولى 11 : 5) [وفيما يقول: "وأما كل إمرأة تصلى أو تتنبأ ورأسها غير مغطى فتشين رأسها، لأنها والمحلوقة شئ واحد بعينه"] أو يجب عليها أن تخشى الرجل (أفسس 5 : 33) [وفيما يقول: "..... وأما المرأة فلتحب [أى تخاف] رجلها"].
لم يستطع بولس أن يؤكد على نقص المرأة وواجبها فى أن تخضع للرجل كسيد لها، كما تخضع لله بصورة أكثر من قوله [ "أيها النساء اخضعن لرجالكم كماللرب لأن الرجل هو رأس المرأة "] (أنظر على سبيل المثال أفسس 5 : 22 ).
فتبعا لرأيه قد خلقت المرأة من أجل الرجل فقط (كورنثوس الأولى 11 : 9). ولإظهار مجده ["ولأن الرجل لم يخلق من أجل المرأة، بل المرأة من أجل الرجل "] بينما خلق الرجل كصورة الله ومجده (كورنثوس الأولى 11 : 7) [ "فإن الرجل لاينبغى أن يغطى رلأسه لكونه صورة الله ومجده ، وأما المرأة فهى مجد الرجل " ].
كذلك يجب على المرأة داخل الكنيسة ألا تتكلم , ولو كانت تعلم شيئاً بل عليها ألا تسأل زوجها إلا فى المنزل (كورنثوس الأولى 14: 34-35) ["لتصمت نساؤكم فى الكنائس لأنه ليس مأذونا لهن أن يتكلمن، بل يخضعن كما يقول الناموس أيضاً. ولكن إن كن يردن أن يتعلمن شيئاً فليسألن رجالهن فى البيت، لأنه قبيح بالنساء أن تتكلم فى الكنيسة"]
ومازالت بعض الطوائف تفرض على المرأة لليوم أن ترتدى قبعة أثناء القداس .
ولكى نسوق مثالاً آخراً لكلامه عن المرأة، نقول : من يمكنه فى العالم أجمع أن يصدق أن عيسى قد حرّم على النساء قصّ شعورهن ؟
5- أما سلبية بولس بشأن الجنس فهى ليست إلا ظاهرة لموقفه الخاطئ تجاه الطبيعة والحياة الدنيا.
أ- فعناصر هذا العالم وهذه الطبيعة عنده خربة تماماً، فهى ضد الله، وضد المسيحية وتحيطها اللعنة (قارن مثلاً : كولوس 2 : 8)
ويرتبط هذا عنده على الأخص "بالإنسان الطبيعى" الذى لا يمكنه على سبيل المثال أن يعرف شيئاً حقيقياً مطلقاً (كورنثوس الأولى 2 : 14) [ويقول فيها: "ولكن الإنسان الطبيعى لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة. ولا يقدر أن يعرفه لأنه إنما يحكم منه روحياً"].
فلم يكن من الممكن أن ينشأ تخيل سليم للبيئة الطبيعية، مما حدا بذلك إلى التدمير الخطير للأحوال البيئية الذى نراه اليوم، وكان من الممكن ألا يحدث هذا لو اتخذ الإنسان موقفا آخراً من الطبيعة فى الغرب الذى إنبعث منه هذا التدمير.
جـ - كذلك رفض بولس " حكمة هذا العالم " والفلسفة أيضاً? رفضاً تاماً. ونحن نعرف بالتأكيد النتائج المهلكة التى أدت إلى إحتكار حكمة العالم.
وقد أعطى لنا ليبانوس Libanus فى " السيرة الذاتية " Autobiographische Schriften لدار النشر أرتيمس إصدار عام 1967 صفحات 132، 135، 139). وأيضاً بروكوبيوس Prokopius صورة قاتمة لهذة الأوضاع التى قامت بعد تولى المسيحين السلطة فى كل مناح الحياة، حيث احتقروا حكماء هذا العالم ولم يسمحوا لهم بالتعبير عن آرائهم
د- كذلك رفض بولس التطور الطبيعى للإنسان.
هـ- وكان من أعداء الفنون الجميلة. لذلك وصف ليبانوس المسيحيين بأنهم "أعداء الفن الرفيع". وهذا يعنى أنهم ضد كل أنواع الفنون الجميلة (قارن أيضا المرجع المذكور أعلاه صفحة 188 رقم 81).
وهذا ما نلاحظه فى القرون الأولى للمسيحية حيث ماتت كل حركة فنية جادة.
و- ونلاحظ أيضاً تأثر المسيحيين بأفكار بولس حيث لم يهتموا بحياتهم الدنيا، وكان ينبغى لهم أن يصبحوا كلهم نسّاكا ويزهدوا حياتهم ويحيوا بين السحاب مغنيين أغانى المزامير (أفسس 5 :19؛ وفيلبى 3 : 20).
ز- كذلك لم يهتم بولس بالعلاقات الإجتماعية، إلا أن نبضات حب الإنسان لغيره ترجع إلى أفكار عيسى وتعاليمه.
ح- يضاف إلى ذلك أيضاً مفهومه عن الموت الذى يعده بولس نتيجة حتمية للإثم، مما أدى إلى الخوف من الموت بصورة لم تصورها ديانة أخرى مثل ما صورته المسيحية ولا يأثم فى ذلك إلا بولس وحده، فهو صاحب الفضل الأوحد فى خلق ديانة الخوف التى رزح تحتها المسيحيون ردها من الزمان .
فقد قال بولس : "مخيف هو الوقوع فى يدى الله الحى" ، بينما قال الله عن طريق عيسى "يشرق شمسه على الأشرار والصالحين" منهم (عبرانيين 10 : 31 فى مقابل متى5 : 45).
6- وكذلك كانت لتعاليم بولس عن الدولة نتائج غير حميدة بالمرة (رومية 13 : 1-7). ولابد لكل إنسان أن يعرف ذلك ويعيه عندما يفكر مثلا فى مشوهى معسكرات الإعتقال أو فى الشيلى.
إلا أن عيسى لم يسلك هذا الطريق بالرغم من كل المحاولات الماكرة التى حاولها الفريسيون معه ليوقعوه فى الكفر بالدولة وسلطانها العليا إلا أنه وجد بعبقريته الفذة صيغة سهلة ليعبر بها عن موقفه تجاه ذلك، فقال : "اعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله ". ويكون بذلك قد وجّه ضمائرنا وعقولنا إلى طريق لا نضل بعده أبداً ما سلكناه.
وفى النص المذكور أعلاه يرى بولس أن الإنسان يخضع لسلطة الدولة ومن قاومها فقد قاوم الله . وعلى ذلك لابد أن تكون هذه السلطة خادمة لله وأن تخشاه.
وقد ارتكن الطغاة الغلاظ والحكام الغاشمون على مر القرون إلى هذه الجملة البولسية. وهذا يعنى أنهم ارتكنوا إلى ديانة بولس لكى يتمكنوا من نسب قوتهم إلى "رحمة الله " (ارجع أيضا إلى صفحة 54).
7- ومما يذكر أيضاً أن بولس أقر الرق* ، وقد كان موقفه هذا يعد ردةً للمسيحيين اشتهروا به خلال قرون عديدة حتى العصر الحديث.
8- والجدير بالذكر أن تعاليم الفداء التى تنادى بها هذه المسيحية لا ترجع إلا إلى بولس وحده . فتبعا لآراء هذا الرجل فُهم عمل عيسى على أنه قد جاء ليخلص الناس عن طريق موته ودمه من ذنوبهم وضياعهم ومن سيطرة الشيطان والموت عليهم.
وبذلك يكون عيسى - تبعا لرأى بولس - قد أكمل واجبه فقط على الصليب فى جلجثه، أما حياته وتعالميه فلا قيمة لها بالمرة عند بولس.
وحيث إن تعاليم بولس عن الخلاص هى اليوم ألف المسيحية التقليدية وياؤها، إلا إنها تبدوا بصورة عملية - من وجهة نظر الوثائق السومارية التى جمعت تعاليمه - فى شكل نبذات ألحقت بها نصوص بولس مثل :
أ- تعاليمه عن الخطيئة الأزلية (راجع رومية 5 :19، أفسس 2 :3)
ب- وقد ترتب عليها :
1- إن الإنسان منذ ولادته ابن للغضب، وهذا يعنى أنهم داخلون فى غضب الله : .... "وكنا بالطبيعة أبناء الغضب كالباقين أيضاً" (أفسس 2 :3).
2- كل الناس دون استثناء فى عداد المفقودين (انظر على سبيل المثال رومية 5 :18، كورنثوس الأولى5 :18).
4- أنهم بلا إله (أفسس 2 :12) "أنكم كنتم فى ذلك الوقت بدون مسيح أجنبيين عن رعوية إسرائيل وغرباء عن عهود الموعد لارجاء لكم وبلا إله فى العالم".
5- حلت لعنة الله على البشرية كلها دون استثناء. انظر فى ذلك على سبيل المثال وليس الحصر (رومية 5 :16 وما بعدها) : "وليس كما بواحد قد أخطأ هكذا العطية. لأن الحكم من واحد للدينونة، وأما الهبة فمن جرَى خطايا كثيرة للتبرير. لأنه إن كان بخطية واحد قد ملك الموت بالواحد... فإذاً كما بخطية واحد صار الحكم إلى جميع الناس للدينونة، هكذا ببر الواحد صارت الجنة إلى جميع الناس لتبرير الحياة " ( قارن بعد ذلك رومية8 :1) [وهو يقول فيها: "إذا لا شئ من الدينونة الآن على الذين هم فى المسيح يسوع السالكين حسب الجسد بل حسب الروح ".]
وكذلك أيضاً قوله فى (كولوسى 2: 14): "إذ محا الصك الذى علينا فى الفرائض الذى كان ضدّا لنا وقد رفعه من الوسط مسمراً إياه بالصليب".
6- للشيطان يد عليا على كل الناس دون استثناء نذكر بعض المواضع: رومية 3 :9 [-10 ["كما هو مكتوب أنه ليس بار ولا واحد" ؟ وغلاطية 3 :22؛ وكولوسى 2 :14). ( وهذا يسرى أيضا على مليارات من البشر، حتى من عاشوا قبل عيسى - [ويشمل ذلك بالطبع كل أنبياء الله دون استثناء). ارجع مثلا إلى رومية 3 : 19.*
جـ - ولا يمكن أن يزول غضب الله (الذى يشمل أيضا كل مولود) إلا بموت عيسى ودمه، ولم يغفر الله الخطيئة الأولى - تبعا لقول بولس - إلا بموت عيسى وسفك دمه (انظر كولوسى 1 :22، عبرانيين 9: 22) : "...... وبدون سفك دم لا تحصل مغفرة " (عبرانيين 9: 22).
ولكى يتمكن الله من غفران هذا الذنب (تبعا لخطة أزلية) جعل ابنه من صلبه انساناً ثم نبذه لكى يستغفر للبشرية كلها عن الخطيئة الأزلية بموته ودمه : "لأنه جعل الذى لم يعرف خطيّة خطيّة لأجلنا (!) لنصير نحن برّ الله فيه " (كورنثوس الثانية 5 :21) وأيضا : "المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا لأنه مكتوب : ملعون كل من علق على خشبة " (غلاطية 3: 13).
وقد تمكن الإنسان بهذه الطريقة فقط من محو خطيئة إنسان آخر (أدم). وأشهر الفقرات التى تكلمت فى ذلك - نذكر منها : رومية 3 :24-25، [وهو يقول فيها: "متبررين مجانا بنعمته بالفداء الذى بيسوع المسيح الذى قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار برَّه من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله " .
19- ورومية 3: 30؛ 4: 5 [ " وأما الذى لا يعمل ولكن يؤمن بالذى يبرر الفاجر فإيمانه يحسب له براً " : 5 :9-10 [ "ونحن متبررون الآن بدمه نخلص به من الغضب، لأنه إن كنا ونحن أعداء قد صولحنا من الله بموت ابنه فبالأولى كثيراً ونحن مصالحون نخلص بحياته " ؛ رومية 5 :15؛ 5 :18-19؛ 8 :1، كورنثوس الأولى 1 :30 ؛ 7: 23؛ 15: 17-18، غلاطية 4 :5؛ أفسس 1 :7؛ 2: 16، كولوسى 1 :20؛ 2 : 14، تسالونيكى الأولى1 :10 ؛ 5 :9-10؛ تيموثاوس الأولى 2 :5-6، ثيطس 2 :14؛ عبرانيين 2 :17؛ 5 :9؛ 7 :27؛ 10 :10؛ 10 :14؛ 10 :19؛ 13 :12، وأيضا رومية 4 :25 [ "الذى أسلم من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا " ؛ 5 :6-18.
د- وفى الحقيقة فهو يرى - أن الأعمال الحسنة التى يقوم بها الإنسان وسلوكه الطيب لا يشفعان له للمصالحة مع الله : رومية 3 :24 ؛ 3 :28 [ "إذ نحسب أن الإنسان يتبرر بالإيمان بدون أعمال الناموس" ؛ 9 : 11؛ 9 :16، كورنثوس الأولى 1 :29، غلاطية 2 :16 وأيضا أفسس 2 :8-9 ويقول فيها : " لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم. هو عطية الله ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد ".
لذلك فإن الخلاص ليس إلا عطية، ولا يمكننا أن نفعل حيال ذلك أى شئ (ويطلق عليها : تعاليم بولس عن الرحمة ) انظر رومية 3 :24؛ 4 :16، أفسس 2 :5؛ 2 :8-9، تيموثاوس الثانية 1 :9، ثيطس 3 :5-7 .
هذا وتعلم الكنائس، وعلى الأخص البروتستانتية منها أن خلاص كل البشرية - تبعا لتعاليم بولس - يرجع أولا وقبل كل شئ إلى تضحية عيسى بدمه على الصليب فى جلجثة، وعلى هذا لا يمكن للمرء أن يفعل شيئا حيال ذلك إلا التصديق به شاكراً إياه بشكل عملى، وهو ما يسمى الرجوع إلى العقيدة السليمة، ولا يحتاج المرء أكثر من ذلك ليبلغ هدفه فى الحياة ، حيث إن عيسى قد أنجز كل شئ نيابة عنا.
وبناءً على هذه التعاليم قام الافتراض الوهمى الذى تُخشى عواقبه والذى يتبرر الإنسان فيه تماماً بمجرد قبوله هذه التعاليم ويصبح ابن الله، ويتحول إلى مخلوق جدير. وكل محاولة يجهد فيها الإنسان ذاته ليتصالح مع الله فهى إنكار لفضل عيسى وتُماثل الخطيئة الأزلية بل وتُعد محاولة فاسدة للتبرر.
وعلى النقيض من ذلك فإن كل إنسان عاش مثاليا (مثل غاندى) بينما لم يقبل تعاليم الفداء على الصليب عن إيمان نابع من داخله، حامداً إياه لخلاصه الكامل، فهو من الخائبين الخاسرين. ولا يزال تلاميذ بولس ينفثون تعاليمهم منذ ألفيى سنة، وكذلك أتباع لوثر المخلصين منذ أربع مائة وخمسين عاماً.
وينبغى علينا هنا أن نسرد بعضاً من الأقوال الجديرة بالإعتبار من أجل معتنقى البروتستانتية - بديلاً عن كثرة التكرار .
يذكر كتاب “الديانات المسيحية” (Die Christlichen Religionen) - لدار النشر فيشر إصدار عام 1957- أن رجال الدين المسيحى قد أسهبوا تحت اسم "الخلاص" و"الأخلاق" و"الرحمة" وما شابه ذلك فى أن المسيحية التى يمكن فهمها فهماً صحيحاً كنهاية لدين البذل والعمل، وأننا لسنا بحاجة إلى أداء وصايا الله، لأن عيسى هو الذى قد أداها نيابة عنا، فهو قد فعل كل شئ من أجلنا، وأن كل اجتهاد للارتقاء فى العمل، وكل محاولة فردية جادة للخلاص، وأن كل محاولة للتكامل الذاتى ليست فقط ضد إرادة الله، ولكنها "الخطيئة الأزلية" بعينها، بل أضل سبيلا (ارجع إلى صفحات 82، 105، 190، 137).
ونجد نفس هذه التعاليم فى أحد أغانى لوثر التى نقرأها فى الكتب الرسمية للإنشاد الكنسى، ويطلق عليها : "من أعماق الضيق"، وتقول هذه الأنشودة : "تذهب أعمالنا هباء حتى لو قضينا أحسن حياة يمكن تخيلها ".
وهى تشبه نشيد آخر يعد من أحب الأناشيد وأكثرها استعمالاً فى الأوساط والدوائر الطائفية ويطلق عليه . "يا حمل الله"، وتقول فى مقطعها الثانى : "سرمدى سلام إلهنا الكامل، فإذا ما قبلته أيها المذنب فسيكون لك، فليس بإمكانك فعل أى شئ آخر لأنه قد تم عمل كل شئ على يديه، لقد تم فعلاً، لقد تم ".
أما بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية فسأذكر بعض نصوص من قرارات آخر المجامع (حتى أكون موضوعيا فى استشهادى):
- ( قانون الطقوس الدينية (1963): عيسى ابن الله والوسيط، قد خلص البشرية [من الخطيئة الأزلية عن طريق آلامه وقيامته (صفحة 58) ، ويتم هذا الفداء فى القداس (صفحة 51).
- توضيح لكل الأديان غير النصرانية (1965) : عيسى صالح كل البشرية من خلال الصليب (صفحة 358).
21- قانون "عن الوحى" (1965) : حرر عيسى البشرية بموته من الخطيئة والموت (وهى تماما نفس أقوال بولس !) (صفحة 366).
- قانون بشأن " الكنيسة والعالم " (1965) : لقد سفك عيسى دمه بمحض إرادته وهو فى ذلك ضحية برئ لكى يهبنا الحياة ويحررنا من عبودية الشيطان والخطيئة (وهى أيضاً نفس أقوال بولس - صفحة 469)، ومن خلال الطقوس فقط يصبح الإنسان قادراً على أن يؤدى قانون الحب (وهى نفسها أقوال بولس - صفحة 469).
- قانون "بشأن التبشير "(1965) : تحررت البشرية عن طريق عيسى من سلطة الظلام وقوة الشيطان (صفحة 609)، ويتم هذا عن طريق الطقوس (صفحة 624).
وقد أدت تعاليم بولس عن الفداء وهى التى توليها أيضا الكنيسة الكاثوليكية شأنا كبيراً إلى أن احتل قدس الأضحية الأهمية القصوى على الإطلاق.
وتقول الكنيسة الكاثوليكية عن هذا القداس إنه "التجديد غير الدموى لموت عيسى فداءً" (وهى هنا تعنى أقوال بولس )(16أ)
هذا ويعلم بولس ومن ورائه الكنائس أن الله قد سلم ابنه عيسى عن عمد إلى موتة مهينة مؤلمة، لأنه لم يستطع أن يصالح البشرية ويخلصها إلا عن هذا الطريق.
وفى الحقيقة فإن هذه التعاليم تعطينا مفهوما فظيعاً عن الله الذى لا يكون بذلك قد بلبل أعداداً غفيرة من البشر فحسب، بل يكون قد أهلكهم، حيث إنه أساساً هو منشئ الديانات الأولية التى يحتل مركزها التضحية بالإنسان (حل محلها فى كتاب العهد الجديد الأضحيات الحيوانية).
وهنا يواجهنا سؤال : هل مثل هذا الدين له تأثير جانبى من شأنه إخماد العدوانية عند الإنسان أو يحوله إلى إنسان وحشىّ؟ والجزء الآخر من السؤال هو الأرجح عندى، لأنه لم يكن هناك دين بمثل هذه الوحشية والقسوة على خصومه على مر الزمان، مثل ما فعلت المسيحية خلال العديد من القرون.
ونظرية الفداء هذه التى صورها بولس هى فى الحقيقة شئ ثانوى فى اعتماد الكبر المعروف اليوم عن المسيحية ، والتى يعمل مدافعوها - مثل هذا الفداء المجانى - لشئ لا يمكن أن يشعر به المرء إلا قليلا، وهى تيسر عمل الحسنات والعيش فى استقامة. وهذا ما لا يقدمه دين آخر لأتباعه .
ويدرك معظم المسيحيين أن واقع هذه النظرية مرهون بنفس المسيحية ونفيسها ، وبذلك يثبت أنها خرافة كبيرة كانت بعيدة كل البعد عن فكر عيسى حيث لا نجد أية أثر إطلاقا عنده لتعاليم الفداء التى نعتنقها اليوم : لا فى "موعظة الجبل" التى تمثل نواة رسالته، ولا فى "أبانا" ، ولا فى المثل الرئيسى الذى ضربه عن "الابن الضال "* .
فقد كان بإمكانه الإشارة إلى موته فداء" عن البشرية - لو كان هذا حقيقى - خاصة وأنه سُئل عما يفعل المرء ليرث الحياة الأبدية (مرقس 10 :17). فالسكوت هنا مع العلم ينافى الأخلاق القويمة، وحاشاه !.
أما أتباع تعاليم بولس فيعترضون قائلين إنما أُوحيت إلى تلاميذ عيسى بعد موته ونزول الروح القدس عليهم، ويتناسون أن عيسى نفسه كان يكلم الناس بعد موته لمدة "أربعين يوما عن ملكوت الله " ( أعمال الرسل 1 :3 ) , ومع ذلك لا يوجد أثر لتعاليم جديدة كان قد أخبرهم بها !
كذلك لم يتفوه بطرس فى خطابه المنظم عقب نزول الروح القدس عليهم مباشرة بكلمة عن تعاليم الفداء، التى تمثل قلب المسيحية اليوم، وكان لا يزال تأثير الوحى جديد، فقد كانت "الرسالة الجديدة" هى تعاليم عيسى التى كان ينشرها فى كل مكان عن التوبة وطهارة القلب وملكوت الله، ولا شئ آخر سوى ذلك (ارجع إلى أعمال الرسل 2 :14 وما بعدها؛ 3 :12 وما بعدها؛ 4 :8 وما بعدها).
ويجب علينا الاعتراف بأن الأناجيل (هذا إذا أغمضنا الطرف عن الفقرة الغريبة عند إشعياء والاصحاح الرابع بإنجيل مرقس) وكذلك أيضا الرسائل المختلف فيها جزئياً لاختلاف صيغتها، وكذلك أيضا أعمال الرسل تحتوى على بعض النصوص القليلة التى لها نفس أفكار تعاليم بولس بشأن الفداء. ولكن ندرة وجود مثل هذه النصوص لهو خير دليل على أنها ليست من أقوال عيسى أو أفكاره، لأنها - كما قلنا من قبل - تمثل قلب المسيحية التقليدية وقالبها، وما يمثل قلب ديانة ما يذكره مؤسسها بصورة عابرة تماماً أو على هامش سيرته.
وإذا ما عرفنا مقدار ما زورته الكنيسة القديمة فى الأناجيل وجعلته فى توافق منتظم ، لتعجبنا من عدم إدخالهم أفكار بولس هذه أيضا ضمن الأناجيل.
8- جعل بولس من عيسى إلها، وفى هذا تجاهل تام لتعاليمه، إذا ما حللنا تعاليم عيسى كما فعلنا بتعاليم بولس.
وإجمالياً فإن بولس قد بشر فى كل مناسبة "بإنجيل" مختلف تماماً عن إنجيل عيسى وتعاليمه التى كان ينادى بها مثل :
- نظرية فداء مختلفة تماماً.
- مفاهيم مختلفة جداً عن الله، حيث يختلف مفهوم الله بين الاثنين فى شكل متباين جداً.
- كذلك بشر بولس بتعاليم تصف الإنسان بشكل مختلف تماماً عن وصف عيسى له وحكمه عليه .
وبذلك أسس بولس بتعاليمه ونظرياته علم اللاهوت، الأمر الذى كان عيسى يكرهه.
كذلك كان بولس يولى التعاليم الأورثوذكسية اهتماما كبيراً (ارجع على الأخص إلى غلاطية 1: 8-9) [والتى تنادى بأنه صاحب الحق الأوحد وما عداه باطل : "ولكن إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم فليكن أناثيما" (أى ملعونا).
وبهذا أصبح بولس مؤسس الإضطهاد الدينى (إضطهاد مخالفى العقيدة)، غير أنى عيسى لم يعنيه إلا دماثة القلب ورحمته دون الدخول فى التفاصيل .
وانتشرت بعد ذلك هذه التعاليم تحت اسم المسيحية، بينما أصبحت تعاليم عيسى بعد عين أثراً تضمه المصادر - وهذا من حسن الحظ - إلا أنها فى الحقيقة لم تأخذ صورة الانتشار ، ولم يكن لها الغلبة .
وبذلك يكون عيسى قد أُعفى من مركزه التعليمى ، ورُفع على المذبح - وبذلك أيضاً يكون خطره قد قلّ - تحت مسميات أخرى .
وبصورة أوضح فإن كل اللاهوت "المسيحى" تقريبا يرجع إلى بولس ولا علاقة لعيسى به. وكل من يهمه معرفة مثل هذه الأشياء فعليه التوجه إلى المراجع اللاهوتية ليتفحصها، فقد صحح لوثر على سبيل المثال الرسالة إلى رومية، ونقدها، ثم قال عنها إنها الإنجيل الصحيح وماذا إذن عن باقى الأناجيل ؟ .
ونرى منذ الوقت المبكر للمسيحية أن الفرقة وعدم الإتفاق قد ظهرا بين آباء الكنيسة وبعض طوائفها ، حتى لو أغمضنا الطرف عن بطرس ويعقوب الذين جادلهما بولس وعارض تعاليمهما، بل وعاملهما بإحتقار مبين، ووصفهما بشكل مشين (ومن هذا خرج المثل الذى احتذاه المجاهدون المتعصبون لطوائفهم).
ومن هذه الطوائف : السيرفانية (Servianer) والإبيونية (Ebioniten) والكيسية (Elkesaiten) (ارجع إلى توديكوم Thudichum الجزء الثالث صفحة (10) وليمان Lehman صفحة (201) وكذلك أيضا الأريوسية (Arianer) (الذين كان لهم الغلبة فى المسيحية يوما ما) والبلاجية (Pellagianer) الذين وقعوا للأسف فى نفس الخطأ الذى وقع فيه الكثير من المحدثين، وهو اعترافهم بأباطيل بولس، غير أنه لم تمسهم العواقب التى ذكرها ألفونس روزنبرج Rosenberg فى أحد فصول كتاب "تجربة المسيحية" “Experiment Christentum” تحت عنوان "من يخرج بولس من القانون ؟ [أى كتب العهد الجديد التى قننتها الكنيسة فى مجمع نيقية 325 تحت زعامة الامبراطور قسطنطين الوثنى (؟) فى ذلك الوقت، واعتبرتها من وحى الله، ورفضت باقى الكتب - تقدر من 70-100 إنجيل - لأنها أبوكريفا أى دخيلة .
ويفهم من توديكوم أن المسيحيين الأوائل قد رفضوا دخول كتب بولس وتعاليمه ضمن الكتب الرسمية، لأن أحسن وأقدم المخطوطات اليدوية - تبعا لرأيهم . لا تحتوى على رسائل بولس (الجزء الثالث صفحة 10).
إلا أن أعداء بولس لم يحققوا أية تقدم، لأن البولسية كانت أنسب لسياسة الكنيسة من إنجيل المسيح وتعاليمه - حتى إن تلاميذ عيسى قاموا بالخدمة دون تولى المراكز. وتم إحراق مخطوطات هؤلاء الهراطقة فى المقام الأول. وهو الأمر الذى لا يسمح لشعبه الكنيسة حتى اليوم أن يعرف عنه إلا قليلا.

ويمثل هذا التطور لعيسى مأساة عظيمة حيث إنه خدع أساساً فى عمل عُمره، فقد استطاع بولس أن يقيم تعاليمه على مجد عيسى الذى اكتسبه أثناء حياته البطولية وبموته وأعماله وتعاليمه الرائعة.
وما يزيد مأساة عيسى ألماً هو أن بولس هذا كان من الفريسيين الذين قضوا ردحاً من الزمان فى عداء شديد لعيسى ، وقد كان يظهر لهم عداوته حتى إنه كان يحبذ عدم الكلام معهم البتة، إلا أنه استطاع فى النهاية أن يخاطبهم ولكن بقساوة منقطعة النظير.
ولم يكن ليكدر عيسى شئ أكثر من توليه شأن الفريسىَ المولد والمنبت حتى ولو كان هذا الفريسّىَ يتصرف من وازع إيمانه. وتظهر طبيعة الفريسيين هذه دائما عند بولس، ولم تفارقه أبداً حتى بعد [زعمه] اعتناق دين عيسى أثناء رحلته الدمشقية.
وعاشت تعاليم عيسى مطمورة تعانى ليس فقط من هذا القدر الذى ضربته عليه تعاليم بولس، بل احتلت مكانتها [بجدارة. ومما زاد من مأساتها أن هذه التعاليم الجديدة انتشرت فى العالم باسم المسيح . وأستطاعت خلال (2000) عام أن تستفيد من هذه النوايا الحسنة. وليس هذا إلا اخراجاً شيطانيا وقف بولس بجانبه دون وعى .
ولم يخدع عيسى فى ذلك بمفرده، بل خدع معه أيضا الملايين الكثيرة الذين يعتقدون منذ ألفى سنة أنهم مسيحيون . فإذا ما سعيت جاهداً فى مقارنة الأناجيل (وعلى الأخص المتوافقة [مرقس - متى - لوقا أى تعاليم عيسى مع خطابات بولس دون تحيّز، فإن ذلك سيمكنك حتما من إثبات أن ما كنت تعتقد أنه الحقيقة الكبرى، بل أهم الحقائق، ليس هو تعاليم من تعتبره معلمك، ولكنه شئ آخر تماماً، وستثبت أيضا أن ما لديك من الحقيقة أقل بكثير من هؤلاء الهراطقة الذين كنت تشعر تجاههم باحتقار، والذين كان بودهم إرشادك وهدايتك إلى العقيدة القويمة.

وإنه ليهمنا أيضاً أن نعرف لماذا أمكن وضع بيضة طائر تتطور وتفقس وتعيش تحت اسم مستعار :
1- يرجع ذلك أولاً إلى تقديم شخص عيسى فى المقدمة، مما أجبر المسيحيين القدماء الذين كانت تشوبهم فى الغالب البساطة، على إلتزام الصمت.
وكذلك فقد عايش بولس ما يطلق عليه الرجوع إلى الهداية أو كان مقتنعاً أشد الاقتناع بهدايته، حتى إن الملك أجريبا أوضح قائلا :"كنت على وشك أن تقنعنى ".
ومن ناحية أخرى فقد سمعنا أن تلاميذ عيسى الذين كانوا تحت تأثيره المباشر لمدة طويلة من الزمان، أنهم لم يكادوا يفهمونه .
ويرجع هذا إلى اختلاف تعاليم عيسى عن ديانة اليهود نختلف هنا مع المؤلف، وهو سوف يناقد نفسه فيما بعد عندما يتكلم عن التغيرات التى أستبدعها بولس فى تشريعات عيسى ، ومن يقرأ الأناجيل الأربعة الرسمية يجد الكثير من المواقف التى سأل فيها اليهود والفرّيسيين عيسى ولم يجب عليهم إلا من ناموس موسى، فهو لم يأت إذن بديانة جديدة أو شريعة أخرى غير التى كانت، وقد أوضحنا هذا من قبل، وسنزيد فى التعليق الختامى ، ويرجع كذلك إلى اختلافها مع المفهوم السائد وتقاليد الناس، فكم كان عيسى واضحا بدرجة يخطئ بولس معها فى فهم أقواله.
2- ثم حوّل بولس أتباعه بكلمة أناثيما أى ملعونا إلى التعصب الشديد للمذهب الصحيح، وكان لهذه الكلمة آثاراً كبيرة لا تحمد عقباها، مما جعلهم يتشدقون بالإيمان "الصحيح" بشكل يختلف تماماً عما كان يمكن أن يفعله تلاميذ عيسى . وفى الحقيقة كلمة أناثيما التى يهدد بها بولس كل من يُخالف مبادئه وأفكاره هى فكرة صهيونية تماماً تهدف للقضاء على الحقائق وطمسها وإظهار مايخدم الصهيونية فقط، وقد استمرت وأثمرت بعد الحرب العالمية الثانية وتحولت إلى كلمة النازية، فلا يجرأ اليوم من يهاجم الصهيونية أو من يقول بعدم حدوث مذابح جماعية لليهود على يد هتلر، حتى ولو تمكن شخص ما من إثبات ذلك علمياً، فسوف يُوصم بالنازية التى تحولت فى وقتنا هذا وفى أمتنا هذه إلى "التطرف"؛ فكلمة أناثيما لها نفس الهدف السياسي لكلمة نازى أو لكلمة متطرف؛ وحسبه من يوصف بأحدى هذه الصفات أن يُحرم من كل حقوقه السياسية ولايسمع له أحد.
تحتوى الفقرة المذكورة فى كرونثوس الأولى (5 :5) على ما لا يقدر من العذاب والألم والعيش على حساب الآخرين، حيث تقول : "أن يسلم مثل هذا (من يقترف سيئة) باسم ربنا المسيح (وهذا طبعا من لزوم الشئ) للشيطان لهلاك الجسد لكى تخلص الروح فى يوم الرب". كما لوكنا نسمع خطبة لمجرمى محاكم التفتيش عند إحراقهم الهراطقة بشكل جماعى !
ومثل هذه الأقوال وما شابهها من رسائل بولس كان الأساس الأول الذى أقامت عليه المسيحية "عقيدة التعصب " عقب نصرها مباشرة (25أ) . فقد كانت ممارسات التعصب التى قاموا بها أكثر ألماً للإنسانية مما عاناه المسيحيون أنفسهم أثناء عصور اضطهادهم ، وقد تطورت عقيدة التعصب هذه استناداً إلى الأناجيل إلى "عقيدة التسامح" المقنعة .
3- وكما ذكرنا كان أتباع بولس فى موقف حرج عند انتقاء الذرائع التى ارتكنوا إليها مباشرة بعد قسطنطين لممارسة التعذيب ضد مخالفى العقيدة .
وإنه ليريعك أن تقرأ كيف عذب المسيحيون مخالفى العقيدة بعد زمن قسطنطين مباشرة، وسوف يريعك أكثر إذا ما عرفت كيفية قيامهم بهذا .
4- ومع كل ذلك فإن هناك الكثير من الإهتمامات الإنسانية المهمة التى تؤخذ لصالح البولسية وتساندها من كل جانب ، منها :
أ- إن أحسن الضمانات لمثل هذا التطور الخارجى لدين جديد وتخريبه من الداخل ونشره وتثبيت دعائمه هو مباركة الدولة نفسها له. إن دينا مثل المسيحية الحقة التى ترفض استخدام القوة أو كان بينها وبين الدولة علاقة متوترة داخليا - لأنها كانت ترى أن القتال الوحشى من أجل المصالح الدنيوية التى كانت الدولة تظهره دون تخف، يناقض الأخلاق الروحية والتسامح.
أقول إن دينا مثل المسيحية الحقة سوف لا يجد أية تأييد من رجال السلطة فى الدولة. فلم تقرر الدولة إلا صياغة مثل دين بولس الذى شعر أنه يتمتع" برحمة الله ، وطلب من المؤمنين به الطاعة العمياء مهما كلفهم ذلك من أمر.
لذلك تمتعت البولسية دائما بحماية الدولة لها. فهو فى الحقيقة الدين الذى يتمناه كل حاكم للحفاظ على سلطته (ونادراً ما يحدث عكس ذلك) لأنه دين لا يعلم الناس فقط التمسك بأسباب القوة تحت زعم "إرادة الله" ولكنه يحثهم أيضاً على الدفاع عنه بالنفس والنفيس (طلبا لرحمة الله).
فلم يقدم بولس دين فقط للحكام بل خدمهم به خدمة كبيرة من خلال التعصب الذى أفرزه والذى أوجد أيضاً الأسباب المؤدية إليه.
وفى الحقيقة فإن أية دينا يشوبه التعصب ليعد سلاح ذو حدين فى يد الدولة، ويمكنه أن يكون خطراً عليها (مثلما كانت المسيحية تجاه الدولة الرومانية، لذلك اضطرتها إلى اضطهادهم).
أما إذا عرفت الدولة كيفية قيادة هذا التعصب الدينى، فسيصبح هذا هو الأمثل فى أعين حاكمها، لأنه سيمكنه حينئذ من تدعيم قوته، الأمر الذى يؤكده التاريخ الملئ بمثل تلك الأحداث.
ب- كان بولس منذ ظهوره لاهوتيا، بينما كان عيسى فى صراع مرير مع اللاهوتيين وكبار رجال الدين. وكما يصوره - على سبيل المثال - شو Show فقد كان "دائما ضد الإكليروس" (راجع : تطلعات المسيحية : “Die Aussichten des Christentums” صفحة 134).
لذلك يطلق على بولس أول لاهوتى مسيحى. ويعنى هذا أنه أول نظرىً لما يطلق عليها الديانة المسيحية.
وبهذا أحكم رجال اللاهوت سيطرتهم على رجال الدين وشعب الكنيسة، لأن مثل هذه التعاليم تؤدى بالطبع إلى الإستئثار وتعظيم قدسيات خاصة، بل وتؤدى إلى خضوع الشعب لهم.
ولا تكمن أهمية هذا فقط فى أن اللاهوت المسيحى أصبح تحكمه فلسفة اللاهوتيين أى أنه أصبح دين تأمل وفلسفة، بل تتعدى أهميته أيضا فى أن خصائص هذا "العلم ترجع بدورها إلى بولس :
أ- يطلق بعض أصحاب الأقلام على علم بولس هذا سفسطة ، ولا عجب فى ذلك فإن بولس لا يريد أن يعرف شيئاً مطلقا عن قوانين الفكر الطبيعية !
وهو يؤكد ذلك بقوله إن حكمته لم تأخذ عن البشر، ويتباهى بأن الحكماء والفلاسفة اليونانيين يعدون تعاليمه "صحافة" (كورنثوس الأولى 1: 17-21).
بل إنه قرر (!) ألا يعرف شيئاً أكثر مما تمخضه عقله وبالتحديد المصلوب (كورنثوس الأولى 2 :2) "لأنى لم أعزم أن أعرف شيئا بينكم إلا يسوع وإياه مصلوباً".
بل أوضح فى موضع آخر أنه يجب على المرء أن " يأسر كل فكر" (كورنثوس الثانية 10 :5) "هادمين ظنوناً وكل علو يرتفع ضد معرفة الله ومستأسرين كل فكر إلى طاعة المسيح" : ويعنى هذا أنه لابد من إلغاء المنطق والتخلص من العقل.
فلا عجب إذن أن وصفت أستاذة لاهوت جامعية كبيرة هذه الديانة (البولسية) بأنها "نوع من الكلام الفارغ" . ويعنى كلامه السابق أيضا أنه لابد من تجنب البحث الموضوعى والنقد البناء. وهذا ما يحدث الآن .
ب- يضاف كذلك الإستكبار المطلق* والغرور المعروف عن اللاهوتيين إلى الخصائص التى تميز هذا العلم البولسىّ التى صورها (بولس هيبرلين) Paul Hä-;-berlin بشكل رائع، محدداً معالمه فى كتابه (الإنجيل واللاهوت) Das Evangelium und die Theologie صفحة 65 وما بعدها، فقال: بلغت نظرية بولس عن الخلاص قمة التركيب التأملى، وذلك أنه أظهر الاعتقاد بالجن ضمن اللاهوت الأخلاقى.
وعن طريق التفكير التاريخى أو اللاهوت المرتبط بالتاريخ استطاع بولس أن يجد له مخرجاً بشكل رائع من التوتر الكبير بين المستقبل من وجهة النظر اليهودية والدعوة لتنصير الوثنيين من جهة وبين مراد تعاليم الرسل والمقاومة المعروفة للتنصير من جهة أخرى .
ومن خصائصها أيضا - كما نعلم - التبرر بالإيمان بموت عيسى فداءً سبب خطيئة آدم - وهو نتاج فكر القانون اليهودى لوسائل التربة والإصلاح - ثم اختيار الرحمة .
وإذا ما كانت هذه الأفكار غير مسيحية بالمرة لأنها تذكر النقيض تماما لوحى إنجيل الله (كما أنزل وقتها)، فإنها تحمل أيضا - بغض النظر عن ذلك - طابع المضاربة. ويمكننا معرفة ذلك على الأخص من ادعائها أنها تعرف من الله أكثر مما نعرفه نحن إذا ما تمسكنا بالوحى.
فالأفكار البولسية تضع نفسها محل أفكار الله وخططه، فيدعى بولس أنه يعرف ما خطط الله وما يرمى إليه، وما الذى اعتبره ضروريا وما سوف يحدث فيما بعد، فهو يتصرف عند التخطيط لشئ كما لو كان إلهاً، بل ويدعى معرفة سير مجرى التاريخ كما يعرفه الله..."
أما هذا التكبر فله أساس قوى عند بولس، لأن:"من عرف فكر الرب فيعلمه وأما نحن فلنا فكر المسيح" (كورنثوس الأولى 2 :16) ، وهنا تكمن ثقة اللاهوتيين المبالغ فيها .
ويذهب الكبر إلى أكثر من ذلك بكثير، ولكنه لا يتعدى نفس الموضع، وأعنى ما قلته مباشرة من قبل، وهو: "وأما الروحى*( وهو اصطلاح يعبر به اللاهوتيون عن أنفسهم بصورة غير موثوقة الجانب) فيحكم فى كل شئ وهو لا يحكم فيه من أحد ". (كورنثوس الأولى 2 :15). وبسبب جملة بولس هذه تمتع الإكليروس والكنيسة فى العصور الوسطى بسيادة عليا تفوق كل سلطة أخرى .
كذلك خدمت الجملة البولسية القائلة :"إذا الإيمان بالخبر أى بالسمع " (رومية 10 :17) سلطة رجال اللاهوت خدمة كبيرة جداً، وهى ما ترجمها رجال الدين إلى "إذا فالإيمان يأتى من الخطبة"، مما أعلى من شأنهم أكثر وأكثر، حتى إن الناس لم يستغنوا عنهم فى خلاصهم المتوقع على أيديهم .
جـ- كذلك من النصوص الهامة جداً لرجل الإكليروس هى ما خولهم بولس فيه أن يحيدوا كلمة عيسى ، تلك الكلمة التى تمثل عبئاً كبيراً على قلب بولس. وتقول هذه الكلمة : "مجاناً أخذتم مجاناً أعطواً (متى 10 :8).
أما قول بولس المناقض لذلك والذى يلاقى الترحاب فهو : "الذين يلازمون يخدمون المذبح يشاركون المذبح" (كورنثوس الأولى 9 :13)، وبذلك يستعيد القساوسة البروتستانت ضميرهم النقى إذا ما تقاضوا المرتبات العالية، وتمتعوا بالمنازل المريحة، وعلى الرغم من أن بولس لم يدع لنفسه فى ذلك فضلاً إلا أنه أضفى عليه جلالاً.
د- كذلك كان الأدب البولسى ولا يزال يمثل أهمية كبيرة بالنسبة للإكليروس، وهو القاعدة الأساسية التى يبنون عليها سلطتهم (انظر تيموثاوس الأولى 5 :17، 19) "أما الشيوخ المدبرون حسناً فليحسبوا أهلاً لكرامة مضاعفة ولاسيما الذين يتعبون فى الكلمة والتعليم ... لا تقبل شكاية على شيخ إلا على شاهدين أو ثلاثة شهود".
فمثل هذه النصوص ومثيلتها التى فهمت خطأ أو أُسئ استخدامها قد أدت بتحليلها الخاطئ إلى استبداد الأساقفة فى الكنيسة القديمة لدرجة أنهم أنفسهم قد قرروا أنه لا حول ولا قوة على الأرض إلا بهم. وقد أدت هذه القوة إلى خضوع القياصرة لهم وعلى رأسهم تيودسيوس الأول الذى أجبره أمبروسيوس -أحد حكام الإكليريك- على الركوع على ركبتيه *
وأخيراً وليس آخراً فقد ضم بولس إلى جانبه أنانية جموع الناس وخمولهم: فليس من السهل مدح الدين القاهر إلا أنه كانت هى الحال بالنسبة لديانة بولس التى يحصل فيها المرء على نجاته مجاناً. فمن فى العالم كله له أن يستجمع قواه ويعارض الكنيسة عندما تناديه دون انقطاع: "أعمالنا لا قيمة لها إطلاقاً حتى فى أحسن حياة " ( انظر ما قبل ).
فإن الأساس المادى للكنيسة وتوسعها كان بداهة فى غاية الأهمية حتى إن الأغنياء كانوا أكثر سعادة تحت إشراف بولس، أكثر مما كانوا تحت مظلة عيسى الذى كان ينادى بالفقر.إلا أن بعض الأغنياء قد تصالحوا مع المسيحية عندما قرأوا (متى 19 : 24) "وأقول لكم أيضاً: إن مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غنى إلى ملكوت الله" ماجاء على لسان بولس فى (تيموثاوس الأولى 6 :17) " أوصى الأغنياء فى الدهر الحاضر أن لا يستكبروا ولا يلقوا رجاءهم على غير يقينية الغنى بل على الله الحى الذى يمنحنا كل شئ بغنى للتمتع " .
وبذلك عاد إلى قلبه " الضمير النقى" مرة أخرى عندما قرأ فى كلمة الله مثل هذه الصياغة المختلفة، وعلى الرغم من أنها تعبر عن اختلاف غير ظاهر بين عيسى وبولس، إلا أنه كان له نتائج مهمة جداً.
ولا شك أن انتصار البولسية وتنحية تعاليم عيسى الحقة ليست لهما قيمة نظرية فقط، بل كان مخططا لها أن تصل إلى أبعد من ذلك لتشمل الحياة العملية والدينية بل وكل مجالات حياتنا.
إن الميلاد الثانى للمسيحية وهذا الاصلاح الدينى الثانى من نوعه، والذى يعد أعنف من سابقه لن يتحقق داخل المبانى اللاهوتية فقط - "لا نترك حجراً قائماً على آخر" - ولكنه سوف يفجر ثورة اجتماعية ضخمة ، ويؤدى إلى تغيير جذرى ، إذا ما نجح حاملوا تعاليم عيسى أن يدخلوا تعاليمه إلى الحياة الاجتماعية مثل الخميرة شديدة الاختمار .
ونريد هنا بل يجب علينا أن نقلع عن الإشارة إلى النتائج الكثيرة المتطرفة وغير المدروسة، والتى يزللها الانتصار على سوء الفهم القديم بصورة أكيدة . ونود أن نقصر أنفسنا

على ذكر اثنين منهم، هما:
فطالما يستند قادتنا السياسيون على جملة مما يحتويه الكتاب المقدس على الأخص العهد الجديد، ليسوغوا بها حروبهم، فليس لنا أن ننتظر انفراج الحرب أبداً، ولن تكون الحرب غير مسيحية أبداً !
أما إذا تمكنا من حل الأملاك البولسية الثقيلة ، وبعبارة أخرى إذا ما تم شطب رسائل بولس من الكتاب المقدس، وازدهرت تعاليم عيسى ، فسوف تحصل المسيحية على تقدير وإعجاب معتنقيها، بل أكثر من ذلك سيكون لديها قوة جذب وستتجه بسرعة طيران النسر إلى عصر السلام الدينى العظيم وعصر الرفاهية. فبدون بولس سوف يكتب للمسيحية الإزدهار فى كل أنحاء العالم، حتى عند أصحاب الأديان السامية الأخرى .
وشأن بولس فى ذلك هو شأن كل الناس الذين لا يريدون التمسك بالقديم بدافع الخمول أو لمصلحة شخصية، فهم غارقون فى وحل النفاق الدينى أو الإنقسام المذهبى.
والجدير بالذكر أن هناك بعض الأشخاص - مثل غاندى - قد رفضوا البولسية تماماً، وتمسكوا بتعاليم عيسى .
إلا أن كل ما قيل لا يشجب كون بولس قد أخذ موقعه فى اللاهوت، فهو نفسه كان من رجال الدين، ونجد فى كتاباته جملاً تعد من أجمل ما يكتب (راجع مثالاً لذلك: كورنثوس الأولى 13:*1، تيموثاوس الأولى 6 :10؛ تيموثاوس الثانية 2 :19؛ كورنثوس الثانية 3 :17؛ رومية 13 :8 وأيضاً 8: 14).
ولكن لا يعنى ذلك أن الأجزاء الأخرى من كتاباته يجب أن نسلم بأنها وحى الله إليه، فلا تمتد إليها يد بالتصحيح أو الرفض ، وإلا وجب علينا أن نعترف أن الله قد أوحى مؤلفات هؤلاء الذين قدموا لنا حقائق كبيرة وجذابة أمثال : توماس أكمبيس (أحد خلفاء المسيح عيسى أو جوته، أو تولستوى، أو حتى كل مؤلفات نيتشه.



الفصل الثاني
التناقض بين عيسى وبولس لدى قادة الفكر وكبار رجال اللاهوت وبعض أهل الإختصاص

ما يثير العجب العجاب هو كيفية ثبات رجال اللاهوت على هذا الدين رغم وجود الهوة السحيقة بين تعاليم عيسى وبولس، وهذا أمر مؤكد منذ بزوغ فجر المسيحية الأولى، الأمر الذي يعرفه جيداً كل رجل دين إلا أنه يخفي عن شعب الكنيسة وطوائفها، على الرغم من إدراك معظم قراء الكتاب المقدس لوجود تناقضات به، ومع ذلك يفضلون إضطرابات الفكر وتصدعاته عن الإعتراف بتناقض واحد، ثم تحمُّل نتائج هذه العاقبة.
لذلك كان لزاماً علينا هنا أن نشير بكل وضوح إلى التناقض الحاد بين أفكار عيسى وتعاليمه وبين مثيلتها عند بولس، الأمر الذي أقره أكبر المفكرين وأبرزوه جيداً .
وأذكر من بين غير رجال اللاهوت المتخصصين بعض الأسماء القليلة منها : اللورد بولنجبروك (1678 - 1751)، غاندي، المحامي والفبلسوف كارل هياتي (1833 - 1909)، وباحث الطبيعة البروفسور أرنولد هايم ( 1882 - 1961 )، وهو قد وجد أن بولس قد ابتعد بعقيدة الذنب المتوارث هذه تماماً عن تعاليم عيسى (إرجع إلى:"صورة العالم تحت مجهر باحث في الطبيعة " Das Weltbild eines Naturforschers " إصدار عام 1944 صفحة 146)، وكذلك أيضاً الفيلسوف فرانتس نيتشه، وباحث الطبيعة زيهر إيمانويل شفيدنبرج، وبرنارد شو وعالم اللغة فريدريش توديكوم، وأيضاً شيلنج، وجوته، و شيلر، وفولتير . وهناك الكثير غيرهم .
ولانبالغ إن قـلـنـا إن أكبر قادة الفكر منذ عصر الإصلاح الديني قد توصلوا لمثل هذه النتائج . أما بالنسة لرجال الدين فهناك العديد من الأسماء التي تملأ الأفق، وهم يؤكدون وجود هذه التناقضات التي بين عيسى وبولس ويثبتونها ومع ذلك فهم أشهر من كتب ذلك وبسببه تعرضوا للنقد أو الخطر ونذكر منهم هذه الأسماء تبعاً للترتيب الأبجدي :
أكرمان، بارت، باور، براون، بورنكام (في كتاب (عيسى) صفحة 207)، بوسّــن في كتابه (Kyrios) صفحة (7) وما بعدها وأيضاً كتابه (طبيعة الدين) Das Wesen der Religion، وبروكنر في كتابه (تمهيد) صفحة (282)، وبولتمان في (تقاليد الإنجيل المتوافقة (Synoptische Tradition الطبعة الثانية إصدار عام 1931 صفحة 154) ودام، ودايسمان، وحاوكل، وجيزبريشت في (ملامح تاريخ الدين الإسرائيلي Grundzüge der israel. Religionsgeschichte)، وجريم، وهيبرلين، وهارنَك في (تاريخ العقائد Lehrbuch der Dogmengeschichte ) وفي كتابه (الرسالة Die Mission) وهارتمان، وفون هيز في (تاريخ الكنيسة " Kirchengeschichte ") وهاوسرات، ويوليشر في (تمهيد " Einleiterng " صفحة 300) وكال، وكلوسترمان في (إنجيل مرقس " 470 - Markus صفحة 109 على سبيل المثال)، وكنويف، وكولر، ولاجارد، ولويز، ومارتي، ومارتج، ونيستل، فون أفربيك، وبفيستر، ورادينهاوزر، ورجانس في ( تاريخ المسيح " Die Geschichte der Sache Christi " صفحة (122) وما بعدها)، ورنكه، ورينان، ورايماروس، ورينجلينج، وروزنبرج، وشينكل في (قاموس الكتاب المقدس "Bibellexikon")، وشونفيلد، وشوبسس، وشورر في (المسيحية من أجل العالم وبه " Christentem für die Welt und mit der Welt " صفحة 1949)، وشتاوفر، وتيريل، وفاينل، وفايتسيكر، وفينديش، وفولفر، وفيردي وسَارند وكذلك أيضاً إدوارد سَــلر .
وقد بدأت سلسلة هؤلاء الكتاب المناهضين لبولس منذ وقت الإصلاح الديني، فظهر حينئذ: فيلكيف، ويعقوب ليفر، ورويشليكن، وإيرازموس وكارلشتات، وبيترو بمبو .
وأهم من هؤلاء هو كلماتهم في هذا الموضوع التى تملأ المراجع والمجلدات، حيث إن المراجع التي تناولت هذه الموضوعات لا تعد ولا تحصى .
والأعجب من ذلك أن شعب الكنيسة لا يعرف عن ذلك شيئاً مطلقاً ! لذلك نذكر هنا على الأقل بعض الكلمات التي تبين قيمة هذه البراهين :
لاحظ بولينجبروك Bolingbroke (1678 - 1751) وجود ديانتين في العهد الجديد : ديانة عيسى وديانة بولس .
ويؤكد براون Braun - بروفسور علم اللاهوت - أن بولس قد تجاهل العنصر الإجتماعي في كتاباته تماماً، لذلك نراه قد تجاهل حب الإنسان لأخيه، وقد أرجع إليه إنتشار الرباط الواهن بين الكنيسة والدولة، والذى أدى إلى قول كارل ماركس: إن الدين المسيحي أفيونة الشعوب (الجريدة اليومية لمدينة زيوريخ Tagesanzeiger إصدار 18/2/72 صفحة 58) .
أما غاندي Gandhi فيرى أن بولس قد شوه صورة عيسى إرجع إلى كتاب Offene Tore إصدار عام 1960 صفحة 189).
أما رجل الدين والفلسفة المربى باول هيبرلين Paul Hä-;-berlin والتي ترتفع كل يوم قيمته العلمية، فلم يتردد في تعريف الديانة البولسية بأنها قوة الشر نفسها . فقد كتب مثلاً في كتابه الإنجيل واللاهوت "Das Evangelium und die Theologie" صفحات 57 -67 ما يلي:
" إن تعاليم بولس الشريرة المارقة عن المسيحية لتزداد سوءً بربطها موت المسيح عيسى فداءً برحمة الله التي إقتضت فعل ذلك مع البشرية الخاطئة. فكم يعرف الإنجيل نفسه عن ذلك !
فهو ينادي برحمة الله وبرِّه الإجباري، الأمر الذي لا يمتد بصلة إلى مقومات البر، ولا إلى الرحمة نفسها، حيث لا تجتمع الرحمة والبر الإجبارى. كما نرى أن إدخال الشيطان في العلاقة بين الله والإنسان لها مكانة خاصة في تعاليم بولس بشأن الخلاص، فنجدها ترتبط عنده بآدم، ومرةأخرى بواقع "الشريعة اليهودية" . .(وسنعود لهذا الموضوع بإستفاضة فيما بعد) "إن أفكار بولس عن الفداء لتصفع بشارة الإنجيل على وجهها. فمسيح الإنجيل هو الفادي، ولكن ليس له علاقة بذلك الفداء الذي يفهمه بولس والذي أصبح مفهوماً بسبب خصائصه المطلقة. أما مَن يعتنقها فيكون بذلك قد ابتعد عن رسالة المسيح عيسى .
فالإنسان لا يمكن أن يتقبل رسالة الله المتعلقة بالرحمة الإجبارية، ويؤمن في نفس الوقت أنها شيطانية، الأمر الذي تنادي به تعاليم بولس بشأن العلاقة بين أهمية المسيح عيسى وبين آدم .
وليس للمرء أن يفهم إرسال المسيح عيسى بصورة غير مسيحية أي كوحي منزل من الله ليزيل الخطيئة التي ارتكبها آدم في حق الله، وليس للمرء أيضاً أن يتعلق بفكرة الفداء هذه، لأن من يقترف مثل هذا الذنب يكون مصراً على اتباع الخطيئة الشيطانية ." " ونؤكد مرة أخرى أن تعاليم بولس الشيطانية هذه - تلك التي تبْرَأ منها المسيحية والتي تنادي بالخلاص من خطيئة آدم - لن تخفَّ حدتها، بل ستزداد بتعاليمه عن الرحمة . " (وسنعود لهذا الموضوع باستفاضة) .
"وأقوى التعاليم عن اللاهوت الشيطاني وآخرها هي نظرية بولس بشأن اختيار الرحمة، وليس مهماً أن يختلف معها النشاط التبشيري للرسول، بل تكمن الأهمية في أنها تعارض الإنجيل نفسه . فإذا ما كانت رحمة الله إجبارية، فلابد لها إذن أن تشمل البشرية كلها، فلو لم يتنصر كل الناس في المستقبل، فسيرهق هذا المسيحي دائماً بدافع الحب في أن يكسب غير الأبرار إلى هذا البر، وإذا ما فشل فسيعتبر هذا قضاء الله، ولكنه سوف يراه بمثابة واقع إلهي."
"وهذا يعني أنه سوف يؤمن برحمة الله. ولكنه سيتألم لأنه ليس كل المؤمنين بها من الأبرار، ويزداد هذا الألم عند إيمانه بأن كل شيء جميل أمام الله، سواء كان هذا كائناً موجوداً أو سيحدث هذا فيما بعد فهو حسن عند الله، فكيف لنا أن نصدر حكماً ضد ذلك."
"أما تعاليم بولس فتقضي بالنقيض من ذلك "(ولنا عودة في هذا الموضوع). وكتب كذلك رجل اللاهوت الذي يتمتع بشهرة خاصة أدولف هارنك في كتابه تاريخ العقائد Die Dogmengeschichte صفحة (93) موضحاً أن: "الديانة البولسية لا تتطابق مع الإنجيل الأساسي".
كذلك انتهى رجل الدين إيمانويل هارتمان Emanuel Hartmann إلى أن مسيحية اليوم (وخاصة تعاليم الفداء) لا علاقة لها بالمسيح عيسى بن مريم عليهما السلام، ولكن ترجع أصولها إلى مؤسسها بولس .
ويوضح بروفسور اللاهوت هاوسرات Hausrat في كتابه (بولس الحواري) " Der Apostel Paulus " أنه لو كان بولس قد بشر فعلاً بتعاليم المسيح عيسى ، لكان وضع أيضاً ملكوت الله في مركز بشارته . فهو يبدأ ديانته التي اخترعها بمفهوم كبش الفداء، فهو يرى أن الله قد أنزل شريعته لتزداد البشرية إثماً على آثامها .
فما تقدره حق تقديره عند عيسى لا تراه يمثل شيئاً مطلقاً عند بولس، الذي تهبط الأخلاق عنده تحت مستوى الشريعة، بدلاً من أن يكملها، كما أراد عيسى ، لأن بولس كان يكره في الحقيقة كل جهد ذاتي .
والأسوأ من ذلك أن تعاليم بولس قد صدقها الناس في الوقت الذي فعل فيه المسيح عيسى كل شيء من أجلنا .
أما البروفسور دكتور كارل هيلتي Carl Hilty - فيلسوف ومحامي سويسري شهير- قد لفظ تعاليم بولسس عن الفداء الدموي نهائياً، ووصف تعاليمه عن " اختيار الرحمة " أنها " أحد أكثر أجزاء العقيدة المسيحية ظلاماً " ارجع إلى كتابه ( السعادة : Das Glück الجزء الثالث صفحات 167، 363 ) .
ويؤكد بروفسور اللاهوت الشهير يوليشر Jülicher في كتابه ( بولس وعيسى Paulus und Jesus إصدار عام 1907 صفحات 52 / 72 ) أن الشعب البسيط لا يفهم تخريفات بولس الفنية ( اقرأها " التحايل والســفـســطة " ) ولا المتاهات التي تدخــلنا في أفكاره، فلم يعتبر عيسى نفسه مطلقاً أحد صور العبيد، ولم يتكلم البتة عن قوة تأثير موته : أي موته فداءً، ولم يشغله غير فكرة وجود أرواح طاهرة قبل موته (وقد تبنى بولس هذه الفكرة أيضاً).
كذلك لاحظ يوليشر من القرائن التاريخية أن النقض كان موجها دائماً إلى بولس (ص13). ويضيف أيضا - وهو مُحِقٌ في ذلك - أنه كان من المتوقع أن نُعطي لعيسى الأولوية في ظل هذه التناقضات، إلا أن الكنيسة قد فعلت العكس تماماً، أي أنها فضلت بولس عن عيسى .
كذلك توصل سورين كيركيجارد Sö-;-ren Kierkegaard إلى أن السيادة التي نالتها ديانة بولس، ولم يتساءل عنها أحد (للأسف) هي التي غيرت العقيدة المسيحية الحقة من أساسها، وجعلتها غير مؤثرة بالمرة (إقتباس من المرجع السابق لــ Ragaz صفحة 19).
كذلك وجد يواخيم كال Joachim Kahl - وهو أيضاً من رجال الدين - أن كل ما يسيء المسيحية فترجع أصوله إلى بولس .أما الكاتب يوحنا ليمان31أ Johnnes Lehmann فقد قال فىنهاية بحثه إن بولس قد قلب تعاليم عيسى رأساً على عقب (ص151 من كتابه Jesus Roport).
كما ذكر في كتيب ( المسيحية ليست ديناً جديداً Das Christentum war nichts Neues) أن تعاليم بولس عن الفداء بل وديانته نفسها ليست إلا نسخة متطابقة مع الأديان الوثنية التي سبقت المسيحية ( مثل ديانات : أنيس، وديونيس، ومترا وغيرهم ) . وتمثل تعاليمه هذه قلب رسالته .
والعارفون لهذه القرائن يرون أن عيسى قد رفض هذه الأفكار تماماً،إلا أن نفس هذه الأفكار قد حول بولس بها المسيحية إلى أحد الأديان الوثنية الغامضة، وبذلك نتجت ديانة جديدة تماماً، ولم يكن بإمكانه الإبتعاد عن ديانة عيسى وتعاليمه بصورة تفوق مااقترفه، ومن يُعارض ذلك فلن يلق من أمره إلا الحيرة التامة وسيكون غير موضوعى بالمرة .
وأكثر الناس معرفةً لهذه القرائن هو رجل الدين الكاثوليكي السابق والباحث الديني ألفريد لوازي Alfred Loisy، وهو قد ساق لنا التناقض الصارخ بين رسالة عيسى وتعاليم الفداء البولسية في أعماله الشاملة : le sacrifice Essai historique sur إصدار باريس عام 1920 وأيضاً Les mystères païens et le mystère chrètien إصدار باريس عام 1930.
وقد صرح لوازي في أعماله المذكورة أن عيسى لم يكن لديه أدنى فكرة عن مثل هذا الدين الوثني الغامض، الذي أبدله بولس برسالته وعيسى منها بريء (وهو هنا يتكلم عن تحوُّل، وإبعاد، وتغيير).
فقد أقام بولس المسيحية على قاعدة تختلف تماماً عن تلك التي بنيت عليها رسالة عيسى ، لذلك تحولت رسالة عيسى إلى ديانة من ديانات الخرافات الأسطورية، فقد جعل بولس عيسى في صورة المخلّص الفادي التي تعرفها الأديان الأخرى الوثنية، وفيما بعد سيطرت أسطورة الفداء هذه على إنجيل عيسى الذي لم يعتنقه العالم القديم، واعتنق بدلاً منه خرافة أخرى لا علاقة لعيسى بها .
كذلك تحدث لوازي عن تحول بولس وإنسلاخه، وأكد أن فكرة هذه الديانة الوثنية الغامضة لم تكن فكرة عيسى ، الأمر الذي أبدل روح الإنجيل بروح أخرى تماماً.
وقال القس البروتستانتي كورت مارتي Kurt Marti ؛ إن بولس قد غيّر رسالة عيسى تماماً (Exlibris Heft إصدار ديسمبر 1973 - صفحة 5) .
وقال بروفسور اللاهوت الشهير فرانتس فون أوفربيك Franz Von Overbeck : "إن كل الجوانب الحسنة في المسيحية ترجع إلى عيسى ، أما كل الجوانب السيئة فهي من عند بولس " إقتباس من Ragaz من كتاب ( هل هذا إصلاح أم تقهقر ؟ Reformation vorwä-;-rts oder rükwä-;-rts? " صفحة 18 .
ويرى بفيســترفي كتابه (المسيحية والخوف Das Christentum und die Angst صفحة 400) أن الإصلاح الديني هذا فضَل التمسك بتعاليم بولس عن الرسالة الحقة لعيسى .



#سامي_المنصوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موسى و سرجون ألاكدي
- هل كان الله هو الإله القمر
- هاروت وماروت
- عام الفيل
- المتاهة الكبرى في ( اليهوديه - المسيحيه - المندائيه – الاسلا ...
- المتاهة الكبرى في ( اليهوديه - المسيحيه - المندائيه – الاسلا ...
- خريطة المتاهة الكُبرى - في اليهوديه المسيحيه الاسلام - 2 -
- خريطة المتاهة الكُبرى - في اليهوديه المسيحيه الاسلام - 1 -
- المتاهة الكبرى في ( اليهوديه - المسيحيه - المندائيه – الاسلا ...
- القطيعة الايديولوجيّة بين اليهود النصارى و العرب - إنجيل الع ...
- الجذور الوثنية للديانات التوحيدية
- وثيقة يوحنا الدمشقي المسماة الهرطقات
- الدافع إلى التدين اليهوديه - المسيحيه
- كاتب مجهول قصة الاسلام
- عقيدة الثالوث
- كتابك المقدس يختلف - نبذة عن التراجم
- مختطفات اسلاميه ( 3 )
- المسيحيه و مجمع نيقية
- نداء الى كل مسيحي معتدل
- انجازات الحكومه العراقيه للاردن الشقيق


المزيد.....




- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...
- الاحتلال يقتحم المغير شرق رام الله ويعتقل شابا شمال سلفيت
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي المنصوري - ألتناقض بين بولس و المسيح - 1 -