أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - زرواطي اليمين - تصدع المعسكر الغربي وعودة الحرب الباردة.. -الفلاش-باك-















المزيد.....


تصدع المعسكر الغربي وعودة الحرب الباردة.. -الفلاش-باك-


زرواطي اليمين

الحوار المتمدن-العدد: 4303 - 2013 / 12 / 12 - 20:41
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


يعيش العالم حالة "فلاش-باك" في العلاقات الدولية بشكل يجعل القارئ في الأنساق التاريخية والأنماط المتداخلة في بنية النظام الدولي إبان القطبية الثنائية التي انتهت إلى تفكك المعسكر الشرقي بقيادة الإتحاد السوفييتي سابقا ثم انهياره، يرى تقريبا نفس الحالة الواقعية في كل ما يخص المعسكر الغربي حاليا بقيادة "صورية" للولايات المتحدة وبتمرد فرنسي واضح وغير مسبوق على قوانين الحلف الأطلسي نفسه، حيث نرى اليوم أن فرنسا تعيش في عهد الرئيس الاشتراكي الحالي فرانسوا هولاند حالة من "النرجسية" والحنين إلى الماضي الاستعماري وزمن الوصاية، من خلال فرض سياستها الخارجية بقوة السلاح ومنطق التدخل العسكري في الشؤون الداخلية للدول، ورغم عجزها عن تسيير أي عمل عسكري ميداني في سورية، فقد بادرت إلى التدخل وفرض وصايتها العسكرية على عديد الدول في مستعمراتها القديمة في أفريقيا.
ومن خلال معالجة بعض النقاط الأساسية والتي يجب الوقوف عندها بالتحليل لفهم حقيقة أن المعسكر الغربي يعيش حالة تصدع قد تؤدي إلى انهيار مماثل لانهيار المعسكر الشرقي في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين.
الأزمة المالية العالمية
لا تزال دول الحلف الأطلسي ممثلة في الولايات المتحدة الأمريكية ودول الإتحاد الأوربي لم تستفق بعد من هول الضربة المالية التي وضعت نهاية للحلم الغربي الذي تعزز مع انهيار المعسكر الشيوعي في الشرق، ورغم الجهود الضخمة المبذولة ومحاولات تنظير حلول إما عاجلة أو صياغة استراتيجيات بعيد الأمد لإحياء ثم بعث هذا الحلم الليبرالي من جديد، حيث وقف العالم مرتقبا التطمينات الأمريكية بشأن ما اصطلح على تسميته "أزمة الميزانية" ولم يتم حلحلة هذه الأزمة "الشبح" سوى في اليومين الأخيرين من عمر هذه الأزمة الأولى من نوعها في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية. ولم يتم حل هذه الأزمة سوى تحت سقف مجلس الشيوخ الأمريكي الذي أصدر بيانا بتاريخ الـ 16 أكتوبر من السنة الحالية 2013 مؤكدا التوصل إلى اتفاق ينهي أكبر وأخطر أزمة مالية عاشتها أمريكا، حيث عبرت رئيس صندوق النقد الدولي كريستين لاجارد عن هذه المعضلة "أزمة سقف الدين الأمريكي يمكن أن تؤدي إلى اضطراب هائل في أنحاء العالم.. أزمة الدين الأمريكية قد تلقي العالم في أتون الركود."
للتنويه، في سبتمبر 2008 بدأت أزمة مالية عالمية والتي اعتبرت الأسوأ من نوعها منذ زمن الكساد الكبير سنة 1929م، ابتدأت الأزمة أولاً بالولايات المتحدة الأمريكية ثم امتدت إلى دول العالم ليشمل الدول الأوروبية والدول الآسيوية والدول الخليجية والدول النامية التي ترتبط اقتصادها مباشرة بالاقتصاد الأمريكي، وقد وصل عدد البنوك التي انهارت في الولايات المتحدة خلال العام 2008م إلى 19 بنكاً، كما توقع آنذاك المزيد من الانهيارات الجديدة بين البنوك الأمريكية البالغ عددها 8400 بنكاً (ويكبيديا).
إذا فهكذا استفاق العالم ولا يريد الأمريكي أن يفعل، على نهاية الحلم الأمريكي الذي تحاول الدعاية الغربية أن تمنحه مزيدا من الحياة رغما عن الواقع المر الذي تعيشه أمريكا.
في أوربا، وبعد مرور 05 سنوات على الأزمة المالية العالمية، لا تزال القارة العجوز التي جمعت أبناءها في اتحاد يحاول التماسك، ويكافح من أجل التغلب على عواقب تلك الأزمة، ومع ذلك تتحرك حكومات المنطقة لبيع حصصها في إنقاذ المصارف، واعترف الاتحاد الأوروبي بزيادة معدلات الشيخوخة وأيضا معدلات البطالة، وحذرت رئاسة التكتل الأوروبي الموحد والجهاز التنفيذي من تبعات هذا الأمر، كما حذرت منظمات دولية من تزايد أعداد الفقراء في دول الاتحاد الأوروبي وتداعيات ذلك على المستوى الاجتماعي.
في بروكسل جرى الإعلان عن قواعد جديدة تتعلق بكيفية إعداد مقاييس أسعار السلع وأسعار الفائدة، وتعتبر المقترحات الجديدة من وجهة نظر الخبراء والمراقبين في عاصمة أوروبا الموحدة بمثابة جزء من طموحات أبعد للاتحاد الأوروبي لفرض رقابة على الأسواق ذات القيمة التريليونية.
وفيما توقع بعض المتفائلين انكماش الركود الاقتصادي، وارتفاع في معدلات النمو الاقتصادي، فإن الواقع في دول أخرى أعلنت عن خفض تلك التوقعات، يؤكد استمرار الأزمة إلى أجل غير مسمى، ففي روما على سبيل المثال خفضت الحكومة الإيطالية توقعاتها بالنسبة لنمو الاقتصاد لـ2013، حيث قدرت نسبة الانكماش بـ1.7 في المائة مقارنة مع توقعات سابقة بـ1.3 في المائة قبل ستة أشهر. وفي عام 2014، سيتوقف النمو عند 1 في المائة منخفضا عن نسبة 1.3 في المائة.
في فرنسا، كشفت دراسة أجراها مؤخرا باحثين فرنسيين في مكتب "دولواتيه" أكبر المكاتب الاستشارية الفرنسية، أن هناك 6.1 مليون فرنسي يعيشون حاليا في الخارج، ومعظمهم أقل من 40 عاما، وهم حاصلين على شهادات عالية، ويرجع ذلك بسبب الأزمة الاقتصادية التي تقف عائلا أمام توظيفهم، وأوضحت الدراسة، أن 27 في المائة من الشباب الفرنسي، يفضلون العمل خارج فرنسا مقابل 15 في المائة خلال عام 2012، ويذهبون إلى كندا كما أن الجالية المغربية التي تعيش في فرنسا منذ أكثر من 15 عاما تفضل حاليا الهجرة إلى الدول العربية، وخاصة دول الإمارات لسهولة اللغة العربية التي يعرفونها وبعد أن تدنى الوضع الاقتصادي والاجتماعي في فرنسا. وشهدت العاصمة الفرنسية باريس مطلع ديسمبر 2013، مظاهرات للاحتجاج على الزيادة التي طرأت على الضرائب المفروضة على المواطنين، حيث احتشد المتظاهرون في ميدان «Chatelet» بوسط العاصمة باريس، اعتراضًا على القرار الذي أخذته الحكومة الفرنسية مؤخرًا، بخصوص فرض ضرائب إضافية ورفع المتظاهرون لافتات كتبوا عليها عبارات مختلفة من قبيل «لقد فاض بنا الكيل»، ورددوا هتافات مناهضة لرئيس البلاد، فرانسوا هولاند. الأخير، يحاول وفقا لعديد من المراقبين تحويل اتجاهات الرأي العام الداخلي مع تراجع شعبيته إلى أدنى المستويات، نحو الخارج، من خلال خوض مغامرات عسكرية غير محسوبة وقد تؤدي بفرنسا إلى مزيد من التقهقر من الناحية الاقتصادية، الأمنية، والاجتماعية.
استفاقة العملاق النائم "الصين" وهيمنتها على التجارة العالمية
تعمل الصين والتي كانت إلى زمن قريب مجرد "عملاق نائم" على الاستفادة القصوى من الوضع الدول الحالي الذي يعيش على تبعات الأزمة المالية والاقتصادية، إما على الصعيد الاقتصادي، ولكن بشكل خاص على الصعيد العسكري والسياسي، حيث لم تتوقف الماكنة البشرية المليارية في الصين عند حدود تحقيق الرخاء الداخلي وغزو الأسواق العالمية بسلع أقل ما يقال عنها أنها "بضاعة مقلدة" بل تعداه تماما إلى تحويل نموذج التنمية وإعادة تعديل هيكلها الاقتصادي، ودفع البلاد نحو نموذج جديد من التصنيع والعصرنة وتطبيق تكنولوجيا المعلومات والتحديث الزراعي، وقال الرئيس الصيني شي جين بينغ مؤخرا، أن الاقتصاد الصيني ينمو بشكل مستقر حيث ارتفع إجمالي الناتج المحلي بنسبة 7.6 في المائة خلال الشهور الـ 06 الأولى وبنسبة 7.8 في المائة خلال الربع الثالث، وأضاف "هناك عوامل كافية تدعم التنمية الاقتصادية للصين" مضيفا "إننا على ثقة بان الاقتصاد الصيني سيواصل النمو بطريقة مستدامة وصحية." وتابع شي بقوله أن الصين ستواصل بثبات دفع حملة الإصلاح والانفتاح قدما. واستطرد "كلما تقدمت الصين، زاد انفتاحها"، مضيفا أنه من المستحيل بالنسبة للصين أن "تغلق الباب المفتوح بالفعل". وقال شي لأعضاء المركز البحثي أن خطة الإصلاح الشامل ستقدم أمام الجلسة الكاملة الثالثة القادمة للجنة المركزية ال18 للحزب الشيوعي الصيني. يشغل شيء أيضا منصب الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني. وقال أن الحلم الصيني الخاص بالإحياء العظيم للأمة وسعي الشعب الصيني لحياة جيدة يتوافق مع مساعي الدول الأخرى لتحقيق السلام والتنمية.
هذا الموقف المتفاءل والمطمئن من الرئيس الصيني المنتخب في 14 مارس 2013، لا يتقاسمه معه عديد من جيرانه على رأسهم اليابان وكوريا الجنوبية وشانغهاي، إلى جانب المعارضة الداخلية وخصوصا منظمات حقوق الإنسان، التي لا ترى في المساعي الصينية أكثر من محاولة لاستعادة أمجاد المعسكر الشيوعي وفرض التوجهات السياسية الشيوعية الماوتسية على الداخل الذي يدعو إلى مزيد من الحريات والانفتاح.
لا تبدو الجارة الشرقية للصين "اليابان متفائلة جدا فيما يخص تعاظم قوة ونفوذ الصين إما اقتصاديا أو ثقافيا، حيث أن العلاقات المشتركة بين البلدين والتي شهدت تقاربا شكليا بفضل الدور الأمريكي سنة 1972، تعرف تراجعا وهزات متعددة خصوصا مع استمرار أزمة جزر سنكاكو-دياويو الواقعة في بحر الصين الشرقي والتي ينام في أعماقها احتياطي نفط يتراوح بين 60 إلى 100 مليون برميل من النفط، واحتياطي غاز يقدر بـ 2 تريليون قدم مكعب، ورغم استقرار العلاقات الاقتصادية بين الجاريتين، فإن التوتر لا يزال سيد الموقف بالنسبة للعلاقات الدبلوماسية، بينما يسود مناخ من عدم الثقة على الصعيد العسكري، خصوصا مع تنامي قدرات الصين الحربية وعمليات إعادة التسليح التي تجريها.
كوريا الجنوبية هي الأخرى، غير واثقة تماما من المساعي الصينية، حيث لا تزال العلاقات الدبلوماسية بين البلدين رهينة الشكوك، وعلى وجه الخصوص عدم اليقين في عدول الصين عن مواقفها فيما يخص النزاعات الإقليمية للدول الثلاثة كل من الصين، اليابان، وكوريا الجنوبية، وقالت وزارة الدفاع الكورية الجنوبية قبل بضعة أيام أنها قد شرعت في توسيع نطاق دفاعاتها الجوية لتتداخل جزئيا مع نطاقات مماثلة شرعت الصين في إقامتها، ويتصاعد التوتر في المنطقة بعد مساعي تقوم بها الصين على مستوى جزيرتين تقعان في إقليم كوريا الجنوبية، ومنطقة صخرية تطالب الصين بالسيادة عليها.
تراجع القبضة الحديدية للولايات المتحدة على العالم
خرجت الولايات المتحدة الأمريكية من حروبها ضد النظام العراقي الأسبق بقيادة صدام حسين وضد حركة طالبان في أفغانستان وتنظيم القاعدة عبر عديد من بؤر التوتر الحالية في العالم، منهكة اقتصاديا ومتململة عسكريا، حيث لا تبدو أي إستراتيجية عسكرية وضعها القادة الأمريكيين، قادرة على ترجمة النزعات الإيديولوجية والمساعي السياسية إلى أمر واقع، ولم تتمكن الولايات المتحدة الأمريكية لحد اليوم، من تحقيق بناءها النموذجي لخارطة العلاقات الدولية رغم الميزانيات الضخمة التي صبت في خدمة العسكري الأمريكي وحلفاءه في العالم.
وقد لجأت الإدارة الأمريكية إلى صناعة مزاعم واهية للتعريف بأسباب انسحابها من العراق وأفغانستان وفشلها في تحقيق النظام الدولي المنشود لها ولحلفائها في المنطقة خصوصا "تل أبيب" ودول مجلس التعاون الخليجي، حيث أعلن وزير الدفاع الأمريكي الأسبق ليون بانيتا سنة 2012 عن خطة أقرها البنتاغون تفضي بتوسيع الإنتشار الأمريكي العسكري إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث يرابط 60 في المائة من الأسطول الأمريكي في هذه المنطقة، في إطار استراتيجية أمريكية جديدة تهدف إلى توسيع التواجد الأمريكي في المنطقة، في إطار التعاون الأمريكي مع دول حليفة على رأسها سنغافورة، ونفا بانيتا أيضا أن يكون التوسع الأمريكي العسكري في آسيا موجها ضد الصين مؤكدا أن هذا التواجد يصب في مصلحة الأخيرة! فيما يبدو واضحا أن الهروب الأمريكي من الحرب القذرة التي أشعلها في دول الشرق الأوسط إلى منطقة أخرى تشهد توترا مستمرا بسبب المساعي الصينية، ليؤكد أن الخوف الأمريكي اليوم ليس من المنطقة الشرق أوسطية أكثر مما هو رعب من إعادة لملمة المعسكر الشيوعي في الشرق لأوراقه في المنطقة، تمهيدا لبسط نفوذه من جديد.
وبالعودة إلى الشرق الأوسط، ففشل العم سام في ترويض النووي الإيراني يبدو جليا، يبدو جليا من خلال التوقيع مؤخرا على اتفاقية بين دول مجموعة 5+1 وإيران، فيما يتعلق بالملف النووي للأخيرة، حيث نص الاتفاق بصراحة على عدم فرض عقوبات جديدة على طهران، وإزالة للعقوبات بشكل تدريجي واستمرار المفاوضات بشأن برنامجها النووي.
أما في سوريا، فلا يمكن القول سوى أن التراجع غير المسبوق عن العملية العسكرية المعلنة من أمريكا وفرنسا ضد سوريا، لهو دليل آخر على عقم الإستراتيجية الغربية فيما يتعلق بإدارة الوضع العسكري في الشرق الأوسط، ثم أن الموقف الروسي الثابت والصلب، لهو دليل آخر أن الدور الروسي في المنطقة أصبح يهدد أكثر من أي وقت مضى كل المساعي الغربية في المنطقة، وهو أيضا إشارة واضحة إلى أن أجواء الحرب الباردة أصبحت واقعا ملموسا في العلاقات الدولية الحالية.
فرنسا تقود عملياتها العسكرية بشكل أحادي
عززت القرارات الارتجالية التي يتخذها الرئيس الفرنسي الإشتراكي فرانسوا هولاند، في إخراج فرنسا تدريجيا من الحضن الأوربي الأمريكي، والدخول وفقا لإستراتيجية عسكرية عمياء "خارجيا" وصماء "داخليا" في دائرة صراعات مع عدو متعدد الأوجه والإيديولوجيا، فرغم الخسائر الفادحة التي يدفعها الفرنسي بسبب الحروب الأخيرة في العراق، أفغانستان، ودول ما يسمى الربيع العربي، دفع هولاند الذي يبدو أنه يقود بلاده "تماما" ودائما نحو المجهول، إما على الصعيد الداخلي الذي يعاني أزمة اجتماعية واقتصادية خانقة وحاسمة، وإما على الصعيد الدولي، دفع فرنسا نحو صراعات عسكرية مع عدو غير مرئي وغير مأمون العواقب، يقاتل وفقا لإستراتيجية انتحارية وهو تنظيم القاعدة، إلى جانب دخول فرنسا في قلب الأزمات الأفريقية ممثلة خصيصا في أزمة وسط أفريقيا حاليا.
ودونما الخوض مطولا في تبعات القرارات غير المدروسة تماما من قبل الإدارة الفرنسية، والتي ستستمر باريس في دفعها لأجيال، فإن خروج فرنسا عن المظلة الأطلسية وتحملها أعباء حروب خارجية بعيدة عن مدى إقليمها بهذا الشكل، سيعمق من التصدع الأفقي والعمودي في المعسكر الغربي، وسوف يعمق الشكوك في كون الحلفاء الأوربيين والأمريكيين، لم يعودوا قادرين على صياغة إستراتيجية دفاعية مشتركة، أو التخطيط لحروب أو عمليات عسكرية محدودة بالشكل المعهود والمفروض.
كما أن تجاوز فرنسا لدور الاتحاد الأفريقي ولدور دول الجوار في المنطقة، سوف يعزز المخاوف من أن باريس لا تقود حملات عسكرية من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان بل لحسابات أخرى غير الحسابات الأفريقية، وعوض تعزيز التقارب مع الدول الأفريقية وتعزيز سبل السلام والمصالحة في المنطقة، فإن باريس تقود في العكس تماما دائرة الصراع نحو مزيد من المواجهة المسلحة ما سوف يعزز الانهيار الأمني في القارة السمراء، وسوف يعمق من أزمات فرنسا نفسها، فالحملات العسكرية والحروب ليست مجانية يا سيد هولاند.
وكشف استطلاع للرأي أجري حديثا في فرنسا، أن أكثر من 64 في المائة من الفرنسيين يعارضون التدخل العسكري في أفريقيا الوسطى، أي أن هؤلاء وهم الأغلبية لا يشاركون هولاند "فلسفته" في إدارة العلاقات الدولية والسياسة الخارجية للبلاد.
وفي المقابل، تلعب منظمة الأمم المتحدة دورا حياديا وسلبيا في أحسن الأحوال، فيما يتعلق بالحروب والأزمات الدولية، حيث أنها تسكت عن الجرائم التي ترتكب في دولة ما، وتقف موقف المتفرج فيما يخص الشأن السوري، بينما سارعت إلى إجازة التدخل العسكري الفرنسي في جمهورية أفريقيا الوسطى، ما يؤكد أن طبيعة النظام الدولي الحالي قد تكون أسوأ من فترة الحرب الباردة نفسها، إن لم نقل في فترة إدارة عصبة الأمم للعلاقات الدولية، والنتيجة، كانت تفجر حربين عالميتين، انتهتا إلى حرب باردة طويلة تراجعت لفترة وهاهي تعود بقوة اليوم.
تراجع أوكرانيا عن مساعي الانضمام إلى الاتحاد الأوربي وتقربها من الأم روسيا
خرجت أخيرا دول الإتحاد الأوربي عن صمتها فيما يخص الأزمة الأوكرانية، التي أشعلها الشارع تنديدا بتراجع الرئيس فيكتور يانوكوفيتش عن توقيع اتفاق شراكة مع الإتحاد الأوربي، وتوجهه نحو موسكو لتعميق أواصل الصلة والتقارب مع الشريك التقليدي الروسي، ما مثل صاعقة بالنسبة لكل متتبعي الشأن الأوربي، حيث أن تراجع دولة مثل أوكرانيا عن السعي إلى دخول مظلة الإتحاد الأوربي الغاية التي تبذل كل دول المنطقة وعلى رأسها تركيا من أجلها الكثير.
ومع تفاقم الأزمة الأوكرانية وتدهور الأوضاع في العاصمة كييف مع إصرار المعارضة على التظاهر والمطالبة برحيل النظام الحالي الذي يفضل التقارب مع الدب الروسي، عبرت الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوربي كاترين آشتون، عن خشيتها من تفاقم الأزمة في أوكرانيا خصوصا عقب أنباء عن اقتحام الشرطة لأحد مقار أهم أحزاب المعارضة، ما يعيدنا إلى أجواء الحرب الباردة ويبدو أنه يقلق أكثر من أي وقت مضى الساسة الأوربيين والأمريكيين على حد سواء، حيث قد تتحول أوكرانيا إلى حائط برلين جديد يقف أمام المد الليبرالي لأول مرة، ويمهد الطريق أمام عودة المد الشيوعي الروسي إن لم نقل إحياء الحلم السوفييتي إلى الوجود.
وعلى غرار الموقف الأوربي، دخلت الإدارة الأمريكية خط الأزمة على الطريقة القديمة، حيث تم عقد لقاء غير معلن بين مساعدة وزير الخارجية الأمريكي فيكتوريا نولاند وعدد من ممثلي المتظاهرين في ساحة الاستقلال بالعاصمة الأوكرانية كييف، واعتبر هذا اللقاء الذي أكدته لقطات بثها القناة التلفزيونية الخامسة الأوكرانية، بمثابة حالة غير مسبوقة يقوم بهام سؤول أمريكي وهو بمثابة تدخل مباشر في الشؤون الأوكرانية.
ويشكل المشهد الأوكراني اليوم، حالة واقعية تؤكد أنه فعلا يوجد تصدع في أركان المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وأن هناك أيضا حالة من الشك في مدى الجدوى من الدخول في تحالفات مع أقطاب هذا المعسكر المنهار تدريجيا بسبب أزمة مالية واقتصادية متعددة الأسباب ومتداخلة في انعكاساتها وتبعاتها. كما يؤكد أن الدخول في الإتحاد الأوربي لم يعد مطلبا أو هدفا لدول تعيش أزمة اقتصادية واجتماعية وتناقضات في الهوية ومبادئ الوطنية، من قبيل أوكرانيا نفسها، حيث أن الحالة الاقتصادية التي تعيشها دول الإتحاد الأوربي وليست فرنسا استثناءا هنا، لا تشجع ولا تحفز دول تعيش أزمات اقتصادية في الأساس، على الانضمام إلى الاتحاد، فلقد كان الرخاء والتطور والازدهار السبب الرئيس الذي حفز على ذوبان دول محسوبة على المعسكر الشيوعي وهي تحديدا دول أوربا الشرقية في أوربا اللبرالية.
يحاول الساسة الأوربيين والأمريكان جاهدين الحفاظ على رباطة جأش شعوبهم وتقوية كافة أشكال التضامن والتكافل الأوربي، رغم معرفتهم ولنقل يقينهم، بأن الإتحاد الأوربي اليوم، لم يعد قائما على المصالح المشتركة، أكثر من كونه حلفا استراتيجيا يخدم إيديولوجية معينة وحالة ما يسعى العم سام إلى ترسيخها وتثبيتها ولو على حساب المنطق والسياق التاريخي نفسه، ولو على حساب الواقع.
إن انهيار المعكسر الغربي ممثلا أساسا في الحلف الأطلسي كقوة عظمى مسيطرة وناظمة للعلاقات الدولية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوربي، هي مسألة وقت، وفي أحسن الأحوال، قد تتمكن اللبرالية العالمية من إطالة زمن الأزمة، أو من تجنب هذا الانهيار التام، ولكنها سوف ترضى بلا شك وقد شرعت في ذلك، بتقاسم العلاقات الدولية مع أطراف أخرى لم تتبلور بعد في تحالف معلن لأسباب موضوعية ونظرا للدول الذي تقوم به اللبرالية نفسها، ولكنها سوف تفعل في زمن منظور، مشكلة أساس من محور روسيا، الصين، كوريا الشمالية، إيران وسوريا، الأخيرة ستعزز موقفها الإقليمي إن انتهت الحرب الأهلية الدائرة إلى انتصار النظام الأسدي، إلى جانب دول أوربا الشرقية السائرة في طريق التحالف مع الدب الروسي العائد بقوة وبعزم شديدين.







#زرواطي_اليمين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نيلسون مانديلا استسلم للقدر لكن اسمه لن يمحى من صفحات التاري ...
- اللحم البشري الحي وقود الصراعات والحروب الأهلية والإقليمية
- جيلالي سفيان يحذر من مخاطر نظام بوتفليقي أقيم على أنقاض النظ ...
- الإفلات من العقاب وتصفية الحسابات وجهين لعملة الاغتيال السيا ...
- الجزائر.. أحزاب مقسمة وشخصيات في الظل ومرشحي الاحتياط لسد ال ...
- طاقم سفينة سلوفينية عالقة في ميناء بجاية يواجه خطر الموت جوع ...
- حواري مع الأديبة المصرية الفائزة بجائزة نازك الملائكة ميمي ق ...
- حوار مع الأديبة الجزائرية الصاعدة هدى درويش
- رجل الأعمال رشيد نكاز يلقي بالجنسية الفرنسية في وجه فرانسوا ...
- حرية التعبير في الجزائر.. إلى تراجع!
- شعب مُحال على التقاعد!
- الشيخ أحمد الأسير يقع أخيرا في مصيدة نصر الله!
- حاملي حطب حرب الجاهلية في سورية!
- من هجرة الأدمغة.. إلى هجرة الرؤساء!
- جزائرنا.. سنعود.. بعد.. قليل!
- أمسك قلمك، فالكلمات تقتل أيضا
- مجرد مباراة في الشطرنج.. والنرد مستقبل الإنسانية!
- حرب باردة جديدة ساخنة بالدماء.. العربية!
- فرانسوا هولاند، اليهودي المزيف
- يُعرون عن التاريخ صفحات، ويدفنون صُحف!


المزيد.....




- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب
- الاستراتيجيه الاسرائيله تجاه الامن الإقليمي (دراسة نظرية تحل ... / بشير النجاب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - زرواطي اليمين - تصدع المعسكر الغربي وعودة الحرب الباردة.. -الفلاش-باك-