أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله عبدالرحيم - اللاعنف (قصة قصيرة )














المزيد.....

اللاعنف (قصة قصيرة )


عبدالله عبدالرحيم

الحوار المتمدن-العدد: 4284 - 2013 / 11 / 23 - 15:03
المحور: الادب والفن
    


اللاعنف
حين اعتلى المنصة شعر ان جميع احلامه تحققت ، القاعة الكبيرة التي اكتضت بزملائه واقرانه الذين يحملون هموم الامة كانت تهتز بالتصفيق وضجيج التهاني الممزوج بالغبطة والحسد ، لم يكن يتصور وهو يؤلف كتابه الاخير - اللاعنف - انه سوف ينال به جائزة الامة الكبرى ، تلك الجائزة التي يحلم بها جميع زملائه الذين كرسوا مواهبهم وقدراتهم الفكرية للدفاع عن الحريات ونبذ العنف . لقد اعتلى هذه المنصة كثيرا قبل هذه المرة ، لالقاء خطب عن الحرية او محاضرات تنمي افكار نبذ العنف في المجتمع او لنيل الجوائز والشهادات التقديرية ، لكن هذه المرة تختلف كثيرا ، انه النجاح الكبير الذي يغبطه عليه حتى المفكرون الكبار الذين يعتبرهم اساتذته . اعتلى المنصة وهو يحضن الجائزة الكبرى في نفس القاعة المغلقة التي شهدت نجاحاته الكثيرة ونجاحات زملائه والسابقين لهم . الابواب موصدة ، لم يفكر احد يوما بفتحها ، وربما لم يلتفت احد ان لهذه القاعة ابواب اصلا ، وسبب ذلك هو انكبابهم على العلم والمعرفة بجدية ومثابرة لتقديم الافكار والحلول الرصينة بصورة ابداعية رائعة تستحق التقدير والاحترام ، والاشادة والشهادات والجوائز ايضا .
النوافذ مختبئة خلف ستائر سميكة ، صممت لكي تفضي على القاعة منظرا راقيا جميلا فقط ، حيث ليس لها علاقة بالاضاءة او التهوية او حتى بمعرفة الليل من النهار ، مصابيح دائمة التوهج تخفي ظلمة الانغلاق ، افواه حرة تتدفق الكلمات منها متى تشاء حيث لاوجود لجنود الصمت ، الهواء معطر بذرات الثقافة والعلم والفن والابداع والرقي ، القاعة مكتضة بالناجحين والنجاحات والابداعات والحرية واللاعنف ، كل شئ يوحي بالنجاح والتفوق .
عندما بدأ ببيان موضوع كتابه الجديد ارتفع التصفيق وهز الجدران . حتى ايدي الحاسدين تصفق بحرارة ، لا احد يستكثر عليه نجاحه الكبير لان الكل يعلم انه اكثر ابداعا واكثر اخلاصا لقضايا المجتمع ، والدليل على ذلك - حسب التصنيف الوطني - هو كثرة الاصدارات والمؤلفات التي اغنى بها مكتبة القاعة المغلقة ، وكذلك الخطب الرنانة التي كان يلقيها ببراعة فائقة ليمتلك بها مشاعر السامعين وربما عقولهم ، ومحاضراته التي يحرص على حضورها اكبر المبدعين والمفكرين في الامة وربما نال بها حضوة المسؤولين ايضا .
يرتفع ضجيج التصفيق كلما قرأ شيئا جديدا من صفحات الكتاب الناجح الى ان اصبح الضجيج كالرعد المجلجل لكي يتناسب والكلمات القيمة الرصينة الممتلئة بالابداع والفطنة والمعرفة . لم يلتفتوا حين تمزقت الجدران شيئا فشيئا من شدة التصفيق الا بعد ان تحطم جدار القاعة المقابل للمنصة ، عمّت القاعة فوضى كبيرة وصراخ وضجة مرعبة وتزاحم واضطراب ، كل منهم مشغول بنفسه ، يتحرك ويزاحم ويصرخ ويناشد لوحده ، لايدري ماعليه ان يفعل .
ولكن في لحظة واحدة ، هرع الجميع ، مسرعين نحو الجدار المهدم ليعيدوا بنائه خائفين مذعورين ، وذلك لما انتبهوا الى ان ذرات الابداع بدأت تتسرب الى الخارج مبتعدةً عن المنصة مع ذرات الهواء التي اختلطت مع الهواء الخارجي الملوث بالجهل والتخلف ، ومع الاضواء المختنقة التي هربت لتختفي بين الظلام بينما التصقت بشحوب باقي الاضواء التي مازالت تعصرها المصابيح الخاصة على الجدران والاثاث والكتب . هرعوا مسرعين وعيونهم وجلة تنظر الى الخارج ، ليل بهيم ، ووجوه شاحبة مرهقة ، افواه تحولت الى معتقلات موصدة تعتقل فيها جنود الصمت الكلماتَ ، بسبب الخوف والرعب الذي امتلأ به قلب الواقع المرير الذي تكور مرعوبا يرتجف خلف جدار القاعة ، كان يصرخ منذ سنين ، يتوسل ان تفتح له الابواب ولم يكن احد يسمعه ، لان صراخه اختفى بين ضجيج التصفيق الى ان ارهق وتلاشت قواه وصوته .
هرعوا مسرعين ليعيدوا بناء الجدار ويمنعون الواقع من ان تطأ قدماه ارض القاعة فيلوثها بجراحاته العميقة ، فدخوله يمثل لهم مشكلة حقيقة ، لانهم بذلك سوف يصبحون ويمسون على نوحه وبكائه بدل صدى التصفيق الذي يستشعرون بسماعه لذة عميقة وكذلك ربما يلتهون عن المنصة بمعالجته ومداواته .
في تلك اللحظات بدا مذهولا وهو يقف على المنصة كالتمثال ، يحضن جائزة الامة ، ينظر في الظلام الى الواقع الذليل وهو يتوسل ويتذرع بالمبدعين الذين يسرعون في اعادة بناء الجدار غير ابهين به .
اكملوا الجدار وتنفسوا الصعداء ، التفتوا الى المنصة ليستأنفوا الاحتفال بالنجاح لكنهم لم يشاهدوا امامهم غير الجائزة الكبرى ، لقد تركها لهم على المنصة ، وفتح احد الابواب الموصدة بوجه الواقع ، وخرج يلملم فشلهم بين الزوايا الخائفة في الظلام .



#عبدالله_عبدالرحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القلم (قصة قصيرة )
- درب الوئام ( قصة قصيرة )
- أنه الغد ( قصة قصيرة )
- شمسنا مازالت تشرق (قصة قصيرة )
- محاكمة داخل الانا (قصة قصيرة)
- هوجر وديامس (قصة قصيرة)


المزيد.....




- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله عبدالرحيم - اللاعنف (قصة قصيرة )