أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فواز فرحان - الاقتصاد والماركسية .. 3















المزيد.....


الاقتصاد والماركسية .. 3


فواز فرحان

الحوار المتمدن-العدد: 4174 - 2013 / 8 / 4 - 17:40
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


تحتل العلاقات الاقتصادية الدولية مكاناً خاصاً بين العلاقات الإنتاجية ، فهي مشروطة دائماً بطابع علاقات الإنتاج الأولية ، إلاّ أن أهميّتها لا تمثل على الدوام الدرجة الثانوية ، بل تكون رئيسية في بعض الظروف الدولية ..
كيف ؟
في مرحلة سابقة من مراحل التطور الاجتماعي ـ الاقتصادي الحديث ظهرت الى الوجود بلدان المنظومة الاشتراكية ، وهنا لم تعد المنظومة الرأسمالية تنفرد بوجودها على ساحة الإقتصاد العالمي ، بل قامت الى جانبها منظومة الدول الاشتراكية وهذا الظهور أدى الى تزايد أهمية العلاقات الاقتصادية الدولية ، وفرض على المنظومة الرأسمالية قواعد جديدة في العمل والنظر الى الأسواق ..
جميع خصائص المرحلة الامبريالية من تطور الرأسمالية مرتبطة إرتباطاً مباشراً بالعلاقات الدولية ، فتصدير الرأسمال ، وتقسيم العالم اقتصادياً ومكانياً بين الدول الامبريالية ، ونشوء الاحتكارات الدولية ، وتطوّر الدول الرأسمالية تطوراً غير متساوٍ وذا قفزات ، ومفعماً بالنزاعات الحادة بما فيها اشعال حروب اقليمية ودولية ، كل هذهِ غيض من فيض ، من جملة العلاقات الاقتصادية الدولية الخاصة بالراسمالية في المرحلة الامبريالية من تطورها ، وبدون فهم هذه العلاقات لا يمكن فهم الامبريالية ..
ومع نشوء المنظومة الاشتراكية في الاقتصاد العالمي ظهرت علاقات اقتصادية جديدة على الساحة الدولية ، حيث نشأت هذهِ العلاقة داخل أنظمة المعسكر الاشتراكي ذاتها ، من جهة ومن جهة اخرى بين المعسكر الاشتراكي والرأسمالي ، ويضاف الى ذلك العلاقات التي كانت تربط الدول الرأسمالية ببعضها البعض ، والعلاقة التي تربط دول المنظمة الاشتراكية بدول العالم الثالث ذات الاقتصاد الريعي المتخلف وكذلك بين الدول الرأسمالية وبين دول العالم الثالث ..
هذا التشابك من العلاقات الدولية جعل كل من الطرفين الاشتراكي والرأسمالي يدركان واقعاً موضوعياً جديداً أدى الى تطوير طرق التعامل والقفز فوق بعض العلاقات وخلق أرضية جديدة ساهمت في تقدم بعض البلدان وكذلك الى تدمير بلدان اخرى كحصيلة لهذا الصراع ..
وتحت تأثير وجود المنظومة الاشتراكية العالمية ، طرأت على العلاقات الاقتصادية الدولية بين الدول المتخلفة ودول المنظومة الرأسمالية بعض التبدلات في شكل الاستعمار وطرقهِ في التعامل مع الشعوب ..
وأؤكد على ان ظهور الاشتراكية ساهم مساهمة فعّالة في ان تتعلم الدول الرأسمالية دروساً كبيرة في البراغماتية والتشويه على شعوب العالم .. فقد شكلت تلك المرحلة نقطة تحول في عبور الرأسمال والاحتكارات بقوة أكبر الى دول العالم الثالث ودول تم تدميرها في الحرب العالمية الثانية ، وإتحد رأسمال شركات امريكية وبريطانية عملاقة بشركات عربية ويابانية والمانية وكورية وفارسية وغيرها عبر مشاريع تم تسميتها بأسماء محلية ، بينما بقي الرأسمال والادارة بيد الدول الرأسمالية ..

أمثلة ..

قامت جنرال الكتريك بتأسيس شركة كورية أطلقت عليها اسم سامسونغ ، جمعت بها كبار رأسماليي كوريا الجنوبية تحت عباءتها بإسم محلي ( في 1 مارس 1938 ) .. وبدأت هذه الشركة بتشكيل تفرّعات لها تحت أسماء اخرى مثل إل جي وهونداي وغيرها من الشركات الكورية التي تعمل جميعها بإدارة رأسمالية امريكية ـ بريطانية بينما يكون للرأسمالية الوطنية الكورية حصة صغيرة ..
قامت شركة بل الامريكية بتأسيس شركة سوني اليابانية مقرها الرئيس في نيويورك ومركزها الثاني في طوكيو وتم تسميتها اسم ياباني كنوع من التمويه على إختراق بل لآسيا ..( تأسست الشركة عام 1958 ) .. وتفرعت عنها شركات كثيرة اخرى نعتبرها حتى اليوم يابانية المنشأ مائة بالمائة لكنها حقيقة مغلوطة ..
الشركة الوطنية للبتروكيمائيات التي تشكلت في اغلب البلدان العربية والاسيوية وتفرع عنها فيما بعد وزارات النفط التابعة بالكامل في سياستها وحركتها لمنظمة اوبيك التي تدار من قبل المجموعة العالمية المتنفذة لإدارة الاقتصاد الدولي ..
والعديد من الشركات في أغلب بلدان أفريقيا واوربا وامريكا اللاتينية ، تشكلت في تلك المرحلة التي شهدت وجود المنظومة الاشتراكية ، ولو قمت بتسمية جميع الأمثلة ستكون القائمة طويلة للغاية ، لكن هذا التشابك الذي سمح للإحتكار بتغيير شكل الاستعمار وأساليبهِ وصورهِ كلها تبرر الازمات الرأسمالية وطريقة التحكم بها والتي تشبه عملية الغربلة وتعزيز القمة وتقويتها بإستمرار على عكس ما يتوهمهُ البعض بأن الأزمات تضعف الرأسمالية ، ربما تبدو في الظاهر على هذا الشكل لكنها في الجوهر تعزز وجودها وتغيّر أسليب عملها في كل مرحلة من مراحل تطورها ..
ولو عدنا لدراسة العلاقات الاقتصادية التي سادت بين دول المنظومة الاشتراكية ، سنجد أنها كانت تتمتع بمحتوى جديد لم تشهدهُ دول العالم من قبل ، طابع العلاقات الانتاجية في هذه الدول كان يتسم كما وصفها مؤرخوا تلك المرحلة بالمساواة الحقيقية ، والاخوة المتبادلة وتصفية عدم المساواة الموروث من الماضي ( من اقتصادي وسياسي وثقافي ) ، ووصفوا المرحلة بأنها كانت عديمة الصِدام الحربي بين هذه الدول رغم ان التاريخ يشهد عكس ذلك ..
المهم .. ان الاقتصاد الاشتراكي ساهم في تحول العديد من البلدان من متخلفة الى مصاف الدول المتقدمة في مجالات عديدة للدقة ( ليس في جميع المجالات ) ، وكانت دول هذه المنظومة تتوقع ان ترتقي للمجتمع الشيوعي في ظروف سنوات او عقود لكن .. ذلك لم يتحقق ..
ما أردت التعريف بهِ هو أن ظهور دول المنظومة الاشتراكية ساعد بقوة على تمدد الرأسمال الى الأطراف وإتساعهِ بأسماء جديدة كالأخطبوط ، ساهم في هذا التمدد عاملين أولهما دول المنظومة الاشتراكية التي لم تتمكن من مجاراة العملية الاقتصادية في الواقع الدولي بعقلية المتمكن من القيادة ، وثانياً الطبقة البرجوازية والرأسمالية في البلدان النامية والتي خرجت مدمرة من الحرب العالمية الثانية ولو أمعنا النظر في العملية بكل تشعباتها لخرجنا بنتيجة مفادها ان ذلك يعود بالدرجة الأساس للطابع القيادي لعلاقات الملكية ..
ان مختلف نواحي العلاقات الانتاجية تشكل كلاً واحداً تتفاعل جميع عناصره فيما بينها ، فكل حلقة أو كل ناحية تتحمل تأثير النواحي الاخرى من العلاقات الانتاجية ، وتؤثر بدورها عليها ، علاقات الملكية مثلاً تحدد تبادل التأثير والفعالية بين الناس ، وعلى العكس ، فان علاقات الانتاج أو طريقة جمع قوة العمل الى وسائل الانتاج تؤثر على الملكية عاملة على تعزيزها أو إضعافها ، عاملة على إنماء أو إقلال ثروات مالكي وسائل الانتاج ..
ثم أن علاقات الانتاج والتوزيع في تأثير متبادل أيضاً ، فالسوق مثلاً التي هي نتيجة لعلاقات الانتاج ، تؤثر بدورها في علاقات تبادل الفعالية والتأثير بين الناس وعلى علاقات الملكية في نفس الوقت ، مُتيحة أما توسيع الانتاج ، أو تضييقهِ ، ومؤثرة على تمايزه وعلى تخصصهِ وعلى تناسقهِ ، والحقيقة ان بلدان المنظومة الرأسمالية إستفادت من هذا الأمر إستفادة قصوى ساهم في توسع إحتكاراتها والعمل بعقلية جديدة لم يتمكن اعداءها من فهم طبيعة تحركها هذا على الصعيد المحلي في بلدانها وعلى الصعيد العالمي وتحويل قارات العالم الى أراضٍ جرى تقاسم إستثمارها بين إثنا عشر شركة لا غير ..
أما التوزيع الذي يتم تحت شكل الاجور المدفوعة والعلاواة وغيرها من وجوه الدفع ، فهو يبدو مباشرة ، كوسيلة لرفع إنتاجية العمل ، ليس على الصعيد المحلي للدول الرأسمالية فحسب بل تجاوز ذلك الى دول العالم والى مؤسسات دولية ، لهذا فعلاقات التوزيع لا تتفاعل فقط مع علاقات الانتاج بل تتغلغل فيها ..
فالتوزيع كما هو معروف ، ليس في الواقع أكثر من ميدان خاص من ميادين حياة المجتمع الاقتصادية ، لكن هذا لا يعني بان التوزيع مرتبط بميدان الانتاج فقط من الخارج ، ان التوزيع يبرز لا كنتيجة للانتاج فقط ، بل يدخل في الانتاج ذاته ، متجسداً في ملكية وسائل الانتاج وفيما يتلائم مع هذه الملكية من طريقة عمل ( تبادل التأثير بين البشر ) هذه الطريقة التي تتحقق أيضاً في تبادل منتجات العمل ..
ان التوزيع لا يكتفي بتعيين نصيب كل فرد من منتجات الاستهلاك الشخصي ، وبالتالي فهو لا يقيم فقط الملكية الخاصة على وسائل الاستهلاك هذه . ان التوزيع قبل كل شئ هو توزيع منتجات ..

أي أنهُ كما لاحظ ماركس ..
( اولاً توزيع أدوات العمل ، ثانياً التحديد التالي لتلك العلاقة ، أي توزيع أعضاء المجتمع حسب مختلف أنواع الانتاج ، وبمقدار ما يبرر الاستهلاك ، سواء أكان إستهلاكاً شخصياً أو انتاجياً ، كعنصر من عناصر الانتاج ، فان التبادل بمجموعهِ ( أي التداول ) يدخل في الانتاج كأحد عناصرهِ وعلى هذا فالانتاج والتوزيع والتداول تتشابك فيما بينها تشابكاً وثيقاً مشكلةً وحدة سياق تجديد الانتاج ) ( ماركس وانجلز المؤلفات المجلد 12 ص 722 ) ..

ونعود الى النقطة الأساسية .. وهي
أنهُ في هذه الوحدة المتبادلة التأثير ، وحدة حلقات أو نواحي العلاقات الانتاجية كما في اية وحدة في الحلقات المختلفة توجد ناحية قيادية ، تؤمن الوحدة ذاتها ، هذه الناحية في علاقات الانتاج هي علاقة ملكية وسائل الانتاج ..
فملكية وسائل الانتاج تستدعي كما ذكرت شكلاً معيّناً من تبادل التأثير بين الناس ، وما يلائم هذا من توزيع الخيرات المادية المنتجة وتبادلها ، كما تعطي ملكية وسائل الانتاج فحوى ملموس لملكية وسائل الاستهلاك الشخصية ..
لهذا فالاقتصاد السياسي ينطلق أول ما ينطلق من ملكية أدوات العمل ومادته ، لان ملكية وسائل الانتاج تجمع العلاقات الاقتصادية في كل موّحد لهذا فهي تعطي المجتمع سمة أساسية وتحددهُ ..
وقد أبان ماركس (( في رسالتهِ الى ب ، ف ، انينكوف في 28 كانون الاول عام 1846 أن الملكية هي عبارة عن مجموع العلاقات الاجتماعية ، وفي هذه الرسالة ينتقد ماركس (( برودون )) في عدم إدراكهِ مفهوم الملكية الذي يتجاوب ومفهوم الحياة الحقيقية ، وعندما كان ماركس يتحدث عن الملكية البرجوازية بشكل خاص ، كان يُشير الى أن الملكية هي ذلك الرباط الذي يوحد بين جميع اشكال الانتاج البرجوازي ، فلكي نفهم السمات الاساسية للعلاقات الانتاجية في مجتمع معيّن يكفي ان نضع سؤالاً واحداً .. وهو

ــ من يحوز وسائل الانتاج عملياً ؟ من يملكها ؟
هذا السؤال طرحهُ ماركس في رسالتهِ الى انينكوف .. )) .
أي من هو الذي يعتبر وسائل الانتاج موضوعياً شيئاً خاصاً بهِ ؟ هذه العلاقات الاجتماعية الموضوعية وعلاقات الانتاج بالذات بمجموعها ( علماً ان علاقات الملكية هنا تلعب الدور الحاسم ) تسمى علاقات إنتاجية وإقتصادية تشكل المادة الأساس التي يدرسها الاقتصاد السياسي ..
لقد أنجزت الماركسية عملاً جبّاراً بنقدها للتشويهات التي تطال مفهوم العلاقات الاقتصادية ، وحصر التشويهات والتحريفات البرجوازية لمفهوم العلاقات الاقتصادية في زاوية ضيّقة ، في المفهوم الماركسي لمادة الاقتصاد السياسي تتكشف الوحدة القائمة بين مختلف ميادين العلاقات الاقتصادية ومختلف سياقاتها ، ومع تباين الأهمية القيادية التي تتمتع بها علاقات الملكية هنا ، تتكشّف الاسس الرئيسية لنظام المجتمع الاقتصادي ، وهذا بالذات ما لا يروق للمدافعين عن الرأسمالية الذين يميلون لإخفاء جوهر علاقات الانتاج الرأسمالية ، في عهد ماركس وبعدهُ وفي العصر الحديث حيث راح البعض يتبنى فكرة فصل أسس الاقتصاد السياسي عن بعضها البعض والترويج لزوال الرأسمالية وسيطرة طبقة طفيلية هي واحدة من أسوأ فئات الرأسمالية والادعاء بانها تحكم العالم ( البرجوازية الوضيعة ) ..
هذا ما يروج لهُ أعداء الماركسية اليوم من دعاة الطرح الذي تروّج لهُ دوائر الرأسمال الامريكي ـ البريطاني للتخفيف من سخط الطبقة العاملة العالمية على قادة الملكية الحقيقيون وتشويه طبيعة الحقيقة التي حارب ماركس من أجلها طويلاً ..
قبل ماركس لم يعرف الاقتصاديون مقولة العلاقات الانتاجية ، لكن حتى في ذلك الزمن ، حاول الاقتصاديون العاميّون بكل الوسائل فصل العمليات الواقعية للحياة ، كانتاج الخيرات المادية ، وتوزيعها ، وإستهلاكها ، بعضها عن بعض ووضع حدود فيما بينها ، وسأوضّح للقارئ بشكل تصاعدي أهمية هذا التشويه الذي وصل الى عصرنا الحديث وراح بعض دعاة الماركسية تبنيّهِ دون إدراك جوهر أهدافهِ ..
لقد نظر هؤلاء الى الاستهلاك على انه إفناء للمنتوج ، وجعلوه معارضاً للانتاج ، بوصفهِ عملية خلق المنتوج ، ولهذا يُعرض الانتاج كظاهرة ثابتة غير متغيّرة تحددها قوانين الطبيعة العامة ، ويعرض الانتاج بشكل يعارض التوزيع أيضاً كميدان مستقل ، مرتبط كلياً كما يُقال بالعفوية ونزوات الناس ، وهذه الظواهر الاجتماعية كلها ، حسب رأي الاقتصاديون العاميون ، مستقلة ، تقوم كل واحدة منها الى جانب الاخرى وترتبط فيما بينها من الخارج فقط ، أي رباط توالي حركة الانتاج ..
وعلى هذا الاساس إنتهوا الى نتيجة مفادها أن الانتاج والاستهلاك لا يخصّان الاقتصاد السياسي ، أي ليس لهما محل فيهِ ..
وبالنسبة لهم فإن موضوع الاقتصاد السياسي يمكن أن يكون أما توزيع المنتجات وتداولها ، أو التبادل السلعي ، وعند هذه النقطة أصبح التوزيع أمراً قائماً بذاتهِ وينفصل عن أساسهِ ، وهنا تتفتح آفاق إمتداح الرأسمالية إمتداحاً صريحاً ..

يقول ماركس ..
(( ان الاشتراكية العامية أخذت عن الاقتصاديين البرجوازيين طريقة النظر الى التوزيع وتفسيره كشئ مستقل عن اسلوب الانتاج ، وبالتالي تصوّر القضيّة كما لو أن الاشتراكية تدور بشكل رئيسي حول قضايا التوزيع .. ))
المصدر .. ماركس نقد برنامج غوتا .. ص 22

في يومنا هذا يعمل مدّاحوا الرأسمالية ودعاتها كالسابق ، الى تفكيك وحدة نواحي العلاقات الاقتصادية ، ويجعلون هذه العلاقات في تعارض مع العلاقات الانتاجية ، فالعديد منهم يعتبر العلاقات الانتاجية والتكنولوجية شيئاً واحداً ، ويعتبر العلاقات السوقية وحدها علاقات اقتصادية ..
ويؤكد هؤلاء أن محتوى تعبيرَي العلاقات الاقتصادية والانتاجية الاجتماعية ، متباين كل التباين ، وان كلمة الاقتصاد كما يعتقدون من حيث معناها تعني (( توفير )) ، ولو عدنا للبداية وتعريف الاقتصاد السياسي لوجدنا كلمة ( ايكونوميا ) لا تعني التوفير فقط بل تعني ( ادارة الاستثمار ) ( ادارة الكيان الاقتصادي للمجتمع ) ويقول ارسطو في هذا المجال ( ينبغي ان يرتبط بمفهوم الاقتصاد الوظيفتان التاليتان ، الاستثمار ، وادارتهِ ) لهذا فمقياس الاقتصادية يمكن ان يكون لهم فقط ، توفير العمل ، توفير الخيرات المحدودة لحاجة الانسان ، وعلى هذا يتبدّى التوفير في سياق الانتاج ، كما في داخل المجتمع كذلك في خارجه ، معبراً لا عن علاقات الناس الاجتماعية فيما بينهم ، بل عن علاقة الانسان بالطبيعة ..
المغزى الموضوعي للاستطراد السابق المتعلق بمفهوم كلمة ( اقتصاد ) انما يهدف من وجهة نظرهم أن نستثني من الاقتصاد السياسي دراسة أسس فعالية الناس الاقتصادية ، أي علاقة الملكية ، وما يلائمها من علاقات تبادل التأثير بين الناس وعلاقات التوزيع ، ويهدف ذلك طبعاً الى ... أن نستثني انتقاد الرأسمالية ، وكذلك السؤال عن شكل الملكية ، وهو المنهج الذي يُدرّس في جامعات أغلب الدول التي تتبنى الرأسمالية والسوق المفتوحة كطريقة لنظامها الاقتصادي ، بحيث يتخرّج العديد من طلبة الجامعات وهم مؤمنون إيماناً أعمى بصحة وجهة النظر هذه التي تمثل الشكل المعادي لموضوع الاقتصاد السياسي ، فبعد ظهور التخصّص عمدت الرأسمالية الى تجزئة علم الاقتصاد وتفتيتهِ بطريقة أصبح معها من المستحيل لفئات واسعة من المجتمعات المتقدمة أن تدرك أبعد من مضمون المادة التي تلقتها عبر الدراسة الجامعية والتي تكفي للحصول على وظيفة أو فرصة عمل تلهي صاحبها عن السؤال ودراسة الأسباب التي تقف خلف شكل الملكية في هذهِ البلدان وفي نفس الوقت تعكس الشكل الواضح لسن القوانين على يد الطبقة المالكة لوسائل الانتاج ..
لذلك قلت في السابق انهم يعتبرون علاقات الملكية ، هي علاقات حقوقية ، وليست في متناول الحديث أو النقد ، والحديث عن تبادل التأثير بين الناس في وسط مجتمع مشبع بقيم اللبرالية والأنانية الضيقة يمثل بالنسبة لهم سخافة ، وكذلك الحديث عن علاقات انتاجية ، فهي تبدو بالنسبة لهم إغنية جميلة ومضحكة في نفس الوقت ..
لكن .. لو تمعنا في مبدأ التوفير الذي اعتبروه المحتوى الاساسي للبنيان الفوقي للاقتصاد انما هو عبارة عن ظاهرة متفرعة عن العلاقات الانتاجية الاجتماعية ، لو عدنا لمفهوم التوفير سنجد انهُ تاريخي ، يتبدل محتواه الملموس مع تبدّل مهمات الادارة الاقتصادية وفق حاجات مالكي وسائل الانتاج ، وعلى الرغم من تأكيد كتاب الاقتصاد السياسي البرجوازي لثباتهِ ، نجد أنهُ وبالعودة لدراسة المراحل التاريخية التي مر بها المجتمع البشري أنهُ كان متبايناً ، ففي مجتمع الرق مثلاً كانوا يعتبرون أن اكثر طرق الاستخدام توفيراً ، هو استخدام أقصى ما يُمكن من عمل الرقيق في أقل ما يمكن من الوقت ، أي تقصير مدة حياته ..
في المجتمع الرأسمالي كانوا يعتبرون من باب التوفير ، القضاء على انتاج بعض المواد الاستهلاكية ، أو تضييق الانتاج ، أي يعتبرون من باب الاقتصاد عدم توفير وسائل الاستهلاك وتبديدها الوحشي ..
إن ما هو اقتصادي من وجهة نظر تكديس الثروات ، ليس اقتصادياً من وجهة نظر ما يهدف اليه الانتاج الاشتراكي ، ان الاقتصاد السياسي البرجوازي جعل دائماً التوفير يقتصر على ضغط حاجات العمال المأجورين ، أي الهبوط بالعمال الى وضع معاشي غاية في البؤس ، مع تبذير يقوم به الرأسمالي في الطرف المقابل ..
وعلى العكس يكون الأمر في الاشتراكية ، يصبح الهدف الجماعي للمجتمع التأمين المباشر التام لحاجات الشغيلة المعاشية المتنامية باستمرار ، ، وذلك عن طريق إنماء الانتاج الاشتراكي ، وهو الانتاج الذي يجب ان يقوم على اساس التقنية الحديثة ويقدم كميّات هائلة من المنتجات ، وهذا يعني تطوير الفرد تطويراً شاملاً في طاقاتهِ الفكرية والروحية وتحسين أخلاق المجتمع لتصب في النهاية في صالح الشغيلة نفسهم ..
وتحت ظل هذه الاشتراكية سيعني التوفير ، التوقف عن التبديد البرجوازي للقوى البشرية ، ولوسائل العمل ، وسيعني الاستخدام العلمي العاقل لهذه القوى والوسائل ، وهو استخدام يؤمن النمو المتواصل للانتاج وزيادته ، ورفع مستوى معيشة الشغيلة ..
وعندما ينسف اقتصاديوا البرجوازية وحدة حلقات العلاقات الانتاجية ، ويفصلون تداول المنتجات عن الانتاج المُحدّد له ، وعندما يخرقون تسلسل الحلقات في العلاقات الاقتصادية ويطمسون ما لعلاقة الملكية من اهمية محددة في منظومة العلاقات الانتاجية أنذاك يتم تشويه الواقع ، وبهذا تصبح الصلات السببية للعمليات الاقتصادية غامضة ..
وتتحول من مقولة واقع الى مقولة وعي فقط ، كما تختفي التناقضات الناشئة في الاسلوب الرأسمالي السلعي للانتاج وبالتالي يتم طمس آفاق التطوّر الموضوعية ..
لهذا كان تعريف موضوع الاقتصاد السياسي عندهم كيفي من حيث الجوهر ويهدف في النهاية الى الدفاع عن الملكية الرأسمالية لوسائل الانتاج ، واعاقة القوى التقدمية في مجتمعنا الحالي على الفهم والالمام بالاتجاهات الحقيقية لحركتهِ ..
عندما ذكرت بعض الأمثلة على تمدد الاحتكار ورؤوس الأموال كما في مثالي شركة سوني وسامسونغ التابعتين للرأسمال الاحتكاري العالمي ، كنت احاول لفت النظر الى موضوع التمهيد الذي حدث في انتقال الرأسمالية الى مرحلتها المتقدمة وهي الامبريالية ، والحقيقة انه لا يمكن لدارس او باحث في الاقتصاد السياسي تجنب دراسة تأثير حركة الانتقال هذهِ وتداعياتها في خلق التشويه والتعتيم على شكل الملكية الأساسي الذي يُحرّك الرأسمالية من مصدرها لتتمدد الى أبعاد وآفاق واسعة يدرك خطواتها جيداً من يركز جهودهِ على العودة دائماً لماركس وسؤالهُ
من يمتلك وسائل الانتاج ؟
وايضاً طرح اسئلة جديدة من قِبلنا حول مكان حركة رؤوس الأموال ، هل هي تحدث في الخيال ، أم على أرض الواقع ؟ هل تحدث تحت سيطرة الملكية الفردية للأقلية على وسائل الانتاج المتمثلة بالأقلية الرأسمالية ؟ أم تحدث في عهد جماعية امتلاك وسائل الانتاج ..
كلنا نعلم أن الانتقال من الرأسمالية قبل الاحتكارية الى الرأسمالية الاحتكارية ( الامبريالية ) جاء في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر ، وقد كان الحد بين القرنين التاسع عشر والعشرين حداً في نفس الوقت بين الرأسمالية القديمة والامبريالية الحديثة ، في اوربا على اقل تقدير ، وقد قدّم لينين التحليل الماركسي للامبريالية ، وأوضح أنها مرحلة خاصة للرأسمالية ، أعلى وآخر مرحلة لتطوّر التكوين الاجتماعي ـ الاقتصادي للرأسمالية وكشف في كتابهِ (( الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية )) الجوهر الاقتصادي والسياسي للامبريالية ، وسلح الطبقة العاملة بمعرفة دقيقة حول الموضوع ..
لقد كانت الامبريالية بكل بساطة نتيجة حتمية لتطور الرأسمالية ، ولا ننسى ان العامل الممهّد لهذا الانتقال هو القوى الانتاجية وعلاقات الانتاج الخاصة به وكذلك التناقضات المستعصية التي تعيشها الرأسمالية في مراحل تطورها ..
تطور وانتشار اسلوب الانتاج الرأسمالي أدى الى حتمية تعميق الصراعات المستعصية ، ووقوع البشر أو أغلب سكان كوكبنا الارضي تحت نير رأس المال واتساع مجال الاستغلال الرأسمالي وعولمتهِ كما تفاقمت حدته في نفس الوقت ، وبجانب دعم اسلوب الانتاج الرأسمالي في البلدان الاوربية والولايات المتحدة ، كانت تجري عمليات الاستيلاء على الممتلكات الاستعمارية بواسطة القوى الكبرى التي كانت الأداة لتنفيذ مشاريع الاحتكار بكل سهولة ..
لذلك كان الانتقال من الرأسمالية الى مرحلى أعلى وهي الامبريالية يعني تعميق جميع تناقضات المجتمع الرأسمالي ، وظهور صراعات جديدة أكثر حدة نتيجة التطوّر ، وقد نمت الامبريالية كتطور واستمرار مباشرين للرأسمالية بصفة عامة ، ولكن ... في مرحلتها الاحتكارية ، وهنا بدأت بعض الخصائص الرئيسية للرأسمالية في ظل الامبريالية تتحول الى نقيضها تماماً ..
وتعد المرحلة الاحتكارية للرأسمالية نتيجة حتمية لنشاط القوانين الاقتصادية للرأسمالية ، إلاّ أن الامبريالية في نفس الوقت تمتلك من الخصائص الجوهرية والقوانين الموضوعية التي أفرزها التطور خصائص جوهرية تختلف عنها في المرحلة السابقة لتكوينها في المرحلة الرأسمالية السالفة ..

أسئلة تتعلق بصلب الموضوع ..
ــ ما هو دور الماركسية في إكتشاف جوهر المقولات الاقتصادية ؟
ــ ما هو السبب في وجود الطابع الطبقي للاقتصاد السياسي ؟
ــ هل لعب الاقتصاد السياسي دوراً في فهم التطور التاريخي للبشرية ؟
ــ ما الذي يجعل للاقتصاد السياسي طابعاً علمياً رصيناً ؟
ــ ما هو الدور الذي يلعبهُ التجريد في الاقتصاد السياسي ؟
ــ ما المقصود بالقانون الاقتصادي ؟
ــ ماذا يُعلم الاقتصاد السياسي الناس في عصرنا الحديث



#فواز_فرحان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاقتصاد والماركسية .. 2
- الاقتصاد والماركسية .. 1
- كيف تعمل الرأسمالية اليوم ... 2 6
- كيف تعمل الرأسمالية اليوم ..؟ 1 6
- ماركس .. وترجمة الأفكار
- حوار مع الاستاذ علي الاسدي ..
- بقايا الستالينية ..!
- كيف ساهم العراق في النصر السوفيتي على النازية ؟
- اليهود خلف ستالين ..!
- العالم عام 2030 !!!
- حول موت الرأسمالية …!
- حلف دكتاتوريات العصر ..
- شكل التحوّلات في العالم العربي ..
- الثورات العربية ومستقبل الديمقراطية ..
- مبارك ... وتيان آن مِنْ ..
- قبل سقوط الأنظمة الصوريّة ...
- حكومة بلا نساء في العراق الجديد !!!
- العقل المُحرّك للكون …
- أسئلة وأجوبة في الماركسية .. 10
- أسئلة وأجوبة في الماركسية .. 9


المزيد.....




- الهجمة الإسرائيلية المؤجلة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- أصولها عربية.. من هي رئيسة جامعة كولومبيا بنيويورك التي وشت ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن -تم ...
- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فواز فرحان - الاقتصاد والماركسية .. 3