أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - خالد سالم - حركة الإستعراب الإسبانية من الداخل















المزيد.....


حركة الإستعراب الإسبانية من الداخل


خالد سالم
أستاذ جامعي

(Khaled Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 4102 - 2013 / 5 / 24 - 09:08
المحور: المجتمع المدني
    


حركة الإستعراب الإسبانية من الداخل
غارثيا غوميث: دور اليهود لا يقارن بدور المسلمين والمسيحيين فى الأندلس

خالد سالم
كان للحديث مع شيخ المستعربين الإسبان اميليو غرثيا غوميث مذاق خاص يحمل إلى أذهان الكثير عبق الأندلس، وتاريخ العرب المشرق فى هذه البقعة من الدول العربية فى اوروبا، التى امتدت ثمانية قرون من العطاء للبشرية والتسامح وإنكار الذات طوال دهور من الازدهار، وهو مالم يستطيع نكرانه كل نزيه من مثقفى الغرب، ومن بينهم هذا المستعرب الإسبانى ورئيس أكاديمية التاريخ الملكية،والذى ينفرد بلقب شيخ المستعربين الإسبان، بلا منازع، منذ حقب طويلة.
كنت أشعر باحترام، وقدر من الرهبة عند الجلوس إلى هذا العملاق الذي خلف وراءه عالمًا مليئًا بالأسرار، كما لو كان أحد أمراء الأندلس فى أيامها المشرقة. كنت أتصوره ذا قسمات عربية، فقبل لقائى به قرأت لأحدهم أنه يشبه وزراء الأندلس، إلا أننى وجدته إسبانيًا أصيلاً، وذا صوت جهوري، يصدر من أعماقه، يدخل رهبة عند أول وهلة ربما ليعوض قصر قامته، واكتشفت أن هذا التشبيه ليس إلا نتاج الصورة التي نقلتها شرائط هوليوود عن العرب القدامى، فهذا الشبه بين غارثيا غوميث وأي وزير عباسي أو أندلسي مرجعه حاجباه الكثيفتان المعقوفتان اللتان تنمان عن صرامة وحذق وغموض العلماء.
أذكر فى أول مرة التقيته، فى مارس (آذار) 1987، حيث كانت تعم إسبانيا مظاهرات طلابية والشرطة تحرس مظاهرة داخل الحرم الجامعى، ضد الحكومة الاشتراكية، فتوقفنا عن التسجيل أمام ضجيج الطلاب، فكان رده الأني على ما يحدث بقوله: هل تعلم أن المظاهرات تقوم فى بلدان أوروبية ضد حرق بيت مهاجر شرقى أو عربى، وهو لحسن الحظ لا يحدث فى إسبانيا؟ وتساءل: هل تعرف سبب ذلك؟ وأجاب ، إننا ، الإسبان والشعوب الناطقة بالإسبانية، نشاطركم هذا الشعور الإنسانى بأن الإنسان واحد، فنحن مثلكم لا نعرف التفرقة العنصرية، وهى من الأمور التى ورثناها عن العرب، فإسبانيا وبلاد أمريكا اللاتينية لا تعرف العنصرية.
بيد أن دون إميليو (1905-1995) لم يكن يعرف أن شبح العنصرية سيطول إسبانيا بعد سنوات قليلة من أول لقاء. بعد أكثر من سبع سنوات، وفى أخر لقاء جمعنا ذكرته بتلك الحادثة، فكان جوابه مقتضبا: أننا نعيش فى عالم غريب، لم أعد أفهم ما يدور حولى.
عاصر كافة التحولات التاريخية والسياسية والثقافية التى شهدتها إسبانيا طوال القرن العشرين، ابتداء من حروبها فى المغرب،ومولد جيل الـ 27 الشعرى،والذى كان من بين رواده الشاعر فيديريكو غارثيا لوركا ورفائيل ألبرتى، والحرب الأهلية (1936 – 1939) ، والحكم المنفرد للجنرال فرانكو، وعودة الديمقراطية بوفاة هذا الديكتاتور فى 1975.
إلا أن الأهم من كل هذا، كان الدور الذى لعبه فى التعريف بالحضارة العربية فى الأندلس من خلال بحوثه وكتبه ومحاضراته فى الجامعات الإسبانية، فهو صاحب أول دراسة وترجمة عن الشعر العربى الأندلسى ،فى عشرينات القرن العشرين، فكان هذا الشعر بمثابة اكتشاف لمثقفى إسبانيا وعلى رأسهم جيل ال27 ، وهو الجيل الذى أفاد أعضاؤه من هذا الشعر العربى باعتراف رفائيل ألبرتى رفيق غارثيا لوركا والعضو الذي شرفت بلقائه في حوارات وندوات.
كل هذا جعل منه مرجعًا للأندلسيات فى إسبانيا واوروبا، لما يقرب من قرن، فأجيال من المستعربين تتلمذوا على يديه ودخلوا عالم الاستعراب من خلال دراساته وترجماته، وإن كان لبعضهم بعض المآخذ على هذه الترجمات. إضافة إلى بعض مواقفه اللاهوتية المحافظة إزاء دور الثقافة العربية فى إثراء الثقافة الغربية.
الحديث يطول لسرد منجزاته فى هذا الصدد، إلا أنه من الإنصاف الاشارة إلى أنه حصل على شهادة الدكتوراة فى الاندلسيات دون أن يتعدى اثنين وعشرين عامًا ، سافر بعدها فى نهاية العشرينات، إلى القاهرة ودمشق لتوسيع معارفه باللغة والأدب العربيين، وعاد ليؤسس مجلة "الأندلس" أقوى وأفضل مجلة متخصصة فى الدراسات الأندلسية التي ظهرت فى أوروبا حتى اليوم.
قائمة الجوائز والدكتوراه الفخرية التى حصل عليها طويلة،كانت أخرها جائزة"أمير استورياس" فى فرعها للاتصال والعلوم الإنسانية، التى حصل عليها فى 1992، عرفانا بدوره البارز فى التعريف بالثقافة العربية والإسلامية، وهى السنة التى شهدت احتفالات مرور خمسمائة عام على اكتشاف الرحالة كريستوفر كولمبس للقارة الأمريكية. وفى عام 1988 نال جائزة "بغداد" من اليونسكو لاعتباره أشهر المستعربين الإسبان. ويحمل الدكتوراه الفخرية من جامعات بوردو الفرنسية، والقاهرة، والجزائر، واشبيلية، وقرطبة، وغرناطة، وجامعات أوروبية أخرى.
تنقل فى العمل الدبلوماسى بين عدة عواصم بالشرق الأوسط، منها بغداد وبيروت وأنقرة وكابول، وأنجز خلالها جزءا كبيرا من كتبه ودراساته حول الحضارة العربية المشرقة فى الأندلس ، والتى لا تزال مرجعا للكثير من الباحثين، رغم صدور الكثير من مؤلفات الأجيال التالية لجيله.
كان يتمتع بعضوية مجمع اللغة العربية فى القاهرة ودمشق وبغداد والرباط، بالإضافة إلى عضوية المجمع الملكى للغة الإسبانية من عام 1945 ، مما جعله يستحق فى حياته لقب شيخ الاكاديميين والمستعربين فى إسبانيا.
وفى مصر درس على يد الدكتور طه حسين، وظلت تجمع بينهما صداقة حميمة حتى وفاة عميد الأدب العربى، إضافة إلى صداقته مع أعلام الفكر العربى فى مصر، ومن بينهم أحمد زكى باشا وتوفيق الحكيم وعباس العقاد.
تربو مؤلفات غارثيا غوميث على ثلاثين كتابا، بين الدراسة والترجمة ، يبرز بينها كتاب "الشعر العربى الأندلسى" (1929 ) و " خمسة شعراء مسلمون" و "عروض الموشحات الأندلسية" و "العروض الإسبانى" و " أبن قزمان" و "أشعار عربية على جدران ونافورات قصر الحمراء" وترجمة " طوق الحمامة" لأبن زيدون،اضافة إلى دراسات وترجمات عديدة للكتاب المعاصرين، من بينها يوميات نائب فى الأرياف لتوفيق الحكيم ، وكلها مراجع أساسية لكل مستعرب أو قارئ يريد الاقتراب من الثقافة العربية والإسلامية.
بيد أن كتاب "الشعر العربى الأندلسى" كان أكثر مؤلفات غارثيا غوميث تأثيرا على الحياة الثقافية الإسبانية، فمنذ صدور طبعته الأولى فى 1929 طبع أكثر من عشر مرات وترجم إلى لغات عديدة، وترك أثره على نتاج معظم شعراء جيل ال 27 الشعرى، الذى كان أبرزهم الشاعر الأسطورة فيديكو وإن كان غارثيا لوركا لم يعترف صراحة بتأثره بهذه القصائد الأندلسية التى ترجمها غوميث، فإنه من المؤكد لأنه أغتيل وهو فى عنفوان الشباب،فى بداية الحرب الأهلية الإسبانية عام 1936 – إلا أن صديقه رفائيل ألبرتى اعترف بذلك فى أكثر من مناسبة.
ورغم تقدمه فى العمر، ظل حتى أخر لحظ فى حياته يقوم بواجباته كمدير للمجمع الملكى للتاريخ، أضافة إلى أبحاثه، لكنه رحل دون أن يعرف أحد ما إذا كان قد أتم الدراسة التى كانت بين يديه عن التأثيرات العربية فى الأمثال الإسبانية. وظل صافى الذهن إلى أخر يوم فى حياته، وهو ما سيشعر به القارئ من خلال هذه المقابلة التى أجريناها معه قبل فترة قليلة من وفاته. فرغم كثرة التزاماته الاكاديمية، استقبلنا فى مكتبه بالمجمع، عملا بمعرفتنا الطويلة به والتى تعود إلى ما يقرب من عشر سنوات، ودار بيننا حديث طويل ، عن قضايا الاستعراب فى إسبانيا.
التزاوج وليس الصهر
عن تجربته الفنية فى عالم الأندلسيات وما قدمه للثقافتين العربية والإسبانية، قال:
" أود بادئ ذى بدء أن أشير إلى أننى عملت طيلة حياتى الاكاديمية، التى تمتد إلى سبعة عقود،من أجل التزاوج بين الحضارتين، وليس صهرهما،على أساس من التفاهم والتسامح والاحترام المتبادل، من منطلق أن التفاهم هو الصيغة الوحيدة التى يجب أن تحكم العلاقات بين المسلمين والاوروبيين، فمن الملاحظ أن الفترات التى شهدت انزواء ظاهرة سوء التفاهم والنزاع حل محلها تعارف واحترام متبادلان بين الطرفين".
وفى هذا السياق أكد أن العالم الإسلامى يفهم العالم الغربى أكثر من معرفة الغرب بالإسلام وبحضارته، وإن كان الرأى العام الغربى قد تغير كثيرًا فى نظرته إلى الثقافة العربية عما كان عليه الوضع عندما بدأ دراسة هذا التخصص فى جامعة مدريد المركزية،إذ أنه لم يكن هناك سوى قلة قليلة من المثقفين تتقبل الثقافة العربية، فالغالبية كانت تتنكر لها وتتعالى عليها. وردا على ما تردده بعض الأبواق الغربية المغرضة من أن العالم العربى والإسلامى عالم مغلق، قال:
"كلا، فالإنسان العربى والمسلم من أكثر البشر انفتاحا على الآخر، بمعناه المباشر والفلسفى، إنه يقدر الصداقة أكثر من غيره، وفى هذه النقطة نلتقى نحن الإسبان معكم، إننى أبنى مواقفى هذه على خبرة السنوات الطويلة من العلاقة مع أصدقائى العرب،فهم كثيرون، وكثيرا ما تناقشت وتجادلت معهم حول كل هذه الأمور، ولم أجد منهم سوى الحوار والمناقشة بصدر رحب" هذا ويعترف غارثيا غوميث بفضل الحضارة العربية على الغرب، مؤكدا أنه "لو لم يكن الحضور العربى فى الأندلس وما أفرزه من حضارة مشرقة طوال ثمانية قرون، لما وصل الغرب إلى ما وصل إليه الأن، بل كان عليه أن يبدأ من حيث انتهى الرومان والإغريق. لكن أوروبا التى رفضت فى البداية الإقرار بفضل العرب فى هذا المجال، اضطرت إلى الاعتراف به على مضض بعد أن أصبح من الصعب،بل من المستحيل،حجب الحقيقة عن البشرية أو إنكارها".
وعن محاولات إبراز العنصر اليهودى فى التراث الأندلسى والإسبانى كما يحلو للبعض الحديث عن الثقافات الثلاث فى الأندلس: الإسلامية والمسيحية واليهودية،رفع حاجبيه مستنكرا، وقال: "بقدر ما لدى أصدقاء عرب لى أصدقاء يهود، وهذا يعنى أننى لا أجامل أحدا أو أخالف الحقيقة، إذا قلت أن اليهود يبالغون فى الحديث عن إسهامهم فى حضارة الأندلس، فدور اليهود لا يقارن بدور المسلمين ولا بدور المسيحيين،لهذا فإن الحديث عن ثقافات ثلاث فى الأندلس يخالف الحقيقة والموضوعية،فلا يمكن المساواة أو المقارنة بين الدورين العربى و اليهودى،من منطلق أن العرب كانت لهم السيادة والغلبة فى كافة المجالات،كانوا حكام البلاد وسادتها، بينما اليهود كانوا أقلية لم يحكموا الأندلس، وأقصى ما وصلوا إليه فى سلم الحكم هو رئاسة الوزارة فى غرناطة".
واستطرد يقول "يجب الأخذ بعين الاعتبار أن اليهود لم يتمتعوا بسلطة سياسية، أضافة إلى أن أدبهم ،قمة رقيهم حينئذ، لم يصل إلى مستوى الأدب العربى الأندلسى،ففى الكثير من الأحوال نقلوا عن الأدب العربى،ولم يبرزوا إلا فى الشعر الدينى وكان ذلك تحت تأثير الشعر العربى. لكل هذا فإن المقارنة بين التأثير أو الحضور اليهودى والحضور العربى فى الأندلس أمر مرفوض علميا وإنسانيا".

حكاية كتاب
عن كتابه "الشعر العربى الأندلسى" والضجة التى أثارها، قال:
"تعود حكاية هذا الكتاب إلى فترة اقامتى فى مصر، فكانت تجمعنى صداقة قوية مع أحمد زكى باشا،مما سمح لى بالإطلاع على مكتبته الزاخرة بكتب التراث، والتى تنازل عن جزء منها للدولة أودعه فى الخزانة الزكية بالغورية، وكان من بين الكتب التى احتفظ بها فى منزله صورة مخطوط لكتاب"رايات المبرزين" لأبن سعيد الأندلسى،ومنه أعطانى نسخة حيث كانت بداية هذا الكتاب.
وفى القاهرة كنت أدرس المخطوط بمساعدة أحمد زكى باشا حيث كنا نخصص له ساعة كل أسبوع،فهو كان أول من ولج فى عالم الشعر الأندلسى،ثم تبعت خطاه فى هذا الطريق.
بعد عودتى إلى إسبانيا بدأت فى نشر بواكير هذا الكتاب فى مجلة أوكثدنتي Occidente التى كان يرأس تحريرها مؤسسها الفيلسوف خوسيه اورتيغا آى غاسيت. وفى عام 1929 صدرت أول طبعة، وتوالت الطبعات بعد انتهاء الحرب الأهلية فى 1939 حتى اليوم.
لاقى هذا الكتاب نجاحا واسعا فاق توقعاتي، والسبب أن نشر هذا النوع من الشعر كان شبه مجهول فى إسبانيا،فأخر ترجمة نشرت فى إسبانيا تعود إلى نهاية القرن التاسع عشر وكانت ترجمة عن الألمانية، أى ترجمة عن ترجمة أخرى، وهذا ليس علميا، إلا أنه انتحل فى مناسبات عديدة بالإنجليزية والألمانية والسويدية، وأذكر أننى كنت ذات مرة فى السويد، فوبخنى أحد الأصدقاء لنشره بأسم مستعار، وكانت مفاجأتى أن أحد الكتاب السويديين ترجمه ووضع أسمه عليه،ثم تكررت نفس الحادثة فى بريطانيا.
وتصادف نشر الكتاب مع الاحتفال بالذكرى المئوية الثالثة لوفاة الشاعر القرطبى لويس دى غونغورا (1561/1627)، ومعروف أن هذا الشعر الإسبانى يلتقى فى الصورة واللغة مع الشعر العربى الأندلسى. وكان ذلك الحديث نقطة انطلاق ومولد جيل ال27 الشعرى،فكانت لحظة مناسبة ظهوره مواتية لكى يتلقفه شعراء الجيل الجديد، وبشكل خاص ألبرتى ولوركا".

مشكلة معقدة
لم نرد أن نفوت الفرصة دون الحديث عن تأثير الشعر العربى الأندلسى على أعضاء جيل ال 27، فسألناه عن مدى صحة هذا الأمر،إلا أنه رد مكتفيا بالإشارة إلى أنها:
"مشكلة معقدة لا يريد الخوض فيها،فهذا الأمر متروك للباحثين، فقد قرأ كل الناس هذا الكتاب،وكان يلتقى مع المواضيع التى كان يعالجها الشعر الإسبانى فى تلك الفترة. إلا أن الكثيرين من شعراء هذا الجيل اعترفوا صراحة بقراءتهم لهذا الشعر وبإعجابهم به، ومن بينهم رفائيل ألبرتى،على عكس لوركا الذى كانت تربطنى به صداقة حميمة والذى لم يعترف بذلك رغم أن الباحثين أقروا تأثره بهذا الشعر العربى الأندلسى"
- قرأنا تصريحات لعدد من الشعراء الإسبان،مثل خوان رامون خيمينث ورفائيل ألبرتى،ومفادها أنهم استحسنوا ترجماتك للشعر الأندلسى،واستقبلوها فى حينها استقبالا منقطع النظير، وأنهم تدارسوها، فما هى النقاط التى أثارت اهتمامهم فى هذا النوع من الشعر العربى؟
وكان رده: يجب أن أشير إلى أن الشعر العربى الأندلسى لا يمكن مقارنته بكثافة وإتقان شعر المشرق العربى،ففى الأندلس لم يوجد المتنبى ولا أبو تمام ولا البحترى.كان نوعا أخر من الشعر،يمكن أن نطلق عليه تسمية شعر إقليمى داخل الإسلام، إذ أنه لا يتمتع بالقوة التى نجدها،على سبيل المثال، فى شعر المتنبى الذى أعتبره من أحسن الشعراء العرب واستمتع بقراءته أكثر من أى شاعر آخر.
كانت مسألة الاستعارة وقوتها فى الشعر العربى الأندلسى أهم ما أثار اهتمام الشعراء الإسبان المعاصرين،فكانت هذه هى النقطة التى تركت أثرا واضحا فى نتاجهم الشعرى. الاستعارة وقوتها فى التعبير والوصف تختلف تماما عن الاستعارة القديمة أو التقليدية،فالشاعرية الكلاسيكية نجد فيها استعارات مثل الورد والزنابق والسوسن،ولكن فى الشعر الأندلسى نجد استعارات مثل الخرشوفة والباذنجانة،فالباذنجانة ولونها المميز بعنقها الأخضر ،استخدمها الشعراء الأندلسيون لتشبيهها بقلب بين مخالب نسر.هذا بالاضافة إلى إقامة مقارنة على أساس التفاوت فى الاحجام، فمركب صغير بمجاديفه فى الميناء أو فى ساح البحر يشبهونه بالعين والاهداب، وهى صور لا توجد فى شعر ثقافات أخرى،فكانت مصدر اعجاب واستحسان الشعراء الشباب حينئذ.
- من الملاحظ أن القصائد المدونة على جدران ونافورات قصر الحمراء أصابها بعض التشويه والتآكل، نتيجة تقادم الزمن وعبث بعض الأيدى التى حاولت إعادة كتابتها، فكيف عالجت هذه المشكلة عند ترجمتها إلى الإسبانية حتى تصل إلى القارئ كما هى عليه فى كتابك" أشعار عربية على جدران ونافورات الحمراء" ؟ هل ترجمت الأشعار على ما كانت عليه أم جرى ملء هذه الفراغات لتصبح هذه الأبيات؟
وقال في هذا الصدد: ولكن ترجمة الموريسكى ألونسو ديل كاستيو لها فى عهد الملك فليبى الثانى سهل إعادة ملء الفراغات وتصحيح ماهو مشوه أو مزور.
كانت هناك سابقة أخرى على ترجمتى ،قام بها المستعرب اميليو لافوينتى الكانترا حيث نشر كتابا عن أشعار قصر الحمراء، إلا أنه ملئ بالأخطاء ،وإن كان ذا قيمة علمية لا بأس بها. كل هذا سمح لى بترميم ما محى بفعل عوامل التعرية الطبيعية وامتداد اليد البشرية إلى هذه التحفة التى تزين جبين الحضارة العربية فى الأندلس.
بيد أنه يجب أن ألفت النظر هنا إلى أن قصر الحمراء يعتبر غاية فى الضعف من ناحية البناء،ومن الغريب أن يكون قد تحمل مرور السنوات وعوامل التعرية ، إلا أنه لا يوجد فى العالم العربى قصر مدنى يرجع إلى عصر بناء الحمراء،هذه المسألة عالجتها فى كتاب نشرته فى منتصف الثمانينات فى المعهد المصرى للدراسات الإسلامية بمدريد.

من المؤسف أنه لم يبق كثير من المواد النبيلة التى استخدمت فى تدوين هذه الأشعار،إذ كانت مكتوبة بالذهب على خلفية من اللازورد المسحوق، ولكن الذهب واللازورد اختفيا ولم يبق سوى معجون المرمر،لذلك كان من السهل ترميمها. وهناك حكايات معروفة عن بعض المرممين الذين قاموا بهذه المهمة دون أدنى معرفة بالعربية...!
بيد أن هذه الأبيات لا تمثل أهمية أدبية كبيرة،فكانت أشعارا لخدمة ظروف معينة، وإن كانت لا تخلوا من الجودة الشعرية خاصة أبيات أبن زمرك، التى تفوق أشعار أبن الخطيب، فمن المعروف أن الأول كان يتفوق على الأخير من الناحية الشعرية،حيث أن شهرة أبن الخطيب اقتصرت على براعته كمؤرخ وليس كشاعر. من الناحية العروضية والنحوية والزخرفية كانت هذه الأبيات متقنة. أعتقد أننى استطعت اصلاح جزء كبير فى كتابى السالف الذكر.
- معروف أن ترجمات أبن عربى والحلاج، وما كتب عنهما فى فرنسا أثارت اهتماما كبيرا فى الأوساط الثقافية الفرنسية والعالمية،فى حين أن كتابات المستعرب الإسبانى القس آسين بلائيوس عن أبن عربى ظلت محصورة فى النطاق الإقليمى، وعن هذا الأمر يقول:
"من المنطقى أن تكون الدراسات الفرنسية قد لاقت رواجا وانتشارا على المستوى العالمى أكبر من مثيلاتها الإسبانية.إلا أن كتاب أستاذى آسين بلائيوس حول التأثيرات الإسلامية فى الكوميديا الإلهية لدانتى تخطى الحدود،فقد نشر عشية الاحتفال بالذكرى المئوية لدانتى مما أكسبه أهمية وزاد من وقعه فى العالم، وخاصة فى إيطاليا، وبعد وفاة بلائيوس نشر كتاب"المعراج" الذى ترجم فى عهد ألفونصو الحكيم،من قبل مترجمى مدرسة طليطلة للترجمة، وتوجد منه نسخة فى الفاتيكان وأخرى فى جامعة أكسفورد، وهو كتاب يؤكد نظرية آسين بلائيوس.
إلا أن الدراسات التى كتبها آسين بلائيوس عن أبن عربى لم تنل نفس الأهمية والاهتمام فى الخارج لأنه توفى دون إتمام دراساته،إضافة إلى أن له نظرية لم ترق للكثير فى كتابه "الإسلام النصراني" عن أبن عربى، وتدور هذه النظرية حول وحدة الثقافة فى العالم، أى أن الإسلام نهل من ثقافة العالم الكلاسيكى،ومن الشرق الأقصى وبلاد فارس، وقام بهضم هذه الحضارات ليعود ويحملها إلى العرب عبر الأندلس فاكتملت الدائرة.
وهذه النظرية صحيحة جزئيا،ولكنها لم تعجب الكثيرين حينئذ.الفرنسى المشهور لوى ماسنيون تتلمذ على يد آسين بلائيوس، ولكنه معارضا لهذه الأطروحة، ولا يعتقد فى تأثر الإسلام بالثقافات الأخرى، فعلى سبيل المثال كان ماسينيون يرى أن الصوفية تولدت وخرجت من الإسلام ذاته دون أى تأثير خارجى. وكرس حياته لدراسة " الحلاج " ولكنه لم يجد من ينافسه فى هذا المجال أو يعارض نظريته بهذا الصدد، وله كتاب عن الحلاج لايزال مرجعا أساسيا ولا يوجد كتاب يحل محله رغم مرور أكثر من ستين عاما على تأليفه.
وعن المريسكيين وإسهام العرب فى اكتشاف القارة الأمريكية قال:
قضية الموريسكيين مؤلمة على كافة المستويات، سواء بالنسبة للموريسكيين أو بالنسبة لنا نحن الإسبان،إلا أنه يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن فكرة الدولة الأوروبية الحديثة ظهرت فى إسبانيا،وكانت فكرة متنافرة مع وجود الموريسكيين، وفى نفس الوقت كان هناك تفهم لوضعهم من قبل الكنيسة وطبقة النبلاء، وكانوا أول من دافع عنهم.
على أى حال الشعوب العظيمة هى التى تستفيد من تاريخها،ولا يوجد شعب فى العالم دون فترات سوداء فى تاريخه، والموريسكيون يمثلون هذه النقطة فى تاريخ إسبانيا.
وبالنسبة للإسهام العربى المباشر فى اكتشاف القارة الأمريكية فلا توجد وثائق تؤكد هذه المقولة، وإن كان البحارة الإسبان قد أفادوا من العلوم الفلكية والبحرية العربية فى رحلة الاكتشاف.



#خالد_سالم (هاشتاغ)       Khaled_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مكان الطقس في سميوطيقة العرض
- السارد في المسرح
- سميولوجيا العمل الدرامي
- الشاعر أوكتابيو باث في ذكراه:على العالم العربي أن يبحث له عن ...
- المسرح والخيال
- عبد الوهاب البياتي محلقًا عبر أشعاره وحيواته في العالم الناط ...
- مسرحية -القبيحة- وتقاليد إسبانيا العميقة عبر إقليم الأندلس
- الصراط المستقيم وتخلف العرب المبين: الهنود الحمر نموذجًا
- ألفونصو باييخو: التقاء الكتابة والطب في البحث عن الواقع المع ...
- نصر أبو زيد الغائب الحاضر وتجار الشنطة الجدد
- شعر المنفى عند عبد الوهاب البياتي ورفائيل ألبرتي: إلتقاء وإل ...
- هوية مصر العربية بين أصالة الصفر واستلاب -الزيرو-
- إطلالة على الحضور العربي في شعر رفائيل ألبرتي
- قصة ابن السرّاج نموذج للأدب الموريسكي في إسبانيا
- حلم ربط ضفتي البحر المتوسط عبر مضيق جبل طارق بين الواقع السي ...
- مسرحية -رأس الشيطان- نموذجًا للتعايش في الأندلس العربية تأمل ...
- لاهوت التحرير وموقفه من الشعب: الشاعر والأب إرنستو كاردينال ...
- كنت شاهدًا على التجربة الإسبانية في المرحلة الإنتقالية
- كان ياما كان


المزيد.....




- الرئيس التونسي: تدفق غير طبيعي للمهاجرين على البلاد لا يمكن ...
- الأمم المتحدة: المساعدات -محجوبة- عن غزة مع إغلاق المعبرين ا ...
- تفاؤل بشأن الاعتراف بدولة فلسطينية في الأمم المتحدة
- اعتقالات جديدة بأميركا والحراك الطلابي يتوسع بأوروبا
- نيويورك تايمز: اختلافات طفيفة بين مقترحي حماس وإسرائيل حول و ...
- مسؤولة إغاثة ترصد لـCNN صعوبات يواجهها الفلسطينيون للإجلاء م ...
- -الأونروا-: العمليات في معبر رفح ستوقف دخول المساعدات لكافة ...
- وسط تحذير من مجزرة.. الأمم المتحدة: إخلاء رفح قد يمثل جريمة ...
- -رايتس ووتش- تقول إن غارة قتلت 7 مسعفين في جنوب لبنان -غير ق ...
- الأونروا: الجوع الكارثي بغزة سيزداد سوءا حال استمرار استمرار ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - خالد سالم - حركة الإستعراب الإسبانية من الداخل