أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله مهتدي - الطبل والعصيان














المزيد.....

الطبل والعصيان


عبد الله مهتدي

الحوار المتمدن-العدد: 4320 - 2013 / 12 / 29 - 03:23
المحور: الادب والفن
    


كانت الليلة ربيعية حين قرر الطبل أن يعلن العصيان، تبث في مكانه ضجرا، قطب حاجبيه، أجفل عينيه، بدت على وجهه علامات الضيق، وكأن كل الأحزان أطبقت فجأة على رأسه.التفت إليه الناي وقال :
- أراك تائها يا رفيقي، وجهك منقوع بالحزن، وشاردة عيونك !
صمت الطبل هنيهة ثم قال :
- انظر هناك،ألى ترى معي كم تبدو على القيثارة آثار النعمة ورغد العيش؟أنظر عيونها كم هي يانعة؟ وخدودها كم هي مشرقة ؟ و الأيادي الناعمة التي تداعبها، فكأنما نكاية فينا تفعل ذلك بحنو ودلال وعشق! أما الكمان ،فينتقل من حضن دافئ إلى حضن أدفأ منه ! أنا فقط من يسلخوني سلخا كي يرقصوا على إيقاع صوتي، يصنعون أفراحهم من النقر على رأسي ووجهي وقفاي.قل لي أيها الناي، كيف يمكن لابتساماتي أن تبرح شفتي، وقد يبس الفرح في حلقي، وجف ماء ريقي، وصار جلد وجهي من كثرة الضرب كالصخر المتجهم ؟ صنعوني عنوة بلا أرجل كي لا أستطيع الفرار كلما اشتدت على قفاي ضرباتهم ،وبلا أيدي كي لا أقدر على رد الصاع صاعين،حتى الأنين حبسوه في أحشائي كي لا تختل رقصاتهم.لكن لا عليك !قررت هذه الليلة أن أعلن العصيان.
سأل الناي مندهشا :
- العصيان ؟ !كيف يا رفيقي ستعلن العصيان،وأنت مجرد طبل حقير -عفوا- صغير،إذا لم تقرعك العصي و الأيدي بلعت لسانك للأبد ؟
رد الطبل بلهجة الواثق من أن الخطة التي ظل يحبك خيوطها ،هي مخرجه الوحيد من اليتم الذي بات يحياه منذ سنوات:
- الليلة، سأنتقم لكل الطبول، نعم، سأعلن العصيان، سأحث أنفاسي على أن تكتم الصوت الذي يخرج من أحشائي كلما أمعنوا في الضرب، ليس لي ما أخسر سوى مزيدا من الضرب على قفاي، ذلك لم يعد يهمني في شيء،...ثم من يستطيع أن يحس بآلام طبل وهي تعوي داخله، كلما ارتفع إيقاع رقصاتهم ؟
وقف العازفون في أماكنهم كمحاربين يتهيئون للمعارك القادمة،كان على صوت القيثارة أن يفتتح حفل الليلة،ليتبعه صوت الكمان الذي سترافقه ترنيمات ناي تعلو شيئا فشيئا،لتتقاطع أخيرا مع نقر خفيف على قفا الطبل،بدأت اليدان تضربان على رأسه،لكنه ظل كمن أصابه الخرس ،وعقد لسانه الصمت.
التفتت الآلات تنظر باستغراب إلى بعضها البعض، احمرت اليدان، واصلتا الضرب..ثم تعرقتا...صار لونهما بين الاحمرار و الزرقة، سال منهما دم ولا صوت،استعانت اليدان بقضيبي حديد،وبدأت تعاود القرع على قفا الطبل،علها تسمع صوتا،لكن الطبل كان مصرا على الصمت،يبست خدوده،وعلت وجهه ألوان داكنة،دمعت عيون القيثارة،صمت العود،غمزت علامات الصمت لبعضها البعض،فنطت البرهة مكان الزفرة،تعانقت الزفرة مع اللحظة،وشوشت "دو" لرفيقتها"فا"،فتبادلا مواقعهما فوق المدرج،كذلك فعلت "صول" مع "سي"،أما "لا"،فقد قهقهت شامتة وهي تحيي الطبل على العصيان،ثم تمددت على طول المدرج تحرض النوتات على الصمت.
آلات النفخ الخشبية قررت أن تخرج من أحشائها أصوات الآلات الوترية،ولما واصلت اليدان الضرب بقضيبي الحديد على قفا الطبل و رأسه،قررت حينها أسطر المدرج أن تأخذ مكان الفسوحات، أما ذات السنين ،فقد كشرت عن أنيابها ليختل كون الإيقاع،ويرنو الصمت.
كانت اليدان ما زالتا بقضيبي الحديد تقرعان رأس الطبل،تحولت الخدوش الداكنة على جلده لثقوب سوداء،خرجت أنفاسه من بين ضلوعه،حلقت عاليا وهي تلوح بيديها،ترسم ضحكات ماكرة على شفتيها الباسمتين.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن-البلح المر- للمبدعة دامي عمر
- كأنا خجلا نواري الصمت بالهذيان
- حلم


المزيد.....




- التشكيلية ريم طه محمد تعرض -ذكرياتها- مرة أخرى
- “رابط رسمي” نتيجة الدبلومات الفنية جميع التخصصات برقم الجلوس ...
- الكشف رسميًا عن سبب وفاة الممثل جوليان مكماهون
- أفريقيا تُعزّز حضورها في قائمة التراث العالمي بموقعين جديدين ...
- 75 مجلدا من يافا إلى عمان.. إعادة نشر أرشيف -جريدة فلسطين- ا ...
- قوى الرعب لجوليا كريستيفا.. الأدب السردي على أريكة التحليل ا ...
- نتنياهو يتوقع صفقة قريبة لوقف الحرب في غزة وسط ضغوط في الائت ...
- بعد زلة لسانه حول اللغة الرسمية.. ليبيريا ترد على ترامب: ما ...
- الروائية السودانية ليلى أبو العلا تفوز بجائزة -بن بينتر- الب ...
- مليون مبروك على النجاح .. اعتماد نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله مهتدي - الطبل والعصيان