فعل -أكل- والعرب

هشام معيري

الحوار المتمدن-العدد: 4329 - 2014 / 1 / 8 - 15:56
المحور: كتابات ساخرة
    

لا أدري...لا أعلم أين يكمن السبب الجوهري الذي أدى بالعرب إلى استعمالهم المكثف لفعل "أكل" وكيف دخل هذا الفعل على جزء كبير من تعابيرنا المتداولة...في أحاديثنا...في خطاباتنا...إلى أن طغى على الكثير من كلامنا المتداول...مع أن فعل "أكل" محصور بوظيفة فيزيولوجية محددة هي تناول الطعام.
إلا أن سلطته المتجذرة في الكيان العربي، غطت جميع المسائل الجادة والأمور الهامة في حياتنا بكافة تنوعاتها وأشكالها...فأصبح هذا الفعل مرتكزاً وقاعدة أساسية في وصف جميع الهواجس والأفكار والترهات التي تعترينا...وشكل قاعدة ثابتة في المواقف التي نتخذها والآراء التي ننطق بها...لكأن هناك علاقة متينة وعريقة بين "العقل والمعدة" منذ الأزل...
والأكل هو من المباحات والمباهج الدنوية الرائعة...المرتبطة بأكبر مؤسسة عربية ناجحة ومزدهرة التي هي "المطبخ"...لهذا فإن غالبية الناس على امتداد مساحة وتراب"وطني العزيز الغالي" تخلط بين فئتين أساسيتين من شعبنا:
فئة منشغلة ليلاً ونهاراً على حماية قواعد الصرف والنحو ويطلق عليهم اسم "النحاة"... فئة منشغلة ليلاً ونهاراً في دفئ ونعيم المطابخ ويطلق عليهم اسم "الطهاة"، وبنتيجة المزج بين "الطهاة" و"النحاة" أصبحت كل العبارات والتسميات والتحليلات لا تخلوا من فعل "أكل".
وانطلاقاً من القول المأثور: "البطن الكبير لا ينتج فكراً ثاقباً" فسنحاول أن نثبت العكس وذلك من خلال النزول إلى الميدان...ومشاهدة الواقع.
واقع "مكتبات" ولكن إن صح التعبير "مخبزات"... فمن خلال متابعتنا لأخبار معارض الكتاب في الدول العربية، فإن ترتيب الكتب الأكثر مبيعاً هي التالي: كتب الطبخ، كتب تفسير الأحلام، كتب الأبراج.
فكتب الطبخ أخذت حصة الأسد وبمختلف اللغات...وكذا واقع المجلات وسائر المطبوعات التي أفردت الصفحات الطوال وملأتها بالنصائح والوصفات...تنافس المحطات التلفزيونية في بث البرامج المتعلقة بأنواع "الرياضيات" التي تساعد على تخفيف الوزن...وهطلت بذلك ارشادات "الحمية" و"الرجيم" بتعدد طرقها...ووسائلها,
وتباري خبراء الأعشاب والطحالب "الحشائش" على فضح بلاوي الأكلات التي تعددت جنسياتها...
وسنحاول هنا أن نورد ونستذكر بعضاً مما قيل ويقال عن أهمية وتأثير فعل"أكل" في الوجدان العربي...فقيل عن الحياة مثلا: الحياة ثلاثة طرق، طريق تأكلك فيه الذئاب، وطريق تأكل فيه الذئاب، وطريق تأكل فيه نفسك....ويقال أن: "فلاناً أكل رأس فلان" وهذا يعني تفوقه عليه وهزمه...ويقال أيضاً "فلان خضرة فوق طعام" وهذا يعني أنه بلا فائدة، أو لا يحسب حساب له...وعندما يقال بأن فلان "أكل حق رفيقه" فهو إنكار لحقه...ويقال سآكل فلاناً...أكلت فلانة.....
ووصل الأمر في استعمالات فعل "أكل" إلى كل تفاصيل ومجريات الأحداث المختلفة وهكذا فإن حكمة "الكلام هو التفكير جهراً" أصبحت "الكلام هو الأكل جهراً" فمثلاً عند مرور فتاة جميلة أمام فئة من الشبان...وللتعبير عن الاعجاب يبادر بمغازلتها وذلك بـ: "شوف..شوف..هذاك الكراع" "شوف..شوف..هذاك المورسو" وغيرها من الألفاظ المطبخية....هذا مما زاد تعلق بناتنا...بالمسلسلات الشرقية والغربية والتركية لغناها وغزارتها بجمل الغزل الجميلة...ولو مرت هذه الأقوال عبر حدود "وطننا العزيز الغالي" لظنو أننا أناس آكلون للحوم البشر...وأخشى ما أخشاه أن يصبح فينا القول: "علينا أن نحيا لنأكل، لا أن نأكل لنحيا".

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل