أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غسان العزة - -من المفارقة الطبقية إلى استكمال المفارقة-















المزيد.....

-من المفارقة الطبقية إلى استكمال المفارقة-


غسان العزة

الحوار المتمدن-العدد: 4301 - 2013 / 12 / 10 - 22:00
المحور: الادب والفن
    


ذهبنا للسؤال عن عمل في مطعم يسمى الأرجوان فوجدنا أن اسمه ارجوان ولكن جوهره "سكس وااان" .. الأفخاذ اللماعة وعبق العطور وأبخرة الخمور تُزين المكان .. فجأةً هرول تجاهنا شرطيان مفعمان بالحنان نتيجة ما شاهدوه على رصيف المطعم من عنفوان.. قالا لنا هل جننتم!! ماذا تفعلان في هذا المكان .. اذهبا من هنا بسرعة قبل ان نستضيفكم في اللومان .. قلنا لهم أنتما تأمران.. وأنصرفنا . هل أصبح الفقراء يُعرفون من وجوههم ؟؟ والسؤال الأكثر إلحاحاً هل من كانوا هناك أغراباً عن وطني أم نحن الغريبان؟؟
كانت تلك هي ردة الفعل الحارقة كما يُصلى الحصان بالفولاذ المُتهج ليصهل صارخا وبقوة، والناتجة عن هذا الموقف في بلادي المحتلة، اشتعل الحريق بقلبي ولم يتوانى الحقد الطبقي قيد شعرة أن ينسيني هذا الموقف.
تسارع الزمن، بعد أسبوع من هذا التقيت بشاب في إحدى شوارع رام الله معرفة لأحد أصدقائي ، جلسنا فتشنا في همومنا إلى أن وصل بنا الحديث أنه يريد مساعدتي في عمل ما عطفاً علي وعلى حالي، بضعة أيام أخرى حيث لم يتبقى في جيبي سوى نصف شاقل فقط لا غير حيث فقدت الأمل في كل شيء.. رن هاتفي النقال .. ألو.. مرحبا أنا الشاب الفلاني لقيتلك شغل في مطعم راقي كثير وما بتدخلوا غير الناس المريشة واسموا "ارجوان"، خيم على قبعة رأسي الصمت وقلت في نفسي يا لمحاسن الصدف أرجوان مرة أخرى لعلي ألقى هذه المرة ما هو أفضل معاملة وذلك لكوني ذاهب عن طريق "الواسطة" .
في الموعد المحدد تواجدت أمام المطعم . قرعت بصوتي أرجاء المكان ، مرحبا: رد علي عامل صفرة وفي حدقتا عينيه نظرة يقين بأنني لست زبوناً "أهلا تفضل"، "أنا فلان إلي بعتني عليكم فلان منشان الشغل"، رد علي العامل "أه أهلا أهلا يعني أنتا منا فينا، بكول شكلك مش مبين زبون".

"عالم ليس لنا " غسان كنفاني.

بدأت انظر إلى كل تفاصيل المطعم وزبائنه ونشبت في ذاتي ألسنة المقارنة، بالفعل شكلي لا يوحي بأنني زبوناً، وجهي المتجعد بفعل الهم رغم صغر سني لا يوحي بثرائي، سترتي أو حتى حذائي لم تصنع في ايطاليا من افخر الجلود وأيضا كوفيتي المهترئة لا تشبه اللفحات البراقة والمصنوعة من أفضل أنواع الصوف لا ألبس كما يلبس الزبائن، حتى حركاتي ومشيتي ونظراتي وأيضا ابتسامتي لا أشبههم في شيء.
صدحت الأسئلة في رأسي من هؤلاء؟ لم لا أراهم بالشارع يمشون مثلنا؟ لم اترك زقاقاً في رام الله إلا ودخلته لم أرهم من أين يخرجون كيف يدفقون إلى هنا وأموالهم تلك من أين تأتي وفي سبيل ماذا تذهب؟ وجوههم غريبة كلامهم لا يشبه كلامي لغة هجينة الانجليزية تدخلها الفرنسية وتمزج بالأسبانية وتعطر بمصطلحات اسكندنافية مع رشة خفيفة من اللغة الأم العربية أو لا ادري إن كانت إماً أم عاقر، صدقاً لا أفهم منهم شيئاً ولا افهم من نفسي شيئاً هنا. أضيع في ذاتي وأدور وتدور فيَ التفاصيل.
أُباشر العمل، أبتسم في وجوههم رغماً عني ويعتلي رئتاي الاشمئزاز، تناديني زبونة اقترب منها بخطوات متباطئة أتمحص تفاصيلها لا تشبه أمي أو حبيبتي التي هجرت فقري، لا تشبهه النساء اللواتي عرفتهن لم تكن سوى معرضا للشكليات منظراً مركباً غريباً، قالت لي "بليز كلين ذا رابش فروم ذا تيبل" نظرت إلى الطاولة لم أجد سوى بعض المحارم غير المستخدمة. أزلتها وابتسمت في وجه زبونة الديكور تلك وانسحبت، وغرقت سارحاً "رابش رابش" . ألا تدري تلك الشيء أن هناك من لا يستطيع شراء كيس محارم بسعر ا شاقل لينظف بها أنفه من رشح الشتاء فيتوارى عن الأنظار ليمسح مخاطه بطرف سترته؟ أم أنها عرفتني ، فقري عوزي جوعي وطبقتي الغير راقية فأرادت تذكيري بهذا الشيء خوفا من النسيان والاندماج بأجواء الموسيقى الكلاسيكية في كنفات المكان.
أحمل قائمة الطعام وأقدمها لزبون أخر ولا أتوانى عن الابتسام رغم ألم الضياع مع مرافقة ألم الظهر الذي تسبب به الاعتقال السابق وأيضاً ألام الباصور المزمنة الناتجة عن الوقفة الطويلة . يقول لك من فضلك "تبولة بعصير الأناناس مع المكسرات" و"فلافل محشي بالجمبري" و"الحلويات اجعلها قطين محشو بالجبن الفرنسي" ، أيضاُ لا أفهم شيئاً لم لَم يطلب بوظة مع بعض الخبز فوق هذا وذاك؟؟
ما هذا العالم كيف لهم ذلك ألا يسمعون قرقعة بطوننا؟ لماذا نفطم منذ دهور على العدس والحمص واستحدثوا لنا الأرز لكسر الروتين،لماذا أسألها دوماً؟؟
أنظر في العمال أمثالي "فلان" بارمان مميز يبتسم دوماً ويصب الكؤوس تلو الكؤوس ويحصي النقود ويتقاضى أخر يومه 50 شاقلاً لا تكفيه شراء كتاب أو طباعة بعض الأوراق التي تخص دراسته.
"علان" هيد وويتر يعمل ليل نهار ولا يتشدق سوى بالكلام المنمق والمجاملات الدسمة وأيضاً يبتسم ويتقاضى 70 شاقلاً يومياً إذ عنده أربعة أطفال وزوجة ولذلك أيضاً يبتسم .
عامل التنظيفات الغارق دوماً في مخلفات الأثرياء يتقاضى 50 شاقلاً، ينظف يجلي يشطف ويمسح ويسب القهر ولكن عندما يدخل مالك المطعم إلى منطقة عمله أيضاً يبتسم.
الطباخ يطهو كل ما لذ وطاب لحوم واجبان وحلويات أغرب من أن نعرفها وفي نهاية عملة يضع صحن الفول يذوقه بمرارة وينظر إلى صحنه ويبتسم، الجميع هناك يبتسم.

وتأتي ليلة الفن الجميل والفرقة الموسيقية العازفة، مغنية يتوهج وجهها المكياج تنصب وفرقتها عدتهم وتبدأ الغناء، فيروز تارة ثم تندهني، "بليز كأس "جلانفديش" تشرب وتستمر بالغناء، لينا شماميان وكأساً أخر "جلانفيديش" تتصاعد نغماتها في أذني وأيضا كأس "جلانفيديش" أخر، وانا أعمل كالآلة الحاسبة في داخلي، هذا الكأس سعره سعر يوم عملي والثاني بيومين والثالث بثلاثة وهلم جره، إلى أن وقعت الواقعة .. "من فضلك كمان كأس جلانفديش" هدوء يعم المطعم تبدأ الآلات الموسيقية تعزف بتدرج ويعلو صوت المغنية " شيد قصورك عالمزارع" وبدأ الزبائن بالسحيج، ما هذا بدأت أتخبط في نفسي وأسألها مراراً وتكراراً حد الجنون، لمن تغني هذه؟ أسرقوا منا حتى كلماتنا؟ أيتاجرون بعذاباتنا ؟ لا افهم شيئاً وأحاول أن أفهم ولا أفهم، على ماذا يصفقون وعلى ماذا يبتسمون، ما بالهم يغنون لنا ولا ينظرون إلينا، يؤكدون على ما بنوا فوق أجسادنا ويستكملون المفارقة.



#غسان_العزة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لكي لا ينسى المخيم -جَميلة-
- اليسار الفلسطيني اليوم وموقعه من اليسار.. يسار اليمين ام يمي ...


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غسان العزة - -من المفارقة الطبقية إلى استكمال المفارقة-