عادل جبران
الحوار المتمدن-العدد: 4260 - 2013 / 10 / 30 - 21:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يزخر تاريخ البشرية بالعديد من الزعماء و القادة العظام الذين كان لهم تاثير في مسارات العديد من الدول و الجماعات الانسانية،و يتارجح هذا التاثير بين زعماء صنعوا امجادا لبلدانهم و مجتمعاتهم و آخرين جروا شعوبهم الى حروب و ويلات كان لها الاثر البليغ في تلك الحقب من الزمن. و لا يزال التاريخ يجود علينا بعينات مختلفة من الزعماء باختلاف ايديولوجياتهم و قناعاتهم و طموحاتهم التي تجسد في غالب الاحيان انصهار مجموعة من المؤثرات و المحددات،لعل ابرز تجلياتها تقاطع الديني و الاثني التي تنهل من وقائع تاريخية من اجل تصريف مخططات و خدمة اجندات معينة.
لقد اختلف الفلاسفة و الباحثون في تحديد صفات خاصة و معينة في الزعيم غير انهم يجمعون على صفات لابد من توافرها،تتلخص في مدى قدرته على تكييف الظروف لصالحه خدمة للمصلحة العامة شريطة التزود بالمعرفة و المهارات،و كذلك القدرة على الجمع بين الفكر و العمل و القوة لتطبيق نظرياته فالزعيم يرتبط ظهوره كرمز للبلاد من خلال ما راكمه من تجارب و مواقف هدفها الاسمى هو خدمة الوطن تحت يافطة قضايا كبرى تتعلق بالحرية و الاستقلال و العدالة و الاستقرار و الأمن.
الزعيم عملة نادرة عبر التاريخ البشري،فوصف الزعيم لا ينطبق إلا على قلة قليلة تتميز بقدرات و مواهب قيادية جسدية و فكرية و نفسية متفردة،و هذا لا يخالف ما نقوله بخصوص الحالة المغرية ،فالزعماء الذين تعاقبوا على مر التاريخ الحديث للمملكة كانت لهم صفات تميزهم عن باقي الأشخاص العاديين استطاعوا أن يفرضوا أساليبهم و مكانتهم في الحقل السياسي المغربي باعتمادهم على مواهب قيادية كارزماتية فكرية و معنوية أمثال(علال الفاسي المهدي بن بركة عبد الرحيم بوعبيد..).شخصيات كان لها اثر في نفوس المغاربة و منهم من سطع نجمهم خارج الإطار المحلي و الإقليمي مرتكزا في ذلك على رصيد ضخم من الإعجاب و التقدير و الثقة الجماهرية،لكن ما نعيشه في الظروف الراهنة يدفعنا الى التساؤل عن زعماء المغرب الحاليين،و هل الازمة التي نعيشها هي ازمة زعماء؟هل المغرب أصيب بعقم على مستوى تخريج و صناعة الزعماء؟ام ان الظروف التي تصنع أولائك الزعماء اصبحت منتفية و لا حاجة ضرورية لهم؟أم إن الأمر يتعلق باستراتيجيه و سيرورة تاريخية اوصلتنا الى ما نحن عليه؟
لا نحاول في هذه المقالة أن نقوم بمقارنة بين زعماء المغرب الحاليين و من سبقوهم لكنها النقطة المفصل التي تفرض نفسها بقوة،ذلك ان تشريح الوضع الذي يعيشه المغرب يلزمنا بالسقوط في منطق المقارنة المقارنة،ليس لأجل المفاضلة بينهما لكن الهدف هو البحث عبر ربط ضعف و تراجع مستوى الزعماء الحاللين بالوضع الحالي الذي يعيشه المغرب على مستوى السياسة و الاقتصاد و الثقافة ... و الوقوف على ظاهرة خطيرة و مهمة في نفس الوقت بالنسبة للسياسة المغربية و هي غياب زعماء حقيقيين قادرين على تحليل الوضع و اتخاذ القرارات المناسبة في الزمن لمناسب و عليه هل الزعماء في المغرب هم روح العالم التي تتقمص الأفراد و أصحاب رسالات تاريخية كما يذهب الى ذلك هيغل؟
التف الشعب المغري حول مجموعة من الزعماء كان لهم وضعهم المتميز في النسيج الاجتماعي و السياسي انطلاقا من الرسالة التي كانوا يحملونها تتمثل في محاربة المستعمر و تحقيق الاستقلال و الحرية و العدالة،و كان بحق هؤلاء الزعماء نموذجا حقيقيا يصعب تكراره في وقتنا الحاضر نظرا لاختلاف الظروف و الملابسات التي صنعتهم.غير ان المثير للانتباه في هذا الباب ان هؤلاء الزعماء بالاضافة الى الرصيد النضالي الذي راكموه دفاعا عن الوطن فقد كانوا شديدي الارتباط بالإبداع الفكري و الأدبي بالرغم من انشغالاتهم الكثيرة و استطاعوا ان يخلفوا وراءهم انتاجات ثمينة و قيمة في شتى المجالات.
إنها النقطة الأولى التي تعري و تفضح الزعيم المغربي الحالي فهو انسان كسول لا ينتج الا الشعارات و لا يحسن سوى لغة التحقير و التشنيع و الضرب تحت الحزام ،فلا يمكنك ان تجد زعيما حزبيا اليوم له ارتباط مباشر بالمجال الفكري و لم اقرا الى حد الساعة كتابا او رواية او مشروع و رؤية في مجال التنظير السياسي لزعيم من هؤلاء،هذا امر خطير جدا يستوجب منا وقفة تاملية سيما ان الواقع المغري يفرض عليهم البحث الجدي عن حلول واقعية للمشاكل التي تعترض الوطن و ما اكثرها.
النقطة الثانية ان زعماء المغرب لا يتمتعون بكاريزما جذابة و مثيرة للجمهور انها شخصيات باهتة لا تثير الا قلة قليلة تكون في اغلبها ماجوين و غير معنية بما يقوله الزعيم المفترض في العمق،او تربطهم به علاقات عائلية تتحكم فيها نزعات قبلية و اغلبهم لا تربطهم بالتنظيم الذي يراسه الزعيم أي مبادئ ايديولوجية او اخلاقية.فالارتباط اصبح يتخذ شكل الاجير بالمشغل يضع لهم ادوارا محددة يقومون بتنفيذها مقابل اجر مادي محدد مسبقا و هذا ما يطرح معضلة تكوين مناضلين حقيقيين .
اذ ان الحزب لم يعد يقوم بالدور المنوط به و هو تاهيل و تكوين كفاءات المستقبل،بقدر ما يعيد انتاج اشخاص اميين لا علاقة لهم بالواقع السياسي للمملكة سوى تحقيق اهداف شخصية عبر البلطجة و الاساليب القدحية و اللاخلاقية.
فالميل الى النزعة السلطوية و التفرد و السيطرة هي همهم الوحيد و الاوحد للزعماء الحاليين.
النقطة الثالثة هي غياب النظرة المستقبلية و الحدس السياسي الثاقب لقراءة الاحداث و التنبؤ على اساسها بالمآل و وضع سياسات و خطط مستقبلية و اعتماد البدائل و سيناريوهات للتعامل مع الاوضاع المستجدة خاصة حالة الطوارئ التي من الممكن ان تؤثر في السير العادي للدولة لمغربية،و هذا راجع كما اسلفنا الى غياب رصيد معرفي و تجربة كافية في دواليب السياسة و إيمان قوي بالمبادئ التي تقوم على المصلحة العامة.فاغلبهم اشخاصا عاديين لا يملكون ادوات علمية و عملية لتشريح الواقع بالتالي هم فئة مفتقرة لمفهوم التنزير و قراءة المستقبل.
النقطة الرابعة الزعيم المغربي الحالي لا يقبل فكرة التداول على الزعامة و لا يتصور إمكانية إسقاطه من تلك لزعامة و إذا ما حدث و وقع خروجه فانه في الغالب ما يتعرض للانهيار و الانكسار و يبدل قصارى جهده في تحطيم التنظيم ككل و شن الحروب تشل قدرة ذلك التنظيم السياسي،فهو الزعيم الأبدي يؤمن بأنه الأوحد في مجاله لا يؤمن بالديمقراطية و التداول على الزعامة همه الوحيد هو الحفاظ على منصبه و الامتيازات التي يخولها له فهو زعيم دكتاتوري فوق الكل و القانون و المؤسسات و لا يقبل سوى الطاعة الشاملة و المطلقة .
النقطة الأخيرة ان الزعيم الحزبي المغربي شخص لا يتحكم في عواطفه و نزعاته الذاتية و الشخصية فه متقلب يفتقد الى الحكمة في تدبير السلطة،مواقفه و آراؤه يطبعها التناقض و التردد و العشوائية لا تستغرب منه التصريح و نقيضه كثير الثرثرة و التسرع في اتخاد القرارات أو الجمود و الغياب شبه التام من على الساحة السياسية بحيث لا نكاد نعرفه ألا في محطات معينة.
ما يهمني شخصيا و يثير انتباهي هو العمر السياسي لزعماء الأحزاب السياسية المغربية أظن ان زعماء استطاعوا أن ينقشوا أسماءهم في ذاكرة الوطن و المواطن و بقوا خالدين في الذاكرة و التاريخ،و آخرين من لم يكتب له العيش في هذه الذاكرة كان و ذهب بعد ان كدر علينا نشوة العيش في هناء.
#عادل_جبران (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟