|
القضية (قصة قصيرة)
هانى مراد
الحوار المتمدن-العدد: 4282 - 2013 / 11 / 21 - 07:08
المحور:
الادب والفن
القضيـة
يفتتح أحد أهم البرامج اليومية الشهيرة فقراته بهذا العنوان المثير "غداً الحكم في القضية" وبعد فاصل موسيقي – الذى نسمع فيه صوت المذيع مصحوباً ببعض الصور والأفلام الوثائقية حول القضية – يعود البرنامج ليقدم التقرير التالي عن هذه القضية: كانت هذه القضية قد حظيت بإهتمام واسع من جانب الرأي العام في مصر منذ النصف الأخير من العام الماضي، وقد أحدثت القضية إنقساماً حاداً داخل المجتمع المصري بين مؤيد للدكتور"أحمد عبد الواحد" وبين معارض له. وترجع أحداث هذه القضية إلى منتصف العام الماضي حيث تم فصل أستاذ قسم الكهرباء بكلية الهندسة وهو الأستاذ "أحمد عبد الواحد" لقيامه بالتعدي على عميد الكلية بألفاظ خارجة وإتهامه له بالجهل العلمي بسبب رفضه رسالة الدكتوراه المقدمة من دكتورعبد الواحد، فما كان من مجلس الكلية إلا إتخاذ قرار بفصل السيد الدكتورعبد الواحد الذي ولمفاجأة الجميع لم يطعن في قرار فصله بل طعن في شرعية مجلس الكلية. وأقام دعوى يطالب فيها بحل المجلس القائم منذ عشرات السنين وإعتباره باطلاً لأنه إتخذ قراراً ضده. وطالب بأحقيته في رئاسة المجلس وجاء في حيثيات دعوته أنه يطعن في شرعية المناهج التي يقوم الأساتذة في كلية الهندسة بتدريسها، ويطعن في مصداقية جميع أساتذة الجامعة الحاليين ويتهمهم بإنحرافهم عن المنهج العلمى السليم الذي تسلموه من السلف الصالح وأنه بقي وحيداً يدافع عن المناهج العلمية الصحيحة التي أرسى قواعدها أساتذة الهندسة الأجلاء.. وقد تحولت هذه القضية من مجرد قضية خلاف شخصي بين أساتذة كلية الهندسة وبعضهم أو قضية بحث علمي داخل أروقة الجامعة، إلى قضية رأي عام يدلي فيها الجميع برأيهم وذلك لسببين: أولهما أن الدكتور عبد الواحد هو واحد من أبطال الرياضة في مصر. وقد حقق لبلاده الكثير من المراكز المتقدمة في الدورات والبطولات الدولية التى إشترك فيها، وكانت له شخصية كبيرة وسط محبي ومشجعي الرياضة في مصر، ولأن الدكتور عبد الواحد شخصية عامة معروفة، وأيضاً شخصية رياضية مشهورة فقد سلطت وسائل الإعلام الضوء على أحداث قضيته، التي أصبحت محور حديث الناس في كل مكان من أرجاء المحروسة. وقد اعتمد الدكتور عبد الواحد أسلوب أن الهجوم هو أفضل وسيلة للدفاع في هذه القضية. حيث رد على إتهام المجلس له بالطعن في مصداقية رسالته العلمية وموقعه في الجامعة بأن طعن هو الآخر في جميع أساتذة الهندسة الحاليين، وفي جميع المناهج التى يقوموا بتدريسها. كما قام بطبع منهج جديد يحمل توقيعه، ويحمل نظريات علمية مغايرة لتلك التي يتم تدريسها في الجامعة. وقفت جميع الأوساط العلمية ضد الدكتورعبد الواحد، بإعتبار أنه خرج عن الأعراف والتقاليد الجامعية. كذلك وقف جميع أساتذة وخريجي كلية الهندسة ضد ما وصفوه بتشويه تاريخ علم الهندسة والإنحراف به عن صحيح العلم على يد الدكتور عبد الواحد. كذلك أيضاً تضامن جميع الأساتذة الذين طعن في مصداقيتهم الدكتور عبد الواحد ليؤكدوا أنهم الأحق برئاسة المجلس، وإدارة شئون الكلية. وأن ظاهرة الدكتور عبد الواحد لا تعلوا أن تكون مجرد أحدى حركات التمرد والإنقلاب على الشرعية التي يجب التصدى لها بكل حسم حفاظاً على المبادىء والقيم داخل المجتمع المصري. على الجانب الأخر، اعتمد الدكتور عبد الواحد على وسائل الإعلام المؤيدة لموقفه وراح يهاجم خصومه بأسلوب لاذع، وإستغل نسبة الأمية الكبيرة داخل المجتمع المصرى، لينقل قضيته من الأوساط العلمية المتخصصة ليكون الحكّم فيها رجل الشارع البسيط الذي سينحاز بفطرته إلى لاعب الكرة لا إلى أستاذ الجامعة أو رجل العلم.. وغداة النطق بالحكم في قضية الدكتور عبد الواحد يسعدنا أن نستضيف اليوم في البرنامج رقم 1 على مستوى المشاهدة في مصر الأستاذ الدكتورعبد الواحد. يدخل الدكتورعبد الواحد بسترته الأنيقة إلى الاستوديو، يقف المذيع لمصافحته ويدوي تصفيق الجماهير داخل الأستوديو. المذيع: أهلاً بيك يا دكتور عبد الواحد. دكتو عبد الواحد: أهلاً بحضرتك يا أفندم. المذيع: يمكن السؤال اللي بيدور على كل لسان في مصر النهارده.. ياترى هيكون إيه الحكم بكره إن شاء الله؟ عبد الواحد: أنا شخصياً على حق. وعلشان كده أنا مش خايف من الحكم ولا غيره. واعتقد إن كل واحد في مصر من اللي بيحبوني حيقفوا ورايا مهما كان شكل الحكم. المذيع: بس المراقبين لأحداث القضية بتاعة حضرتك، ملاحظين إن كل المثقفين والمتعلمين مش متعاطفين معاك. إيه تعليق حضرتك؟ عبد الواحد: أنا عموماً يشرفني إن كل اللي إنحازوا لي مش من الطبقة الفاسدة اللي بتدّعى العلم، وبياكلوا مال اليتيم.. لكن اللي إنحاز ليَّ الناس الغلابة اللي أنا منهم وهم مني. واللي نا بدعوهم إنهم ينصروا الحق ويقفوا ضد الباطل. المذيع بضيق: بس كلامك ده معناه إنك بتحتكر الحق لحسابك.وبتقول إنك تملك الحقيقة المطلقة. عبد الواحد بإفتخار: طبعاً الحقيقة لازم تكون واحدة وواضحة. آمال يعني ممكن إننا نقول على الفجور إنه فضيلة. الحق بيّن والباطن بيّن. وموقفي هو الحق. واللى واقف معايا واقف مع الحق المذيع: أنت كده بتقول إن كل اللي مش معاك على باطل. عبد الواحد: طبعاً! ودي عايزة كلام؟ دول ناس هيدمروا المجتمع وبيعلموا مناهج مش أصلية تم التلاعب فيها. فلازم الناس كلها تقف ضدهم وما تسمحش ليهم إنهم ينشروا آرائهم، ودراستهم الفاسدة دي على الملأ. المذيع: لكن دي وظيفة الدولة، ومسئوليتها. وكمان الناس دي لازم ياخدوا فرصة يدافعوا عن نفسهم ويعرضوا وجهة نظرهم. القانون بيقول كده. إحنا في دولة مش في غابة علشان الخلق تمشى تلطش في بعض من غير دليل ومن غير إثباتات. عبد الواحد: الكلام اللي أنا بقوله هو أكبر دليل إنهم مزيفين وعايزين ينشروا مناهج مزيفة. وإذا كانت حبال المحاكم طويلة، فالناس اللي سامعاني عندها النخوة والشهامة إنها ما تسمحش لحد يبوّظ أفكار ولادنا وينشر الرذيلة. المذيع وقد شعر بالإحراج: الكلام اللي حضرتك بتقوله خطير جداُ يا دكتور. أنت بتدعو أنصارك إنهم يعملوا ثورة ضد المحكمة وضد النظام في البلد. عبد الواحد بلغة تحدى: هو النظام والمحكمة دول مش مفروض إنهم بيخدموا الشعب؟ خلاص.. يبقى الشعب هو اللي يقول كلمته. وأنا معايا الحق.. والحق أحق بأن يُتبع. المذيع: حضرتك عمال تقول معايا الحق.. معايا الحق. وبتتهم خصومك بإنهم منحرفين وحرفوا مناهج التدريس. ومعندكش دليل واحد على إتهاماتك أو حتى على براءة موقفك. عبد الواحد بغضب: إيه الكلام الفارغ اللي إنت بتقوله ده. انت كده مش نزيه وبتهاجمني من غير دليل. وكده إنت بتشوه صورتي قدام الرأي العام. وده معناه إنك واقف ضد الحق.
يهتف جميع من في الأستوديو ضد المذيع، ويقذفونه بالأحذية، ويهجمون على مكان جلوس المذيع ويضربونه بضراوة... يجلس الدكتور عبد الواحد في كرسيه صامتاً.. ولا يتدخل أحد لحماية المذيع. يستمر معظم من في الأستوديو في ضرب المذيع بصورة هيستيرية، حتى يلفظ المذيع أنفاسه الأخيرة ويموت في النهاية. ويتوجه عبد الواحد بكلمة إلى كل المشاهدين: اللي أنتم شفتوه هو مصير كل واحد بيتحداني. أنا بدافع عن الحق واللي ناوي يهاجمني ويقف قصادي، يبقى واقف ضد الحق ويستاهل يموت.. زي الأستاذ اللي شفتوه قدامكم دلوقت. إيه بقى رأيكم في القضية؟!
#هانى_مراد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دروس شخصية من تجربة الاخوان فى الحكم
-
التجربة الألمانية
-
عفواً جماعة الأخوان .. لن تنجحوا.. لن تنجحوا !!!
-
قصة قصيرة : رأيت في منامي ... المقريزي!!
-
مصباح علاء الدين
المزيد.....
-
-عاوزه.. خلوه يتواصل معي-.. آل الشيخ يعلن عزمه دعم موهبة مصر
...
-
هل تعلمين كم مرة استعارَت أمي كتبي دون علمي؟!
-
رئيس الهيئة العامة للترفيه في السعودية تركي آل الشيخ يبحث عن
...
-
رحيل الفنان المغربي مصطفى الزعري
-
على طريقة الأفلام.. فرار 8 أشخاص ينحدرون من الجزائر وليبيا و
...
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|