|
عندما يحاول المسلمون الجدد أن يغيروا معالم الإسلام
أسعد أسعد
الحوار المتمدن-العدد: 1224 - 2005 / 6 / 10 - 13:06
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عندما هاجر النبي محمد من مكّة تحت إضطهاد قريش له و لدعوته قاصدا يثرب التي أُطلق عليها فيما بعد إسم المدينة المنوّرة أخذ معه صاحبه و أبا أحب نسائه و الذي صار فيما بعد خليفته أي أبا بكر المكني عنه بالصديق و كان قد سبق النبي محمد إلي يثرب بعض ممن آمن به و اعتبروه نبيا من عند الله ليُمَهدوا له طريق الهجرة و يستطلعوا رأي أهل يثرب في استقباله و معظم هؤلاء الاتباع لم يعرفوا من قبل من هو الله أصلا فالعارفون بالله في مكّة كانوا يُدعَون نصاري و القليلون كانوا يهودا أما أتباع النبي محمد فلم يكونوا تابعين لهذا أو لذاك رغم معرفتهم المحدودة بالنصرانية و اليهودية فخرجوا من مكة فئة قليلة ضعيفة تاركين ديارهم و امتعتهم و اهلهم علي ايمان دين جديد و هم لا يدرون ما يخبئه لهم المستقبل و فور أن استقر النبي محمد في يثرب أعد العدة الحربية و حشد أتباعه في تدريبات عسكرية قوية و كوّن له فريقا من المهاجرين و الانصار و قام بالعديد من الهجمات علي القوافل العربية العابرة تحدّ يا لقريش و لاهل مكّة الذين اضطهدوه و اضطروه إلي الهجرة و تركِ بيته في مكّة . و الثابت أنه في هجوم النبي محمد علي قوافل قريش العابرة في سلام لم يعرض عليها الاسلام رغم أنه كان في قوّة و صُحبة عدد من أتباعه في مواجهة القوافل المسلحة سلاحا محدودا. فقد كان هدفه هو الاستيلاء علي البضائع التي تنقلها هذه القوافل استعادة لحقوقه و حقوق المهاجرين معه التي سلبها منهم أهل مكّة و اضطروهم للتخلي عنها و الهجرة إلي المدينة تحت ضغط الاضطهاد . فبعد عدّة معارك قررت قريش إعلان الحرب علي النبي محمد و أصحابه و سيّرت إليه إلي يثرب جيشا أقل ما يقال عنه أنه لم يدخل حربا و لم يخوض أي معركة من قبل و كان يجهل تماما أن النبي محمد كان قد حوّل يثرب إلي معسكر حربي لتدريب المجاهدين المقاتلين في سبيل الله فكان النصر في جانب النبي محمد لجديته و تفانيه في إعداد نفسه و أتباعه لخوض المعارك الحربية و ليس فقط لخوض الاقتتالات القبلية العربية . ثم توالت إنتصارات المسلمين علي بقية القبائل العربية و امتدت سيطرة النبي محمد العسكرية الحربية علي الجزبرة العربية استعدادا لارسال الجيوش العربية إلي خارج حدود الجزيرة فيما بعد و واضح إن يثرب قبل أن يهاجر اليها النبي محمد لم تكن تدري شيئا عن المعارك الحربية و لا القتال التكتيكي في الهجوم و الدفاع بل كانت العقلية العربية البدوية قبل أن ينقل النبي محمد إليها الثقافة العسكرية لا تعرف سوي الكر و الفر القائم علي البطولات الفردية المحدودة اللازمة لحالات الصراع القبلي في المنطقة . فلا أحد يستطيع أن ينكر إذا إنتشار الاسلام بالمعارك الحربية و سيطرة النبي محمد علي الجزيرة العربية و إخضاعها و إجبار أهلها علي الاسلام إليه كنبي من الله . فقد زرع النبي محمد من البداية الروح القتالية في أتباعه و كل من ينضم اليه و لم يزرع فقط عبادة الله و الصلاة و الصوم و بقية الفرائض . لذلك فعندما قام نبي آخر في الجزيرة العربية أيام النبي محمد و هو النبي مسيلمة الذي دعا أيضا إلي عبادة الله و هو الذي دعاه النبي محمد بالكذّاب فلم يفصل بين نبوة محمد و نبوة مسيلمة الاقناع و لا الحوار و لا البرهان فقد كان السّيف هو الفاصل حتي قُتِل النبي مسيلمة و صار النبي محمد هو نبي الله بلا منازع في الجزيرة العربية و ما وراءها فيما بعد لقد نقل النبي محمد الثقافة العسكرية عن طريق احتكاكه بالامبراطورية البيظنطية التي كانت تسيطر علي الشّام و التي طالما ذهب اليها النبي محمد قبل نبوته أيام كان يعمل بالتجارة و مكث بها و راقب العقلية العسكرية المنظّمة في جيوش نظامية و طبعا كان قد سمع أخبار المعارك و الحروب التي خاضها الفرس و الروم ضد بعضهما البعض و أخبار الحروب المحلية مما جعل ثقافته العسكرية متقدمة علي أترابه في الجزيرة العربية . و نلاحظ أن التكتيكات العسكرية و فنون الحرب في الدفاع و الهجوم لم تكن بوَحي و ليست من ضمن النصوص القرآنية التي كانت تأمر بالقتال و تشجع علي إعداد العدة و السلاح و الخيل و الشجاعة و الاستبسال أما الحرب فكانت ثقافة النبي محمد التي علّمها لامته التي اتّبعته . و استطاع النبي محمد أن يضع أساسا لأعظم إمبراطوية عرفها التاريخ من الوجهة العسكرية القتالية التي سيطرت علي جنوب شرق اوروبا و آسيا الصغري و غرب آسيا و شمال أفريقيا و جنوب غرب أوروبا و الامبراطورية العربية الاسلا مية في طبيعتها مُركّبة من عدة إمبراطوريات أهمها الآموية و العباسية و الفاطمية و الآيوبيه حتي نهاية الامبراطورية العثمانية في مطلع القرن الماضي فدامت هذه الامبراطورية كقوة عسكرية و سياسية و اقتصادية إلي ما يقرب من أربعة عشر قرنا من الزمان . و لا يستطيع أحد أن يفصل بين تاريخ الاسلام و تعاليمه و بين تاريخه العسكري و السياسي و ما زال العالم الاسلامي إلي اليوم مقسم إلي الدول العربية الاسلامية و الدول الاسلامية الغير عربية . فالاسلام في وجوده و استمراره تاريخيا و واقعيا اليوم مرتبط ارتباطا وثيقا بالدولة مهما قربت أو بعدت شرائع الدولة من تعاليمه و لعل أصدق الدلائل هو قيام حركة الاخوان المسلمين حديثا و انتشارها و هي التي تنادي بعودة الخلافة الاسلامية إلي سابق مجدها و تطبيق الشريعة في جميع حدودها و الذي لايمكن إنكاره أن التعليم الديني الاسلامي يقدّم جميع رُمُوز الاسلام علي أنهم قادة عسكريين من أوّل شخص النبي محمد ثم الخلفاء الأربعة و من تبعهم من قادة العرب الابطال الذين قادوا الجيوش و غزوا الممالك و قهروا الامبراطورية الفارسية و الامبراطورية الرومانية باسم الاسلام و ليس باسم العرب فعلي العكس من ذلك نجد أن التعليم المسيحي علي سبيل المثال يقدّم المثال الكامل في شخصية المسيح يسوع في سلوكه الكامل و تعاليمه المتسامية ثم تضحيته العظيمة باستسلامه إلي الصليب و غفران خطايا أعدائه و ندائه بمحبة الله لكل الناس و وصياه التي هي إلي ما فوق الطبيعة البشرية . ثم أتباع المسيح و جهادهم الروحي و اضطهادهم و استشهادهم جميعا و قصص التضحية بالحياة في عصور الاستشهاد الرومانية و من بعدها الاسلامية و هذا التناقض الواضح بين الديانتين ناتج عن ما أعطته المسيحية من مثال كامل في شخصية مسيحها و ما أعطاه الاسلام في عمومية شخصية النبي محمد و أنه كواحد من البشر له اخطاؤه و هو كقائد حربي حمل السيف و قاتل و قَتَلَ مما يجعل مثاله متناقضا تماما مع مثال المسيح يسوع . و كما يتمثل أتباع المسيح المخلصون الحقيقيون بشخصية سيدهم و هو بني بهم مملكة سماوية غير أرضية فان المسلمين أيضا علي مر العصور يتمثلون بشخصية نبيهم و سيدهم . فاذا كان المسيح قد ضرب أكمل الامثلة في التضحية و الفداء حتي للاعداء فان النبي محمد قد قدم لاتباعه شخصية القائد الحربي و المحرّض القتالي و هو وضع أساس التحريض القتالي الحربي و أسس به فعلا ملكوت إسلامي و اتّبعه أصحابه و المؤمنون به علي مر العصور و إذا كان التاريخ يُظهر أن أتباع المسيح قد حملوا السيف و قاتلوا و كوّنوا دولا وحاربوا و قتلوا باسم المسيح فالأمر سهل وضوحه إن كل هذا مُخالف و مُناقض تماما لمثال و تعاليم المسيح و للدين الصحيح لكن كل الحروب و الغزوات القتالية في الاسلام تمت بحسب وصايا القرآن و سُنّة حياة النبي محمد و أحاديثه إلي أتباعه فاذا أرد البعض اليوم نزع الصفة القتالية عن الاسلام فكيف يمكن ذلك و النبي محمد نفسه قد قَتَل المئات و ربما الالوف بسيفه شخصيا في حروبه و غزواته تثبيتا و نشرا للاسلام و كيف يمكن نشر ثقافة الاسلام علي أنها المحبة و التسامح بينما جميع رموز الاسلام من عهد النبي و ما بعده رموزا مقاتلة مثل جميع الخلفاء ثم قادة الاسلام مثل خالد بن الوليد و عمرو بن العاص و طلحة و الزبير و طارق بن زياد و جميع الامثله التي يتم تربية النشئ بها رموزا عسكرية مقاتله ليس للدفاع عن الوطن بل لقتال كل من لا يؤمن و لا يقبل الاسلام دينا و لا النبي محمد له رسولا فلا محبة و لا تسامح و كيف يمكن للعقلية المسلمة المتدينه التي لا تقبل المسيح يسوع مثالا للمحبة و السلام و تطلب إتّباع سيرة النبي محمد سنّة و منهاجا كيف يمكن لهذه العقلية أن تتسامح في حق نفسها و دينها و أن تترك الامر لله وحده و أن تضع السيف جانبا و تأتي بالكُتُبِ تفحصها و بالحجج تُضاهيها. هل يريد المسلمون الجدد أن يقوالوا إن أربعة عشر قرنا من القتال و الغزو و السيف و الاحتلال كانت كلها خطأ . و إذا كان المسلمون اليوم يريدون نشر رساله المحبة و التسامح و السلام فهل هم مستعدون لنشر رسالة المسيح في محبته و مثاله الكامل في تضحيته المبرهنة في صليبه و قيامته . و أين يجد المسلمون شخصية مثله ـ و هم في قرانهم قبلوه ـ أعظم من شخصية المسيح الذي أحبهم و أسلم نفسه للصلب لاجلهم و قام منتصرا علي الموت لاجلهم و هذا هو التسامح و هذه هي المحبة فهل تقبلوه و هل تنادوا بها
#أسعد_أسعد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اقتراحات موجهة الي المعارضة و طالبي التغيير في مصر
-
الماركسية الشيوعية التقدمية الاشتراكية النظرية الفلسفية الفك
...
-
اللي بني مصر كان في الأصل حلواني
-
النكسة القادمة علي مصر
-
رد علي ... الإسلام دين التسامح و المحبة ... بيع الميّه في حا
...
-
الصراع العظيم ... متي سيبني اليهود هيكلهم الثالث في مدينة ال
...
-
هكذا احب الله العالم اغنية اهديها الي كل عمال العالم
المزيد.....
-
-في تهديد مباشر-.. ترامب: المرشد الأعلى الإيراني -هدف سهل- و
...
-
ماما جابت بيبي.. استقبال تردد قناة طيور الجنة بيبي على نايل
...
-
ترامب: المرشد الأعلى هدف سهل.. نعلم أين يتواجد
-
باسم يوسف يثير جدلا بمنشور عن الحرب الإيرانية الإسرائيلية، ف
...
-
الرئيس الأمريكي: نعرف تماما أين يختبئ المرشد الأعلى ولكن لن
...
-
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: نعرف تماما أين يختبئ المرشد ال
...
-
ثبت الأن تردد قناة طيور الجنة الحديث على النايل سات وعرب سات
...
-
مقتل العشرات من منتظري المساعدات جنوب قطاع غزة، وإغلاق المسج
...
-
العراق.. السوداني يدعو الدول العربية والإسلامية للتعاون في
...
-
هل تعتقد أن اغتيال المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي فكرة جيدة
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|