نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1217 - 2005 / 6 / 3 - 09:41
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تتوالى الأحداث الصاعقة على المشهد السياسي الحافل بالكثير من المثيرات بشكل يجعلك تعتقد بأنك تتابع مشاهد لمسرحية واحدة متتالية الفصول لتصل إلى نهايتها التراجيدية الحتمية على النمط الإغريقي المعهود في تراث المأساة,وكما هو موضوع ومتصور في مخيلة واضع السيناريو. وهناك بعض المشاهد تبدو مألوفة ,ومعتادة وتأتي في سياقها التتابعي المنطقي العام ,ولكن وبنفس الوقت,هناك مشاهد وأحداث تبدو مقحمة إقحاما, وممجوجة, ولاتأتي في السياق ,ولكن لها هدف هام في الحبكة التي من المؤكد أن مخرجا واحدا يقف وراءها باستمرار. وهناك فصول, ومشاهد, وأحداث يتم تجاهلها, وحذفها عمدا, وربما التعتيم عليها قصدا, رغم أنها ربما تتمتع بنجومية و"درامية" ,وتأثيرات أكثر من المسرحية الأولى الي تسلط عليها كل الأضواء عندما لاتخدم فكرة العقدة ورؤية كاتب السيناريوهات .ولامانع أن تفصل,أحيانا, أحداث خاصة إن اقتضى تطور الحبكة. وأن كل الديكورات والمؤثرات و"الأضواء" تسلط باتجاه بؤرة واحدة لمتابعة هذا الحدث في هذا المكان بالذات,تمهيدا للوصول إلى الفصل الأخير الذي يمكن أن يتوقعه أي مشاهد بسيط ,بعد متابعة ولو لم يكن لديه أدنى فكر عن فنون وجنون السياسات.
وتعلم بأنك تراقب عملا محبوكا بدقة على يدي كاتب واحد, يحكم خيوط حبكته, بطريقة تجعلك تجزم بأن " واضع هذا السيناريو" هو واحد في كل الحالات. وكل مايأتي من أحداث يجب أن يخدم الحبكة الرئيسية بحيث تأتي النتيجة منطقية ,لابل ضرورية ولازمة في بعض الأحيان,ولن تفاجئ أي كان. فهناك أكثر من حدث بارز يشدك نحوه بقوة لاتستطيع مقاومتها ,ولكن بنفس الوقت لايمكنك إلا أن تربط فيما بين تلك الأحداث ,ولو كانت بعيدة عن بعضها جغرافيا,ومنطقيا ,وحتى زمنيا ,ولا خيط يربط بينها على الإطلاق.ولكن تصبح الأمور أكثر سهولة,وقابلية للتحليل والفهم عندما تعلم من الذي يتحكم,ويمتلك, كل تلك الآلات الإعلامية العملاقة,ومن يديرها ومن يقف وراء الستار,وأن عامل المصادفة البحتة في كل ذلك منفي تماما من الإعتبار, ,وأن وراء الأكمة ماوراءها,والعجلة تدور للوصول إلى المأرب الأهم في نهاية المطاف. ولاحاجة للتفكير والتحليل,والوقوف طويلا والحيرة طالما أن هناك مشجبا جاهزا لتعلق عليه كل المصائب ,والموبقات. ولابد من الإشارة إلى أن هناك أياد خفية,وغير بريئة تلعب لعبتها في الظلام,و تدفع ببعض المشاهد والأحداث, بعينها, إلى الواجهة, لكي يكون الرأي العام مهيأ ,في فصل لاحق, لتقبل المشهد الأخير الذي قد لايكون مفرحا, للجميع ,في أغلب الأحوال.
وتدرك عمق الكارثة والمأساة, حين تكتشف أن ليس لدى بعض الكومبارس البائسين أية أدوات ,أو إمكانية للرد, أو لإيصال أية رسالة ولو لمسافة لاتتجاوز لعدة أمتار,وأن الخواء يخيم على المشهد العام .وليس بالمقدور البتة, في الواقع ,سوى ترديد واستظهار تلك الأدبيات التي لقنهم إياها معلموهم في زمن تجمد وتحجر ومات,و يرفض أن تتحرك فيه عقارب الساعة,ولو ثانية واحدة, إلى الأمام .فهل يمكن القول الآن أن سلاح الإعلام قد أصبح أقوى وأمضى بكثير مما حاول البعض التعامل معه بكثير من الإهمال والإزدراء واللامبالاة,ويفعل أكثر مما تفعله المدفعية في ميادين القتال ,وأنه صانع كبير للأحداث ,ربما أكثر من دهاة الساسة,ومستشاريهم الإستراتيجيين الكبار .وأن صورة بسيطة ,أو خبرا, أو إيحاء يمكن أن يختزل الكثير من الجهود,والعمل , والمحاولات التي تذهب كلها سدى وهباء أمام قوة الصورة,وسحر الحدث المدروس ,وتأثير الإعلام؟وأصبحت العملية السياسية برمتها مرتبطة ارتباطا وثيقا بمقدار ماتملك من إعلام قوي,وكل شيء قد أصبح تحت رحمة وسلطة صناع الرأي المتلاعبين بالبلاغة والكلام.
هل هناك رابط أكيد وحاسم بين تفجير يودي بحياة ملياردير وزعيم سياسي ,أو صحفي وكاتب في جريدة واسعة الإنتشار , أو انفجار إرهابي لسيارة مفخخة في شارع مزدحم بالأبرياء,أو عبور إرهابي خلسة للحدود بغفلة عن الأنام, أو موت غامض لرجل دين بارز ,أو ربما برنامج إذاعي,أو حلقة فضائية مثيرة ,أوحدث إعلامي ,أو خبر صحفي مثير يسترعي التوقف والقراءة والإنتباه؟ وفوق كل ذلك ,تضخيم متعمد لبعض الأحداث. ولاضير وقتذاك بكمية الصدمة,وحجم الخسارات ,وتكاليف الإنتاج, ومهما اقتضت الضرورة من أثمان,طالما أنه يوصل للنتيجة المتوخاة. لكن هذا الرابط المادي ,ربما من الجزم القول , أن لاوجود له البتة على أرض الواقع ,ولكن يتم سرد الحدث,وترتيب المشاهد في المسرحية الآنفة الذكر ,لتخلق التناغم المطلوب ,و تجسيد الإيحاء المقصود,وتوصل رسالة تؤسس لقناعة شبه تامة لدى المتلقي بالتأكيد بوجود رابط مادي محسوس.
طبعا إنه لمن الغباء والجهل تماما, إطلاق الأحكام الجاهزة ,والتعميم عند قراءة ومتابعة أية أحداث,وعزوها مباشرة ,دون التحقق ,إلى هذه الجهة,أو ذاك الشخص بالذات.ومن الحماقة بمكان الحكم دائما من خلال مظاهر الأشياء التي يدفعها البعض للعيان,ولابد أيضا من البحث عن الأسباب ,والذرائع والحكمة لكل حدث من الأحداث. ولا مصلحة لعاقل الآن, على الأقل,في تعكير المياه والأجواء, وتأزيم الأوضاع,سوى المستفيد الوحيد الكامن في مكان ما,والذي ليس من الصعب التكهن ومعرفة هويته. ولايتصورن أحد أنه هناك أي مجال ,أو فسحة لارتكاب أية حماقات ,أو التصرف بعشوائية,واللعب بالنار في أجواء متوترة ,ومشحونة,وقابلة الإنفجار ,وهذا لايغيب ,بالضرورة ,عن بصيرة أحد, حتى الجهال .ولكن جموح الطغيان,وجنون القوة العمياء,وطيش المغامرين الأشقياء يفقد القدرة على التحكم بالأمور أحيانا والبقاء على المسار. وفي هذا الوقت الحساس بالذات لايمكن لمخلوق أن يضع قدمه بلا مبالاة,ودون أن ينظر أمامه, في حقل مليء بالألغام.لذلك لابد أن تكون كل الخطوات مدروسة بعناية فائقة ,تفاديا لأية مفاجآت.
ولقد أصبح في حكم المؤكد تماما, أن الأمور قد بدأت تأخذ أبعادا جدية, وخطيرة أكثر من أي وقت كان,وأن كل مايجري ,هو خدمة لغاية محددة , قد بدت تتضح ملامحها الآن,وأن هناك تصعيدا من أكثر من جهة في ظل وجود تصورات ومشاريع دولية ,قد تبدو أعمق مما يتخيله بعض الهواة.وأن عنصر المداعبة والمزاح والإستخفاف بالنوايا لابد أن يكون مستبعدا على الأقل في هذه المرحلة بالذات. ولابد من التعامل مع الموقف بحرفية عالية, في الوقت الذي لم تعد فيه ردود الأفعال التقليدية مجدية على الإطلاق.وأنه قد تنفلت الأمور بأية لحظة في مرحلة ما ,ويصعب السيطرة عليها بمكان,وقد يكون أيضا من الصعب التحكم ,وحتى التكهن بالنتائج التي قد تكون كارثية على الجميع عند ذاك.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟