|
السقوط في حفرة الببر
محمد رفعت الدومي
الحوار المتمدن-العدد: 4303 - 2013 / 12 / 12 - 01:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كتاب أنيق كما يليق بامرأة تملك قدراً أصفرَ من الجمال الآسيويِّ الجارح ، كما كانت تملك أيضاً قدراً فائضاً عن حاجتها من الشرِّ المحتجز في أعماقها ، وضع حداً حين انسكب لحياة (115) إنساناً بالإضافة إلي طاقم طائرة الخطوط الكورية الجنوبية التي انفجرت في نهايات نوفمبر العام (1987) ..
إنها الجميلة الكورية الشمالية "كيم هيو" ، ولقد أفرغت في هذا الكتاب ، من مكان احتجازها المشوش ، كل ما ظلَّ حياً في جيوب ذاكرتها ، وهو كثير ، حول الرحلة (858) ، التي انتهت بفضلها هي ، وشريكها ، إلي قاع الألم ، تاركة وراءها مكتبة من الذكريات ، ورماد الأحلام المحترقة !!
ويستطيع القارئ دون أن يبذل جهداً ، أن يمسك بيديه الندم يرجُّ قامته في قلبها ، الذي تفتَّتَ بفعله حزمة من القبور الطارئة ، وأصبح نومها ملجأً أميناً للكوابيس !!
لقد أدركت "كيم هيو" لأول مرة ، حيث لا يوجد تراجع ، أنَّ الكوريين الشماليين متشابهون جداً ، ليس فقط ذلك التشابه الناجم عن الجيتو ، الذي يولد في العزلة ، ولا تشابه الألم الذي يمارس في الممرات ، وإنما لأنهم متشابهون في العيش في أوصال قوقعة رديئة ، حيث توقف الوقتُ وتجاوز الأساليب ، ومتشابهون أيضاً في الالتفاف حول الإيمان بمفهوم "الكلُّ في واحد" ، أو "الزعيم الخالد" ، ذلك المفهوم الذي أهمله العالم بشكل عميق في مسيرته نحو الرقيِّ ، وتبني الممر الصادق نحو وضع إنسانية الإنسان كزنبقة في الروح ، " الواحد في كلِّ " ، حيث الفردية والاستقلالية وحراسة جذور الإخلاص للوطن الخالد لا الأشخاص الزائلين ..
كما أدركت ، وهذا هو الأهم ، أن الحياة أثمن من أن يبذرها حيٌّ ، كما كادت أن تفعل هي ، لولا حرصها علي الحياة ، في سبيل إنسان مثله ، حتي وإن كان الزعيم " إيل سونج" ، مؤسس كوريا الشمالية ، والأب الروحيَّ لتخلفها المريع عن نصفها الجنوبيِّ الذي خلع ثوب الأنا وأصبح الكون الفسيح !!
لقد علق بأهداب ذاكرتي عنوان هذا الكتاب فجأة ، عندما لمست اليوم حدة الاحتجاجات الطلقة للطلاب ، أولئك الجديرين بالحرية في كل وقت ، ولمست وتيرتها العصبية ، والتي تتضاعف عصبيتها يومياً ، كما لمست إصرارهم علي عدم الانسحاب إلي عتبة الداخل مرة أخري ، وعلينا أن نعترف أولا أنَّ هؤلاء المراهقين يزاولون وجودهم بعناد ، بينما يلاحق الشيوخ أحلاماً عبثية !!
بالإضافة إلي هذا فإنَّ النظام ، وبدلاً من تهدئة قلب مخاوفهم ، يثيرها من خلال غربانه التي تتسلق حناجر الفضائيات صباح مساء ، وذلك النعيب السخيف عن العمالة والخيانة والاختلال العقليِّ وأعقاب السجائر!!
علي أن تهدئة مخاوفهم مهمة شاقة لأنها تتعلق برجل كالدكتور "محمد مرسي" ، واظب عاماً كاملاً علي عدم اعتبار كرامته جزءاً من شخصيته الاجتماعية !!
إنَّ صوراً كهذه تفتت أي انطباع ٍ بالإيمان بمعركة النظام كمعركة صالحة إلي شكوك ، ذلك أن الحدوث المستترة للصورة أخطر مما يتصور محللو البعد الواحد ، بل وتحرض أمواج الخوف علي الإشعاع !!
وإذا كنتُ أظن أن مصر توشك علي السقوط في حفرة الببر ، فلأن هذا علي الأرجح هو الذي حدث ، لا مجرد هرولة إلي الأمام من خلال لعبة الخيال !!
كيف يُبني بيتٌ بأنقاض بيت ، بعدما أسرفت الدماء في الهديل وأصبحت أطرافها تعاليم البوم !!
لا أعتقد أن النظام الذي أزال الدكتور"محمد مرسي" ، تفقَّد جيداً كلَّ مخاوفه مما وراء كواليس ما بعد إزالته ، وربما حدث ، ولكن فاتهم البعد الطارئ في شخصية الكثيرين ، الكثيرين جداً من المصريين ، وهو أن الاستهانة بالموت أصبحت عرفاً دارجاً ..
لا يتحرك الإخوان المسلمون بلا منطق ، هذه حقيقة مؤكدة ، لكنَّ الأخطر أنهم هيَّجوا بلغتهم الخاصة قضية كبري ، فلقد توقفوا عن العمل علي استعادة الحكم ، وانصرفوا إلي العمل بوضوح تام علي الثأر !!
كما توقف قمعُ الهضاب العالية عن الحيلولة دون مشاركة العناصر في المعركة المتحركة !!
ولا شكَّ أنَّ آخرين ، ولا أعني الجهاديين بالضرورة ، يشتركون من الآن في الجبهة السائلة للمعركة المؤجلة ، وفي الصفوف الأولي أيضاً ..
ومما يزيد الأمر خشونة ، أن الإخوان قد انخرطوا ، بعد فوات الأوان ، في الحالة المصرية ، فانخفض في لهجاتهم استدعاء التعاليم الإسلامية للاستحواذ علي العقول البسيطة كما كانوا يفعلون ، وأصبحوا يبدعون النكات المضحكة ، لا نكات عام مرسي عن "حمضين" و"لبوذا البرادعي" السخيفة ، كما يبدعون الأغاني كالأغاني ، ويبدعون أيضاً ، وها هو الأهم ، وسائل الاحتجاج !!
بقي أن أقول :
إنَّ إدانة هذه الحفرة من الداخل هي السبيل الوحيد للخلاص ..
#محمد_رفعت_الدومي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
غيرةً علي قوس قزح
-
الآلهة يجب أن تكون سوداء
-
الناشطة بيبسي
-
شيفرة الشيخة موزة
-
قصيدة الفاجومي الأخيرة
-
الفاجومي مات !
-
الله ، المعسكر ، الفسيخ !!
-
مريم الثيِّب .. وشِباك الآباء الأوائل*
-
لا مرحباً بمواسم الزحف الحرام
-
السيسي .. والرقص في درجة الغليان
-
-إسهار بعد إسهار- كتاب جديد ل -محمد رفعت الدومى-
-
اسهار بعد اسهار الدومي .. سيرة تتجاوز الذاتية
-
ذَبحْتُكِ جومانا أخيراً بشرياني
-
روعة
المزيد.....
-
الجيش الأمريكي: هجمات حوثية بـ5 طائرات دون طيار وصاروخين بال
...
-
البيت الأبيض: بايدن يدرك عواقب السماح لكييف باستهداف أراضي ر
...
-
أول إجراء إسرائيلي ردا على حظر المالديف دخول الإسرائيليين إل
...
-
عناق الوداع.. لقطة مأساوية لـ3 شبان قبل أن يبتلعهم النهر
-
مصدر رفيع يكشف شروطا وضعها الوفد الأمني المصري خلال اجتماع ث
...
-
محلل سابق في CIA: أوكرانيا قد تفقد السيطرة على مدن كبرى بينه
...
-
موقع مصري: -محاكمة الحكومة- تثير أزمة في البرلمان
-
كوريا الشمالية تمطر جارتها الجنوبية بــ 600 بالون قمامة
-
بالفيديو.. فرار جماعي لمجموعة مستوطنين قرب الحدود اللبنانية
...
-
وسائل إعلام تكشف وجود طيار يوناني في أوكرانيا لتدريب قوات كي
...
المزيد.....
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
-
ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|