أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد سالم - في ذكرى رحيل خوسيه ثيلا خامس وأخر نوبل إسباني للآداب















المزيد.....

في ذكرى رحيل خوسيه ثيلا خامس وأخر نوبل إسباني للآداب


خالد سالم
أستاذ جامعي

(Khaled Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 4262 - 2013 / 11 / 1 - 10:26
المحور: الادب والفن
    



في ذكرى رحيل خوسيه ثيلا
خامس وأخر نوبل إسباني للآداب

تحل بعد أيام ذكرى رحيل كاميلو خوسيه ثيلا خامس وآخر كاتب إسباني حصل على جائزة نوبل للآداب، كاميلو خوسيه ثيلا، والروائي والشاعر الذي شغل عالم الثقافة ووسائل الإعلام في إسبانيا أكثر من أي أديب إسباني آخر من معاصريه. ويذكره كثيرون بمشاكساته مع الصحفيين والطريقة التي اختارها لدفنه، إذ اختار شجرة زيتون مئوية، في الأرض التي قدم فيها إلى الحياة غاليثيا، شمالي غرب إسبانيا، ليوارى الثرى رفاته منذ اثني عشر عامًا.
شغل الجميع بنتاج أدبي متميز وبشخصية مثيرة للإعجاب والكراهية في آنٍ واحد. ورحل الكاتب الذي ترجمت أعماله إلى أهم لغات العالم ليصبح، بعد ثيربانتس مؤلف دون كيخوتي، أكثر مبدعي الإسبانية ترجمةً وأكثرهم إثارة لعلامات استفهام على تصرفاته الشخصية، من مشاجرات وتصريحات تخدش حياء الكثيرين إلى مؤلفات وتصرفات لا تقل في التجريح، من الزواج من صحفية شابة، يكبرها بأربعة عقود، إلى العمل رقيباً على المصنفات الأدبية والصحفية لنظام الجنرال فرانكو إبان الحرب الأهلية الإسبانية.
برحيله ترك كاميلو خوسيه ثيلا فضاءً رحباً من الأخبار الأدبية والاجتماعية التي يلهث ورائها قطاع واسع من المجتمع الغربي، في زمن ثقافة الفرجة، خاصة بعد حصوله على جائزة نوبل عام 1989 التي شحنته بطاقة وزخم كبيرين، إذ كان لا يكل عن إلقاء المحاضرات والمشاركة في مناسبات ثقافية واجتماعية عالية الأجر إلى أن وافته المنية . ودع هذا المسرح مخلفاً فضاءً لن يملأه أحد بسهولة في عالم الأدب والمجتمع الإسبانيين، تاركاً نتاجاً أدبياً غزيراً ثمرة شخصية جارفة، طرقتها إسبانيا ما بعد الحرب الأهلية، منقسمة على نفسها ما بين يمين متطرف ويسار جمهوري مهزوم في حرب أهلية طاحنة (36-1939)، مزقت أوصال البلاد، وأحالتها إلى التخلف والفقر والتصعلك الذي ستعكسه أعمال هذا الكاتب عبر قوته الفذة على الملاحظة والمراقبة ولغته الثرية المنقبة بين سطور القواميس وأمهات الكتب لتخرج جديدةً، مثيرةً، ولتعطي إلى الفن الروائي الإسباني طابعاً وقالباً قشيبين.
لا شك أن جذوره الإسبانية الإنجليزية الإيطالية لعبت دوراً حاسماً في تكوينه الثقافي وشخصيته المزعجة، الفجة، فأبوه إسباني من إقليم غليثيا –جليقة كما أسماها العرب، وأمه إنجليزية إيطالية، جاءت إلى هذا المنطقة، شمالي غرب إسبانيا، مع والدها سليل القراصنة الإنجليز الذي عمل في السكك الحديدية في إقليم غليثيا. وكان كاميلو خوسيه ثيلا ترولوك قد ولد في قرية إريا دي فلابيا، محافظة لاكورونيا، غليثيا، عام 1916، حيث عاش طفولة سعيدة، حسب اعترافاته، رغم أنه لم يكن طفلاً مريحاً للأسرة. ففي السادسة من عمره طرد من المدرسة الابتدائية لأنه قضم إصبع راهبة في مدينة بيغو. بعد هذه الواقعة أدخلته العائلة مدرسة اليسوعيين إلا أن أخلاقه الشاذة والمنافية للتعاليم حملتهم على فصله. وكان قد وصل السابعة عشرة دون أن يعرف القراءة والكتابة جيداً، ولم يبدِ اهتماماً ولا ميولاً للدراسة، إذ كان لا يدخل الفصل، مؤثراً التنزه والتأمل على حضور الدروس مع أترابه في تلك السن المبكرة.
لم يقتصر فشله الدراسي على مدارس محافظته، بل حمله معه إلى مدراس مدريد حيث انتقلت أسرته للعيش وهو في التاسعة. كان ينجح بالكاد ثم دخل كلية الطب، لكن ميوله الأدبية وشخصيته المتمردة حملاه على تفضيل دروس كلية الآداب، فترك الطب في السنة الأولى، لكن والده أصر على أن يكمل دراسته الجامعية ليعمل في قسم الجمارك، ثم أصيب بالسل، فاضطر إلى أن يلزم مصحة جبل نباثيرّادا، قرب مدريد، وهناك أدمن القراءة.
في تلك الظروف اشتعلت الحرب الأهلية الحرب الأهلية على يد الجنرال فرانكو، في 18 يوليو 1936، فالتحق بصفوف الجبهة الوطنية، اليمين المنقلب على النظام الجمهوري الشرعي، وعاد إلى لا كورونيا ليحارب في صفوفها، وخرج من هذه التجربة بأول كتاب له وهو في العشرين، ديوان "ماشياً على ضوء النهار المريب"، لكنه لم ينتشر حتى عام 1945. وبعد انتهاء الحرب، عام 1939، عاد إلى مدريد حيث التحق بكلية الحقوق، لكن شخصيته المتمردة حلمته على ترك الدراسة إلى الأبد بعد ثلاث سنوات من المواصلة.
بحث عن عمل يتعيش منه، فعينه النظام الفاشي رقيباً في الأربعينات، وهي إحدى النقاط السوداء التي لم يغفرها له المثقفون، خاصة اليساريين والمنفيين، رغم أنه برر موقفه في أكثر من مقابلة بأنها كانت وظيفة للعيش لا أكثر، مؤكداً أنه لم يقف ضد زميل. إلا أن كتاب اليسار والجمهوريين المنفيين كان لهم رأي منافٍ لما قاله هذا الرقيب الذي عانى من الرقابة مع ثالث كتبه وأوسعها انتشاراً، روايته "خلية الحل" (1951)، فاضطر إلى نشرها في الأرجنتين، قبلها كان قد بدأ ينتشر مع روايته الشهيرة "عائلة باسكوال دوارتي"،عام 1942، وكلتاهما ترجمتا إلى العربية، وإن كانت هناك مآخذ على هذه الترجمة من قبل البعض.
واصل كاميلو خوسيه ثيلا نجاحاته التي عقدها بروايته "La catira" التي حاز جائزة النقد عليها عام 1955. غير أن انتشاره بدأ يتسع في الفترة السابقة لحصوله على جائزة نوبل، فترة انتقاله للعيش في جزيرة بالما دي مايوركا، على مقربة من مصيف صديقه الملك خوان كارلوس، الفترة التي انتهت مع نهاية 1989، سنة النوبل، فبعدها سجل انتشاراً ثقافياً واسعاً في الصحف والمجلات الإسبانية. وأسس داراً للنشر مع شقيقه خورخي ومجلة أدبية تركت بصمتها في تلك الفترة، وتعرف إلى كتاب وفنانين إسبان وعالميين مثل ارنست همنغواي وروبرت غريفس وجوان ميرو وبيكاسو. ومن بين نجاحاته في تلك الفترة انضمامه إلى مجمع اللغة الإسبانية وهو في الثانية والأربعين، ثم حصد الكثير من الجوائز عن نتاجه في جزيرة بالما دي مايوركا، من بينها الجائزة الوطنية للآداب عام 1984، وجائزة بلانيتا 1994 عن رواية "صليب القديس أندرو" وفي العام التالي حصل على نوبل آداب اللغة الإسبانية، جائزة ثيربانتس، الجائزة التي ظلت عصية عليه، ربما لقلة حيائه وتهجمه عليها، إذ كان يعتقد أنه أحق بها من آخرين، خاصةً وأنه حصل على نوبل العالمية. وكانت صفاقته قد حملته على التصريح بأن جائزة ثيربانتس "يغطيها الغائط"، وزاد من صلفه أنه رفض أن يصاحبه أيّ من الفائزين بهذه الجائزة عند تسلمه لها في 23 أبريل 1996، رغم أنه إجراء متفق عليه في الدورات السابقة للحفل.
تمتع ثيلا بلسان لوذعي وحضور ذهني فائق مما جعله يختال ليقول ذات مرة "يمكن لأي شخص أن يتناقش معي أو يغضب لكنه لن يصاب بالملل". وكانت لديه ملكة إثارة العواصف والمنازعات، ففي إحدى المناسبات الاجتماعية، التي تردد عليها بانتظام بعد حصوله على النوبل، فوجئ الحضور بانقضاضه على صحفي، يعمل في المجلات الاجتماعية والفنية، باللكمات ويلقي به في حمام السباحة، والسبب أن هذا الصحفي نشر خبراً يقول فيه إن الأديب يتقاضى أموالاً باهظة عن محاضراته وأن زوجته الشابة، مارينا كاستانيو، جشعة تقف وراء نهمه للمال. لكن الكاتب نسي أنه قال إنه يحتاج إلى جائزة بلانيتا –حصل عليها عام 1994- لأنه وزوجته في حاجة ماسة للمال!!! وكانت هذه الجائزة السبب في توجيه تهمة الانتحال إليه على يد الكاتبة كارمن فورموسو التي رفعت دعوى قضائية ضده تتهمه فيها بانتحال كتابها "كارمن، كارميلا، كارمينا" في روايته "صلب القديس أندرو" وكلاهما تقدما في الدورة نفسها بالكتابين إلى الجائزة التي حازها ثيلا ترولوك، ولا تزال هذه القضية أمام المحاكم.
ومن تصريحاته الشهيرة بمناسبة فوزه بحائزة ثيربانتس "من يصبر في إسبانيا ينل ما يريد". وعن الجوائز بصفة عامة قال "الجوائز الأدبية الرسمية في الغالب مسيّسة بشكل فج، والتجارية معهرة في الغالب بشكل قبيح". وعن الفن الروائي الجديد قال "إنني أؤكد ما قلت في هذا الصدد: الفن الروائي الجديد يشكله روائيون يتعلمون أصول الدين".
لهذا فإن فجاجته ولوذعيته وكبرياءه لم تترك له الكثير من الأصدقاء بين أترابه، على عكس عالم السياسة في إسبانيا، فهو يميني الفكر، وكان صديقاً للملك خوان كارلوس، منذ أن كان يعيش في بالما دي مايوركا. هذا الوضع حمل الملك وعقيلته صوفيا وكافة أعضاء الحكومة المحافظة ورئيسها خوسيه ماريا أثنار على الحضور إلى المستشفى التي توفي فيها ورقد جثمانه في نعش ليقدموا العزاء إلى زوجته، بينما تغيب كتاب كثيرون لا يتقاسمون معه أفكاره ولا ميوله الفكرية والاجتماعية.
ومن المحطات الغريبة، الفجة، في حياته الاجتماعية طلاقه من زوجته روساريو كوندي، على أثر تعرفه إلى الصحفية الشابة سالفة الذكر، مما أثار حقد الزوجة السابقة، إذ كانت تنتظر أن تحصد معه ثمرة وقوفها ورائه طوال خمسة عقود وتتويجها بحضور حفل تسلمه الجائزة في ستوكهولم، لكنه آثر الشابة على العجوز وأنهى علاقته مع أم ولده الوحيد بالطلاق في العام التالي، وظل طيلة حياته دون أن يتعرف إلى حفيدته الوحيدة التي أعلنت عن حسرتها على عدم وجود كتاب في مكتبتها مهدى من جدها!!
حري بنا أن نذكر أنه عندما فاز الكاتب العربي نجيب محفوظ بجائزة نوبل عام 1988 أعرب ثيلا ترولوك عن امتعاضه لحصول "كاتب ينتمي إلى الثقافة العربية على هذه الجائزة الكبيرة". وفي مقابلة مع إذاعة إسبانيا الوطنية، بعدها بسنوات، سألوه عما إذا كان قد اطلع على الأدب العربي نفى ذلك بحجة أنه لا توجد ترجمة إلى الإسبانية لهذا الأدب! وهذا افتراء فبفضل حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل شهدت السوق الإسبانية نشاطاً لم تشهده من قبل في حركة ترجمة الأعمال الأدبية العربية إلى الإسبانية، بالإضافة إلى الترجمات الكثيرة للأدب العربي إلى اللغة الإنكليزية التي كان يجيدها خوسي ثيلا ترولوك.
هذا الموقف المتعنت من الثقافة العربية له مبرره، يكمن في أنه كان رئيساً لجمعية الصداقة الإسبانية الإسرائيلية منذ سنوات طويلة، وكان له دور في إقامة العلاقات بين إسبانيا وإسرائيل عام 1986. كما أنه كان بوقاً ثقافياً لإسرائيل التي زارها في أكثر من مناسبة محاضراً وحائزاً جوائزها الثقافية. غير أنه تصالح مع اللغة العربية قبل وفاته بقليل إذ تنبأ لها هي والإسبانية والإنكليزية بـأنها اللغات التي ستبقى على قيد الحياة في القرن الحادي والعشرين، بعد موت اللغات الأخرى!
وبعيداً عن طبيعته المشاكسة وشخصيته غريبة الأطوار فإن رحيله سيترك فراغاً لسنوات قد تطول، خاصة وأننا نعيش في زمن الافتقاد إلى العظام وترعرع قبائل الصغار والأقزام، وسط زحام العصر وانتشار ثقافة الدولار واليورو المتخمة وحروب العالم الثالث والبحث عن المخلوقات التي صنعتها وكالة المخابرات المركزية. سيخلده تاريخ الأدب الإسباني لتفتق قريحته الأدبية عن أعمال مثل "عائلة باسكوال دوارتي"، "خلية النحل"، "رحلة إلى منطقة القرية" من بين أعمال عديدة حملته إلى عالم الشهرة في رحلة ما بعد الحرب الأهلية، بينما كان رموز الأدب ممزقين بين المنفى الخارجي أو في منفى داخلي والعمل تحت لواء النظام الفاشستي المنتصر في تلك الحرب.
في تلك الأجواء الوخيمة اقتحم ثيلا ترولوك مسرح الرواية ليتسلم راية المجد من كتاب جيل الـ 27 الذين مزقتهم الحرب، وعلى وجه الخصوص من كتاب جيل الـ 98، وليحرك المياه الساكنة بنشاطاته العديدة التي شملت الصحافة وعالم النشر والبرلمان والرحلات الأدبية. ظهر بشخصيته المتعددة، الفكرية والأدبية والسياسية المثيرة، في بلد لم يكن بأحسن حال منه في تلك المرحلة من تاريخه، وانبثقت قريحته وشخصيته المنقبة ليمنح اللغة حيوية، وليتصدر قائمة أصحاب أحسن الأساليب اللغوية، باعتراف أعدائه قبل مؤيديه.
ظل حتى وفاته مليئاً بحيوية ورغبة في الحياة فوق الزمن والعمر، من هنا جاءت مشاكساته وتقلبات شخصيته وحضوره الاجتماعي الذي لا يتفق مع وضعه الأدبي وكل ما يرمز إليه، ليثبت أنه شاب، يقاوم الحياة وخطوب الدهر، لهذا سار ضد التيار وتزوج شابة في عمر حفيدته. كما أن مقابلاته الصحفية، وخاصة التلفزيونية، تضمنت فقرات لا يقدم عليها شاب في العشرينات. وعلى سبيل المثال، في مقابلة تلفزيونية مع الصحفية المشهورة مرثيديس ميلا، ضمن حديثه عن مهاتراته، أنه قادر على شفط لتر ونصف من الماء دفعة واحدة بشرجه.
ومن بين مؤلفاته العديدة هناك قاموس عن الكلمات الجنسية وآخر عن الكلمات السرية في اللغة الإسبانية، وهي أعمال خدشت حياء الكثيرين في تلك الحقبة، وإن لم تعد هكذا في إسبانيا اليوم التي يتصارع فيها الجميع على التلفظ بأكثر من هذه الكلمات.
كانت آخر كلمة تلفظ بها قبل أن يطلق أنفاسه الأخيرة: "أحبك يا مارينا". وقبلها بساعات شعر بأن الموت يداهمه إذ قال: "أعرف أنني أموت، لكن ليس بفعل الشيخوخة، بل من الحب". وهي كلمات تدخل عالم الشباب أكثر منه عالم كله في الخامسة والثمانين.
لقد رحل كاميلو خوسيه ثيلا ترولوك في صمت لم يتعود عليه المسرح الأدبي الإسباني وكأنه أراد أن يمحو الذكرى الفجة. مات من وصفه الناقد رفائيل كونتي "مالك كلماتنا، سيد آدابنا، فاتح كافة حدود تعبيرنا، مغتصب كافة القواعد المعمول بها، الإعصار الذي لم يكن قادراً على السيطرة على نفسه". لم يترك أحداً في هدوء، إذ إنه كان دائم المطالبة بحريته فوق الجميع. كانت حياته معركة شبه دائمة مع كافة أنواع عدم الفهم. كان بطبيعته محرضاً، لكن هذا التحريض كان من أجل الحصول على فضائه، على مساحة خاصة به في مسرح الأدب الإسباني والمجتمع، رغم أن البعض أكد أنه عمل من أجل حيز أدبي أكثر مما يتصور المراقب العادي.
مارس كافة أنواع الأجناس الأدبية من قصة ورواية وقصة قصيرة وشعر وسرح ومقال وكتب رحلات، غير أنه برز في مجال الرواية عن بقية الأجناس. إلا أنه منذ حصوله على نوبل لم ينشر سوى ثلاث روايات: "اغتيال الخاسر" 1994، "صليب القديس أندرو"، 1994، و"خشب البَقس" ، عام 1999، وفور وفاته أعلن عن وجود مخطوطة لرواية لم ترَ النور. لقد خصص جزءاً كبيراً، بعد النوبل، للمقالات الصحفية والمذكرات.
وشغل موقعاً منفرداً، لم يكن لأحد أن يجرأ على شغله سواه، في عالم الرواية لإسبانية طوال ستة عقود. وربما طول عمره أضر بنتاجه الأدبي أكثر مما أفاده، فقد جف مداد قلمه تقريباً من النوبل، إذا أخذنا في الاعتبار أن الروايات التي نشرها بعدها لم تضف له الكثير. وعالمه الروائي لم يطرأ عليه تطور كبير على المستوى الأخلاقي أو الفلسفي أو الفكري. يضاف إلى هذا أنه وضع نفسه في منظور مضاد للفكرة الإنسانية بمعناها الفلسفي، في إطار المجتمع والتاريخ والثقافة. إلا أنه منذ روايته الأولى "‘عائلة باسكوال دوارتي" أخذ ينخر في نخاع موضوع الحرب الأهلية الإسبانية الذي كان يحميه، مما حمله على منع نشر رواية "خلية النحل" لأنه صور إسبانيا وكأنها مقبرة يجلس عليها الجنرال فرانكو. أما "عائلة باسكوال دوارتي" فقد شرحت ريف إسبانيا في فترة ما بعد الحرب الأهلية بتخلفه والجور الذي يتعرض له الناس ممثلاً في بطل الرواية.
وفي مقدمة "خلية النحل" أقر بأن الإنسان السليم ليس لديه أفكار، مضيفاً أن الأفكار تقليد، نزوع في الرجوع إلى الأصل، ولا يمكن أن تكون ثقافة ولا حتى تقاليد، فثقافة وتقليد الإنسان مثل ثقافة وتقاليد الضبع والنملة، ليس لها أكثر من ثلاث وظائف: الأكل والتوالد وتدمير الذات. وأفكار بهذه الجرأة في تلك الفترة، من الحكم الأسود لإسبانيا، كان من شأنها أن تسبب له المتاعب والقليل من المساندة، خاصة وأن صاحبها كان يحظى برضا النظام السياسي.
رغم هذا لا يقدر أحد أن ينقصه شيئاً من قوة لغته وقريحته الفائقة وأسلوبه اللغوي المتميز. فكل أعماله تسير إلى الأمام في خط يستوعب تطورات عصرها والمستجدات التي أدخلها، مسجلاً تطور المجتمع والإنسانية، حاشداً إياها بمئات الشخوص الروائية الذين يلتهمون انتباه القارئ أو المشاهد الذي يجلس أمام الشاشة ليتابع وقائع هذه الأعمال التي تلقفتها السينما. كان يحيك الحبكة لينسج أمام القارئ خيوط العنكبوت التي تقوم بدورها باصطياد المخلوقات التي تعج بها الرواية في قالب إنساني يميزه عن الآخرين.
ويصل النقاد إلى أن ثيلا بتميزه هذا لم يكشف عن كل قراءاته والمصادر التي تأثر بها وصبها في أعماله، غير أنه ركز دائماً على الإنسان، خاصة إنسان عصره، إنسان القرن العشرين. كان جاداً في ملاحظاته لأكثر الأشياء أهمية وأبسطها :"كل شيء حولي يصيبني بالذهول: امرأة تنظر، طفل مصاب بالشلل، دجاجة تضع بيضة". أي أن كل شيء أمامه يمكن أن يتحول إلى مادة فنية. وكي يحدث هذا، يجب أن تتعرى الكلمة من الكثير من الأقنعة التقليدية التي تخفي حقيقة الأشياء، بما في ذلك القناع الأدبي. وبهذا وضع ثيلا ترولوك قالبه ومنظوره اللغوي ليشكل خصوصيته الأدبية وتفرده عن أقرانه وإن خدش حياء الآخرين لغوياً واجتماعياً بخروجه عن المألوف، مدغدغاً أطراف السريالية التي طرقها في أول كتاب له، وكان ديوان شعر يفيض بالسريالية، من هنا جاءت لمساته الشعرية على فنه الروائي.



#خالد_سالم (هاشتاغ)       Khaled_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حضارة الفرجة: صناعة الرموز الرخيصة وشيطنة الآخر
- زمن الفرجة: صناعة الرموز الرخيصة وشيطة الآخر البرادعي نموذجً ...
- نطاق خشبة المسرح بين التقليد والتجديد
- تطور حركة الإستعراب الإسباني
- الكاتب الإسباني أنطونيو غالا: الأندلس تتملكني، فهي الهواء ال ...
- تأثير نوبل نجيب محفوظ على الترجمة من العربية إلى الإسبانية
- عالم الأندلسيات محمود مكي يترجل إلى الآخرة من بلاد الأندلس
- الغيطاني وجدلية المجرد والمحسوس في -متون الأهرام- *
- الشاعر رفائيل ألبرتي : تأثرت بالشعر العربي الاندلسي وغارثيا ...
- الإسلاميون والديمقراطية في مفترق طرق
- سورية في قلب أم الدنيا
- الرؤيا في شعر البياتي
- لا تجبروا جيش الشعب المصري على أن يكون فاعلاً على غرار جيوش ...
- أزمة اللغة في -المسرح الجديد- في إسبانيا
- مشاهد بعد معركة الإخوان المسلمين
- العرب بين الإنتحار واللهو بتطبيق الشريعة: مصر على شفا جَرف ه ...
- من البنية إلى البلاغة في السميوطيقا البصرية
- التأليف الموسيقي في خدمة الصورة السينمائية (الخطاب الموسيقي ...
- توظيف وتطبيق العلامات المسرحية
- حركة الإستعراب الإسبانية من الداخل


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد سالم - في ذكرى رحيل خوسيه ثيلا خامس وأخر نوبل إسباني للآداب