|
قصة قصيرة : رأيت في منامي ... المقريزي!!
هانى مراد
الحوار المتمدن-العدد: 3396 - 2011 / 6 / 14 - 22:43
المحور:
الادب والفن
رأيت في منامي ... المقريزي!!
بعد أن انتهيت من وجبة عشاء شهية دخلت لأنام. ورأيت في منامي فيما رأيت مكتب النائب العام رأيته جالساً على مكتبه يتحدث إلى أحد الصحفيين. الصحفي بشغف: باين سعادتك قدامك قضية جامدة.. صح؟! النائب العام: واحد مقدم بلاغ ضد مؤرخ مشهور اسمه المقريزي. الصحفي بحماس: عارفه يا افندم .. عارفه. النائب العام: بيقولوا إنه أتهم عمرو بن العاص والمسلمين بأنهم حرقوا مكتبة إسكندرية. صحيح الحكاية دي منتشرة جداً في الغرب. بس لما يطلع مؤرخ مسلم ويقول الكلام ده يبقى فيه كلام تاني. الصحفي بإهتمام: يعني شهد شاهد من أهلها. النائب العام: تمام .. وعلشان كدة.. قررنا نستدعي المقريزي ونواجهه بالكلام ده .. وإن شاء الله نِلم الموضوع. ما هو لازم يعرف إن الكلام اللي قاله يسيء للمسلمين في كل العصور وبيستخدمه أعدائنا علشان يشوهوا صورتنا. الصحفي متوسلاً: سعادتك ممكن تسمح لي بحضور المقابلة دي ... النائب العام: هو ده ممنوع ... الصحفي: أرجوك يا أفندم .. دي قضية جامدة جامدة. وقضية رأي عام، وقضية الأمة كلها، والناس لازم تتابعها. وكمان أنا مهتم بالموضوع ده على مستوى شخصي، أنا فعلاً عاوز أعرف الحقيقة.. النائب العام ضاحكاً: هي مهنتكم البحث عن الحقيقة ولا البحث عن المتاعب؟! هاها .. هاها. الصحفي: ما هو البحث عن الحقيقة بيجيب المتاعب. كمان أنا بعشق التاريخ وعاوز أعرف حقيقة الموضوع ده. النائب العام: ماشي يا سيدي .. أنا حعمل لك إستثناء لأنك صحفي محترم وليك اسم كبير. كمان لأن القضية تهم الرأي العام. بس أوعى تتدخل في سير القضية ولا تتكلم خالص مع المتهم. الصحفي بفرح: حاضر يا أفندم .. ومتشكر خالص على الثقة الغالية دي. يأمر النائب العام بإدخال المتهم.
يدخل رجلاً كبيراً في السن يرتدي ثياب القرن الرابع عشر الميلادي ويبدو عليه الوقار. النائب العام: اسمك وسنك ومحل ميلادك؟ المقريزي: تقي الدين أحمد بن علي المقريزي. مواليد القاهرة سنة 1356 ميلادية. النائب العام: 1356 ميلادية؟؟!! يعني ماكنتش معاصر لدخول العرب لمصر!!! المقريزي: معروف للناس اللي بتدرس تاريخ إن مش هو ده المقياس. يعني مثلاً أحاديث البخاري وغيرها إتجمعت بعد موت الرسول بأكتر من 200 سنة.
النائب العام:طيب.. أنت متهم بالإدعاء كذباً في كتابك "المواعظ والإعتبار في ذكر الخطط والآثار" قصة غريبة ملفقة مفادها إن العرب هما اللي حرقوا مكتبة إسكندرية على يد عمرو بن العاص وكمان بأوامر من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. ما هو جوابك فيما هو منسوب إليك؟ المقريزي: ممكن أقعد. يشير النائب العام للمقريزي بالجلوس. المقريزي: أصل المشوار اللي أنتم جايبيني منه بعيد أوي وتعبت على ماجيتلكم هنا. دي الدنيا أتغيرت أوي.. مالها بأت زحمة أوي كدة ليه؟! النائب العام: أرجوك خليك في موضوع القضية وبلاش تغير الموضوع. المقريزي: أنا التاريخ بشهد ليَّ أني راجل مدقق في شغلي ومش باقول أي كلام. والغريب قبل القريب يعرف عني الكلام ده. النائب العام: يعني أنت مصر على كلامك؟ المقريزي: طبعاً. النائب العام: حتى لو عرفت إن كلامك ده بيستخدمه أعدائنا في الغرب علشان يشوهوا صورتنا ويضروا بمصالحنا؟ المقريزي: أنا ماليش دعوى بالكلام ده.. أنا راجل باوثق الحقيقة... نتائج توثيقي تعمل أيه .. ده موضوع تاني. النائب العام: أسمع يا راجل أنت.. أنت قايل كلام يسيء للمسلمين وبيعرض سُمعة الدين بتاعنا للتشويه، وبتدي فرصه وسلاح في إيدين أعدائنا، وكمان من غير دليل. وأنا عندي معلومات وممكن أجيب شهود إنك قلت الكلام ده لأنك متعاون مع جهات أمنية مشبوهة وراها المخابرات الأمريكية والموساد، علشان يشوهوا صورة العرب والمسلمين. دي قضية جاسوسية وخيانة عظمى. دي تهمة ممكن توصلك لحبل المشنقة. إعدام يعني. ده غير إن الناس متضايقة منك أوي.. يعني ممكن يقطعوك.. إيه رأيك؟ المقريزي: أنا حدافع عن نفسي مرة واحدة بس ومش حعيد الكلام تاني. اللي أنا قلته عن مكتبة إسكندرية قالوه مؤرخين كتير غيري من الغرب والشرق. بس بما أنكم مش بتعترفوا بالمؤرخين الغربيين واللي كتير منهم ذكر الحكاية دي، فكتير من المؤرخين المسلمين قالوها كمان. منهم ابن النديم في كتاب "الغدير" وأبي فرج المالطي في "مختصر الدول"، وفي مقدمة ابن خلدون ذاكر نفس الشيء وقايل أمر خطير إن المسلمين اتخلصوا من مكتبة الفرس لما دخلوا بلاد فارس، وده ثابت تاريخياً وأمر مش غريب عليهم. أنا مش فاهم أنتم زعلانين ليه؟ .. دي كانت حاجة منتشرة طوال تاريخ المسلمين.. موضوع حرق الكتب ده. النائب العام: شوف.. البلد هايجة وإحنا داخلين على أيام ما يعلم بيها إلا ربنا. والمعارضة بتتهم الحكومة والنظام أنهم متساهلين في حق الدين. وموضوعك ده عامل قلق كبير خصوصاً إن أعدائنا في الغرب بيستغلوه بصورة وحشة أوي وإحنا مش ممكن نسكت على الكلام ده. المقريزي: وإيه المطلوب مني؟ النائب العام: هو ده الكلام.. عموماً فيه حلول كتير... بس الأفضل إنك تنشر تكذيب لكل الكلام ده. يعني تقول مثلاً إنك ماقلتش الكلام ده وإنه منسوب ليك بالكدب. وتطلع تحكي حكاية تانية جديدة خالص تبرأ فيها المسلمين من موضوع حرق المكتبة ده. المقريزي: الظاهر أنكم مش عاوزين تستفيدوا من التاريخ.. مش هو ده الحل يا سادة. الحل مش تزوير التاريخ.. عمر العالم ما حيحترمنا وإحنا بنعمل كدة. النائب العام: الجماهير عندنا عاوزة كدة. المقريزي: عمرنا ما حنتقدم وإحنا ينحاول نرضي شوية ناس جهلة. يا أمة ضحكت من جهلها الأمم. مش قادرين نواجه الحقيقة. . خايفين نواجه نفسنا. حريقة مكتبة إسكندرية مش بس حدث تاريخي، ده حدث بيحصل كل يوم. حبس الصحفيين ده حرق مكتبة إسكندرية.. منع كتب من النشر ده حرق مكتبة إسكندرية.. إقامة دعاوى قضائية على أفكار كتب وأفلام ده حرق مكتبة إسكندرية.. عدم السماح بالرأي الآخر ده حرق مكتبة إسكندرية.. ده هو الإثبات إننا ننتمي لتراث عريق من حرق الكتب والمكتبات اللي مش بتعجبنا أفكارها ومش متوافقة مع ديننا. هدم تماثيل بوذا في أفغانستان ده دليل تاني على إننا إحنا المسلمين اللي حرقنا مكتبة إسكندرية باسم الدين. لو عايزين تقلبوا الصفحة دي.. افتحوا النوافذ للكتب والأفكار المختلفة. سيبوا للناس الحرية إنها تفكر وتكتب وتعبر عن نفسها. إنفتحوا على الغرب والشرق. أقروا الكتب في مختلف العلوم والثقافات والديانات. مش تقولوا إحنا مش محتاجين غير بس لثقافتنا وكتبنا. طيب ما هو ده الدليل على إنكم أنتم اللي حرقتم المكتبة.
يقرر النائب العام إخلاء سبيل المقريزي بضمان محل إقامته. ينصرف المقريزي... الصحفي: شكراً يا سعادة النائب العام. النائب العام: سمعت كلام الراجل الغريب ده. الصحفي: سمعت وعرفت اللي كنت عاوز أعرفه.
استيقظت من النوم وتناولت الصحيفة التي إعتدت قرائتها كل يوم. وجدت بها تحقيقاً مثيراً موثقاً عن دعاوى مرفوعة لمصادرة كتب ومنع أفلام ومسلسلات. ومطالبة بحبس كُتَّاب وإعلاميين وحتى مدونين شبان ودعاوى تفريق رجال عن زوجاتهم بسبب قضايا فكر. وتأكدت من مقولة أن التاريخ يعيد نفسه.
#هانى_مراد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصباح علاء الدين
المزيد.....
-
مترجمون يثمنون دور جائزة الشيخ حمد للترجمة في حوار الثقافات
...
-
الكاتبة والناشرة التركية بَرن موط: الشباب العربي كنز كبير، و
...
-
-أهلا بالعالم-.. هكذا تفاعل فنانون مع فوز السعودية باستضافة
...
-
الفنان المصري نبيل الحلفاوي يتعرض لوعكة صحية طارئة
-
“من سينقذ بالا من بويينا” مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 174 مترج
...
-
المملكة العربية السعودية ترفع الستار عن مجمع استوديوهات للإ
...
-
بيرزيت.. إزاحة الستار عن جداريات فلسطينية تحاكي التاريخ والف
...
-
عندما تصوّر السينما الفلسطينية من أجل البقاء
-
إسرائيل والشتات وغزة: مهرجان -يش!- السينمائي يبرز ملامح وأبع
...
-
تكريم الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في د
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|