أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - عبد اللطيف حصري - التبادل السكاني بين يهودية الدولة ودولة الأبرتهايد















المزيد.....

التبادل السكاني بين يهودية الدولة ودولة الأبرتهايد


عبد اللطيف حصري

الحوار المتمدن-العدد: 4336 - 2014 / 1 / 16 - 13:15
المحور: القضية الفلسطينية
    


تأتي مقترحات ليبرمان للتبادل السكاني في سياق ما سعت إليه المؤسسة الصهيونية على مدار العقود السبعة الأخيرة، من خلال معركة دائمة ومستمرة على يهودية الدولة وتنقيتها بأقصى قدر ممكن من العرب لتغدو دولة إثنيه تمنح الأفضلية لأبناء العرق اليهودي، الأمر الذي قادها رويدا رويدا وأحيانا إندفاعا نحو دولة الأبرتهايد، فمع نهاية حرب الـ 1948 كانت إسرائيل قد أنتجت من أسباب استمرار وإذكاء الصراع ما يكفي لعقود طويلة قادمة، ولا اقصد هنا فقط ما ارتكبته من مجازر وتطهير عرقي وهدم للقرى العربية بعد اقتلاع سكانها وقذفهم إلى منافي اللجوء والشتات، وإنما ما سعت إليه سياسيا من خلال استثمار "انجازها" العسكري في تقويض قرار التقسيم من العام 47 والالتفاف على القرار بحيث يتم استبعاده كمرجعية للحل ومرجعية لحق تقرير المصير، ويغدو التعامل مع نتائج الحرب هو المرجعية الوحيدة المتاحة أمام الطرف الفلسطيني.
لقد أدركت القيادة الصهيونية مبكرا أن رفض قرار التقسيم من كلا الطرفين العربي واليهودي، سوف يقود إلى مرجعيات أخرى وسوف يضع حق تقرير المصير لكلا الشعبين أمام استحقاق إنهاء الانتداب البريطاني وإقامة الدولة الدمقراطية الواحدة، أو الدولة ثنائية القومية وهو الأمر الذي قض مضاجع القيادة الصهيونية، فسارعت إلى قبول قرار التقسيم وفي نفس الوقت عملت كل ما بوسعها على تقويضه نهائيا من خلال الحرب والسيطرة العسكرية على اكبر مساحة ممكنة من الأرض، وفي الواقع استطاعت السيطرة على نحو ثمانين بالمائة من الأرض في حين منحها قرار التقسيم ما يعادل خمسة وخمسين بالمائة من أراضي فلسطين التاريخية.
واقع الاحتلال والسيطرة العسكرية وواقع التطهير العرقي للمناطق التي سيطرت عليها إسرائيل، عزز قناعة القيادة الصهيونية أن بإمكانها إقامة كيان يهودي صاف تتجاوز حدوده ما نص عليه قرار التقسيم، ويحتمل وجود أقلية عربية بسيطة مرعوبة وهادئة داخله، وبنفس الوقت يلغي حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني أو على الأقل يزيحه جانبا لعدة أجيال قادمة. وكانت حرب الـ 67 الضربة الأقسى لقرار التقسيم، إذ استولت إسرائيل عسكريا على كامل التراب الفلسطيني وسياسيا أزاحت مرجعية الحل من قرار التقسيم إلى نتائج حرب الـ 48 ، وانعكس ذلك ليس في أروقة الأمم المتحدة ودوائر الشرعية الدولية وحسب، وإنما في خطاب حركة التحرر الوطني الفلسطينية أيضا، التي رفضت التقسيم في حينه لما حمله القرار من عناصر إجحاف بحق السكان الأصليين، وساقتها نتائج حرب 67 إلى التعامل مع قرار التقسيم بنوع من الحنين المحزن، والتعامل مع نتائج حرب 48 أو ما اصطلح على تسميته حدود 67 على أنها حدود "الشرعية الدولية"، وحصر أو حتى حشر مفهوم الاستقلال الوطني وتقرير المصير للشعب الفلسطيني في مناطق الاحتلال الإسرائيلي من عام 67، بمعنى في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس العربية، هذا في الوقت الذي سعت فيه إسرائيل من خلال الاستيطان إلى إلغاء حتى هذا الجزء من مساحة المناورة الفلسطينية حول حق تقرير المصير، وخلق واقع جغرافي على الأرض يقلص تلك المساحة إلى حدود غير قادرة وغير قابلة لإنشاء كيان سياسي واقتصادي واجتماعي مستقل قادر على ممارسة السيادة السياسية على الأرض، وخلق واقع ديمغرافي استيطاني في داخل حدود الاحتلال الجديد يجعل إمكانيات الحل شبه مستحيلة.
في تشرين ثاني عام 2002 قدم قسم الأبحاث التابع للكنيست، بناء على طلب من عضو الكنيست افيغدور ليبرمان بحثا حول ثمانية عمليات ترانسفيرية تاريخية جرت أحداثها في أوروبا خلال القرن العشرين، واستعرض البحث أعداد السكان الذين تم طردهم أو نقلهم من مكان إلى آخر، كما استعرض الطرق والأساليب التي تم استخدامها لتنفيذ عمليات الترانسفير، ومن ابرز تلك العمليات إجبار نحو مليون ومائتي ألف يوناني على الهروب من تركيا إلى اليونان، وهروب نحو ثلاثمائة وثمانين ألف تركي من اليونان إلى تركيا، ويبدو واضحا مما استعرضه البحث أن مثل هذه الأحداث كانت لصيقة أو بالتوازي مع الحروب، أو من خلال توتير النزاعات القومية، وهو الأمر الذي لا تعدمه منطقتنا، لا بل وتعمل إسرائيل جاهدة على إذكاءه والحفاظ على جذوة التوتر وفتيل الاشتعال بشكل دؤوب.
في الواقع لا تحتاج المؤسسة الصهيونية إلى كل تلك الدراسات التاريخية، فالتطهير العرقي الذي مارسته على سكان ما يربو على خمسمائة قرية فلسطينية يمكن أن يشكل اكبر مدرسة لأعتى الديكتاتوريات في العالم، لكن ثبات أقلية عربية في أرضها ووطنها من جهة وغوص إسرائيل في مستنقع احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، وضع الصهيونية أمام معضلة السيطرة التامة والكاملة على أراضي فلسطين التاريخية والتوازن الديموغرافي بين النهر والبحر. لذا تسارع إسرائيل اليوم في سباق مع الزمن إلى قضم اكبر مساحة من الأرض العربية وثم حشر الفلسطينيين داخل معازل عرقية، وتوسيع رقعة السيطرة على الأرض إما من خلال الاستيطان السرطاني، أو من خلال سيطرة الجيش على مناطق بحجة الأمن ونهب المزيد من الأرض لمصلحة جدار الفصل العنصري، وذلك يسير بالتوازي تماما مع سياسة نهب الأرض على غرار قانون برافر العنصري، وسياسة الهدم وتضييق الخناق على القرى والمدن العربية داخل حدود 67، وحرمانها من المسطحات وآفاق التطور، انسجاما مع دعوات التبادل السكاني والترانسفير.
تتحدث بعض الأوساط الصهيونية بصفاقة عن "تصحيح الخطأ التاريخي" وعن ضرورة التخلص من العرب مواطني دولة إسرائيل من خلال عملية تبادل سكاني أو أراض، كجزء من الحل الدائم بين إسرائيل والكيان الفلسطيني العتيد، وتحقيق أغلبية يهودية مطلقة على أغلبية أراض مطلقة من فلسطين التاريخية. فما أخفقت في تحقيقه من خلال المجازر وغبار الحرب، تحاول اليوم تحقيقه من خلال المفاوضات.
لقد سقطت منذ زمن بعيد كل ذرائع الأمن في تبرير بناء الجدار، ويدرك الجانب الفلسطيني تماما كما يدرك الجانب الإسرائيلي، أن استيلاء الجدار على نحو أربعين بالمائة من أراضي الضفة الغربية، له دوافع كولونيالية عنصرية وليس أمنية، ففي السنوات الأخيرة تسارعت وتيرة الاستيطان بنفس الوتيرة التي عملت بها إسرائيل من خلال الجدار على عزل التجمعات السكانية العربية في مدن وقرى الضفة الغربية، وتحويلها إلى كانتونات أشبه بمعازل عرقية، منها ما أحيط بالجدران ومنها ما هو قابل للإحاطة بحسب ضرورات الاستيطان و "امن" أو جشع المستوطنين.
والمفارقة انه كلما أمعنت إسرائيل في الاستيطان والتوسع داخل الأراضي المحتلة، كلما اتسعت دائرة "المعترفين" بمبدأ حل الدولتين. وللوهلة الأولى قد يبدو الأمر متناقضا، لكن حين يقترن هذا الإقرار أو الاعتراف بالتشديد على "دولتين لشعبين"، بمعنى نحن هنا على الجزء الأكبر من فلسطين، وانتم هناك داخل تلك المعازل العرقية، ففي ذلك ما يفسر جنوح الأحزاب الصهيونية وحتى أشدها يمينية وتطرفا إلى "قبول" الفكرة بشرط اشتراط الشرعية الدولية بالجزمة العسكرية الإسرائيلية، أي أن يفرض الاحتلال حدود الشرعية الدولية وسقف المطالب الفلسطينية التي يمكن للمؤسسة الصهيونية أن تتعايش معها، وسقف تعداد الفلسطينيين الذين يسمح لهم بالبقاء داخل الدولة العبرية، بما يتناسب مع منسوب العنصرية لدى دوائر صنع القرار في المؤسسة الصهيونية.
لكن ينبغي في نفس السياق طرح السؤال الآخر، بمعنى ما هي حدود الشرعية التي تستطيع المؤسسة الفلسطينية التعايش معها، وهل يملك أي فلسطيني، بأية صفة كانت حق استبعاد مسألة اللاجئين وحقهم بالعودة، وهو الأمر الذي تسعى إسرائيل إلى شطبه وحذفه نهائيا من خلال الحديث عن التبادل السكاني وعن دولتين مع التأكيد أنهما لشعبين، وبذلك تضع أكثر من علامة سؤال ليس فقط على حق العودة وعلى مستقبل مناطق احتلال عام 67 ، وإنما على مستقبل نحو مليون ونصف المليون فلسطيني مواطني دولة إسرائيل أيضا، ولا يتعارض رفض الجماهير العربية في الداخل الفلسطيني لمشاريع التبادل السكاني مع رغبتها وحرصها على ممارسة هويتها الوطنية الفلسطينة، فبخلاف ما تدعيه الأوساط الإسرائيلية عن تشبث العرب بمستوى الحياة المرتفع، فإن نصيب المناطق المقترحة للتبادل من المصادرة والنهب وبالتالي من شظف العيش، لا يقل عن نصيب أبناء المخيمات، ويكفي أن نذكر إن مصادرة أكثر من 120 ألف دونم من أراضي أم الفحم مثلا، وفرت رغد العيش لمئات آلاف اليهود، بينما تحول أصحاب هذه الأراضي إلى مجرد قوة عمل رخيصة في السوق الإسرائيلي. وينبغي طرح السؤال الأكثر حدة! كيف يمكن مقايضة أهل البلاد بمجموعة لصوص إستولت على ارض ليست لها ومياه ليست لها وجغرافيا ترفضها وتاريخ يتقيأها؟
في حقيقة الأمر لا تنسجم هذه المقترحات، ولا حتى حل الدولتين في صيغته الممسوخة، مع جشع المؤسسة الصهيونية وشهيتها التوسعية الكولونيالية، وما تسعى إليه إسرائيل ليس اقل من دولة يهودية كاملة السيادة على كامل تراب فلسطين التاريخية، وليس أكثر من بضعة معازل عرقية عربية، منزوعة السيادة، لا تمانع إسرائيل في تسميتها "إمبراطورية فلسطين العظمى". فبخلاف الهرج عن حل الدولتين، تسير الأمور على الأرض في اتجاه دولة واحدة هي الدولة اليهودية، وقد يقول البعض التوراتية، لكن مهما قيل أو يقال ستكون حتما دولة ابارتهايد، تقمع أهل البلاد الأصليين، ما يدعو إلى إعادة النظر في طروحات باتت محتضرة وغير قادرة على تقديم الحل وتقريب السلام، واعني تحديدا طرح "الدولتين لشعبين" بصيغته الإسرائيلية الممسوخة، سواء شمل مقترح التبادل السكاني أم لم يشمله.



#عبد_اللطيف_حصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إستقيموا يرحمكم الله !
- سقط الاخوان ! فهل يعيد إسلاميو فلسطين حساباتهم؟ (2)
- سقط الاخوان ! فهل يعيد إسلاميو فلسطين حساباتهم؟ (1)
- ام الفحم: مراجعة عامة عشية الترانسفير
- في سباق مع الزمن اسرائيل تسعى لحسم قضية القدس
- هل تعد اسرائيل لعدوان جديد على لبنان؟
- ليبرمان بين اغراق غزة واحراق ام الفحم
- إحتضار حل الدولتين
- هل تهز هزة هاييتي ضمير الانسانية؟؟


المزيد.....




- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا
- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - عبد اللطيف حصري - التبادل السكاني بين يهودية الدولة ودولة الأبرتهايد