النضوج - عن كتاب (مُجتمعي) قراءة في ما يراه المجتمع مثالياً

احسان العسكري

الحوار المتمدن-العدد: 4284 - 2013 / 11 / 23 - 13:09
المحور: الادب والفن
    

Maturity
النضوج لغةَ: هو النمو والتكامل بين جسد وفكر وسلوك الانسان لتحديد وتطوير شخصيته . اما الشخصية فتحددها جميع افكار وسلوك وتطور ونمو الانسان .
يُحكى ان شاباً طيب القلب له صديقٌ مقرب واراد هذا الشاب الطيب ان يتزوج فسال صديقهُ عن امرأة يمكن ان تعوض له ما فاته من ريعان شبابه وهو يعمل كادحاً ليجني قوت يومه وفي داخله يقول : صديقي هذا اكبرُ مني سناً وهو لاشك سيرشدني الى (ابنة الحلال) وحين سمع صديقه طلبه هلل وزمر وتقافز فرحاً وقال له "على هذا الخبر الحلو اليوم عازمك على نفر كباب" ذهبا الى المطعم وتناولا عشائهما واذا بصديقه يهمس له في اذنه "فلانة" لا اجد غيرها مناسبا لك . وجرى السعي للحصول عليها على قدمٍ وساق من اهله الذين عارضوا في بداية الامر فكرة انه صديقه اختارها له وكانت رجوى والدته ان تختار هي له من ستشاركه حياته او على الاقل هو من اختار ليكون مسؤولا عن اختياره . المهم بعد سجال مع اهل الفتاة تم الاتفاق وكان صديقه هو الاكثر حضوراً في قضية زواجه وهو الذي ادخله على زوجته بيديه. وكما هو شائع في مجتمعنا توسعت الخلافات بين الزوجة وحماتها وكثرت وكبرت المشاكل واصبح الامر لا يطاق فلجأ الى صديقه مرة اخرى طالباً منه ان يجد له داراَ يستأجرها ليسكن فيها هو وزوجته التي لما تتهيأ لان تعطيه وريثاً بعد . وحصلا على الدار وانتقل اليها وكان صاحب الدار رجلاً كهلاً اتخذ من احدى زوايا الشارع دكانا صغيراً يمضي به وقته ويكسب منه عيشاً اضافياً وكان صاحبنا يخرج كعادته كل يوم ويعود لبيته مساءاً وفي طريقه يمر على دكان الرجل فيشتري منه حاجات منزله ويمضي لزوجته التي تستقبله بابتسامتها المعهودة المصحوبة بكلمة ترددها دائما " تعبانه" وفي يوم من ايام عودته مساءا مر على الدكان واشترى عشاءا لكن صاحب الدكان لم يكن لديه فكةّ المال فقرر الشاب ان يترك المبلغ عنده ويرجعه لبيته حين ميسرة ومضى لبيته وفي اليوم التالي جاء كعادته واشترى اشياءا من صاحب الدكان ولم يعطه المال فقال صاحب الدكان "اسجلهن عمي" فقال لم تسجلهن على حسابي وانا لي عندك مبلغا من المال تركته البارحه ,هل اوصلته لبيتي ياعم ؟ فقال الرجل نعم وخرج لي اخوك الاكبر واعطيته المبلغ في البداية رفض لكني الححتُ عليه فاخذه فتعجب الشاب من كلام الرجل اذ لا اخا له ! من هذا الذي في بيتي يستقبل ضيوفي في غيابي ؟؟ دفع للرجل حقه وعاد لبيته فاستقبلته زوجته وفي صباح اليوم التالي خرج كعادته واتي لصاحب المحل سائلاً ياعم هل انت متأكد ان اخي اخذ منك الباقي ؟ فقال الرجل نعم اخوك الذي يسكن معكم فقال ياعم لا اخ لي يسكن معي ليس لي اخوة فقال ربما اخو زوجتك فقال ياعم اخو زوجتي يسكن في محافظة اخرى فقال الرجل ادخل يابني واجلس هنا وتخفى فسيمر بعد نصف ساعة وشاهده بعينك فهذا الشاب الاكبر منك سنا ياتي كل يوم بعد ان تخرج ويبقى في البيت الى ان تدخل وبعد دخولك بنصف ساعة يخرج .فجلس عن صاحب الدكان واذا بصديقه يأتي ويدخل بيته دون ان يطرق الباب حتى فتعجب لما رآه واصابه الذهول لكنه تمالك نفسه والشيخ ينظر اليه ويقول "اذكر الله ابني " ستحل هذه المشكلة بعقلك ولا تحاول حلها بقلبك واستجمع غضبك ليوم الغد فان اعادها فانت حر التصرف وان لم يعيدها فلك ان تدعو زوجتك للتوبة او ان تطلقها فلم تصنك ولم تحمِ بيتك ولم تكِ كفؤا ابدا. وفي اليوم التالي عاد الشاب وتخفي في دكان الرجل وجاء صديقه كعادته ودخل البيت فلما استقر حمل الشاب نفسه والرجل يمسك بيده وبيده الاخرى آلة ودخل البيت فجأة فوجدها في حالة تلبس بالخيانه فظرب صديقه على رأسه ظربة افقدته وعيه واسقطته ارضا وامسك بزوجته واوثقها كتافاً وأجلسها ثم اوثق صديقه كتافا وافاقه واعطى الرجل مبلغا من المال وقال ياعم هل لي بان تحضر لي "نفر كباب"؟ فذهب الرجل واحضره واحضر هو سلاحاً يحتفظ به في بيته فوضع الطعام امامهما وطلب منهما ان يأكلا الطعام بعد ان فك وثاقهما وهددهما بقوة السلاح ان يفعلا ما اراد ففعلا فلما فرغا قال لصديقه اخرج من بيتي واياك ان تتكلم بشيء مما تفعله وان كنت تكلمتَ فامضِ وكذبه وانت اذهبي الى اهلك واطلبي الطلاق وغدا سارسل خلفك مالك بذمتي اذهبي فانت طالق وخرج كليهما من الدار وقال الرجل الكهل له انت اكبر مني واعقل والله لو كنت مكانك لما تصرفتُ هكذا’ وجرى الطلاق وانتهى الامر وتزوج الشاب بامرأة اخرى هي ابنة صاحب المنزل الذي وهبه له اكراما لعقله ولمروءته التي ابت فضح زوجته وفي يوم من الايام سُمع في الحي صوت اطلاق نار وحركة للشرطة فركض الجميع واذا برجل قتل زوجته وعشيقها بعد ان مسكهما متلبسين بالجرم فوقف الشاب على رأس الرجل الذي اجبرته الشرطة على احنائه ونظر اليه عن كثب واذا به صديقه فاسردع ودخل الغرفة فاذا بها زوجته السابقة وبجوارها شاب يافع وقد غرقا بدمائهما ..فاقترب منه وقال اشتريتُ كرامتي "بنفر كباب" كنتُ ادينُ به لكَ واهلكتَ نفسكَ بما لاثمن له فامض واعلم انك كما تدين تُدان 0
في هذه القصة الحقيقية التي هي من واقعنا نرى ان النضوج الفكري والانساني والعقلاني عن الشاب كيف اسهم في تلافي فضيحة كبرى تلصقُ به وبعائلته مدى الحياة وكيف ان صديقه الذي خطط لكل هذه الجريمه وهو الاكبر سناً لما ينضج بعد فرغم سنه التي تفوق سن الشاب الا انه لم يكن على قدر المسؤولية التي يجب ان تتناسب مع عمره مفتقداً للحكمة وغير متحكمٍ بغضبه فاودى بنفسه واثنين معه الى التهلكة
هل انا ناضج ؟
هل انا عاقل ؟
ماهي ملامح عقلي ونضوجي ؟
يجب ان تسأل نفسك هذه الاسئلة الثلاث في كل موقف محرج تمر به ’ يقول عالم الفلسفة اليوناني "انكسا غوراس" 500 ق.م :في تحليل للعقل البشري ((انا اعتبر العقلانية البشرية قوةً غير فيزيائية وغير جسمانية كلية , انها العقل الكلي , والعقل الكلي هو الذي ينتج الحركة في الاشياء التي تتسبب في تشكيل العالم))
لو احسست انك ناضجٌ كليا او عقلياً فعليك ان تضع نصب عينيك امرين اولهما هو انك في موضع يحسدك عليه غيرك وثانيهما هو انك حر التفكير وقد تلاشت امامك فكرة ان العصبية ناتجة من تفاعلات فيزيائية وكيميائية في جسم الانسان يرافقها تحرك لاشعوري مصحوب بحركات وايماءات جسدية ينتج عنها ثورة قد تحدد كيونة الانسان الغاضب او الهاديء المتحول للغضب , فحين تتلاشى امامك هذه الافكات وتضمحل في كوامن عقلك ستجد الاجابة الوافية بناءا على التصرف الذي تنوي القيام به لتجاري غضبك وتعبرّ عما بداخل من تفاعلات تعبيراً فعلياً وجسديا وثوريا .
اذاً انت ناضج 0
وان احسست بانك قادر على التحكم بغضبك وانفعالاتك كلها من حزن وفرح وغيرهما ستدرك انك اعقل مما كنت تتصور وانك قادر على ان تتعايش مع متغيرات الحياة وتقلباتها متخذاً لك مكانة الرهبة في المجتمع ولن تندم ابدا على تصرف تتصرفه فيما اذا امنت باجابة السؤالين آنفا
هنا ستبدو لك ملامح نضوجك الفكري والعقلي والانساني جلية وستدرك انك حقيقي بالكامل
- نعود لقصتنا البسيطة هذه ونسأل : مالذي يراهُ المجتمع مثاليا في مثل هذه المواقف ؟ والاجابة هنا تطول لكن الايجاز سيفي بالغرض المنشود فلو افترضنا انك في مدينة من كبرى المدن ولا قبيلة او حضوة تشابهها حولك ماهو التصرف المثالي السائد هنا ؟ سيكون ان كنت مدنياً خالصاً هو باللجوء الى القضاء والقانون واخذ حقوقك التي تعتقد بانها سُلبت منك وهذا مستحيل فنحن لسنا في الولايات المتحدة او اوربا نحن في مجتمع تحكمه الاعراف والتقاليد والتي اثرت حتى على القوانين التي تنظم حياتنا .اذن ما الحل المثالي ؟
- ستظطرُ لامرين احدهما ارتكاب جريمة لتنهي جريمة ’ ماذا تفعل ؟ انت ترتكبُ حماقة يا عزيزي انتظر هنالك حل يراه المجتمع مثالياً انتظر .انه القبلية فستذهب لقبيلتك وان تبعد عنك الاف الاميال ستذهب مظطراً لتدعوها لان تساهم معك في حل مشكلتك وسيقوم كبير القوم بارسال رسالة تهديد الى قبيلة خصمك وستجري الامور بسرعة وتنتهي بحصولك على مبلغ من المال غرامةً وتعويضا للضرر الذي لحق بك , انتظر هل ستبيع شرفك بهذا الثمن ؟ انت ترتكب خطأَ يا عزيزي ..سيقول لك عقلك الناضج هذا الكلام
ماهو الحل اذاً انت تشعر بغضب شديد وتريد ان تعاقب من اجرم بحقك كائناً من كان فهو بارتكابه هذه الجريمة يعدُ مجرما ويجب ان يحاسب على جريمته فالخيانة في القانون جريمة والزنا وماشاكله جريمة وفي داخلك ثورة غضب تكاد تفطر راسك ,ماهو الحل انت تغلي انت غاضب انت تتمنى لو كنت ميتاً تتمنى او انشقت الارض وابتلعتك تدور في رأسك افكار كثيرة ربما احداها ساقطعهما قطعا وارميهما للضواري ساحرقهما ساقتلهما.... انتظر انت على وشك ان ترتكب خطاَ ستودي بنفسك الى مصيبتين اولهما ستدخل السجن بقتلك لرجل غريب تسبب شخص مقرب منك بما هو عليه الان وستجد نفسك محاكما امام مثاليات مجتمعك ستدفع لاهل الزوجة اموالا طائلة فلايحق لك قتلها انت قتلت زوجتك دون بينة شاهدك لايكفي انت بحاجة لثلاثة معه يرون الفعل المنكر ..ماهذا ؟ اين انت الان . وفجأة يلعب النضوج دوره البارز في قضية هي من اخطر واصعب القضايا قمتُ باختيارها لك لانها لاتطاق فمجرد التفكير فيها مؤلم وقاتل .اقول لعب النضوج دوره وانقذك من الضياع وجعل غيرك ياخذ لك حقك ويعاقب نفسه عقابا شديداً جراء ما ارتكبه معك دون ان يشعر وانه باتباعه لمثاليات العقل البشري غير الناضج عرض نفسه لمثاليات المجتمع البائس الذي يبحث عن قضية يلهي بها نفسه لفترة من الزمن
اذن يتضح مما سبق ان النضوج هو سمة العقلاء والعلماء وهو لاشك سمة من سمات الانسان الكامل 0

#احسان_العسكري (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات