أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مهدي الحبشي - الجمهورية الالحادية، وطن قومي للكفار.















المزيد.....

الجمهورية الالحادية، وطن قومي للكفار.


مهدي الحبشي

الحوار المتمدن-العدد: 4230 - 2013 / 9 / 29 - 01:32
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أعرف أن الكثير سيكتفون بقراءة العنوان، وعليه سيتبنون موقفاً عاماً من المقال. وأعلم أن ثلة من القراء الأفاضل لهم مدافع مجهزة ومصوبة سلفاً، لقصف أي كلام يبتدئ بما قد يثير حفيظتهم، و "يزعزع" عقيدة الإقصاء والرأي الواحد التي يؤمنون بها... كنت أعلم أن الأمر قد يتسبب في الإساءة إلى اسمي وتشويه سمعتي، وأنا في بدايات مشواري الصحفي، عندما تجرأت على كتابة هذه الحروف، وأن الكثيرين قد صنفوني في خانة "الكفر"، حتى قبل قراءة المقال، ولكنني مع ذلك تجرأت... لأن الوضع، لم يعد يسمح لمن يملك شيئاً من عقل وقليلاً من ضمير أن يلزم الصمت، قررت أن أكتب وأنشر، بغض النظر عن ما قد يترتب عن ذلك من سوء فهم بيني وبين أكثر القراء.

الجمهورية الإلحادية، دولة تقع في قلب بحر الظلمات، حدودها غير مرسومة، اقتصادها منحط وهش، لا مكان فيها لما يسمى "حقوق الإنسان"، الحاكم لا ينتخب ديمقراطياً، بل يعينه مجلس مكون من كبار الارستقراطيين في البلاد. إنها وطن قومي للـ"ملحدين"، وعاصمتها "الحادأباد"... و هذا مقتطف من دستورها : هوية الدولة هي الهوية الإلحادية، والإلحاد معتقد الدولة الرسمي، حاكم البلاد هو "أمير المشركين"، و حامي حمى الملة و "اللادين". الدولة في دستورها تضمن لكل المواطنين "حرية ممارسة شعائرهم الدينية"، لكن سلطاتها الأمنية اعتقلت قبل أيامٍ مواطناً يقال أنه اعتنق الإسلام، وتابعته بتهمة "زعزعة عقيدة ملحد"، وحكمت عليه بالسجن مدى الحياة. كما فككت في شهر رمضان الماضي، بقوة "الزرواطة" مظاهرة أقليات مسلمة، بعد أن طالبوا بمنحهم الحق في "صيام رمضان"، وذلك اثر اعتقال السلطات لشاب أبى أن يغادر مقر عمله أثناء فترة الغذاء، مما أثار الشكوك حول "ارتداده عن ملة الإلحاد" واعتناقه دين الإسلام... كانت هيئات مدنية وخاصة ما يعرف هناك بـ"هيئة الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف" قد طالبت بإدانته وتطبيق "حد الإيمان" في حقه، وهو القتل، عملاً بمقولة أحد كبار الشخصيات الإلحادية في التاريخ :"من آمن بوجود اله فاقتلوه"، لحسن حظه أن الدولة تدعي الحداثة أمام الأمم المتحدة، وتلتزم بشيء منها، ولذلك كان عقابه فقط بضعة شهور سجناً.
يؤمن الملحدون بضرورة احترام مبادئ "الرفق بالحيوان"، ولذلك فان الدولة تجرم كل من يفكر في ذبح أضحية خلال عيد الأضحى... بعيداً عن جهاز الدولة، المواطنون في هذه البلاد أكثر تطرفاً من دولتهم، فقد تلقى أحد المفكرين المنتمين إلى هذه الدولة عدداً من التهديدات بتطبيق "شريعة الطبيعة" في حقه، وهي أن يقتل، والسبب أن هذا المفكر سبق ونشر مقالا يشكك في "نظرية التطور" لتشارلز داروين، وقال أن هذه النظرية خاطئة مقدماً أدلة واقعية و تحليلا أكاديمياً، يفيد بكون الصواب هو أن "الله" قد خلق الإنسان، وأن هذا الأخير لم يكن قرداً من قبل. قبل بضع سنوات، قام أحد رسامي الكاريكاتير في إحدى الدول العربية برسم كاريكاتير مسيء لـ"كارل ماركس"، فقامت القيامة بين أفراد المجتمع، ونظموا مظاهرات حاشدة تخللتها شعارات من قبيل : " بأبي وأمي يا كارل ماركس"، و شهدت أعمال تخريبية للمنشآت و البنيات التحتية، كما دعا نشطاء إلى مقاطعة منتجات تلك الدولة.
الأحزاب الليبرالية لا تحظى بشعبية واسعة هنا، فالمواطنون يعتبرونها أحزاباً "مؤمنة"، وتهدف إلى إرساء قواعد "العلمانية"، والعلمانية في نظرهم، فسق وفجور لأنها تدعو لفصل الدين عن السياسة، و منح حرية المعتقد، وهو الأمر الذي تعارضه بشدة جماعة "الإخوان الملحدين"، وخاصة الشيوخ "الداروينيون" و"النيتشيون" بدعوى أن 90 % من المواطنين هم ملحدون، و على بقية الأطياف الدينية أن تتقبل وضعها المزري باعتبارها أقلية، وأن لا تعبر أبداً عن آراءها، فأفراد هذه الأقليات ليسو أكثر من "مواطنين من الدرجة الثانية"، بل يذهب بعض هؤلاء الشيوخ، والذين لهم صيت واسع في أوساط المجتمع، إلى ضرورة فرض غرامة مالية على كل من يؤمن بالله. المثقفون في هذه الدولة مقتنعون أن القرآن أكثر الدساتير عدلاً، وأن شكل تنظيم الدولة الإسلامية هو المناسب للتقدم والتحضر، مستندين في ذلك على ازدهار الدول الإسلامية وتقدمها في كل مناحي الحياة، لكن السواد الأعظم من المواطنين وأغلبهم لا يملكون "شهادة الباكالوريا" ولم يطالعوا في حياتهم كتاباً واحداً، عدى كتاب "وهم الإله" لريتشارد دوكينز، وأغلبهم لم يفهمه جيداً، ويكتفي بقراءته بنبرة موسيقية، معتقداً أن ذلك كافٍ لجعله ينال رضي المعلم ريتشارد. هؤلاء يعارضون فكرة الاحتكام لبعض القوانين الإسلامية، نظراً لكون مصدرها هو "الشرق الإسلامي الكافر"، أي نعم، الكافر بفكرة أن "الله قد مات" التي كتبها نيتشه قبل عدة قرون في كتابه "هكذا تكلم زرادشت"، والتي يكفي أن يرفضها شخص ما ليكون مكروهاً ومنبوذاً من طرف مجتمع الدولة الإلحادية.
يمنع القانون في هذه الدولة أن تقوم النساء الملحدات بالزواج من رجال "متدينين" لأن ذلك لم يرد في صحيحي "انجلز" و "لينين". طبعاً كما أسلفنا الذكر، اقتصاد الدولة منهار، وشريحة هامة من المجتمع تتخبط في الفقر والجهل، ومعظم المواطنين يحلمون بالهجرة إلى أوروبا العلمانية أو المشرق الإسلامي ليعيشوا شيئاً من إنسانيتهم المفقودة في وطنهم، ولكنهم مع ذلك يكرهون أفكار الغرب العلماني والشرق الإسلامي لأنها تسعى "لزعزعة ثوابت الأمة"... رعايا هذه الدولة يكرهون كل من ليس ملحداً، من مسلمين و يهود ومسيحيين، بل الأكثر من ذلك أنهم يكرهون بعضهم البعض، فالـ"الداوكينزيون" يرون أن أتباع المذهب "الدارويني" من النواصب، كما يسمي الداروينيون اخوتهم في العقيدة الالحادية "الداوكينزيين" بـ"الروافض"، و "يؤمنونهم"، أي يقولون أنهم ليسو ملحدين، بل مؤمنين يمارسون التقية. وقبل أن نختم نشرة أخبار دولة الإلحاد العظمى، نأتي إلى الخبر الأهم : مجموعات متطرفة تنتمي لتنظيم إرهابي ملحد، تعتقد أن الدولة رغم كل هذه المصائب "دولة مؤمنة"،،، و السبب في ذلك أنها لم تقم بإعدام كل من يعتقد بوجود خالق للكون، و قامت هذه المجموعة المسلحة باعتقال بعض السياح العرب وذبحهم بعد أن عجزوا عن الإجابة عن سؤال "ما اسم زوجة كارل ماركس عليه السلام ؟"...

نكتة كئيبة أليس كذلك ؟ صحيح أن كل ما كتب هنا ليس أكثر من خرافة، ولا وجود لدولة كهذه، ولن توجد أبداً، لكنني متأكد أن كل عاقل قرأ المقال، مسلماً كان أو مسيحيا أو يهوديا، قد تنفس الصعداء، أن دولة كهذه بريئة من الوجود، بل قد يسجد بعضكم شاكراً الله أنه لا ينتمي إليها خوفاً على دينه... سؤالي لمن قرأ، تخيل لو أنك مواطن في دولة كهذه، تؤمن بدينها وتعتنق معتقداتها، لكنك ذات صباح جميل أحسست بأمر أخذ يغير قناعاتك... لقد هداك الله إلى دين الإسلام، واقتنعت أنه دين حق، لكنك من عائلة فقيرة عاجزة عن تسديد متطلبات مغادرتك للبلاد، فماذا تفعل؟ أنت متحمس جداً لدينك الجديد، وتريد إخبار كل من حولك به، تريد أن تصوم وتصلي و تذبح الأضحية و تذهب للحج... لكن، ويال الأسف، دولتك تمنعك من فعل كا ذلك، حاول أن تضع نفسك في هذا الموقف المقرف ... أعلم أن أغلبكم بانتهاء المقال قد أخذ يضرب كفاً بكف، ويتحسر على هذه البلادة التي ضيع عشراً من دقائق عمره وهو يقرأها، لكن الكثيرين من أولي الألباب قد فهموا القصد، واستنتجوا المغزى... صحيح، انها محاولة لإيقاظ ضمائر وعقول نائمة، العلمانية ليست كفراً ولا إلحادا، العلمانية تحمي المؤمن من تطرف الملحدين من حوله، وتحمي الملحد من تطرف المؤمنين المحيطين به، العلمانية تضمن لك عدم تغير حقوقك، مهما تغيرت قناعاتك الدينية، ومهما تغير المكان الذي تعيش فيه.



#مهدي_الحبشي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -القشة- التي حطمت أصفاد المخزن.
- أزمة التعليم المغربي و ضلع الوافا غير المشترك
- حكومة بنكيران ... بين مطرقة الفشل و سندان المؤامرة.
- 5 فوارق بين المسلم و - الإسلامي -
- مصيبة اسمها : الجهل.
- هل صحيح ان الديموقراطية هي الحل ؟
- نقد اليسار المغربي من الداخل


المزيد.....




- الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قيادي كبير في -الجماعة الإسلامي ...
- صابرين الروح جودة.. وفاة الطفلة المعجزة بعد 4 أيام من ولادته ...
- سفير إيران بأنقرة يلتقي مدير عام مركز أبحاث اقتصاد واجتماع ا ...
- بالفصح اليهودي.. المستوطنون يستبيحون الينابيع والمواقع الأثر ...
- صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها ...
- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مهدي الحبشي - الجمهورية الالحادية، وطن قومي للكفار.