أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حيدر علي سلامة - التأبين الفلسفي للاستاذ الدكتور حسام محي الدين الآلوسي - نحو تأويل ابستمولوجي في منهجه المادي وفلسفته الماركسية *-















المزيد.....



التأبين الفلسفي للاستاذ الدكتور حسام محي الدين الآلوسي - نحو تأويل ابستمولوجي في منهجه المادي وفلسفته الماركسية *-


حيدر علي سلامة

الحوار المتمدن-العدد: 4304 - 2013 / 12 / 13 - 19:37
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


التأبين الفلسفي للأستاذ الدكتور حسام محي الدين الآلوسي
نحو تأويل ابستمولوجي في منهجه المادي وفلسفته الماركسية*

حيدر علي سلامة

ان عملية الكتابة عن استاذنا الكبير الراحل الدكتور حسام الآلوسي، قد تبدو مغامرة كبيرة في حد ذاتها، أن لم تكن مجازفة فلسفية. ربما يعود ذلك إلى طبيعة التحولات الحاصلة في فلسفته عامة، وخطابه المادي التاريخي خاصة. فعلى مدار تاريخه الفلسفي والمهني والجامعي، لم يحصل وان فصل استاذنا الآلوسي بين انشغالاته الثقافية الموزعة بين متابعة ونقد المشاريع الموسوعية في الفكر العربي سواء في اتجاهاتها الماركسية او في تمثلاتها الفلسفية الأخرى، وبين عمله كأستاذ للفلسفة ومناهجها، التي طالما عمل على الأرتقاء بها وإعادة تأسيسها بما ينسجم والتعليم الفلسفي النقدي الذي يضمن اكبر مساحة ممكنة من الإبداع الفلسفي الحر لمتلقي الدرس الفلسفي. ولهذا، تميزت عملية تدريس النص الفلسفي عند استاذنا الآلوسي، بالانفتاح الأنساني والأخلاقي والأبداعي، بطريقة قلما شهدنا مثيلا لها في تاريخ خطابنا الفلسفي.
من هنا، يتوجب علينا، كباحثين مختصين في الخطاب الفلسفي وإشكالاته الثقافية/والتاريخية، أن لا نتوقف عند "منطق النحيب وفلسفة التأبين" لفيلسوفنا الراحل، واستذكار تاريخ علاقاته المهنية مع تلاميذه ومحبيه ومريديه. لان الآلوسي كان ولا يزال، اسمى واكبر من جميع تلك التكاليف الشكلية، التي اُسقطت عنه، انطلاقا من منطق أن اكرام فلاسفتنا لا يكمن في منطق الذكر الملهوت فقط، بل في منطق النقد وإعادة قراءتهم وتأويل منجزهم الفلسفي الكبير والمتشعب. فهذا ما يمنحهم اكسير البقاء والأستمرار في العطاء الفلسفي حتى بعد رحيلهم عنا. لهذا، يمكننا القول أن استاذنا الراحل تعرض إلى التأبين مرتين :المرة الأولى حينما كان على قيد الحياة، أي عندما تم تناول اغلب اساتذتنا لمعظم منجزه الفلسفي والماركسي بالدرس والتحليل، بطريقة بدت اقرب إلى العرض التقليدي والتذييل الأكاديمي منه إلى النقد والتحليل الثقافي والأبستمولوجي. لذا، يمكننا وصف هذه المرحلة "بالتأبين الميتافوري"، التي تحمل في طياتها اكثر من تقنية وممارسة في قتل كثير من الأفكار الفلسفية والتاريخية للاستاذ الآلوسي، وذلك لعدم قدرة شراحها على فتح باب الأجتهاد والتأويل لكثير من مقولات الخطاب الماركسي، التي مر عليها الجميع مرور الكرام، وكأنها مفاهيم منعزلة ومنفصلة عن بنية العلوم الأنسانية، التي لم تشهد هي الاخرى أي تواصل معرفي وثقافي بينها وبين الخطاب الماركسي عامة والفلسفي خاصة. والتأبين الاخير لاستاذنا الآلوسي، هو "التأبين الحرفي/الحقيقي"، المتمثل في رثاء الراحل جسدا وفلسفة ومنهجا.

في نقد المنشور الفلسفي الأكاديمي** حول فلسفة الآلوسي ومنهجه الماركسي (جدل الأيديولوجي والماركسي)

عند تناولنا لطبيعة ما كُتب ونُشر حول المنهج الفلسفي/الماركسي للألوسي، لابد من مساءلة ونقد وتحليل ذلك المنشور الذي لم يحاول الانعتاق من شرنقة الأطر التقليدية في عرض وشرح وتبويب فلسفة ومنهجية الآلوسي. فمثلا :في دراسته المعنونة (اصالة الآلوسي الفلسفية في كتاب (الفلسفة والأنسان) دراسة تحليلية نقدية لمجمل الموقف الفلسفي فيه)، قدم الأستاذ الدكتور علي حسين الجابري بيوغرافيا فلسفية، تضمنت اهم اعمال الآلوسي ومنجزه الفلسفي، إلى جانب مراحل تطور عمله الفكري والفلسفي والجامعي. ثم عرج الأستاذ الجابري على بيان وتوضيح بنية المنهج الفلسفي عند الآلوسي، الذي طالما عده الأستاذ الجابري مجموعة مركبة ومتداخلة من النظريات الغربية، التي امتزجت جميعها في فلسفة الراحل، والتي طالما نظر اليها الأستاذ الجابري بعين الريبة والتقليد، وهو الذي وصفها قائلا :((على ما شاب منهج الالوسى من (تقليد) لطروحات الفلاسفة الغربيين لكنه حظى بمكانة خاصة بين زملائه، وعند اساتذته، فجعله استاذه (ايرون روزنتال) ((معقد امل كبير فى الفلسفة العربية)) واعتبره (المطبعى) بداية ((تأريخ الفلسفة العراقية)) المعاصرة لأنه امتاز بجرأة فى طرح الأفكار ((غير المألوفة)) وإن كان ((يداري حالته الكتابية بلغة صعبة، ويرمز دون أن يفلح، ويدور ويلف)). ولما كانت موسوعة (المطبعى) قد تناولت تفصيلات الآراء المنشورة وغير المنشورة للالوسى، وحادثه ، وعايشه طوال شهور، واستكتبه خطياً، فقد تداخلت أحكام (المطبعى) مع اعترافات الالوسى وتوثيقاته المكتوبة، التى تشهد على ان الالوسى قد نهج على وفق ((المنهج التأريخى الاجتماعى الجدلى)) بعد أن قرأ الكثير من المصادر الفلسفية الغربية حتى استعار من الغربيين فكرة (التقدم) المحكومة بمنطق (الخطأ والصواب) وتراكم الخبرة والعلوم، ((درجة درجة وسلما، سلماً)) وليس منطق (الصراع الطبقى) يتداخل عنده (النسبى والمطلق) فى الوصول الى الحقيقة المعرفية والاخلاقية والجمالية))(1).
عند مطالعتنا لدراسة الأستاذ الجابري، لاحظنا انها ركزت على طبيعة المؤثرات الفلسفية الغربية – خصوصا في شكلها السلبي/الكولونيالي- على كثير من مفاهيم وفلسفة استاذنا الراحل الآلوسي، الأمر الذي جعل من دراسة الجابري تتفق مع خلاصة المنهج الفلسفي التكاملي للالوسي، ذلك المنهج الذي يقع في المنزلة بين المنزلتين بالنسبة للجابري، لانه منهج يستند :(( ...على "الإجتماعية والتأريخية والعلمية والوطنية والقومية، والفردانية المعبرة عن خصائص الفكر الفلسفى المعاصر" به نعرف خصائص الفلسفات الغربية وندرك الاستقلال النسبى لتأريخ الفلسفة فللفلسفة طابع نسبى تفصح عنه قوانينها نقيس به أسباب تقدم الفكر على أساس مادى، ثم تراجعه. المنهج التاريخى الجدلى التكاملى – كما يشير الالوسى – هو منهجه الذى عول عليه فى مؤلفاته وكافة بحوثه، وفق فهم خاص لا علاقه له (بالماركسية) فهو يرجع اسباب التطور فى المفاهيم الفلسفية لا إلى الإقتصاد*** وحده، بل وكذلك إلى الصراع الايديولوجى وتطور اشكال الوعى، كالدين والفن، والتقدم العملى، والتراث وجميع هذه الاشكال، مرتكزات المنهج المعرفى للالوسى))(2). ولنتوقف عند هذه النقطة التي طرحها الجابري، وهي علاقة الأيديولوجيا بالمنهج التكاملي من جهة والماركسية من جهة أخرى، ثم نحاول ان نبحث فيما اذا كان قد وفق في عقد علاقة ابستمولوجية بين كل من الأيديولوجيا/الماركسية والفلسفة وخطاب العلوم الأنسانية.
لقد طرح الجابري اشكالية مهمة في خطاب الماركسية والعلوم الأنسانية، وهي اشكالية الأيديولوجية وعلاقتها بتطور الوعي واشكاله الأخرى كالدين والفن والتقدم العلمي. لكن هل كانت علاقة الوعي/والأيديولوجيا على هذا النحو في ادبيات الخطاب الماركسي التقليدي عامة وعند الآلوسي خاصة؟ وهل تم اختصارها واختزالها ضمن تطور اشكال العلوم والتراث والدين وماشابه؟ ألا يوجد هناك خلط مستبطن في نص الجابري في بيان وتحليل تلك العلاقة الشائكة، سيما وهو قد طرحها ضمن نسق العلوم، وليس ضمن نسق المجتمع والأفراد؟ ولماذا لم يعقد الجابري أي مقاربة ابستمولوجية لعلاقة الايديولوجيا مع النظام الأخلاقي والقانوني والثقافي السائد؟ واذا كان المنهج التكاملي التاريخي/الجدلي يحاول ان يتجاوز منطق التجزئة في تفسير التاريخ والوقائع الأنسانية وحركة المجتمع، فهل يمكننا ان نتخيل وجود مثل هذا المنهج بدون حضور الأيديولوجيا في بنيته التاريخية؟ فلماذا لم يتناول الجابري مفهوم الأيديولوجيا بشكل مفصّل ونقدي واضح؟ ولماذا تجاوز على علاقة ذلك المفهوم بالمركب الذهني؛ العقلي؛ اللغوي والنظام العلاماتي للإنسان الذي تشكله صيرورة التحولات الأجتماعية والتاريخية؟ واذا كان منهج الآلوسي لم يضع ألاولوية للعامل الاقتصادي بوصفه بينة تحتية، وانما للايديولوجيا بوصفها بنية فوقية، فلماذا لم يتم نقد نظرية الانعكاس التي مثلت البرادايم الابستمولوجي المسيطر على بنية المنهج الماركسي عند الآلوسي؟ ولماذا لم يتم الفصل بين الحتمية الأقتصادوية في حركة المجتمع والتاريخ، والحتمية الأيديولوجية الفوقية التي تشكل الكل البنيوي القيمي والأخلاقي في المجتمع؟
من هنا، تتضح طبيعة القطع المعرفي في دراسة الجابري عن مجمل التطورات الحاصلة لمفهوم الأيديولوجيا في الخطاب الماركسي وفي اشكالات العلوم الأنسانية الاخرى كاللسانيات وفلسفة اللغة. بل لم تحاول هذه الدراسة مساءلة منهج الآلوسي التكاملي المادي، فيما اذا كان قد وفق في اعادة رصد تطور مفهوم الايديولوجيا ضمن خرائط الماركسية والدراسات الثقافية الجديدة؟ ربما لانها دراسة اهتمت بشمولية المعرفة وعقلانية الفلسفة، وكل منهما يتحول الى "شعار طوباوي"، ان لم تأخذ بنظر الأعتبار، اعادة اختبار مفهوم الأيديولوجيا في تاريخ خطابنا الفلسفي. لكن دراسة الجابري، بقيت رهينة معالجات طوباوية لطروحات متخيلة، فوفقا لرأيه :(( لم نجد فى الكتاب معالجات لمشكلات الفكر الفلسفى العربى. والمجتمع العربى، كالتجزئة والاستلاب الفكرى وأزمة المثقف والثقافة وتناقض الحياة، والتكنولوجيا، والتراث، وإزدواجية الولاء، والنزعة الإستهلاكية، والسلطات المرجعية، وأزمة العلاقة بين القومية والدين..والوطنى والقومي))(3). فهل تبدو هذه الأشكالات اكثر واقعية وراهنية من اشكالاتنا الثقافية اليومية؟ وهل هي الاكثر التصاق بخطابنا السياسي الشمولي والأستبدادي؟ وهل يبقى محكوم على خطابنا الفلسفي ان يحيا في تبعية ازلية لتكرار اشكالات فلسفية طوباوية كالقومية والدين والنزعة الأستهلاكية؟!! وهل وصل خطابنا الفلسفي ومناهجنا التعليمية الى درجة الأكتمال المطلق، والتكامل المنهجي الميتافيزيقي، لدرجة اصبحنا نعيش فيها، حالة من "البطر الفلسفي" في معالجة قضايا الأستهلاك والتوفيق بين القومية والدين؟!!
مما تم طرحه اعلاه، حاولنا تسليط الضوء على اشكالية اساسية، تكمن في تخلف وتردي حضور مناهج العلوم الأنسانية عن تحليل نصوص ومؤلفات اساتذتنا وطروحاتهم الفلسفية. فعلى سبيل المثال، رأينا ان دراسة الجابري، لم تعمل على اعادة "اللحمة المفقودة في تاريخ خطابنا الفلسفي"، ونعني بها جدل الايديولوجيا والفلسفة، وعلاقة ذلك الجدل بالخطابات اللسانية واللغوية والمنطقية الجديدة. ولهذا انشغلت هذه الدراسة، بالأطر الشكلية لطروحات الآلوسي، كرصدها لعملية رص النصوص، وحشرها بشكل عشوائي، والأعتماد على المرجعية الغربية. في حين ان تلك القضايا تمثل في جوهرها الف باء تعليم الفلسفة وكتابتها. ربما كان من باب اولى على تلك الدراسة، اعادة تأويل كثير من المفاهيم الفلسفية والأبستمولوجية والميتودولودية (المنهجية)، كتلك التي شكلت العماد الرئيسي لمجمل طروحات الآلوسي، خاصة وان استاذنا الراحل كان مستندا في طروحاته، على مرجعية "ماركسية ارثوذكسية"، لم تُشر اليها دراسة الجابري لا من قريب ولا من بعيد، فلم تشتغل على تجديد وتأويل الماركسية في الفلسفة، بقدر انشغالها في ايجاد حلول لأشكالات الأصالة والمعاصرة في الفكر العربي، في الوقت الذي لا تزال تحيا فيه مجتمعاتنا نصف مصائبها وخرائبها، جراء سيطرة تلك الثنائيات الأيديولوجية الزائفة.
فعلينا ان لا نندهش، لغياب مفاهيم مهمة في دراسة الجابري، كمفاهيم الخطاب؛ السلطة؛ المعرفة؛ الثقافة وخطاب الدراسات الثقافية. سيما وانها دراسة تعاملت مع خطاب ماركسي اشتمل على جميع تلك المفاهيم والمصطلحات الفلسفية. بالطبع، هذا ليس بجديد على خطابنا الفلسفي الذي ادمن على تكرار المفاهيم القوموية والماضوية واسطورة الآصالة والمعاصرة وما شابه. لان السيادة في النهاية، هي المحافظة على الأيقاع الأكاديمي المترهل والرتيب في مناقشة وتحليل القضايا الفلسفية، اما ان يتم اقحام الفلسفة بمعالجات ومناهج جديدة لم يألفها السلف الصالح من قبل، فتلك بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
ويستمر مسلسل تهميش العلاقة بين الأيديولوجيا والماركسية في خطابنا الفلسفي، ففي دراستها المعنونة (شذرات عن فلسفة حسام محي الدين الآلوسي) للاستاذة افراح لطفي، حاولت استعراض اهم خصائص منهج الآلوسي، من حيث طبيعة التفاعل الجدلي بين البنية والتاريخ ومختلف اشكال الأنتاج. وعلى الرغم من ان الدراسة، جاءت على ذكر العلاقة المتداخلة بين الأيديولوجيا والأنساق الأجتماعية، الا اننا نلاحظ ان مفهوم الأيديولوجيا لم يأخذ حقه الكافي في اجراء مقاربات ابستمولوجية ضرورية واساسية للخطاب الماركسي الغير تقليدي، خاصة وهي دراسة شخصّت نقطة الأنطلاق في فهم فلسفة الآلوسي، التي تتوفر على :((...منهج صحيح لدراسة الفلسفة وهذا المنهج هو المنهج التاريخي الجدلي التكاملي وقد بين اهم خصائصه في اغلب كتبه ولاسيما كتابه الفلسفة والإنسان حيث طرح خصائص تلائم كون هذا المنهج تاريخي وجدلي متخذا من البنية والعلاقة الحجر الاساس لدراسة الافكار مجتمعيا ولهذا تركزت خصائص هذا المنهج على دراسة من هذا النوع فتطبيق هذا المنهج يلزم الباحث الذي يدرس الظواهر او الافكار بعدة امور هي خصائصه التي منها ان يتناولها أي الافكار والظواهر في ارتباطاتها وتبعيتها المتبادلة من اجل الكشف عن الجوانب الداخلية المتضادة التي يشكل صراعها فيما بينها مصدر تطورها ومن ثم توضيح ارتباط المذاهب الفلسفية بالعلاقات الاجتماعية السائدة في مرحلة معينة - وقد اعلن د. حسام هنا أن احسن تمييز لهذه المراحل والذي يمثل جوهرها هو نمط اسلوب الانتاج المسيطر - ومن ثم تبين العلائقية التي تعني موقف الفلسفة من الصراع بين القوى الاجتماعية الرئيسة وعلاقتها باشكال الوعي المختلفة كالدين والسياسة والعلم والفن والايديولوجيا ..الخ))(4).
الملاحظ على نص الدراسة اعلاه، انها لم تأت بأي جديد يُذكر حول منهج الآلوسي، فمن المعروف لدى الجميع، ان الآلوسي دعى الى مثل تلك الرؤية في معظم كتبه وحواراته****. إلا ان لغة الدراسة تعاملت مع منهجية الآلوسي، بطريقة اقرب الى "الأرثوذكسية الماركسية"، فلم توضح طبيعة علاقة الأنتاج المسيطر وموقف الفلسفة من الصراع بين القوى الأجتماعية السائدة الرئيسية، وعلاقتها بأشكال الوعي المختلفة كالدين والسياسية والعلم والأيديولوجيا -بحسب قول الباحثة-؟ هذا على الرغم من ان مختلف اشكالات الفلسفة تكمن في هذه العلاقة. لكن غاب عن الدراسة تحليل بنية تلك العلاقات، ولم تحاول اعادة تقييمها. فلماذا لم تلجأ الباحثة الى استعمال أي منهج من مناهج فلسفة العلوم، الذي يقع ضمن اختصاصها الاكاديمي الدقيق؟ ام هو مقدر على تلك العلوم ان تبقى رهينة المحبسين بين تشاؤمية الدرس الفلسفي ولاعقلانية مواعيد الأمتحانات؟!! ثم لماذا لم توضح لنا الباحثة، رؤية الآلوسي حول العلاقة الاشكالية بين مفهوم الايديولوجيا واشكال الوعي الأخرى التي جاءت على ذكرها، ام ان الباحثة خضعت لمنطق "الاكتفاء الاكاديمي الذاتي" في العرض التقليدي لمنهجية الآلوسي؟
لهذا، ظلت العلاقة الأشكالية بين الأيديولوجيا والماركسية والفلسفة واشكال الوعي المختلفة، تعيش حالة من العزلة والتهميش المنهجي المقصود في اغلب الاحيان. والا بماذا نفسر عدم ظهور هذه العلاقة بشكل ابستمولوجي ونقدي، بل ولم يتم اعادة مساءلتها من جديد عند اغلب المشتغلين في منهجية الآلوسي؟ واذا تجنب خطابنا الفلسفي مساءلة هذه العلاقة الثقافية، تُرى من الذي سوف يقوم بمثل هذه المهمة؟ واذا كان اساتذة الفلسفة عندنا هم انفسهم من تجاوز على تلك العلاقة، بحجة الشمولية والعقلانية المفترضة والتوفيقية الزائفة، فكيف ستضطلع النُخب الفلسفية الصاعدة، في مواجهة تلك المهمة؟
فحينما جرى عرض اهم كتاب فلسفي طرح اشكالية العلاقة بين الايديولوجيا والقيم الأخلاقية وهو(التطور والنسبية في الأخلاق)، في الدراسة المعنونة (الأخلاق عند حسام الآلوسي دراسة فلسفية) والمقدمة من قبل الاستاذ محمد فاضل عباس، نلاحظ كيف انها التزمت الخط الاصولي التقليدي في القفز اللاتاريخي على مجمل الاشكالات الابستمولوجية والثقافية، ناهيك عن الاشكالات اللغوية واللسانية. فبدء من المقدمة الطللية والاصطلاحية والقاموسية لمفهوم وتاريخ وفلسفة الأخلاق، والتي لم تتفق والطروحات التطورية/المادية التي طرحها الباحث، انتهاء بأستعراض تاريخ الأخلاق التطورية منذ تاريخ الفلسفة اليونانية مرورا بداروين وسبنسر وانتهاء بالفلسفة الماركسية. لفت نظرنا، خلو الدراسة من أي مصدر اساسي مختص في فلسفة التطور الغربية سواء لهربرت سبنسر وتشارلس داروين وغيرهم. بل على العكس، اعتمدت الدراسة كليا على ما هو مكتوب ومترجم عربيا حول نظريات التطور في الأخلاق والفلسفة. فإذا كانت مثل هكذا دراسات لأساتذة اكاديميين مختصين في تدريس الفلسفة، لا تعود الى المراجع الاجنبية الأساسية في التأصيل لافكار الفلاسفة ونظرياتهم المختلفة، فما عسانا ان نترجى من الاجيال الفلسفية القادمة؟
شكلت طبيعة النظرية الأخلاقية التي مثلها الآلوسي- وفقا للدراسة - مزيجا من النظرية التطورية الداروينية والنظرية الماركسية المادية الجدلية والتاريخية، وذلك لإعتقاد :((الآلوسي بنسبية الأخلاق وتطورها مستعينا بالمصادر التي تعينه في رؤيته الفلسفية في نسبية الاخلاق وتطورها مؤكدا على اعتماده في كتابه هذا على دراسة اجتماعية تأريخية ليس لأخلاق البشر فقط، بل ولعاداتهم ومراحل تفكيرهم ولأنماط سلوكهم ليقدم لنا نتيجة سابقة لاوانها تتفق في نتيجتها الأولى مع ما توصل اليها التطوريون وفي نتيجتها الثانية مع ما توصل اليه الماركسيون اذ تفيد هاتان النتيجتان : 1. ان الأنسان وسلوكه مرحلة متطورة من الحيوان الراقي وسلوكه. 2. ان الأخلاق مسألة تاريخية اجتماعية وان تجاهل هذين الأمرين احد اكبر العوامل التي اوقعت بعض المدارس الفلسفية الأخلاقية في القول بنظرية الضمير ومطلقية القيم الخلقية))(5).
ولم يفت الدراسة الأشارة الى نسبية القيم وألأخلاق عند الآلوسي، الذي :((... يتفق كل الأتفاق مع القائلين بنسبية الأخلاق والنسبية هنا تستلزم القول بالتطور،فالالوسي من اصحاب النسبية والتطور في الأخلاق لا بل انه يذهب ابعد من ذلك عندما يقرر نسبية العقل البشري في قوله: ((ولذلك سنسند هذا (القول بنسبية الضمير)بالعديد من الأمثلة من عادات الشعوب واحكامهم ومؤسساتهم للدلالة على هذا وعلى نسبية العقل البشري نفسه))))(6).
وعندما تناولت الدراسة المراحل التاريخية من وجهة نظر الماركسية، فقد تناولتها بكامل جاهزيتها الأرثوذكسية والدوغمائية، دون أدنى مساءلة نقدية لها، وكأنها نظام ميتافيزيقي مطلق قابل للتطبيق في كل زمان ومكان، حيث :((...في هذا الكتاب عرض اهم المراحل التي مر بها المجتمع البشري من وجهة نظر الماركسية ابتداء بطور المشاعية البدائية والعبودية فالرق او الأقطاع فالبرجوازية ثم الأشتراكية))(7). نتساءل هنا، عن أي ماركسية تتكلم لغة الدراسة؟ وهل كانت تشير الى نمط ماركسي واحدي في التاريخ؟ ولماذا لم تتوقف عند نقد وتفكيك هذه الماركسية الارثوذكسية؟ وهل بأمكان مثل هذه الماركسية الدوغمائية ان تعيد سؤال الفلسفة والايديولوجيا والاخلاق؟ وهل بأمكانها ايضا، ان تؤسس لخطاب ابستمولوجي مفتوح امام العلوم الانسانية الجديدة كالانتربولوجيا واللسانيات والعلوم اللغوية والمنطقية؟ فهل هناك "عقد اكاديمي مطلق ومسبق" في وجود ماركسية واحدية مطلقة غير قابلة للمراجعة والنقد؟!!
ثم لماذا جرى تغييب التحليل الثقافي والنقدي لمفاهيم مفصلية واساسية في منهجية الآلوسي، خاصة المتعلق منها بالنظام الأخلاقي: كالايديولوجيا وعلاقتها بالنظام المعرفي والقيمي؛ الأيديولوجيا وعلاقتها بالبنية الفوقية؛ الأيديولوجيا وعلاقتها بلغة الأخلاق اليومية؛ الأيديولوجيا وعلاقتها بكل من الأخلاق والسياسة؛ الايديولوجيا وعلاقتها بالتشكيل المرضي لتكوين اللسان والمقولات الذهنية والخطاب وممارسات الكلام في بنية العالم اليومي؟ ولماذا غاب عن الدراسة ذكر أهمية دور اللغة في تطور وارتقاء وعي الأنسان، على الرغم من ان اللغة لم تنفصل عن مجمل نظريات التطور البايلوجية عند داروين وسبنسر، او في المادية الجدلية والتاريخية عند ماركس؟ فكيف نفسر حدوث وتكرار غياب مجمل كل ما ذكرناه من اشكالات فلسفية هامة وضرورية في تقدم العملية الفلسفية؟ والى متى تبقى كتاباتنا متخلفة عن مواكبة ركب تطور ابستمولوجيا العلوم الأنسانية عامة، ونقد علاقة الايديولوجيا مع الفلسفة خاصة؟ ولماذا تعاني كتابات اساتذتنا من مرض "التناسخ الميتافيزيقي" من حيث الأسلوب اللغوي والمفاهيمي المتبع في عرض وتحليل الفلسفة؟ ولماذا نجد هناك سيطرة "لأسلوبيات لغوية" قديمة ومحددة مسبقة في عرض الأفكار الفلسفية وتياراتها ومناهجها؟!!!
لذلك، عند تتبعنا لمسار منشورنا الفلسفي المطبوع، تنبلج فيوضات من القوالب والمقولات الجاهزة المتفق عليها قبليا والمصادق عليها ايديولوجيا، في كتابة وتوظيف المفاهيم في حقل الخطاب الفلسفي. ومما مر بنا في الدراسات المذكورة اعلاه، نلحظ سيطرة تلك "القوالب النمطية"، و"تمظهراتها الشعورية واللاشعورية" بين بنية نص وآخر. مما جعلها مجرد عملية اجترار وتكرار لمقولات فلاسفة وتيارات فلسفية او حتى لمناهج فلسفية. فكان في تناول فلسفة الألوسي ومنهجه، خير معيار ودليل على سيادة تلك القوالب في تحليل منهجه الفلسفي من جهة وفلسفته بشكل عام من جهة أخرى، وهذا هو بالضبط، ما اصطلحنا على تسميته "بالتأبين الميتافوري لفلسفة الآلوسي"، فمنذ متى كانت سيطرة "القوالب الجاهزة" وايديولوجيا "النَسَخ الفلسفي الميتافيزيقي" تُحيي اصحاب الفلسفة وروادها؟!
بعد رحيل فيلسوفنا الآلوسي، طالعنا الاستاذ الدكتور حسن مجيد العبيدي، بدراسة عرضت للسيرة الفلسفية والمنهجية للراحل. مشيرا الى اهمية نتاجه الفلسفي الغزير الموزع بين تأليف الكتب الفلسفية الرصينة، وكتابة الأبحاث والمقالات الفلسفية التي نشرت في دوريات الفلسفة خاصة والدوريات الثقافية عامة. ثم قدم ألأستاذ العبيدي رؤيتة الفلسفية عن بنية وطبيعة ووظيفة المنهج عند الآلوسي. فُترى إلى أي حد اختلفت فيه هذه الرؤية، التي جاءت في مرحلة "التأبين الحرفي/الحقيقي" لفيلسوفنا الآلوسي، عن رؤى الدراسات الفلسفية السابقة، في تحليل ودراسة المنهج الماركسي عند الآلوسي؟
استعرضت دراسة الأستاذ العبيدي، لمجموعة ضوابط محددة لبنية المنهج عند الآلوسي، هي :((إن التراث الفلسفي العربي الإسلامي يجب أن ينظر إليه من خلال العلاقات المتبادلة بين الطبقات (الفئات الاجتماعية) ومستوى النضال الطبقي في هذا المجتمع أو ذاك، فضلاً عن النظر في مستوى تطور العلوم، ولاسيما العلوم الطبيعية، في هذا المجتمع أم ذاك، مع الاهتمام بالتواصل الفلسفي والفكري، أو ما يسمى بالاحتياطي المتراكم من التصورات والمواد الفكرية، مع الأخذ بنظر الاعتبار الخصائص القومية والوطنية للمجتمع.
وهذه الضوابط المنهجية بنظر الفيلسوف الآلوسي تعدّ أساسية في كل مجال من مجالات العلوم الإنسانية، فضلاً عن الفلسفة، لأن الفلسفة على وفق الآلوسي هي نظرة عن العالم، وهي نظام لأكثر المفاهيم شمولاً عن العالم، ولعلاقة الإنسان بهذا العالم، وتعبر عن الفئات والطبقات الاجتماعية المعينة، وهي شكل من أشكال الوعي الاجتماعي، ولذلك فإن مهمة التفكير الفلسفي عند الفيلسوف الآلوسي بحسب هذا المنهج ليست معرفة الآراء فقط، ولا رصد الظاهر فقط، بل ومعرفة الأسباب التي تجعل ظروفاً معينة تلد بالضرورة هذه الأفكار أو تلك الآراء. وذلك أن نمضي من الواقع إلى الأفكار لا من الأفكار إلى الواقع.......
مما تقدم يظهر أن المنهج الفلسفي للآلوسي هو منهج شمولي كلياني ذو نظرة تكاملية، أي أنه يدرس نتاج الفيلسوف المدروس دراسة متأنية بمراعاة نموه وتطوره الفكري والروحي، فمثلاً إن تاريخ أي كتاب من كتب الفلاسفة لا يكفي لإعطاء صورة كافية عن الفيلسوف، بل لابد من معرفة أهداف الكتاب، ولمن كُتب، ومنهجه، أو تعليمي فقط، أم هو تعبير عن موقف الفيلسوف الداخلي الحقيقي... .ويدافع الفيلسوف الآلوسي عن منهجه هذا، ويعده مفيداً للدرس الفلسفي بخلاف المناهج الأخرى التي قدمت من وجهة نظره قراءة قاصرة للتراث الفلسفي العربي الإسلامي، لأنها على وفق الآلوسي أخذت بجانب واحد فقط، وأهملت الجوانب الأخرى، وهذه المناهج القاصرة بنظر الفيلسوف الآلوسي هي المناهج المثالية والانتقائية والوضعية والبراغماتية الذرائعية وغيرها)((8).
في النص أعلاه، قدم الأستاذ العبيدي رؤية شاملة "للمنهج التكاملي"، لم تأخذ بنظر الاعتبار، حضور الأيديولوجيا وحقولها المعرفية والثقافية ضمن المنهج التكاملي عند الآلوسي. فبات من المعروف في ادبيات العلوم الأنسانية والأجتماعية والأنتروبولوجية الماركسية الى جانب العلوم اللسانية والمنطقية، اهمية رصد وبيان العلاقة البنيوية بين الأيديولوجيا وتمثلاتها "الشعورية" المتمثلة بسيطرة الأحزاب وانساقها الظاهرة، وتمثلاتها "اللاشعورية" المتمثلة بتشكيل النظام المعرفي/والأنفعالي؛ والرمزي/والمتخيل للانسان، ذلك النظام الذي هو مجموعة من التراكمات السلطوية والشمولية من قبل الأنظمة السياسية التي عملت على تسييس وتجيير منظومة القيم والأخلاق ومجمل الممارسات الأنسانية اليومية، فهل كان المنهج التكاملي قاصر عن الأحاطة بتلك الظواهر التاريخية؟ وهل كان منفصل عما هو متصل ومتداخل مع بنية الحياة اليومية المرضية؟ مثل تلك القضايا وغيرها ظلت ولا زالت مسكوت عنها من قبل كتاباتنا الفلسفية، وذلك لان اغلب ما يُكتب ويُنشر لا يمثل موقف فلسفي، ولا يمثل موقف الفلسفة، بل لا يمثل موقف الفلاسفة ازاء قضاياهم الحقيقية والواقعية الراهنة. وقد علمنا مؤسس الدرس الفلسفي التهكمي استاذنا الراحل مدني صالح، منذ اول درس فلسفي "ان الفلسفة موقف".

في نقد بنية التداخل بين :الأيديولوجي والاخلاقي والماركسي في منهج الآلوسي

يمكننا ان نعد كتاب (التطور والنسبية في الأخلاق)، واحد من اكثر كتب الآلوسي جدلا واشكالا، وذلك يعود الى انه طرح في هذا المصنف الفلسفي، اشكالية فلسفة الأخلاق من الناحية التاريخية المادية/التطورية، الى جانب علاقة الأخلاق بالأيديولوجيا وتجلياتها المختلفة. وفي هذا الطرح، يكمن اكثر من جانب فلسفي مسكوت عنه، بدء من مفهوم "النظرية السياسية الجديدة" التي لم تتبلور في شكلها التحليلي التكاملي، لتؤسس "لقطيعة ابستمولوجية" مع موروث النظرية السياسية الأفلاطونية. هذا على الرغم من ان فيلسوفنا الراحل، ابدع في نقد منظومة الفلسفة الأفلاطونية من النواحي الأيديولوجية؛ والطبقية؛ والسلطوية. لكن كل ذلك لم يكلل بميلاد نظرية سوسيو-اخلاقية جديدة من جهة؛ وسوسيو-سياسية وسوسيو-فلسفية من جهة اخرى. وربما يعود ذلك الى غياب التحديد المنهجي الابستمولوجي لمفهوم "الأيديولوجيا" في الأخلاق والسياسة والتاريخ، الذي برز في الطبيعة الانتقائية المحددة للمصادر الفلسفية المستعملة في كتابه، التي خلت تماما من الأحالة الى أي مصدر متخصص في تاريخ نظرية الأيديولوجيا وتحولاتها الفلسفية والسياسية، سيما في تاريخ منعرجات الفلسفة الماركسية. اضف الى ذلك، غياب سمة التنوع المنهجي للمصادر، التي تمهد لبناء حالة من التفاعل والتداخل الابستمولوجي والنقدي مع بقية حقول العلوم الأنسانية ذات الصلة بمفهوم "الأيديولوجيا"، خاصة العلوم اللغوية واللسانية التي استأثرت بأهتمامات الخطاب الماركسي الجديد. فمن خلال قراءة متفحصة لطريقة اختيار واستعمال المصادر والمراجع في الكتاب المذكور اعلاه، يتوضح سيطرة الاستناد على نصوص ثانوية تُرجمت الى اللغة العربية، مثل كتاب جون لويس (المدخل الى الفلسفة) وكتاب كورنفورث وغيرها، التي لا تتوفر على تحليل البنية الإشكالية لمفهوم التطور والنسبية في الأخلاق. علاوة على عدم تضمن قائمة المراجع على الاعمال الكاملة للماركسية، كالأعمال الكاملة لماركس و انجلز، التي تُرجمت جميعها الى اللغة العربية منذ فترة طويلة. فلماذا تم تغييب تلك المصادر بطبعتيها العربية و الأنجليزية؟ ولماذا تم السكوت عن تلك المراجع؟
والشيء اللافت في الامر، خلو قائمة المراجع من مصدر اساسي لماركس، عده كثير من الفلاسفة والمنظرين في حقل الدراسات الماركسية، نقطة تحول لمفهوم الأيديولوجيا في فلسفته، وهو كتاب(الأيديولوجية الألمانية). اضف الى خلو تلك القائمة من اعمال معظم الفلاسفة الماركسيين المجددين للطروحات الماركسية التقليدية، سيما نظرية الانعكاس والحتمية الاقتصادوية في التاريخ والمجتمع والسياسة، الذين عملوا على اعادة قراءة وتأويل الماركسية، بعدما ابتلعتها الارثوذكسية الستالينية، امثال اعمال الفلاسفة غرامشي ولوكاش والتوسير ولوفيفر وغيرهم. على الرغم من التكرار الواضح، لثيمة الأيديولوجيا وعلاقتها بالانظمة الأجتماعية والسياسية وعلاقات الأنتاج في كتاب(التطور والنسبية في الأخلاق). فهل تعني ظاهرة الاستناد على مصادر ثانوية/تقليدية في ذلك الكتاب، تكريسا لرؤية ميكانيكية/واحدية للماركسية وتاريخها في منهجية الآلوسي؟ وهل كان الآلوسي منهمكا بالماركسية ومراحل تطورها التقليدية، دون الانشغال بكتابات الماركسية الاصلية عامة، وكتابات ماركس خاصة؟
اما فيما يتعلق بمفهوم الايديولوجيا، لاحظنا ارتباط هذا المفهوم بشكل حتمي، برؤى ماركسية تقليدية، لم تأخذ بنظر الاعتبار علاقة الأيديولوجية بالبنية الفوقية المتكونة من الاخلاق وانظمة المعتقدات والقيم الثقافية، الى جانب الاطر القانونية والتشريعية والدينية..الخ. لذلك لم تتضح العلاقة الاشكالية بين الايديولوجية والبنية الفوقية في كتاب الآلوسي. وهذا ربما يعود في احد اسبابه، الى انه تبنى ماركسية تقليدية منغلقة على اصولها ومبادئها ومناهجها، أي "الماركسية الميكانيكية"، التي تجعل العامل الأقتصادوي هو العامل الوحيد، المحدد والمحرك للتاريخ ولمختلف الفعاليات الأنسانية القيمية والاخلاقية والعقلية والسيكولوجية. وبالتالي ظهرت مجمل تلك الفعاليات في كتابه، ليست اكثر من ملحق ثانوي يمثل انعكاس للبنية التحتية التي تحدد ظهور وتشكل البنية الفوقية، لاسيما فيما يخص نظرية الأيديولوجية، وهذا ما ساهم بشكل كبير في تشكيل رؤية ضبابية لمفهوم "الأيديولوجيا"، الذي نراه تارة، يمثل مؤسسات الدولة المسيطرة، وتارة أخرى، يمثل المؤسسات الحقوقية والأخلاقية التي هي في حقيقتها تمثل "البنية الفوقية"، والتي لم تشهد أي وجود واستقلال -في نص الآلوسي- عن تبعيتها الميكانيكية للبنية التحتية، لان كل من :((.البناء التحتي والفوقي مرتبط بمفهوم التشكيلة الأجتماعية. ان القاعدة تحدد الصفة النوعية لكل تشكيلة اقتصادية اجتماعية، وبهذا فهي تفصل التشكيلة الطبقية، او المشاعية عن العبودية، اما البنيان الفوقي فهو يحدد خصائص الحياة الروحية والأجتماعية لكل تشكيلة اجتماعية. ويشتمل البنيان الفوقي على الايديولوجيا التي تخدم في تثبيت او هدم العلاقات الأقتصادية القائمة وفي حل القضايا الأجتماعية المماثلة، وتظهر الأيديولوجيا منذ ظهور المجتمع الطبقي مشتملة على النظرات السياسية والحقوقية والدينية والفلسفية والأخلاقية والجمالية. وفي كل تشكيلة اجتماعية طبيعية تتكون ايديولوجيا للطبقة المسيطرة، وتملك الطبقة المسيطرة وسائل انتاج ونشر هذه الأيديولوجيا، كالمطابع والمدارس ووسائل الدعاية..الخ. كذلك يشتمل البنيان الفوقي على المشاعر والميول السيكولوجية الأجتماعية. ان كلا من هذه وتلك انعكاس للعلاقات الأقتصادية القائمة.... واذا كانت العلاقات الأيديولوجية تحدد بالعلاقات الأقتصادية، فأنها تتمثل في مؤسسات ومنظمات شتى وذلك في المجتمع الطبقي، الحكومة والمؤسسات القانونية والأحزاب السياسية والأتحادات المهنية والدينية والثقافية والعلمية الخ))(9).
بعد ذلك، يستخلص الآلوسي نظريته في الأخلاق، التي هي تحصيل حاصل وتوتولوجي لسيطرة البنية المادية التحتية، فيقول :((مما تقدم يتبين، ان معنى القول بأجتماعية الأخلاق هو انها انعكاس للمجتمع، ولكن ما المقصود بالضبط من هذا؟. يتكون المجتمع من قسمين :الجانب المادي المتمثل في نوع الأقتصاد، وحالة قوى الأنتاج وشكل وسائل الانتاج، ونمط العلاقات الانتاجية-الاجتماعية، وكل ما يتصل بهذا من عمران ومواصلات. والقسم الثاني هو الجانب المعنوي او الروحي او الفكري متمثلا في الأساطير والأعتقادات والافكار والعادات والأعراف والاخلاق والقواعد القانونية والفنون. ونحن نذهب الى ان كل الدلائل تدل على ان الجانب الثاني او ما يسمى بالبناء الفوقي ينبع من ويقوم على اساس الأول أي البناء التحتي او المادي))(10).
نلحظ مما ذكر اعلاه، ان مفهوم الأيديولوجيا لم يظهر بوصفه خطاب ثقافي؛ لساني؛ لغوي، بل ظل في حالة من التداخل والتحول بين :السياسي؛ الحضاري؛ المادي/الثقافي. دون ان يكون له ثمة تشخيص وتحليل نقدي واضح لعلاقته البنيوية مع نظام الأخلاق والقيم الأجتماعية السائدة، لكونه ظل يعيش في تبعية حتمية للبنية المادية التحتية.
من هنا، تظهر الحاجة الابستمولوجية والانطولوجية الضرورية في اعادة النظر/ونقد مفهوم الأيديولوجيا، الذي تم تبنيه وطرحه في كتاب (التطور والنسبية في الأخلاق). وذلك لأنه مفهوم لم يتواصل بشكل ما او بأخر مع مجمل منتجات الذهن الأنساني من عمليات اعتقادية؛ وممارسات لسانية وتشكيلات لغوية..الخ. وهذه في مجملها، قضايا ابستمولوجية متداخلة مع خطاب اللسانيات عامة وفلسفة اللغة خاصة، إلى جانب سوسيولوجيا المعرفة(11) وعلاقتها في أنتاج/وإعادة إنتاج المقولات الذهنية/الثقافية ضمن السياق الأجتماعي العام. وبطبيعة الحال، أن مجمل تلك المفاهيم المطروحة أعلاه، لا يمكن لها ان تنفصل عن عمليات تشكيل النظام الأخلاقي في المجتمع والتاريخ، واشكال علاقات الأنتاج، لكنها لم تتضح بما يكفي في سِفر استاذنا الراحل الآلوسي. وذلك ربما يعود إلى ان نظام المنهج الفلسفي، والنزعة الانتقائية في اختيار المراجع المعتمدة، ادت جميعها الى طرح رؤية ميتافيزيقية للماركسية*****، بحكم انطلاقها من منظومة مفاهيمية ملهوتة ومقدسة، غير قابلة للنقد والتفكيك. فمفهوم "الأيديولوجيا" على سبيل المثال لا الحصر، ظل عائما بين سيطرة كل من اشكال الأنتاج؛ واشكال الطبقات الاجتماعية والسياسية، فظهر وكأنه مفهوم منفصل عن براكسيس بنية الوجود اليومي، وعن تشكيلاتها الخطابية واللغوية، وتشكيلاتها اللسانية والعلاماتية. الى جانب قانون مراحل تطور التاريخ البشري في الماركسية، الذي لم يسلم، هو الاخر، من صور اللهوتة والقدسنة، فلم نجد مثلا، أي اشارة لا من قريب ولا من بعيد، إلى نظريات الأنتاج الخاصة بالمجتمعات القديمة (كنظرية نمط الأنتاج الأسيوي)(12)، التي خصّ بها ماركس مجتمعات ما قبل الدولة الرأسمالية، واقترحها كبديل عن نظرية المراحل الخمس، التي ليس من الحتمية التاريخية ان تنطبق على المجتمعات القديمة والمجتمعات الأسيوية الأخرى. وقد ظهرت دراسات في الانتروبولوجيا الماركسية والفلسفية(13) رائدة في هذا المجال، لا يمكن للباحث المختص في الفلسفة والعلوم الانسانية، تجاهلها او القفز عليها بطريقة غرائبية، بحجة تثبيت رؤية دوغمائية واحدية للماركسية من جهة؛ ولمفهوم الأيديولوجيا ولغة الأخلاق من جهة أخرى.

مفهوم الأيديولوجيا :من النظرية المادية للأنعكاس إلى نظرية الايديولوجيا بوصفها خطاب لساني لغوي

مما سبق، لاحظنا سيطرة النظريات الحتمية كالمادوية والأقتصادوية في الماركسية التقليدية، بشكل تكاملي على مجمل مفاصل "انطولوجيا الحياة الأجتماعية للوعي والفرد". الامر الذي ادى الى انكفاء تلك الأنطولوجيا على بنيتها وانفصالها عما يوجد في العالم الواقعي، فلا نجد أي "اثر تواصلي واتصالي"، سواء كان يمثل قنوات لغوية او نظام علامات لسانية او حتى سياق ثقافي. فيغدو "تشكيل الوعي" منفصل ومستقل تماما عن أي نظام "لغوي للتواصل"، وفق "نظرية الأنعكاس المادية"، التي يظهر من خلالها :((.. ((الذهن)) أو ((العقل)) البشري ليس مستقلا عن الظروف الموضوعية التي تفرض نفسها عليه ودون أن يدري منها شيئا. ليست ارادة الناس هي التي تحدد بصورة اعتباطية العلاقات الأجتماعية، بل أن وعي الناس يحدده واقع المجتمع المادي الذي هم اعضاء فيه، وهذا المجتمع ليس نتيجة لا شيء، أنه مجموعة العلاقات التي تكونت لتؤمن للناس نضالا ينتصر على الطبيعة، وهي علاقات يحددها بالضرورة مستوى قوى الأنتاج التي يملكها الناس. وافكار الناس الأجتماعية هي انعكاس لهذا المجموع المعقد....ان حياة المجتمع المادية هي واقع موضوعي يستقل في وجوده عن ارادة الأنسان، بينما حياة المجتمع الفوقية او الفكرية هي انعكاس لهذا الواقع الموضوعي))(14).
يتضح من النص اعلاه، كيف تم عزل العقل الانساني ومنتجاته الذهنية والأخلاقية والعقائدية، عن تشكيلات الخطاب واللغة والسلطة والمعرفة، كل ذلك جرى بأسم "النزعة الموضوعانية". لذلك، حتى عندما تم تناول لغة القانون في الاخلاق، في نص الألوسي، طُرحت هي الاخرى، بمعزل عن بنيتها المنطقية والسيموطيقية والسينتاكسية والسيمانتكسية، لتتحول بذلك الى مجرد "تمثلات مرآوية للكيان الأجتماعي السائد" :((ان النواهي والأوامر علاقة بين طرفين، وقولي : لا تشرب معناه لا تشرب شيئا، ليس لك، أي شيئا لغيرك ولو لم يكن هناك انسان آخر لما كان لقولي معنى، ولو اراد رجل مثل روبنسن كروسو ان يحفظ حياته وهو في جزيرته المقفرة ففي وسعه أن يفعل ذلك أيضا، ومن الشطط أن تزعم أن احد السلوكين ملائم للاخلاق والآخر مخالف لها...ان ((حي بن يقظان)) بطل رواية ابن طفيل****** الفيلسوف الأسلامي، لا يمكن ان يكون غير حيوان اعجم، كما هو حال اشخاص وجدوا في غابات وربتهم حيوانات علما بأن ارسطو نفسه والذي يتأثر به ابن طفيل كثيرا في ((تهذيب الأخلاق)) يقول :((ان ذلك الذي لا يستطيع ان يعيش في المجتمع هو اما وحش او اله وهو ليس جزء من الدولة))))(15). نلحظ هنا، كيف ان هذا النص، لم يكن منهمكا في اعادة تحليل "لغة الأخلاق وتفكيكها"، ضمن وظائفها الاجتماعية وعلاقاتها البراغماتيكية (التداولية) بين الفاعلين الأجتماعيين، بمعنى آخر، انه لم يكن منشغلا في نقد لغة "الواجب والأمر والطاعة"، وعلاقتها بمنطق الخطاب/والسلطة، بوصفها-أي تلك اللغة- تمثل ((سلطة الأنا الاعلى للغة))(16).
كل ذلك كان في واقع الامر، يمثل موقف لغة الكتاب الواحدية في قراءة مجمل فلسفات اللغة وفلسفات التحليل المنطقي واللسانيات بشكل عام، الذي يعود في احد اسبابه الى نزعة انتقائية في طرح مراجع فلسفية ارثوذكسية متوقفة في قراءاتها عند مرحلة محددة وواحدية لمجمل التيارات والفلسفات التحليلية والمنطقية. اضف الى انه من المعروف، ان معظم كُتاب تلك المراجع ينتمون الى ماركسيات ارثوذكسية لا تعترف بمجمل تاريخ تطورات فلسفات اللغة عامة وفلسفات اللغة في الماركسية خاصة. لذا، لا يمكن ان نجد خطاب القطائع الابستمولوجية في العلم، لان تاريخ تلك القراءات هو تاريخ اتصال لا يعترف بالانفصال، بل لا يعترف بالمراحل المبكرة والمتأخرة لتيارات الفلسفة والتحليل المنطقي، والشيء نفسه ينطبق ايضا على الفلسفات الانسانية والوجودية والبراغماتية (الذرائعية). وبدا ذلك الموقف واضح في تناول علاقة الاخلاق من قبل فلسفات التحليل المنطقي للغة، من خلال هذا النص :((اما الوضعية المنطقية وسائر فلسفات التحليل المنطقي فهي تستبعد الأخلاق المعيارية من نطاق العلم، وتقول ان قواعد الأخلاق لا يمكن التثبت منها أي من صحتها بالتجربة، وانها لا تشير الى شيء موجود، انما هي عبارات لا تحتمل صدقا ولا كذبا، لأنها مجرد اوامر في صيغ لغوية او تعبيرات عن انفعالات نفسية، ومن هنا تعذر وصف الأحكام الخلقية بالصدق او الكذب، فهي كلام فارغ))(17). لذا، كان الحكم الاستدلالي النهائي على تلك الفلسفات هو :(( ان موقفها هذا من الاخلاق هو جزء من موقفها الفلسفي عموما من فكرة التقدم وإمكان التحقق من وجود العالم، وإمكان المعرفة عموما ((انها تنكر وجود تطور تقدمي في العالم، او اي اتجاه او هدف في المجتمع والتاريخ، انها تنكر قدرتنا على معرفة جوهر الأشياء، وتقصر كل المعرفة الممكنة على الحقائق الخاصة وعلى العلائق بينها. كما انها تنكر عمليات التصير الضرورية والأرتباطات اللازمة، ناظرة للعالم كمجرد مجموعة من الوقائع والاحداث الأقتصادية تكون فيها جميع العلائق خارجية، وكل شيء فيها يحدث بالصدفة...))))(18).
من النص أعلاه، يتضح كيف ان مجمل الاحكام التي تشكلت في كتاب (التطور والنسبية في الاخلاق)، لم تمثل رؤية كاتبها الاصلي، بقدر ما كانت مجرد امتثال لمجموعة من الاحكام الجاهزة التي شكلها "الآخر الايديولوجي القديم" والحادث لمجمل تمفصلات رؤى وافكار الالوسي. فمن الناحية المنهجية، كان الاعتماد الاساسي على مصدر ثانوي/ايديولوجي وهو (كورنفورث)، وبما يتفق والطروحات التقليدية للماركسية والمادية التاريخية، ادى الى تجاوز كبير لمجمل التطورات الحاصلة في فلسفات العلوم ولنظرية القطيعة الأبستمولوجية والثقافية في تاريخ الفلسفات الوضعية والتحليلية، فلو كانت تلك الفلسفات قد انبثقت من فلسفة واحدية تجاه الاخلاق والدين والفن والتاريخ والانسان واللغة...الخ، لما وجدنا هناك مراحل مبكرة ومتأخرة لكتابات فلاسفة اللغة والتحليل المنطقي والفلسفات الوجودية والفلسفات الذرائعية التي ظهرت فيها ملامح للفلسفة الماركسية الجديدة كما هو الحال عليه عند سارتر في كتابه (نقد العقل الجدلي) وميرلوبونتي في دراساته عن الماركسية واللغة وغيرهم من الفلاسفة. وهذا هو بالضبط ما يمثله تاريخ الخطاب الفلسفي، فهو تاريخ قطائع وتصحيح لمساره الفلسفي – بحسب باشلار-. من هنا كان هناك حالة من تطابق قبلي بين المواقف التي مثلها كتاب (التطور والنسبية في الاخلاق) ومواقف كتاب (كورنفورث)، في تجاهل تحولات ابستمولوجيا الفلسفات الوضعية، سيما المتداخلة منها مع نظريات "السيميوتيك الثقافي"؛ و"نظريات الخطاب"،؛ ونظريات "اللغة بوصفها فعل" لاوستن، ناهيك عن التجاوز على مجمل تحولات المنطق والتحليل المنطقي الشكلاني/الرياضي للغة، المتمركز حول بنية وتراكيب قواعد النحو للجملة، والتي انعطفت في تحليلاتها اللغوية والمنطقية نحو بنية اللغة الطبيعية واليومية. فهل من المعقول ان يتم التعامل مع فلسفة فتغنشتاين بوصفها نسق فلسفي مطلق، دون الاخذ بنظر الاعتبار كتاباته الفلسفية المتأخرة التي جعلت من "المعنى واللغة ممارسة واستعمال يومي"؟ وهل من الانصاف ان يتم وضع هذا الفيلسوف الذي اعاد الاعتبار لوجود المتكلم اليومي ضمن سياقه الثقافي والاخلاقي، في سلة واحدة مع الفلاسفة الرجعيين بحسب تلمود كورنفورث؟ فبماذا يفسر كورنفورث اذن، اعتماد اغلب نظريات "اللسانيات الاجتماعية والخطاب وتحليله الأجتماعي والثقافي"، على كتابات فتغنشتاين المتأخرة؟ وبماذا يفسر لنا ايضا، اعتماد مجمل تطورات العلوم الأنسانية والأجتماعية والأنتروبولوجية والسايكولوجية والدينية، على تلك الكتابات المتأخرة؟ فهل تستمر فاعلية صلاحية (validity)احكام كورنفورث الخمسينية التي شطرت الفلسفة الى رجعية وتقدمية؟ وهل يستمر التعامل مع الأخلاق والفنون والدين والانفعالات بوصفها قضايا فارغة من المعنى؟ ولماذا انعزل كتاب(التطور والنسبية في الاخلاق) عن نظرية الانفعالات (passions)في الاخلاق ونظرية سوسيولوجيا بلاغة الاخلاق واخلاقيات البلاغة(19)، وانهمك في نظام فلسفة الاخلاق التطورية/البايلوجية؟
فكانت النتيجة الحتمية لسيادة "التأويل الرجعي" لفلسفة التحليل اللغوي والمنطقي، هي بروز نظرة استعلائية تحط من قيمة كل ما يتعلق بمباحث الانفعالات والعواطف والمشاعر الانسانية وعلاقتها جميعا مع المتكلم "المغيّب هو الاخر من دائرة التأويل الرجعي للغة". ولهذا :((.. ارتبط (تحليل اللغة) للوضعيين المنطقيين برأيهم القائل بأن التقديرات الأدبية والأخلاقية من كل الأنواع هي تقديرات لا اساس علمي لها، ولا يمكن ان تخضع لأي محك للنقد العلمي، وهي بالتالي لا يمكن ان تعتبر اكثر من لغو عاطفي يعبر عن مجرد عواطف وافضليات الأفراد او الجماعات، او ربما كانت مجرد (اوامر ونواه)أي ليست تقديرات مسببة، بل مجرد نصائح يقصد منها التأثير على سلوك الأخرين، بالطرق التي تحقق رغائب فرد او قلة معينة))(20). فوفق رؤية هذا النص، كيف يمكن تصنيف العمل الاخلاقي السياسي الوضعي المنطقي لكارل بوبر، الذي فكك تاريخ منظومة الفلسفة الشمولية منذ افلاطون وحتى ماركس وهيجل، سيما في مؤلفه (المجتمع المفتوح واعداءه)؟ وهل يمكن ان نعد عمل فيلسوف حلقة فيينا للتحليل المنطقي مجرد لغو عاطفي فارغ؟ وهل مثلت مواقف برتراند راسل السياسية والثورية والأجتماعية، مجرد جعجعة برجوازية لا تقدم شيء لحركة التاريخ ونظامه الاخلاقي؟ وهل كانت طروحات جيلبرت رايل(21) في تخليص الوضعية المنطقية من سيطرة المنطق التقليدي الشكلاني، الذي لا يعير ادنى اهتمام للمتكلم وسياقه، لينعرج بالتحليل المنطقي الى تحليل "اللغة اليومية والعادية"، هي طروحات لا تخدم الفكر التقدمي ولا تؤسس لسوسيولوجيا الثورة في فلسفة الاخلاق؟ وهل يمكن ان نعد محاولات فيلسوف اكسفورد التحليلي ارنيست غيلنر(22) الرامية الى اعادة تأسيس فلسفة اللغة والتحليل المنطقي على اسس انتروبولوجية واجتماعية، محاولات خالية من المعنى والمغزى الاخلاقي؟
ويتواصل مشهد "القراءة الرجعية" ايضا، مع الفلسفة البراغماتية (الذرائعية)، سيما في عملية السكوت عن الجوانب التقدمية والثقافية في تلك الفلسفات، التي لا يمكن لها الظهور بشكل جلي وواضح الا من خلال قراءات تأويلية جديدة تعتمد على النصوص الاصلية لتلك الفلسفات ومؤسسيها. فمثلا، عندما عرّج كتاب الآلوسي على ذكر فلسفة الاخلاق ومباحثها الاجتماعية في الفلسفة البراغماتية (الذرائعية)، نلحظ تكرار سياسة النزعة الانتقائية للمراجع المعتمدة في شرح وعرض الفلسفات الحديثة والمعاصرة. لذلك السبب وغيره، لم نجد تأويل لفلسفة الاخلاق في النزعة البراغماتية (الذرائعية)، بوصفها فلسفة تشكل لسوسيولوجيا المعرفة وسوسيولوجيا التواصل اللغوي بين الذات المتكلمة والمجتمع والسياق الثقافي، التي تجسدت في مجملها في كتاب "جورج هربرت ميد" (MIND, SELF, And SOCIETY)(23)، لاسيما وهو يعد من المؤسسين الأوائل "لعلم اجتماع المعرفة" و"علم التداولية التفاعلية الرمزية الاخلاقية". ناهيك عن ما لقيمة طروحات كل من مؤسسي الفلسفة البراغماتية (الذرائعية) امثال وليم جيمس وتشارلس بيرس وجون ديوي وغيرهم. تُرى لماذا تم مصادرة الابعاد التداولية والتفاعلية الرمزية والاخلاق العملية المرتبطة بالمسؤولية بوصفها فعل اجتماعي لا يُختزل ضمن بُعد واحدي محدد بالاغراض والمنافع الانانية؟ ولماذا لم يأتي نص الالوسي على ذكر علاقة الفلسفة الوجودية بمباحث الاخلاق والسياسة، وتناولها بالدرس والنقد والتحليل، فلم نلحظ حضور للوجودية بوصفها فلسفة براكسيس انساني واخلاقي، كما هو الحال عليه عند "جان بول سارتر" خاصة، والفلسفة الوجودية/والبنيوية الفرنسية عامة(24)؟
لذا، علينا ان لا نصاب بالدهشة التاريخية لغياب كثير من مجددي الخطاب الماركسي بشقيه البراكسيسي/والابستمولوجي، خاصة اولئك الذين عملوا على اعادة لحمة التواصل بين الابحاث اللسانية الجديدة والخطاب الماركسي في مجمل تحولاته السيمانتيكية واللسانية والثقافية/الاجتماعية. وربما من ابرزهم الفيلسوف البولوني "آدم شاف" الذي عمد من خلال جميع مؤلفاته الفلسفية والسوسيولوجية الى جانب اعماله المنطقية واللسانية، على اعادة قراءة اللسانيات وفلسفة اللغة والمنطق في تاريخ الفلسفة الماركسية. فوفق رؤيته، لم تعد اللغة مجرد انعكاس للبنية التحتية كما ظهرت في الماركسية التقليدية، بل اللغة هي منتج ثقافي ولساني وايديولوجي، ولا يمكن حصر ذلك المنتج ضمن نظرية واحدية كنظرية الانعكاس ورؤية ضيقة كرؤية "ستالين"، لذلك دعا شاف الى ضرورة ((التعاون بين الحقول المعرفية المختلفة. لان الإشكالية اللسانية المطروحة تتسم بدرجة من التعقيد الذي يجعل منها نقطة محورية للتواصل بين العلوم الابستمولوجية المتعددة، كاللسانيات والمنطق والاثنولوجيا والسايكولوجيا وعلوم الطب، التي بدونها يعجز الفلاسفة عن تحليل الإشكالية اللسانية تحليلا ابستمولوجيا))(25).
بل واصبح البحث في تاريخ العلاقات الأجتماعية للمجتمعات القديمة التي يُطلق عليها "خطأ" (المجتمعات البدائية)، يمثل المادة الخام لمجمل المقاربات السوسيو-لسانية؛ والسوسيو-ثقافية/سياسية، التي بواسطتها ((نتمكن من ربط الإشكالية اللغوية مع كل من تاريخ وثقافة المجتمعات. فمن خلال ابحاث الانتروبولوجي الانجليزي مالينوفسكي في لسانيات المجتمعات البدائية، دُشنت ثورة منهجية في بنية تلك الإشكالية، فصار من غير الممكن ان نفهم بنية تلك اللسانيات بمعزل عن ممارساتهم الثقافية والطقوسية والدينية. وهذه الفرضية لازالت سارية المفعول، في درجة معينة، على بنية لسانياتنا في فضائنا الثقافي))(26). فهذا يعني أن طبيعة دراسة تلك المجتمعات اصبحت غير منفصلة عن دراسة بنية نظامها الثقافي، الذي يتأسس على منظومة لسانية تعكس تصورات تلك المجتمعات لمجمل تمثلاتها لميتافيزيقا العالم. بمعنى آخر، أن النظام اللساني واللغوي يُشكل ويُعيد تشكيل تصورات الوعي للعالم –بحسب آدم شاف-. فلذلك، اصبحت العلاقة متداخلة بين كل من الأيديولوجيا؛ واللغة؛ ونظام إنتاج التصورات والتمثلات المتخيلة لبنية الواقع المادي والتاريخي، وهذا قد يفسر لنا إشكالية وجود بنية من القوانين الخاصة التي تعكس النظام الداخلي لعمل الأيديولوجيا، والتي تكاد أن تكون مستقلة ومتحررة عن قوانين الأنعكاس وأطرها الأنتاجية الميكانيكية، التي تعتبر أن البنية الفوقية ليست أكثر من مجرد انعكاس للعامل الاقتصادي. فهل تبلورت نظرية للايديولوجيا في خطابنا الفلسفي عامة، والماركسي خاصة؟ وهل تشكلت علاقة ابستمولوجية بين كل من الايديولوجيا والفلسفة واللغة؟
في تناوله لتاريخ المجتمعات البدائية والقديمة، عرض كتاب (التطور والنسبية في الاخلاق) لتطور بنية تلك المجتمعات، لكن بشكل منفصل عن البرادايم اللساني الذي شكل نظامها الأسطوري والعقائدي، حيث :((((أن دراسة المجتمعات البدائية تثبت لنا أن ظروف الأنتاج ...هي التي تقرر دائما شكل البناء الأجتماعي. وهذا لا يظهر في ادراك الأنسان، ولذا فأن معتقداته وعاداته لا تعكس الا بشكل غير مباشر وناقص الظروف الأقتصادية التي تحيط به. وعلاوة على ذلك فأنه يستبقي لمدة طويلة معتقداته وعاداته السابقة بالرغم من تغير الظروف الاقتصادية. ولذا فمن الخطأ محاولة تفسير -بشكل مباشر ومبسط– النظم والتقاليد والمعتقدات السائدة في مرحلة ما بالظروف الأقتصادية السائدة في تلك المرحلة)). ((انه كلما ابتعد الميدان الخاص موضوع البحث عن الميدان الاقتصادي واقترب من الأيديولوجيا المجردة الخالصة، زاد اكتشافنا للحوادث العرضية في تطوره، وزاد خط تطوره انحرافا))(27).
نلحظ من النص أعلاه، أن هناك بدايات وارهاصات اولية جادة في اعادة الأعتبار لمفهوم الأيديولوجيا، لتحرير هذا المفهوم من تبعيته لمركزية البنية التحتية، وامكانية تحوله الى "اشكال ثقافي" قار وثابت في ذهنية المجتمع ومتخيلها القيمي واللاهوتي، مما كان في الامكان أن يُدشن بداية جديدة لتداخل الفلسفي مع كل من السوسيو-لساني؛ والسوسيو-ابستمولوجي والسوسيو-ماركسي. لكن المنهجية الماركسية القطعية المعتمدة في الكتاب حالت دون تصيّر الامكان من القوة إلى الفعل، لتُعيدنا إلى اللوحة الخماسية لتطور الماركسية، وذلك عندما اكتمل النص أعلاه، بالآتي :((...ولكنك اذا رسمت المحور الوسطي لخط تطوره العام، سوف ترى بأن محور خطه يقترب أكثر فأكثر من موازاة محور المنحى العام للتطور الأقتصادي كلما زادت فترة المدة المدروسة واتسع نطاق الميدان المبحوث)). وتتضح صحة هذا القول عندما ننظر الى المراحل الكبرى في مسارة البشرية اعني مرحلة الألتقاط فالزراعة فالاقطاع فالرأسمالية فالاشتراكية، فأننا نستطيع حينئذ تلمس انعكاس أساس المجتمع الأقتصادي-الاجتماعي في أفكار واخلاق كل فترة على حدة))(28).
مما سبق، يتبين ان مفهوم الأيديولوجيا ظل مفهوم "هيولاني الشكل"، فلم يتبلور بوصفه نظرية جديدة للايديولوجيا من جانب، ولعلاقته بالبنية الفوقية والنظام الثقافي السائد من جانب اخر. فظهر كمفهوم ملتصق بحتمية ميتافيزيقية لنظرية الانعكاس، في حين :((...ان ما سميناه ((انعكاس لواقع معين)) قد بدأ بالانفصال عن اصله ((الواقع)) حتى اصبح في اذهان الناس عالما آخر في استقلال تام عن قاعدته، ليعود بدوره إلى التأثير في هذا الأساس كقوى مجردة عاقلة. وباللغة الماركسية : استقلال البناء الفوقي في وعي البشر عن البناء التحتي، وعكس الأدوار في وعيهم..... الدين هنا اديولوجيا، حسب تعريف ماركس ومن بعده مانهايم.... وكل اديولوجيا – لدى وجودها – تتطور انطلاقا من مادة التخيل الموجودة وتتابع صياغتها، وإلا فليست هي بإديولوجيا. وهذا يعني الانشغال بأفكار بأعتبار انها كيانات مستقلة غير تابعة في تطورها، خاضعة لقوانينها الخاصة. في هذا لا يعي البشر الذين تدور في رؤوسهم عمليات الفكر هذه بالضرورة بأن ظروف حياتهم الخاصة هي التي تحدد مجرى هذه العمليات، لا يعون ذلك وإلا لما كانت هناك اديولوجيا))(29).

نظرية الأيديولوجيا وتشكيل المتخيل اليومي
"من اخلاق الأكاديمية المعيارية إلى لسانيات التواصل المنسية"


يبدو ان طبيعة بنية الأيديولوجيا المتفاعلة مع مجمل ممارسات الحياة اليومية، بمختلف اشكال تلك البنية وتحولاتها بين اللغوي واللساني والثقافي، لا يمكن اختزالها في وصفات ميكانيكية جاهزة. لان هناك منطق "منظوري" يُشكل طبيعة ذلك التداخل، يتشظى بين اصغر وادق مجهريات الحياة اليومية الواعية منها واللاواعية. ومثل تلك "الممارسات المنظورية" المنشطرة في بنية الحياة اليومية والقيمية لأنطولوجيا "الممارسة اللسانية والفعالية اللغوية"، يستحيل عليها أن تبقى رهينة المحبسين لعلاقة انعكاسية للبنية التحتية، في حين أن هذه العلاقة، هي في الواقع، ميتافورية أكثر مما هي حرفية أو حقيقية. ومن هنا، تتأتى ضرورة عملية فهم وتأويل العلاقة المتداخلة للايديولوجيا مع الخطاب واللسانيات وفلسفة اللغة، فبواسطة هذا التأويل سوف تتوفر شروط "صدمة حداثوية" جديدة لزعزعة اسس التقليد الراسخة في بنية خطابنا الفلسفي، تلك الاسس التي طالما اقصت طروحات الآخر الغربي المختلف/المغاير لمركزية الثقافة الغربية بذاتها، وربما من ابرز من عمل على تشكيل صدمة حداثوية/فلسفية في تاريخ ابستمولوجيا اللسانيات واللغة، هم :كورزبسكي وزينوفيف وفيغوتسكي(30) وغرامشي والتوسير وغيرهم، ممن عمل على إعادة قراءة وتحليل ابستمولوجيا اللغة وعلاقتها بلسانيات الايديولوجيا وايديولوجيا يوميات الحياة العادية.
فعلى سبيل المثال، حرر التوسير مفهوم الأيديولوجيا من سيطرة المفاهيم الوضعية عليها، فعد :((...نظرية الأيديولوجية المحللة في كتاب الأيديولوجيا الألمانية، نظرية ((غير ماركسية)) لأنها تقوم بصفة اساسية على علاقة الأنعكاس المقلوبة بين البنية العليا والبنية السفلى، وعلى الوعي ((الوهمي)) أو ((الزائف)) وعلى التقابل بين الحقيقة والكذب.... ان النظرية الماركسية ((السليمة)) عن الايديولوجيا هي تلك التي اعتقد التوسير انه عرضها في مختلف مؤلفاته، لأنها تختلف))...جذريا عن الأطروحة الوضعية والتاريخانية التي اتت بها الأيديولوجية الألمانية.... انها في ايجاز:
اولا: اعتبار الأيديولوجيا ممارسة اجتماعية،
ثانيا: وانها علاقة خيالية للناس بشروط وجودهم الأجتماعي،
ثالثا: وانها خالدة،
رابعا:وانها من حيث وظيفتها، تعترف بالواقع وتتجاهله في نفس الوقت.

ماذا يعني التوسير بمفهوم الممارسة..؟ يقصد به بصفة عامة كل عملية لتحويل مادة اولية معينة إلى انتاج معين، بواسطة عمل انساني معين، وبأستعمال ادوات إنتاج معينة... ويجب اعتبار الأيديولوجيا مستوى خاصا للعمل والممارسة بالمعنى السابق لا يختلف عن باقي مستويات الممارسة الأجتماعية الأخرى. لأن اعتبار الأيديولوجيا ممارسة هو الشرط الذي لا غنى عنه لكل نظرية في الايديولوجيا ذلك لان كل ايديولوجيا، دينية كانت ام سياسية ام اخلاقية... تحول موضوعها أي ((وعي الناس)). ويعرف التوسير الأيديولوجيا كممارسة موضوعها ((تحويل))، وعي الناس بأنها :((... نسق – يملك دقة ومنطقا خاصا- من التمثلات (اخيلة، اساطير، أفكار، تصورات)، له وجود خاص، وله دور تاريخي في مجتمع ما...)) ....هناك اذن علاقة واقعية تربط الناس بظروف وجودهم المادي، وهناك علاقة أخرى خيالية تتحقق في مستوى الايديولوجيا، بواسطتها يحيا الناس العلاقة الأولى :أي أن الايديولوجيا تحول ((وعي)) الناس بواقعهم إلى وعي ((خيالي)). يقول التوسير في هذا الصدد :(( لا تمثل الأيديولوجيا في تشويهها الخيالي علاقات الأنتاج القائمة والعلاقات الأخرى المشتقة منها، ولكنها تمثل قبل كل شيء العلاقة الخيالية للافراد بعلاقات الأنتاج. ليست الأيديولوجيا تمثلا لنظام العلاقات الواقعية التي تهيمن على وجود الناس، بل تمثل العلاقة الخيالية لهؤلاء الناس بالعلاقات الواقعية التي يحيونها... ويحيا الناس ايديولوجياتهم، كعلاقة خيالية ونسق من التمثلات، غالبا بكيفية لا واعية حتى عندما تظهر في صور واعية، أن الأديولوجيا((... بنيات تفرض على الأغلبية من الناس بدون أن تمر بوعيهم))(31).
يتضح مما سبق، ان التوسير عمل قطيعة ابستمولوجية مع نظرية الايديولوجيا، خاصة مع تلك التي تشكلت مع ظهور كتاب (الأيديولوجيا الالمانية) لماركس، واعتبرت ((...الأيديولوجية وعيا خاطئا ولثاما يكفي اماطته للكشف عن ظروف العيش الواقعية. ففي رأي هذه النظريات ليست الأيديولوجية الا تمثلا وهميا وانعكاسا منفعلا لا فعالا. وهذا يعني أن التمثلات الأيديولوجية عندها هي تمثلات وهمية خيالية ليس لها وجود واقعي وليست تتجسد في اجهزة معينة تتحكم في سير المجتمع وتكيّفه وتساهم في ((إعادة علاقة إنتاج علاقات الأنتاج)). هذه النظريات لا تعتبر ان الوهم ليس يوجد في العلاقة التي تربط تلك التمثلات بالعلاقات الأجتماعية بل في التمثلات ذاتها. اهم هذه النظريات حسب التوسير هي التي جاءت في كتاب الأيديولوجية الالمانية. فعندما يقول هذا الكتاب بأن الأستلاب الفكري ناتج عن الأستلاب المادي فكأنما يفترض أن الأيديولوجية تعكس الواقع أي انها تعكس علاقات الناس الواقعية. يرد التوسير بأن الايديولوجية علاقة من الدرجة الثانية وهي لا تعكس العلاقات الحقيقية وانما هي علاقة وهمية بالعلاقات الحقيقية. هذا ما يؤكده بولانتزاس عندما يقول :(( أن نظرية ماركس الشاب حول الأيديولوجية كانت تتمركز حول الذات. كان ماركس يتصور الأيديولوجية انطلاقا من النموذج ذات - واقع - استلاب. في الأيديولوجية تفقد الذات ماهيتها العينية، والايديولوجية هي اسقاط للذات في عالم وهمي)) ذلك لأن الأيديولوجية من حيث هي مستوى من مستويات التشكيلات الأجتماعية، لا تردد صدى المستوى الأقتصادي))(32).
بمعنى آخر، اذا ما حاولنا أن نترجم مجمل ما تم طرحه أعلاه بلغة اللسانيات والدراسات الأدبية والدراسات الثقافية، نجد أن مفهوم الايديولوجيا شغل أكثر من نظام ثقافي وقيمي واخلاقي، تداخلت فيه كل من الابعاد اللسانية؛ الأجتماعية؛ والمؤسسة الخيالية للمجتمع (بحسب كاسترياديس) والسياسية. ووفقا لرؤية تيري ايغلتون اصبح مفهوم الأيديولوجيا يمثل نظرية جديدة للاخلاق، ولا يمكن لهذه النظرية أن يتحدد حقلها المعرفي ونظام اشتغالها في البنية الاجتماعية الا اذا ما اُخذت بنظر الاعتبار الابعاد التالية للمفاهيم الجديدة في تأويل الايديولوجيا، والتي يوجزها ايغلتون في أنها:
(( (أ)عملية إنتاج المعاني، والعلامات والقيم الثقافية في الحياة الأجتماعية؛
(ب)جسد الأفكار الذي يميز طبقة أو مجموعة اجتماعية معينة؛
(ت)الأفكار التي تساعد على تبرير شرعية السلطة السياسية الحاكمة؛
(ث)الأفكار الزائفة التي تساعد على تبرير شرعية الهيمنة للسلطة السياسية؛
(ج)التواصل المشوه بشكل منظم؛ الواهب المُعطي للذات موقعا وكيانا؛
(ح)اشكال التفكير المحفَزة من قبل اهتمامات اجتماعية؛
(خ)التفكير الهوياتي؛ بوصفه وهم ضروري اجتماعيا؛
(د)واداة ربط بين الخطاب والسلطة؛
(ذ) ووسيط يتمكن من خلاله الممثل الاجتماعي الواعي من تشكيل معنى لعالمه؛
(ر)الفعل الاجتماعي المُتحكم به ايديولوجيا، الذي يؤسس عليه نسق من الاعتقادات؛
(ز)ويشكل التباس لساني وواقعة ظاهراتية؛
(س)وكلاهما يمثل تطابق سيميائي؛
(ش)يصبح هو القناة الرئيسية التي بواسطتها تتخارج الذوات عن علاقاتها الحقيقية نحو بنية اجتماعية وهمية؛
(ص)ونتيجة لعملية إنتاج المعاني والعلامات والقيم، تتحول الحياة الاجتماعية إلى واقعة طبيعية))(33).
من هنا، تتجلى الضرورة الراهنة لمحاولتنا الرامية إلى إعادة اكتشاف لغة الأيديولوجيا/وايديولوجيا اللغة، من اجل اعادة تفعيل منطق "لسانيات الأيديولوجية"، ذلك المنطق الذي طالما تم تغييبه ومصادرته بأسم الأتجاه الموضوعاني المتعالي/الرياضي/المنطقي. الأمر الذي اسس لسيطرة النزعة التعميمية/التجريدية، سواء في فلسفة الأخلاق والمناهج التقليدية المعتمدة في لغة بحثها، او في النزعة الانتقائية للمصادر الفلسفية المستعملة، والتي في مجملها، انعكست سلبا على طبيعة الدرس الفلسفي من جهة، وصيرورة المنشور الفلسفي من جهة اخرى .
ولو قمنا بجولة فلسفية في دهاليز تاريخ ارشيفنا الفلسفي منذ تأسيسه والى يومنا هذا، لاكتشفنا سيطرة مطلقة للأتجاه الموضوعاني المنطقي/المتعالي في مختلف التوجهات والأختصاصات الفلسفية، بدء من تاريخ الفلسفة اليونانية وانتهاء بالفلسفات الحديثة والمعاصرة والحداثوية والمابعديات. حيث سنلاحظ كيف أن هذا الأتجاه كرس لسيادة انماط معرفية محددة شكلانية/تعميمية، تُقصي كل ما هو تاريخي/مشخّص، وكيف افرز اثار وخيمة على "اسلوبيات اللغة المتداولة شفاهيا وكتابيا" في اقسامنا الفلسفية، حيث هيمنت اللغات المنطقية الموضوعانية المتعالية، المنهمكة في البحث عن الدقة المنطقية والضبط الرياضي والأصطلاحي. لهذا ساد كل من :"التواصل الرسمي" بين المشتغلين في الحقل الفلسفي؛ و"اللغة الشكلانية المنطقية" على حساب "لغة الحياة اليومية الطبيعية"، وكل ذلك مهد لسيطرة "الكلمة القاموسية المجردة" بدلا من "الكلمة الحية المشخصة" في بنية انطولوجيا الحياة اليومية.
لذا، اصبح الخطاب الفلسفي في مؤسساتنا الأكاديمية يعيد إنتاج ما يُعرف ب:((..."الكلمة القاموسية"، التي.... لا تعرف الا ذاتها(أي سياقها هي) وموضوعها وتعبيريتها المباشرة ولغتها الواحدة والوحيدة. اما الكلمة الأخرى، الموجودة خارج سياقها، فلا تعرفها الا بوصفها كلمة محايدة من كلمات لا تخص احدا، الا مجرد امكانية كلامية)(34). ربما لان هذا المصطلح هو الأقرب إلى عمل نظامنا الفلسفي قديما وحديثا، طالما هو خطاب لا يعبر الا عن ذاته وعن سياقاته الأيديولوجية المضمرة، لذلك نرى أن باختين اقترح علينا كلمة "حية" بديلا عن الكلمة الأكاديمية "الميتة"، لأنه رفض :((..التصور التقليدي الذي يرتاح إلى "الكلمات الميتة"، أو الى "الكلمة المحايدة" كما يقول، ويذهب إلى "الكلمة المشخصة"، التي يساوي وجودها وجود كلمات الآخرين فيها،قبولا أو رفضا أو تقاطعا، فلا وجود للكلمات فرادى، فوجودها هو صراعها مع كلمات وتأثرها بكلمات أخرى وتقاطعها القلق مع كلمات لاحقة. وهذا كله يعين الكلمة كيانا حيّا، يتكون في علاقات التأثر والتأثير، كما لو كانت الكلمة جملة العلاقات الأجتماعية التي تعبرها...."الكلمة هي الظاهرة الايديولوجية بأمتياز"...."الكلمة محملة دائما بمضمون أو بمعنى ايديولوجي أو حدثي". ان الكلمة الطاهرة والمكتفية بطهرها الذاتي لا وجود لها، ذلك انها في استعمالها اليومي لا تنفصل عن مضمون ايديولوجي محايث لها، بل انها لا تحقق استعمالها الا بفضل الايديولوجيا التي تلازمها. ولذلك فأن الفصل بين الكلمة وحمولتها الأيديولوجية يلغي دلالة الكلمة، لتغدو اشارة مجردة، بعد أن كانت اشارة لغوية، أي انه يكتفي بالكلمة في ذاتها ويعرض عن المتحدثين بها، كما لو كان بإمكان اللغة أن توجد بمعزل عن المتحدثين بها))(35).
مما سبق، نلحظ أن طبيعة المقاربة الفلسفية بين بنية "الكلمة القاموسية"، وبنية "الكلمة الحية/اليومية"، انما هي في واقع الامر، مقاربة ربما ستؤدي الى تأسيس منعرج ابستمولوجي؛ لساني واخلاقي. فمن الناحية اللسانية، لم يعد من الممكن الأتكاء على ابستمولوجيا لسانيات النزعة الموضوعانية المجردة، التي ترتكز على بنية النظام النحوي؛ السنتاكسي؛ السيمانتيكي؛ المنطقي لطبيعة الجملة المنعزلة والمحددة بأنساق اللغة الشكلانية المتعالية. سيما مع صعود الاتجاهات الوضعية والتجريبية في المنطق ونظريات المعرفة التقليدية ضمن تشكيلات دروس الفلسفة اليومية في مؤسساتنا الأكاديمية، والتي عملت في مجملها على إنتاج خطاب عزلة بين كل من :الفيلسوف/ والعامة /والمدينة؛ ولغة الفيسلوف/ولغة الشؤون اليومية؛ ولغة الفلسفة/ولغة السياسة.
ومن الناحية التاريخية، لا يمكن الاستمرار في مسلسل انفصام العلاقة بين كل من الفلسفة والايديولوجيا، الذي افرز تناول شكلاني لمفهوم الايديولوجيا من خلال الاستناد على إعادة إنتاج تصورات استدلالية في البنية التحتية للمنظومة المفاهيمية في خطابنا الفلسفي عامة وخطابنا الفلسفي المادي، سيما الماركسي منه، على الرغم من أن دراسة نظرية الايديولوجيا:((...تعني، بطريقة ما أو بأخرى، دراسة اللغة في العالم الأجتماعي. ودراسة الوسائل التي من خلالها يتم تداول اللغة في بنية الحياة الأجتماعية اليومية، بدء من ادنى المجادلات بين الأصدقاء وافراد العائلة الواحدة وانتهاء بأعلى مراحل الجدل السياسي))(36). فإذا حصل وتم إعادة اللحمة بين الفلسفة والايديولوجيا، ربما سينتج عنها "رجّة حداثوية فلسفية" جديدة، قد تؤدي إلى :((...أثراء مفهوم الايديولوجيا بوصفه نظرية وممارسة في آن واحد، والذي يتشكل بواسطة تحقيق تحول راديكالي لتصوراتنا حول اللغة، للانعراج بأنتباهنا نحو مظاهرها التداولية، التي طالما تم اهمالها أو تغييبها من قبل بعض التصورات التقليدية في اللسانيات وفلسفة اللغة. فمن اجل أن تكون العلاقة متفاعلة بين اللغة والأيديولوجيا لابد من التخلي التام عن التحليل المنطقي الصارم للعبارات أو لأنظمة العلامات، والتركيز عوضا عن ذلك على الوسائل التي تساعد تعابيرنا اللغوية على إنتاج تدوالية الفعل ورد الفعل من جهة، وعلى ان تكون قناة يتم من خلالها انتاج التاريخ واعادة إنتاج المجتمع من جهة اخرى. وبذلك تدعونا نظرية الأيديولوجيا إلى النظر إلى اللغة ليس بوصفها مجرد بنية تستخدم لأجل التواصل أو الترفيه، وانما كظاهرة سوسيو-تاريخية تُغلف انطولوجيا الصراع الأنساني))(37).
فلم تعد لسانيات الأيديولوجيا وتاريخ منطقها، مجرد ملحق بسيط بتاريخ الصراع الطبقي كما هو الحال عليه في "لاهوت الماركسية الأرثوذكسي" الذي رهن تاريخ تطور الأخلاق ونسبوية القيم بالظواهر الطبيعية والحتمية البايو-مادية جدلية، على طريقة ومنهج كتاب (التطور والنسبية في الأخلاق). فبعد المنعرجات الحاصلة في اللسانيات وفلسفة اللغة، سيما مع فولوشينوف وباختين وغرامشي والتوسير، لم يعد:((...مفهوم الايديولوجيا مجرد هتافات خطابية، ولا تمثل زائف أو مشوه ’للواقع’، لكنه اصبح يمثل قوة مادية في قاع سياقه المحدد))(38).
في النهاية، حاولنا من خلال دراستنا اعلاه، العمل على إعادة النظر في تاريخ العلاقة المشوهة والمربكة بين الايديولوجيا والفلسفة واللسانيات في تاريخ منشورنا الفلسفي، الذي يتضمن على اعمال فلسفية كثيرة، احتوت على عناصر ابستمولوجية وفلسفية مهمة وقيمّة -كما هو الحال عليه في مؤلف فيلسوف العراق ومؤسس الدرس الفلسفي استاذنا الراحل حسام محي الدين الآلوسي- تحتاج إلى تآزر جهود الباحثين والمختصين في مجال حقل الدراسات الفلسفية في مجمل اختصاصاتها في الفلسفات المعاصرة والحديثة والحداثوية والمابعد الحداثوية، من اجل إعادة استنطاق ابعاد ذلك الارشيف الفلسفي. ولتكن هذه المحاولة المتواضعة دعوة للجميع من اجل تأسيس بداية لمحاولات جديدة أخرى أكثر عمق وشرح وتحليل وتأويل لتاريخ المنشور الفلسفي العراقي...

الهوامش
(*) سيكون اعتمادنا على مؤلف الآلوسي(التطور والنسبية في الاخلاق) لإعادة قراءة الخطاب الماركسي في منهجه من جهة، وجدل الايدولوجيا والفلسفة من جهة أخرى.
(**) هذه الدراسة هي في الاصل جزء مستل من دراستنا المطولة حول تاريخ الفلسفة العراقية (مخطوط قيد الانجاز).
(1)د.علي حسين الجابري:اصالة الالوسي الفلسفية في كتاب(الفلسفة والانسان) دراسة تحليلية نقدية لمجمل الموقف الفلسفي فيه، دراسة منشورة في المجلة الفلسفية العربية، المجلد والعدد الثالث، عمان-الاردن،ديسمبر 1994،ص ص181-182
(***) سوف نرى لاحقا، كيف أن مفهوم الايديولوجيا ومركباته الثقافية الأخرى التي جاء على ذكرها الجابري، لم تشهد الاستقلال التام عن نظرية الانعكاس للبنية التحتية كما هو الحال عليه في الماركسية الارثوذكسية. وما يؤكد على ذلك هو أن مفهوم الايديولوجيا في مؤلف الاستاذ الالوسي(التطور والنسبية في الاخلاق) ظل مجرد ملحق ثانوي بأشكال الانتاج وتطورها التاريخي، إلى جانب ارتباطه الحتمي بالبنية التحتية ونظرية الانعكاس التي عول عليها الالوسي كثيرا في مؤلفه المذكور أعلاه.
(2)د.علي حسين الجابري:المصدر السابق،ص ص201-202
(3)المصدر نفسه،ص204
(4)د.افراح لطفي عبدالله:شذرات عن فلسفة الدكتور حسام محي الدين الالوسي،دراسة منشورة على موقع الحوار المتمدن،العدد2905،2010/2/2
(****)للمزيد ينظر: د.حسام محي الدين الالوسي:تجربتي الفلسفية، حوار منشور في مجلة الاديب، العدد 75،السنة الثانية،8حزيران(يونيو)،2005
(5)د.محمد فاضل عباس:الاخلاق عند حسام الالوسي دراسة فلسفية، دراسة منشورة في مجلة الفلسفة/الجامعة المستنصرية،الاصدار 7، 2011، ص6
(6)المصدر نفسه،ص7
(7)المصدر نفسه،ص7
(8)د.حسن مجيد العبيدي:الفيلسوف العراقي حسام محي الدين الالوسي 1934-2013-دراسة في السيرة والمنهج، دراسة منشورة في موقع كتابات، 9 تشرين الثاني 2013
(9)د.حسام محي الدين الالوسي:التطور والنسبية في الاخلاق،دار الطليعة،بيروت-لبنان،ط1، 1989، ص ص 32-33
(10)المصدر نفسه،ص ص 34-35
(11)للمزيد يُنظر:
Adam Schaff : Marxisme et sociologie de la connaissance, un essai dans l’homme et la société, colloque de cerisy (Marx Et La Sociologie), N.10, Octobre-Novembre-Décembre, 1968, pp 117-145

(*****)تجدر الاشارة هنا، الى ان تاريخ صلاحية النظرية الماركسية، لم يتم مساءلتها بعد، وإعادة النظر في مدى قدرتها على التفاعل واستيعاب المنعرجات الحاصلة في النظرية الماركسية من جانب، وعلاقتها بتطور العلوم اللغوية والانسانية والانتروبولوجية من جانب اخر.

(12)للمزيد يُنظر:
Tom Bottomore :A Dictionary of Marxist Thought, Blackwell ,London, second edition,1991, pp 23-25
(13)للمزيد يُنظر:
Maurice Godelier : Perspectives in Marxist Anthropology, translated by Robert Brain, Cambridge university press, London, 1977

(14)د.الالوسي:التطور والنسبية في الاخلاق،ص30
(******)من المعروف ان استاذنا الراحل مدني صالح له دراسات موسعة حول الفيلسوف الاسلامي ابن طفيل، سيما في مؤلفه الرائد في هذا المجال الفلسفي (ابن طفيل، قضايا ومواقف)، 1980. فلماذا لم نجد له حضور في نص الالوسي؟
(15)المصدر نفسه،ص ص12-13
(16)
Lewis S. Feuer: Ethics And Marxism, Sushil Kumar Mittra, East India Art Press, Calcutta, 1943,p 2
(17) د.الالوسي:التطور والنسبية في الاخلاق،ص20
(18)المصدر نفسه،ص ص20-21
(19)للتوسع حول موضوع البلاغة الجديدة وعلاقتها بالفلسفة والاخلاق، يُنظر:
Michel Meyer: Le Philosophe Et Les Passions, Esquisse d’une histoire de la nature humaine, Le Livre de Poche, Biblio-Essais, Paris, 1991
Ch. Perelman: Philosophie Morale, 1.L’Antiquité et le Moyen Age, Presses Universitaires De Bruxelles, Bruxelles, 3 édition, 1973
Ch. Perelman: RHETORIQUES, Editions de l’Université de Bruxelles, Bruxelles-Belgique, 1989

(20) د.الالوسي:التطور والنسبية في الاخلاق،ص ص21-22
(21)للتوسع حول مجمل تطور فلسفة التحليل المنطقي للغة للفيلسوف الانجليزي رايل، يُنظر:
Lucie Antoniol: Lire Ryle aujourd’hui, Aux sources de la philosophie analytique, Préface de T. S. Champlin, Le Point Philosophique, De Boeck Université, Bruxelles-Belgique, 1993


(22)للتوسع حول مجمل فلسفة غيلنر، يُنظر:
Ernest Gellner: Cause and meaning in the social sciences, edited with a preface by I. C. Jarvie and Joseph Agassi, Routledge, London, 1973
Ernest Gellner: Words And Things, A Critical Account Of Linguistic Philosophy And A Study In Ideology, With an introduction by Bertrand Russell, Beacon Press, Boston, 1959

(23)للتوسع حول مجمل فلسفة ميد، يُنظر:
GEORGE H. MEAD: MIND, SELF, and SOCIETY: FROM THE STANDPOINT OFA SOCIAL BEHAVIORIST, edited and with an introduction by CHARLES W. MORRIS, THE UNIVERSITY OF CHICAGO PRESS, Chicago and london,1934

(24)للتوسع حول مجمل تحولات الفلسفة الوجودية وعلاقتها بالماركسية والابستمولوجيا البنيوية خاصة عند التوسير، يُنظر:
Mark Poster: Existential Marxism in Postwar France-;- From Sartre to Althusser, Princeton University Press, Princeton, New Jersey, 1975

(25)
Adam Schaff: De La Necessité Des Recherches Marxistes Sur Le Langage, Un Essai sur la philosophie du langage, dans son livre Langage et Connaissance, Traduit du polonais par Claire Brendel, Edition anthropos, Paris, 1969, p215

(26)
Ibidem, p214
(27) د.الالوسي:التطور والنسبية في الاخلاق،ص35
(28)المصدر نفسه،ص35
(29)بوعلي ياسين:الثالوث المحرم،دراسات في الدين والجنس والصراع الطبقي،دار الطليعة-بيروت،ط2، 1978،ص ص15-16
(30)لمزيد من الاطلاع والتوسع حول المنجز الفلسفي والابستمولوجي في فلسفة اللغة في الخطاب الماركسي للفلاسفة كورزبسكي؛ زينوفيف؛ فيغوتسكي يُنظر:
Alfred Korzybski: Science And Sanity-;- An Introduction To Non-Aristotelian Systems And General Semantics, The International Non-Aristotelian Library Publishing Company, USA, 4 edition, 1958
Zinoviev Alexandre :Le Communisme Comme Réalité, Traduit Du Russe Par Jacques Michaut, Edition de l’Age d’Homme, France, 1981
Lev Vygotski : Pensée Et Langage, Traduction de Françoise Sève-;- suivi de Commentaire sur les remarques critiques de Vygotski de Jean Piaget, La Dispute/Snédit, Paris, 3 édition, 1997

(31)عبد الرزاق الدواي: حول نظرية الأيديولوجية عند التوسير، دراسة منشورة في مجلة الاقلام المغربية، نسخة الكترونية، د.ت، ص ص ص37-38-39
(32)عبدالسلام بنعبدالعالي: الميتافيزيقا، العلم والايديولوجيا،دار الطليعة للطباعة والنشر،بيروت،ط2، 1993، ص ص96-97
(33)
Terry Eagleton: Ideology-;- An Introduction, Verso, London-New York, First Published, 1991, PP1-2

(34)د.فيصل دراج:ميخائيل باختين: الكلمة، اللغة، الرواية، دراسة منشورة في مجلة الآداب الاجنبية، سوريا،العدد99، 1999، ص126
(35)المصدر نفسه،ص126
(36)
John B. Thompson: Studies In The Theory Of Ideology, University Of California Press, Berkeley, Los Angeles, First Published, 1984,p2
(37)
Ibid,p2
(38)
Michael Gardiner: The dialogics of critique: M. M. Bakhtin and the theory of ideology, Routledge, London, 1992,p7



#حيدر_علي_سلامة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من العقل والحرية الى سيرة حارة بغدادية، قراءات في لوحة التنو ...
- -في نقد وعاظ الثقافة والمثقفين- نحو تحليل فلسفي ولغوي للمشرو ...
- -خمسة الآف عام من أنوثة النهرين- قراءة في موسوعة الأنوثة الع ...
- خمسة الاف عام من كلام النهرين قراءة في موسوعة اللغات العراقي ...
- فلسفة الأنوثة بين الحرام السياسي والحرام الجامعي
- الثقافة العراقية، ثقافة مفاهيم أم ثقافة علاقات ؟
- محاولة لغوية لتحليل ظاهرية الخطاب الثقافي العراقي، نحو دراسا ...
- غرامشي من نقد نخبوية المثقف الى نقد نخبوية النص الديني


المزيد.....




- تحليل لـCNN: إيران وإسرائيل اختارتا تجنب حربا شاملة.. في الو ...
- ماذا دار في أول اتصال بين وزيري دفاع أمريكا وإسرائيل بعد الض ...
- المقاتلة الأميركية الرائدة غير فعالة في السياسة الخارجية
- هل يوجد كوكب غير مكتشف في حافة نظامنا الشمسي؟
- ماذا يعني ظهور علامات بيضاء على الأظافر؟
- 5 أطعمة غنية بالكولاجين قد تجعلك تبدو أصغر سنا!
- واشنطن تدعو إسرائيل لمنع هجمات المستوطنين بالضفة
- الولايات المتحدة توافق على سحب قواتها من النيجر
- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حيدر علي سلامة - التأبين الفلسفي للاستاذ الدكتور حسام محي الدين الآلوسي - نحو تأويل ابستمولوجي في منهجه المادي وفلسفته الماركسية *-