أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله عبدالرحيم - هوجر وديامس (قصة قصيرة)















المزيد.....

هوجر وديامس (قصة قصيرة)


عبدالله عبدالرحيم

الحوار المتمدن-العدد: 4264 - 2013 / 11 / 3 - 00:04
المحور: الادب والفن
    


هوجر وديامس
زحزح هوجر جذع كبير كان يغطي فتحة جحره المحفور داخل شجرة عملاقة ، تسلل بعض الضوء الى الداخل ، تفرقت طيور كانت مجتمعة حول الشجرة وقربها ، اختبا ثعلب خلف شجيرات قريبة كان ينهش ببقايا حيوان مقتول منذ ايام ، استطاعت الشمس ان تتسلل من خلف الغيوم لتنشر ضوءها على الارض التي تبللت بالماء في الليلة السابقة .
قبل ان يهم بالخروج ، تطلعت عيناه بحذر خارج الجحر وخلف اغصان الاشجار القريبة حيث سماء غابات افيرون الفرنسية البعيدة . اردف الجحر خلفة حاملا رمحا بدائيا لايفارقه منذ زمن ، وبالتحديد منذ حادثة الشاطئ التي عاد بعدها الى جحره وهو يمسك باحد الاغصان القوية من غير ان ينتبه ، هذا الغصن تحول بعد ذلك الى الرمح الذي لايفارقه وكانه احد اعضائه . اما اخوه التوأم فيكتور فقد كان في نفس هذا الوقت قد تعلم الاكل بالشوكة والسكين في بيت ايتارد.
كان فيكتور اوفر منه حظا ، فقد عثروا عليه منذ خمسة سنوات وهو الان يعيش مدلالا بين احضان ايتارد ، فمنذ سبعة عشر عاما تخلت عائلة التوأمين عنهما وتركتهما في غابة افيرون وهما رضيعين ، لااحد يعلم كيف بقي فيكتور على قيد الحياة ، اما هوجر فقد تولت رعايته احدى الحيوانات مع صغارها في ذلك الجحر ، ولما كبر صغارها وتركتهم كالعادة ، تخلت عنه ايضا ، شق صغارها طريقهم ولم يبقى هناك ثمة رابط يربطهم بها ، اما هوجر فقد بقي فترة من الزمن يحاول اللحاق بها ولما ياس من تقبلها له ، صار يقف في اوقات محددة خلف الاشجار القريبة من الشاطئ ، ينتظر مجيئها لتشرب الماء وتظل عيناه جامدتين نحوها ، لكنه بعد فترة ينشغل بفرك عينيه المبللتين على طريقة الحيوانات ، وعندما يعاود النظر باتجاهها تكون قد رحلت .
اما بعد حادثة الشاطئ ، حين انقض عليها التمساح الجائع ، امام عينيه ، كان هوجر يركض نحوها بغصنه ، والتمساح يسحبها تحت الماء بفكه . بعد تلك الحادثة بالذات ، اشتدت الاضطرابات اكثر واكثر ، بين نفسة الانسانية واجهزة دماغة المعطلة ، حتى اهتزت اجهزة في راسه لم يستطع ايتارد تحريك مثيلها في راس ايفون .
عندما ابتدا يومه الجديد ، واردف الجحر خلفه حاملا رمحه ، برك خلف شجرة قريبة قابضا على رمحه بقوة ، ، وهو يجيل نظراته بين الادغال ، اقترب خنزير بري ، مضت لحظات ، جفل منطلقا نحوه ، صوب رمحه وحشره بين اجزاء راسه ثم سحب فريسته مبتعدا عن المكان ، وقرب الجحر اخذ ينهشها بشراهة .
انقضت ساعات ، كان يجول بنظراته بين الفراغات وهو يمشي بخطى واسعة ، وحين اكتشف انه يقترب من الشاطئ ، ويسمع تلاطم وارتجاج امواجه ، ارتعد واهتز جسده وهرع مسرعا وانكمش داخل حفرة ضيقة خائفا مذعورا ، كعادته منذ حادثة الشاطئ ، بيد انه لم يعلم ان الصوت هذه المرة ليس بسبب حركة التمساح وانما بسبب حركة قارب الانقاذ ، لقد انتشروا في الغابة ، يحاولون العثور على ديامس ، ابنة ايتارد الوحيدة ، الباحثة التي افترقت عن الفريق العلمي الاستكشافي قبل ساعات وظلت طريقها وتاهت عنهم في الغابة .
بعد ساعات عاد مهرولا صوب مخبئه وعندما دخل تراجع مذعورا ، ان شيئا ما تسلل الى داخل جحره ، كانت ديامس تنكمش داخل جحره خائفة مذعورة وتلصق بجسدها المبتل تماما بجداره ويداها اللتان ترتجفان بشدة تحاول جاهدة ان تتمسك بهذا الجدار ، صرخ صرخته التي تشبه الزئير وهو يرفع رمحه القوي بوحشية مثل كل مرة حين يرى احد الحيوانات داخل جحره ، لكن فزعها الشديد وارهاقها الاشد حبس صوتها وشل حركتها ، فواجهته بنظرة يائسة متوسلة ، وبالصدفة التقت عيناها بعينيه قبل ان ينزل رمحه ، رمحه الذي وكانما تمسك بشيء مجهول فلم يستطع ان ينزله ، حاول ، ضاعف قواه وهو يحدق الى عينيها المتوسلتين ، احس بان جسده يرتج ويداه ترتجفان ، لكن عينيه بقيتا ثابتتين لاتتحركان ، اصابعه بدات تتراخى ، انزل ذراعه الممتدة وتراجع الى الخلف ، ومضى مسرعا تاركا الجحر .
رمى بجسده العاري خلف شجرة قريبة مذعورا مضطربا يلهث بقوة ، جسده يرتج اكثر ودقات قلبه تتسارع .
كانت السماء تمطر وهزيم الرعد المجلجل عاد مرة ثانية ، ظلت عيناها ثابتتين نحو فتحة الجحر ، تراخت اصابعها التي كانت تتمسك بالجدار ، جسدها بدأ يهدأ ، دقات قلبها بدات تتباطأ ، كأن الخوف انتزع من جسدها فجأة ، وتلاشى عنها الرعب الذي خيم على كيانها منذ افتراقها عن الفريق ، لم تعد تتذكر الاحداث ، لماذا جاءت ، وكيف ستعود ، اصبح التركيز لديها يبدو شيئا مستحيلا ، شيء مجهول سلخ ذاكرتها ، وشل تفكيرها ، وجعلها تحس بامان مريح في هذه الغابات المخيفة .
نهضت ، اقتربت من الفتحة ، قطرات المطر كانت تتسارع خلف فتحة الجحر ، اطلت براسها على الخارج حدقت الى الغابة ، كانت الظلال تملا ارجاءها ، والمطر قد البد الحيوانات ، واوقف سيمفونية العصافير والطيور المستمرة ، فلم تكن تسمع غير صوت المطر المنهمر وهو يصطدم باغصان الاشجار وبالارض ، ظلت لحظات تتامل ذلك السكون .
من وراء شجرة قريبة كان يرمق جسدها العاري ، كانه يحاول ان يجد تفسيرا لهذا الغموض العجيب الذي بدا يعيشه .
حين اطلت عيناها نحوه ، ظل هنيهة جامدا يحدق الى عينيها المتوسلتين ، خرجت حاولت الاقتراب منه ، لكنه هرع مسرعا تاركا مكانه ثم دوى هزيم الرعد .
من بعيد اخذ ينظر الى الشاطئ ويستشعر ضجيج امواجه الغاضبة ، تقدم خطوة ، اقترب اكثر ، كان يحس بان البحر سينفجر من الغضب ، لكنه تحدى خوفه ، لاول مرة ظل ثابتا في مكانه ، لكن وعلى اثر صوت الرعد الجديد ، تراجع وابتعد عن المكان .
في زاوية بين جدران الجحر الرطب ، جلست تصيخ السمع الى السيمفونية التي عادت تعزفها العصافير في الخارج ، حيث توقف المطر ، في هذه الاثناء سمعت صرخاته مجلجلة في الخارج ، نهضت فزعة واسرعت اليه وهي لاتعبا بما امامها ، قرب الشجرة القريبة كان مغمى عليه من جراء اصابة ، فقبل لحظات كان هائجا يضرب الاشجار برمحه ، يبدو ان الاضطرابات تتزايد ، سحبته الى الجحر بسرعة وبدات تعالجه ، لكنه مازال في غيبوبة عميقة ، حين استفاق ، رفع بصرة فاصطدمت عيناه بعينيها اللتين كانتا تحدقان الى وجهه ، فلم تعد الارض تحتمل جموده ، ارتعش بعنف ، وقد تشنجت يداه حاول ان ينهض فلم يستطع فالجرح مازال يوثقه ، دار على نفسه وهو يلوذ براسه بين ذراعيه ، اخذت اناملها تداعب جسده الساخن وشعره الاحمر الطويل ، احس بقشعريرة تجتاح جسده وتصعد الى شعرات راسه ، شيئا فشيئا واعصابه ترتخي بعد تقلص ، فاحست بانه ينام فعلا .
الليل بدا ينشر ظله على الغابة ، اصوات الحيوانات في الخارج تشق جراحا في صمت الليل ، زحزحت الجذع ، استلقت قربه وغرقت في النوم . بعد ساعات فتح عينيه لتصطدم بظلام دامس ، انتشل جسده من مكانه بصعوبة ، ظل ساهرا يعاند النوم الى ان تعالت اصوات كائنات الصباح الباكر ، استطاع ان يرى جسدها الممدد ، استدار ، توقف امامها ، على بعد خطوات ، ثم انحنى في ذهول ، مد يده وتحسس وجهها الناعم وضغط عليه مضاعفا قواه ، لكن سرعان ماانتشل يده وتراجع الى الخلف قليلا ثم ابتعد وهو يحدق الى عينيها المتوسلتين تراقبانه من جديد ثم مضى مسرعا الى الخارج .
الشمس ارتفعت مع اعمدة النهار ، اقترب من البحر اكثر وهو يدك الارض بقدميه ويرصد امواجه بعينيه اللتين كانتا تقدحان شررا ، اقترب اكثر ، واكثر من المرة السابقة ، تامله بغيض ، ثم جذب قدميه وعاد ليجلس قرب تلك الشجرة القريبة من الجحر ، لمح خنزيرا بريا صغيرا ، انتبه لرمحه ، فلم يجده معه ولاول مرة ، عاد واسند ظهره الى الشجرة وهو يعبث باصابعه .
ظلت طول النهار تبحث عنه في ارجاء الغابة وقرب الشاطئ ، دون جدوى ، فكرت عائدة الى الجحر بقنوط .
بدا الليل ينشر ظله من جديد ، جلست في زاوية داخل الجحر وعيناها تحدقان الى الخارج ، لحظات وتجلى طيفه قادما ، اسرعت اليه بشوق ولهفة ، ثم فجاة توقفت امامه ، على بعد خطوات ، اقترب منها قليلا ، سارت نحوه بخطى وئيدة ، مدت ذراعها نحوه في حركة متشنجة وبدأت تعصر اصابعة ، شعر ببرودة قاتلة تلتوي على قدميه وبانه لايستطيع بعد الوقوف عليها ، ضمته اليها وتذوقت ملوحة شفتيه ، وقضيا الليل سوية في ذلك الجحر المحفور داخل الشجرة العملاقة .
في الصباح ، فتحت عينيها لتصطدم بشعاعات الشمس المتسللة من الخارج ، قامت وهي تتثائب ، نظرت حولها فلم تجده ، خرجت ، بحثت عنه طويلا ، وعندما اقتربت من البحر ، وجدت جثته مرمية قرب الشاطئ ، لقد قتله التمساح بعد معركة طويلة ولم يستطع ان يسحب جثته بفكه المهشمة ، اقتربت من الجثة بذهول ، وراحت لحظات تحدق الى وجهه ، ثم امسكت يديه الباردتين وبدات تبكي وتبكي كطفل صغير ، فجاة ، انتشلت ذراعيها بقوة ، وتراجعت وابتعدت عن الجثة خائفة مذعورة ، نظرت الى الشاطئ ، الى الجثة ، الى الغابة ، لقد اصبح كل شيء امامها يتسع في ذعر ، فظلت تطلق صرخات هستيرية وهي تستغيث متوسلة ، يبدو ان بعض فريق الانقاذ الذين مازالوا يبحثون عنها سمع صوتها ، تجمعوا حولها ، لقد نجحوا في انقاذ الباحثة التائهة اخيرا ، حاولوا تدثيرها ونقلوها الى القارب ، عادت تئن بهستيرية وفي عينيها اكثر من توسل غريب لم يعرفوا كنهه ، تذكرت الليلة الماضية ، فراحت تتحسس جسدها وبطنها وتحاول الابتعاد عنهم وكانها تحتفظ بشيء ثمين تخشى ان يخطفه منها احد .



#عبدالله_عبدالرحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله عبدالرحيم - هوجر وديامس (قصة قصيرة)