أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فواز فرحان - الاقتصاد والماركسية ..13















المزيد.....


الاقتصاد والماركسية ..13


فواز فرحان

الحوار المتمدن-العدد: 4327 - 2014 / 1 / 6 - 08:12
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    



المدينة الاقطاعية ..

تعتبر علاقات الناس الاقتصادية الناشئة في المدينة الاقطاعية جزء لا يتجزأ من منظومة العلاقات الانتاجية الاقطاعية , كانت المدينة مركز الحرفة والتجارة , وقد ورثت الاقطاعية عن عصر الرق الكثير من المدن , هذه المدن ذاتها والإنتاج الحرفي فيها أصيبا في نهاية عصر الرق بالانحطاط والفقر , في مرحلة فجر الاقطاعية ذاتها كانت المدن والحرفة تتطوران تطوراً بطيئاً جداً ..
كان الحرفيون لا ينتجون بسبب ضيق الأسواق إلاّ قسماً ضئيلاً من البضائع لغرض البيع , ومعظمهُ بناءاً على طلب مسبق , وكان الحرفيون مجبرون على أن ينتجوا بأنفسهم كل ما هو بحاجة اليه من غذاء وثياب وغير ذلك , إلاّ أن تطور الانتاج الاقطاعي المتواصل كان لا بد لهُ من أن يؤدي الى انفصال الحرفة عن الزراعة , ثم الى تشكيل المدن هذه المرة على أساس اقطاعي ..
كان نشوء المدن يتحدد بنمو قوى المجتمع الاقطاعي الانتاجية , وخاصة بتحسين تقنية الانتاج الحرفي , وبتطور التقسيم الاجتماعي للعمل , وما يرتبط بهِ من نمو التبادل السلعي ..
لم يكن بمستطاع الحرفة أن تتطور في نطاق أرض الإقطاعي إلاّ ضمن حدود معيّنة , كانت معالجة المواد الأولية الزراعية في ريف أرض الاقطاعي لا تعدو العمل الثانوي بالنسبة الى الفلاح , وقد انفصل عن الفلاحين فيما بعد الحرفيون الذين كانوا يخدمون اقطاعييهم وقراهم , كما تطورت التقنية الحرفية وارتفعت انتاجيتها ..
وأخذت الحرف تنفصل على أساس تخصص أوسع من السابق , الى عدد من الحرف المستقلة ذات التخصص الأوفى للحاجات البشرية , ومع مرور الزمن أصبح بالإمكان انتاج المستلزمات بوفرة , ليس للإقطاعي وفلاحيه والقرية بل أوسع من ذلك بكثير ..
أدى هذا التطور الى انتشار الحرفة ومنتجاتها الى ما وراء حدود الاقطاعي وأرضهِ , وبدأت هذهِ العملية منذ أن قام بعض الحرفيين بإذن من الاقطاعي بالقيام بجولات الى أراضي أخرى تابعة لإقطاعيين مختلفين , وراحوا ينتجون مقابل النقد كل ما يحتاجه الآخرون من بضائع , وعندما كانوا يعودون الى قراهم أو مدنهم كانوا يدفعوا جزءاً من أرباحهم الى الإقطاعي ..
أصبح الحرفيون في المرحلة الاولى يُرسلون بعد أخذ الموافقة من الاقطاعي الى الأراضي والقرى المجاورة , وكثيراً ما كان الاقطاعي يسمح لهم بالذهاب الى دورهم التي كانت تبنى دائماً على مفترق الطرق في المدن والقرى , أو على ضفاف الانهار والمياه في بعض المجتمعات , وأحياناً كان الاقطاعيون أنفسهم ينتدبون خيرة حرفييهم ليرسلون الى خارج نطاق اقطاعهم ..
وهكذا أخذت هذه المراكز والضواحي الحرفية تنمو مع الزمن وتتحول الى سوق , على الرغم من أن سكان المدن مكثوا لوقت طويل من الزمن لا يقطعوا صلتهم بالاقتصاد الزراعي وبقوا تحت وصاية الاقطاعي ..
ففي الغالب كانت حدود المدن تشمل البساتين والحقول وحتى المراعي ..

والسؤال هنا كيف نشأ السوق ؟

الجواب ..
عندما راح الحرفيون يتنقلون في الأراضي الاقطاعية المختلفة وحتى في المدن الناشئة والبلدات المجاورة لأرض الاقطاعي الذي كانوا يخضعون لهُ , تطورت أفكارهم وتصوراتهم على الأشكال الاقتصادية ـ الاجتماعية التي كانت تشكل اقتصاد الاقطاع في الأراضي المختلفة , في البداية لعب الحرفيون دور ساعي البريد بين الإقطاعيين , وراحوا ينقلوا خبراتهم ومشاهدهم المختلفة لرؤسائهم , وفي نفس الوقت بدأ هؤلاء الحرفيون فيما بينهم باللقاء ومناقشة صناعاتهم وطرقة تطويرها وتبادلها حتى فيما بينهم , هذا الأمر مهد في البداية الى الاحتكاك بين الحرف المختلفة والخبرات المختلفة في نفس الاتجاه الحرفي ..
وفي مرحلة لاحقة أدى الى اقناع الاقطاعيين بضرورة وجود سوق لترويج المنتجات الزراعية والحيوانية ومنتجات الحرف التابعة للإقطاعي , فتم انشاء سوق صغير في البلدات والمدن التي يعيش فيها نسبة سكانية كبيرة , وتطور هذا الشكل الى أسواق متنقلة ومنها برزت ظاهرة الباعة المتجولين بين القرى والبلدات وحتى المدن الناشئة , وهكذا تطورت هذه الاشكال لتصل الى سوق كبيرة نسبياً يصب فيها كل الاقطاعيون انتاج أراضيهم وفلاحيهم وحرفييهم , وفي نفس الوقت تطور شكل التبادل الاقتصادي الى مرحلة أكثر تقدماً من السابق ..

لقد تطورت المدن في اوربا تطوراً كبيراً منذ بداية القرن الحادي عشر , وقبلها تطورت المدن في الشرق , ومع سياق التطور العام للحرفة , وسياق تشكل المدن , دبت الحياة من جديد في المجتمعات البشرية , وفي المدن القديمة التي ورثتها البشرية من عصر الرق , ومع مرور الوقت كانت تقنية الحرفة اليدوية وفن الحرفيين يتحسّنان أكثر فأكثر , وأمكن لأكثر الحرف تطوراً أن تستقل نهائياً عن الزراعة .
كان للإنتاج الحرفي في المدن بنية متميّزة , كان حرفيو المدن متوحدين في جمعيات أصناف نشأت في ايطاليا وبيزنطة في القرن التاسع والعاشر , وفي البلدان الاوربية الاخرى في القرنين الثاني عشر والثالث عشر , كانت جمعيات الأصناف الحرفية عبارة عن اتحادات ينتسب اليها الحرفيون , من ممتهني الحرفة الواحدة , أو حرف أخرى مختلفة , والقريبة من بعضها البعض , ولم يكن بمقدور الحرفيون الذين لا ينتسبون لهذه الجمعيات ممارسة حرفهم ..
كان لكل جمعية لجنتها الادارية , ونظامها الخاص , كانت تتخصص بتنظيم الانتاج الحرفي على أدق وجه , كانت تحدد بشدة تقنية الانتاج وطرقهِ وأدواتهِ , وعدد العمال في كل جمعية من جمعيات الأصناف , وثمن السلعة ونوعيتها , والأجور , وطول يوم العمل , وغالباً ما كانت الجمعيات تشتري المواد الأولية لأعضائها وتنشئ مستودعات عمومية , وكانت طرق العمل التي كرستها التقاليد الطويلة المدى الزامية للجميع ..
كانت سلطات المدينة الاقطاعية المؤلفة من ممثلي الحرفيين والتجار تمنح الجمعيات احتكار الانتاج , فهي عبارة عن منظمات تتبادل المساعدة فيما بينها , وهي في الوقت ذاته أشبه باتحادات دينية , كانت الجمعية الحرفية تنظم بهدف التلاؤم مع السوق المحلية الضيّقة وحاجاتها بهدف تصفية المزاحمة بين معلمي الحرفة وتجنب التمييز فيما بينهم .
كانت المشاعات الريفية الزراعية في العصور الوسطى هي النموذج الأساسي لجمعيات حرف المدينة , فعندما انتقل حرفيو الريف الى المدينة حاولوا جاهدين ان ينقلوا نظام المشاعة اليها , وقد تحول هذا الشكل الى شكل الجمعيات الحرفية , لقد سمى ماركس جمعيات الأصناف بالشكل الاقطاعي لتنظيم الحرفة ..
كان لمعلم الحرفة ورشة خاصة ويعمل بصورة رئيسية اما بناءاً على طلب معيّن , أو لتغطية حاجة السوق المحلية , كان يملك وسائل انتاجه من الورشة وأدوات الإنتاج الى المواد الأولية والمواد المصنوعة الاخرى . وكان الانتاج الحرفي من حيث مقاديره انتجاً صغيراً , كان يعمل في الورشة بعض الاجراء والصناع , وأعضاء عائلة المعلم ( صاحب الورشة ) وبشكل الزامي كان يعمل معهم المعلم ..
فالمعلم كان الرأس الأول في عملية الانتاج الصغيرة هذهِ , ويساهم مباشرة في سياق العمل ويتحكم بهِ ايضاً , وكانت ملكيتهِ بالتالي قائمة على أساس عملهِ الشخصي , صحيح أنهُ كان يتناول دخلاً من عمل الصناع والأجراء وأعضاء عائلتهِ الذين كانوا يخلقون قيمة أكبر مما كانت تكلف إعالتهم , إلاّ أن منزلة المعلم العليا بالنسبة الى الصناع والأجراء لم تكن لتعتمد على ملكيتهِ لوسائل الإنتاج بقدر ما كانت تعتمد على خبرتهِ المهنية ..
لم يكن في الورشة أي تقسيم للعمل تقريباً , كل حرفي ينتج بنفسهِ انتاجاً أو بضاعة معيّنة من البداية حتى النهاية , ففي مثل هذه الظروف كان لفن الحرفي وسلطته الأهمية الاولى , كان الحرفيون أساتذة متمكنين في مهنتهم , وتعتبر الآثار المكتشفة في يومنا هذا والتي تعود لتلك الحقبة شهادة وصورة رائعة عن الفن الشعبي الحرفي في ذلك الزمن , إلاّ أن تعلم الحرفة حينها كان يتطلب وقتاً طويلاً من الزمن ..
هنا يجب ان نذكر .. أنهُ لم يكن نشاط المعلم الاقتصادي الركض وراء الربح والغنى بقدر ما كان تأمين الورشة لهُ معيشة تناسب حالهُ وحريتهُ , أما بالنسبة للصناع والأجراء , فكان العمل عند المعلم بمثابة مدرسة اعدادية , فبعد ان يعمل الأجير عند المعلم لبضع سنوات يتحول من خلال التجربة اليومية الى صانع , وبعد عملهِ لسنوات اخرى تحت هذا الشكل وبخبرة كافية يستطيع ان يقدم نفسه للجمعيات لاختبار اهليتهِ كأستاذ في الصنعة التي امتهنها , ومن ثم فتح ورشة مستقلة له ..
وهنا ظهر الى الوجود اتساع اعداد الحرفيين وأصحاب الورش في أغلب البلدان الاقطاعية ..
لكن ...!
بقدر ما كان الانتاج السلعي يتطور وبسرعة كبيرة , كانت إمكانية تحول الصانع الى معلم في تقلّص مستمر وقد اضطر الصناع والأجراء أن يبقوا لفترات طويلة في عداد العمال المأجورين ..
كانت العلاقة في الورشة بين المعلم وتابعيهِ من الصناع والأجراء علاقة أبوية الى حد كبير , في فجر مراحل تطور الحرفة , لكن شكلاً من أشكال الاستغلال كان يحكم العلاقة بين المعلم وتابعيه ..
لهذا .. كانت التناقضات بين المعلمين ( الحرفيين ) من جهة , والأجراء والصناع من جهة اخرى تتحول الى تناقضات حادة بالتدريج لا سبيل الى حلها ..
كان للإنتاج الحرفي في بلدان الشرق خصائصهِ النوعية , فإذا كانت الحرفة في اليابان تنظم في الورشة التي لم تكن تختلف عن شكلها في بلدان الغرب الاوربية , فإن تنظيم الحرفة في الهند مثلاً كان يخضع لأسلوب مختلف كلياً .
كان الحرفيون في الهند لا يتحدون في جمعيات أصناف بل في طوائف , هذا التركيب الطائفي للحرفة يُفسّر بتقسيم الديانة البوذية للناس الى طوائف على العموم , ولم يكن في هذه الطوائف تقسيم العمال الى صناع وأجراء ومعلمين , كما لم يكن فيها محل للتعليم , ولم يكن بمقدور أي قريب ( غير عضو في الطائفة ) أن يمارس الحرفة , كانت روح المحافظة في الحرفة الطائفية تستشعر بقوة خاصة , كانت طرق العمل وأدواتهِ تخضع لتقاليد أبدية ولا يمكن للتبدل أن ينالها تحت أي حال من الأحوال ..
أي ببساطة .. الشخص الأكبر في مكانتهِ الدينية فقط كان يحق لهُ أن يكون غنياً والأرواح التي تولد فقيرة تبقى فقيرة وخاضعة لأنها ارادة الهية , ان الطائفية الحرفية تتميز عن جمعيات الأصناف الاوربية في انها لا تمنح الحرفيين أية حماية ضد تحكم الاقطاعي ( رجل الدين الأعلى ) الذي يُعيّن بنفسهِ رئيس كل طائفة حرفية ويتدخل في شؤون الطائفة دائماً ..
أما في الصين ..
كانت المؤسسات الحكومية الاقطاعية التي تشمل الفروع الأساسية في الحرفة تلعب الدور القيادي في الانتاج الحرفي , وقد قام انتاج المؤسسات على عمل الأقنان التابعين في الأساس ..
كان الاقنان الحرفيون ينقسمون من حيث القيام بالسخرة الحكومية الى فئتين ..
ــ الاولى تعمل عشرة أيام في الشهر .
ــ الثانية تعمل ثلاثة أشهر في السنة ..
فيما تبقى من الوقت يعملون في قطع الأرض التي أعطتها الدولة لهم لاستثمارها في صالحهم , كانت أسماء الاقنان الحرفيين تسجل في قوائم أبدية ويمنعون من تغيير مهنهم , كما أن أبنائهم وأحفادهم ملزمون بعد موتهم بحمل أعبائهم , وبقدر ما كان الانتاج يتوسّع كان عدد المسخرين يزداد أيضاً ..
لم تكن المدن في المرحلة الاقطاعية مراكز للحرفة فحسب , بل وكانت مراكز للتجارة أيضاً , كان التجار والمرابون هم أغنى سكان المدن , وكان تنظيم الجمعيات في التجارة شبيهاً بالجمعيات الحرفية , وقد وجدت جمعيات التجار في كل المدن الاقطاعية تقريباً ..
كانت هذه الجمعيات معروفة في الشرق منذ القرن التاسع , وفي اوربا الغربية في القرنين التاسع والعاشر , وفي روسيا منذ القرن الثاني عشر , وكان لهذهِ الجمعيات مهمات أساسية تتمثل في ..
ــ النضال ضد مزاحمة التجار الغرباء ..
ــ تنظيم وتحديد المقاييس والأوزان ..
ــ الاتفاق حول الاسعار ونوعية السلع ..
ــ حماية حقوق التجار من عدوانية الاقطاعيين ..
وهنا برز الرأسمال التجاري في ظروف الإقطاعية كوسيط في تبادل الإنتاج الفائض الذي يحصل عليه الاقطاعي , وكذلك تبادل الاشياء والبضائع الكمالية التي يستوردها التجار من بلاد الشرق , كما كان هذا الرأسمال وسيطاً في تبادل منتجات فلاح الإقطاعي وحرفيي الورش , وكان الربح التجاري ينشأ نتيجة تفوّق قيمتها ..
كان مصدر الربح التجاري في نهاية المطاف هو الانتاج الفائض الذي ينتجه المنتج المباشر , من فلاح أو حرفي , كان التجار والمرابون ومعلمو الحرف الاغنياء يشكلون الصفوة المختارة في المدينة , ويدعون بالأشراف والنبلاء ..
ان نمو القوى المنتجة المتواصل أدى بالمجتمع الاقطاعي الى انقسامهِ الى مدن تجارية حرفية , والى ريف زراعي , ومع تشكل المدن وتطور الحرفة في المجتمع الاقطاعي نشأت قوة اقتصادية جديدة , هي قوة الانتاج السلعي , وانتقل الى المدن الدور القيادي في تطوير القوى المنتجة لأسلوب الانتاج الاقطاعي ..
وهنا تميّزت العلاقة المتبادلة بين الريف والمدينة بخاصية بارزة تمثلت في سيطرة القرية على المدينة سياسياً , في حين كانت المدينة تستغل الريف أو القرية اقتصادياً .
يؤكد ماركس هذا الكلام حين قال ..
(( اذا كانت القرية في العصور الوسطى تستغل المدينة سياسياً , في كل مكان لم تتحطم فيه الاقطاعية بعد بتطور المدن العاصف , كما في ايطاليا , فان المدينة كانت في كل مكان ودون أي استثناء تستغل القرية اقتصادياً , عن طريق أسعارها الاحتكارية , ونظام ضرائبها , ونظام جمعياتها الحرفية , والخداع التجاري المكشوف ورباها )) ..
كارل ماركس .. رأس المال .. المجلد الثالث .. ص 814

وقد أدى انفصال المدينة عن القرية الى تطور التجارة الداخلية والخارجية في المجتمع الاقطاعي تطوراً هاماً , واتسعت التجارة الداخلية بين الحرفيين والفلاحين , وبين الحرفيين والإقطاعيين , ونشأت الأسواق الداخلية القائمة على العلاقات التجارية بين المدينة والقرية وأرض الإقطاعي , وانتظمت بمساعدة التجارة الصلة التنظيمية بين الحرفة والاقتصاد الزراعي واشتراطهما المتبادل ..
لقد أثر تطور الحرفة والتجارة تأثيراً قوياً على القرية الاقطاعية , فاقتصاد الاقطاعيين كان ينجر أكثر فأكثر الى الدورة السوقية , حيث أن شراء الأشياء الكمالية والمنتجات الحرفية من المدينة كان يتطلب من الاقطاعيين الحصول على النقد باستمرار , وهذا ما دفعهُ الى اجبار الفلاحين على دفع الاتاوات النقدية بدلاً من السخرة أو دفع الاتاوة العينية ..
ومع الانتقال الى الريع النقدي تفاقم استغلال الفلاح , كما أن الاقتصاد الفلاحي انجر هو الآخر للدورة السوقية ..
ونتيجة لتطور التجارة الخارجية تمت عملية تطور الانتاج السلعي والتداول النقدي في طيّات الاقتصاد الاقطاعي , وكما نعلم ان التجارة الخارجية في عصر الرق قامت على اساس تبادل المنتجات دون استخدام النقد , فإن التجارة بين الشرق والغرب استمرت في العصر الاقطاعي ايضاً بوتيرة أسرع من السابق , يجب أن نلاحظ أن انتاج المنسوجات الحريرية والقطنية وأنواع الأصباغ , وإنتاج الزجاج , والسجاد ومختلف أنواع التوابل كان متطوراً في الشرق عن مثيلهِ في الغرب , وقد لعب تجار الشرق دوراً نشيطاً في التجارة الخارجية ( العالمية ) , لكن مع بداية القرن الحادي عشر انقلب الأمر وسيطر التجار الاوربيون على التجارة الخارجية سيطرة تامة امتدت حتى عصرنا الحالي ..
توقفت هذه التجارة لبعض الوقت بعد سيطرة العثمانيون على الخلافة الاسلامية , وتغيّرت الكثير من موازين التجارة العالمية بعد ظهور العثمانيون , في البداية لا بد من القول أن ظهور العثمانيون على خشبية المسرح العالمي كان لمحاكاة سيطرة المغول على اجزاء واسعة من آسيا ونهب قدراتها ..
كانت الدولة العثمانية هي النموذج الأكثر دموية في شكل اقطاعية الدولة الكبرى على مجاميع كبيرة من سكان الكرة الأرضية وبلدان عديدة في نفس الوقت , فقد شهدت حقبة نشوءها حتى انهيارها سلب مقدرات شعوب بالكامل وإبادة أجيال تقدر بالملايين في مساحة واسعة تمتد من افغانستان حتى البوسنة والهرسك ..
تعطل الطريق التجاري بين الشرق والغرب , كما تعطل طريق الحجاج الى قبر المسيح في القدس , وهنا ظهرت أصوات تطالب بتحرير القدس وطريق التجارة . والحقيقة ان الحملات الاوربية باتجاه الشرق لم تكن جديدة , لكن الكنيسة الكاثوليكية والرأسمال التجاري الاوربي والذي يقف خلفه كبار الاقطاعيين والجمعيات الحرفية الواسعة الانتشار شجعت على خوض حرب باتجاه الشرق , صحيح ان الحجة كانت دينية بحتة لكن هدفها كان اقتصادياً بالدرجة الاولى ..
كان كبار الاقطاعيين يعلقون آمالاً كبيرة على هذهِ الغزوات لاحتلال أراض جديدة , وقد لعب ما كان يُدعى بنظام الماجورات القاضي بحصر ارث الاقطاعي بابنه البكر وحرمان الآخرين منه دوراً كبيراً في التنفيذ العملي لهذه الحروب باتجاه الشرق ..
نتيجة لهذا نشأت فئات واسعة من أبناء الاقطاعيين دون ارض أو ورث , شكلت جيوشاً من الفرسان للاستيلاء على ثروات وارضي شعوب اخرى , ومستعدة في نفس الوقت للقيام بأقذر الأعمال الحربية من أجل ذلك ..
في نفس الوقت كانت الكنيسة الكاثوليكية التي برزت كمحرّك فكري لهذهِ الغزوات الصليبية وكقائد لها , تأمل في أن توسع بمساعدة الفرسان أراضيها المملوكة , وأن تنشر سلطتها على البلدان الغير مسيحية ..
لقد جلبت الحروب والغزوات الدينية الاسلامية والمسيحية الدمار والخراب والموت لسكان الشرق , ورغم هذا فقد أثرت هذه الحروب على اقتصاد اوربا الاقطاعي تأثيراً كبيراً , فقد صادف الصليبيون في بلدان الشرق بعض المنجزات التقنية التي لم تكن اوربا قد عرفتها بعد , قاموا بنقل هذه التقنيات الى أوطانهم وساعد ذلك في تطوير الزراعة في اوربا بشكل سريع , كما ساعد ذلك على تطور القوى المنتجة فيها , بالإضافة الى تعرّف الاوربيون على زراعات لم تكن موجودة لديهم , وادى احتكاك الصليبيين بثقافة بلدان الشرق الى توسيع نطاق حاجة الاقطاعيين , وتطوير الفروع الانتاجية اللازمة لذلك ..
الحروب الصليبية باتجاه الشرق الى تراكم خبراتهم التجارية وتعميقها ليس مع الشرق فحسب بل مع الشمال والغرب , ونشطت التجارة مع بحر الشمال والبلطيق , حيث أصبحت مدن الشمال الألمانية والمدن الهولندية مراكز لها , ونشأت في القرن الرابع عشر لأول مرة اتحاداً تجارياً عملاقاً يضم 80 مدينة اوربية دُعِيَ (( غانزا )) ..
كان هذا الاتحاد يتاجر مع الجزر البريطانية واسكندنافيا وبولونيا وروسيا ودول شرق اوربا .
ان اتساع المدن , ونمو الحرفة والتجارة أديا الى تغييرات عميقة في الاقتصاد الإقطاعي كلهُ , لقد أخذت القوى المنتجة في المجتمع الاقطاعي تتطور بوتيرة أسرع وبلغ الانتاج السلعي والتداول , والرأسمال التجاري , والربوي , درجة حاسمة في هذا التطور ..
لقد أصبح انفصال المدينة عن القرية , وتطور الحرفة والتجارة العامل الحاسم في تطور الاقطاعية ..
لقد نشأت عن ميزات الاقطاعية الاقتصادية قوى منتجة جديدة أرقى بكثير من عهد الرق , ففي نطاق الزراعة انتشر استخدام المحراث الحديدي , والمشط ذي الاسنان الحديدية , كما حدث انتقال من الدورة الثنائية للأرض الى الدورة الثلاثية , حيث كان نظام القسمين يقسم الأرض الزراعية أحدهما يزرع والآخر يترك للراحة , وفي الدورة الثلاثية أصبحت الأرض تقسم الى ثلاثة أقسام , أحدها يزرع في الربيع والثاني في الخريف والثالث يترك للراحة ..
ونشأت فروع جديدة في زراعة الحقول , وتطور بشكل سريع نظام البستنة وزراعة الفاكهة والخضراوات , وكذلك تطور نظام زراعة العنب , وحققت صناعة الخمور والورق والزيت وغيرها من فروع الاقتصاد طفرة قوية الى الأمام ..
كان تحسين صهر المعادن ومعالجتهِ يتمتع بالأولوية من أجل تحسين أدوات العمل , ففي فجر الإقطاعية كان الحديد يُعالج بطريقة بدائية تدعى الكور , وكان التقدم الذي طرأ على صهر المعدن ومعالجتهِ مرتبطاً بتوسيع أبعاد أفران الصهر , واختراع الأفران العالية , فمنذ القرن الثالث عشر ظهر الفرن النصف عالي المصنوع من الحجر الرملي , بارتفاع 3,5 متر , يؤمن درجة حرارة أعلى من طريقة الكور السابقة , هذه الأفران كانت تعطي نوعية معيّنة من الحديد الصب السائل الذي كان يظن البعض أنهُ نفايات وكانوا يرمونهُ مع خبثهِ ..
لكن .. ظهور الأفران الأكثر ارتفاعاً كان هو الآخر مرتبطاً بالتقدم في انتاج أدوات النفخ , وفي القرن الرابع عشر تم استخدام الدولاب المائي لتأمين حركة المنفاخ للنفخ , وحركة المطارق الثقيلة المعدة لتفتيت الفلزات , ثم ظهرت أفران أكثر ارتفاعاً 5 ــ 6 أمتار كانت تعطي مع تعاظم الطاقة , كتلة مصهورة من الحديد الصب , محل الحديد اللين المعد للطرق ..
ومع استخدام البارود في الأعمال الحربية , وظهور المدفعية النارية في القرن الرابع عشر , أصبح الحال يتطلب الكثير من المعدن للمدافع وقنابلها , وكانت هذهِ الأشياء تصنع في البداية من البرونز , ثم من الحديد المطروق , وفي نهاية القرن الرابع عشر أصبحت تصنع من الحديد الصب ..
ثم أن صنع الأدوات الزراعية وغيرها من أدوات الإنتاج تطلب أيضاً مقادير كبيرة من المعدن , وقد ظهرت في النصف الأول من القرن الخامس عشر أفران لصهر الحديد أكثر ارتفاعاً , كانت تؤمّن استمرار عملية صهر المعدن مما سمح باستخلاص 40% وأكثر من المقادير التي يشملها الفلز ..
وكذلك حدثت خطوات تقدمية أساسية في اختراع الطابعة , وطباعة الكتب وصناعة الورق والبوصلة , كانت هذهِ التغييرات التقدمية دليلاً على التطور في التقنية المستخدمة في العهد الإقطاعي , وساعد اختراع البوصلة على التطور التالي في صناعة المراكب وعبور البحار وتسريع العمليات التجارية والنقل عبر العالم ..
هذهِ التغييرات التقنية كلها دلت على النمو الكبير في القوى المنتجة , وعلى التطور الهام في التقسيم الاجتماعي للعمل , إلاّ أن .. تطور القوى المنتجة كان يصطدم بضيق نطاق العلاقات الإنتاجية الإقطاعية , هذهِ العلاقات عرقلت النمر التالي للقوى المنتجة , فنشأ نزاع بين الانتاج وشكلهِ الإقطاعي , كان تطور القوى المنتجة هنا يتطلب بلا هوادة انشاء علاقات إنتاجية جديدة , انشاء أشكال جديدة للإنتاج ..

أسئلة تتعلق بالموضوع ..
ــ ما هو العامل الاقتصادي الحاسم الذي لعب دوراً في ظهور المدن الاقطاعية ؟
ــ ما هي عوامل التطور التي أدت الى انتشار الحرفة الى أبعد من نطاق الأرض الاقطاعية والقرية ؟
ــ الى أي مدى ساهمت الأسواق في تطور شكل المدن في العصر الإقطاعي ؟
ــ ما هو العامل الذي أدى الى ظهور الباعة المتجولين في القرى والبلدات الإقطاعية ؟
ــ كيف ظهرت الجمعيات الحرفية في العصر الاقطاعي ؟
ــ ما المقصود بجمعيات الأصناف ؟ كيف عرّفها ماركس ؟
ــ هل كان هناك تقسيم اجتماعي للعمل في الورش الحرفية ؟
ــ هل كان الانتاج الحرفي في بلدان الشرق يختلف عن نظيرهِ في اوربا الغربية ؟
ــ كيف كان شكل الاتحادات الحرفية في الشرق ؟
ــ ما هي أوجه الاختلاف في الانتاج الحرفي الياباني عن نظيرهِ الاوربي الغربي في عصر الإقطاع ؟
ــ ما هي المهمات الأساسية التي قامت على أساسها الجمعيات الحرفية في عصر الإقطاع ؟
ــ الى ماذا أدى النمو المتواصل للقوى المنتجة في العصر الإقطاعي ؟
ــ ما هي الخاصية البارزة التي وسمت العلاقة بين الريف والمدينة في العصر الاقطاعي ؟
ــ ما هي التبعات السلبية لانتشار الريع النقدي ؟
ــ متى ظهر أول اتحاد عملاق للمدن التجارية الاوربية ؟



#فواز_فرحان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاقتصاد والماركسية .. 12
- الاقتصاد والماركسية .. 11
- الاقتصاد والماركسية .. 10
- الاقتصاد والماركسية .. 9
- الاقتصاد والماركسية ..8
- الاقتصاد والماركسية ..7
- الاقتصاد والماركسية .. 6
- الاقتصاد والماركسية .. 5
- الاقتصاد والماركسية .. 4
- الاقتصاد والماركسية .. 3
- الاقتصاد والماركسية .. 2
- الاقتصاد والماركسية .. 1
- كيف تعمل الرأسمالية اليوم ... 2 6
- كيف تعمل الرأسمالية اليوم ..؟ 1 6
- ماركس .. وترجمة الأفكار
- حوار مع الاستاذ علي الاسدي ..
- بقايا الستالينية ..!
- كيف ساهم العراق في النصر السوفيتي على النازية ؟
- اليهود خلف ستالين ..!
- العالم عام 2030 !!!


المزيد.....




- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...
- اعتقال عشرات المتظاهرين المؤيدين لفلسطين في عدة جامعات أمريك ...
- كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في المهرجان التضامني مع ...
- ال FNE في سياق استمرار توقيف عدد من نساء ورجال التعليم من طر ...
- في يوم الأرض.. بايدن يعلن استثمار 7 مليارات دولار في الطاقة ...
- تنظيم وتوحيد نضال العمال الطبقي هو المهمة العاجلة


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فواز فرحان - الاقتصاد والماركسية ..13